يا وريث المجد: كفكف دمعك وارفع رأسك
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
يا وريث المجد: كفكف دمعك وارفع رأسك
#الشيخ_كمال_الخطيب
الكلمات الاهتزازية
من روائع #بلاغة #القرآن_الكريم كما يقول الدكتور حسان شمسي باشا، وجود كلمات اصطلح العلماء على تسميتها بـ ” #الألفاظ_الاهتزازية ” وهي ألفاظ وكلمات تشعرك بشدتها وقوتها من خلال تكرار حرفين متتاليين في كلمة واحدة أو تكرار كلمة واحدة مرتين متتاليتين في جملة واحدة، لتدلل بذلك التكرار على أحداث في غاية الأهمية.
فعندما تهتز الأرض وتميد من تحت أقدام العباد يحدث ذلك الأمر المهول وغير العادي المعروف بالزلزال، يقول سبحانه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} آية 1 سورة الزلزلة. إنه تكرار لحرفين متتابعين “زل زل”، وهل هناك أمر مخيف ومرعب أكثر من الزلزال فكيف بزلزلة يوم القيامة؟!
وعندما يغضب الله تعالى الحليم الرحيم، ولا يغضب إلا لأمر عظيم كما غضب على قوم صالح الذين عصوا أمر ربهم وعقروا الناقة فقد قال سبحانه: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} آية 14 سورة الشمس.
وعندما يقبع إنسان في السجن ظلمًا لسنوات طويلة بسبب افتراء عليه ثم تظهر الحقيقة تأتي لفظة وكلمة “حصحص”، {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} آية 51 سورة يوسف. حصحص الحق بهذا الاهتزاز والتكرار والتأكيد “حص حص” في دلالة على ظهور الحق ولو بعد سنين، ظهورًا جليًا واضحًا لا لبس فيه بنفي التهمة عن يوسف عليه السلام وأنه أطهر من الطهر وأشرف من الشرف.
وعندما يتحدث القرآن عن عتمة الليل وظلمته وسواده، فيستعمل القرآن الكريم لفظًا اهتزازيًا {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} آية 17 سورة التكوير، أي إذا اشتد ظلامه، لكنه القرآن بعد هذا الوصف لعتمة الليل الذي يهزك هزًا “عسعس” فإنه يُدخل على نفسك الطمأنينة أن بعد الليل صبحًا وفجرًا ونورًا وضياءً {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} آية 18 سورة التكوير.
وعندما يتحدث القرآن عن حدث تقشعر له الأبدان يوم القيامة، فإن #القرآن يستعمل كلمة يكررها مرتين لتهزك هزًا وتوقظ فيك كل عضو وكل جارحة من جوارحك، فتعمل من أجل اتقاء هول ذلك اليوم {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا*وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} آية 21-22 سورة الفجر.
وحينما يتحدث القرآن الكريم عن الكرب والبلاء والمحنة في حياة المسلم كما كانت في حياة أحب الخلق إليه سبحانه، إنه رسول الله ﷺ، فقد استخدم القرآن كلمة العسر وكررها مرتين {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} آية 5-6 سورة الشرح. فبعد هذا الاهتزاز والحديث عن الكرب والعسر فإنه الحديث عن اليسر والفرج، وقد قال ﷺ: “ولا يغلب عسر يسرين”. وما أجمل ما قال الشاعر:
يا عباد الله صبرًا إن توالت الكروب
كلما اشتد كرب تنجلي عنك الخطوب
إن في القرآن آية هـي طب للقلوب
إن مع العسر يسرًا قال علام الغيوب
أتحدى أن هناك من يستطيع
إنهم أولئك المغرورون الذين يصل بهم الحقد على هذا الدين أن تسرح خيالاتهم وأوهامهم، أنهم عبر إمكاناتهم وقوتهم وجبروتهم، أن باستطاعتهم القضاء على هذا الدين وطمسه وتغييبه، قال الله سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} آية 216 سورة البقرة.
إن ما يجب أن يطمئن إليه المسلم أن هذا لن يكون، وأنهم لن يستطيعوا، وأنهم أوهن وأضعف وأسخف من أن ينالوا من هذا الدين، وإننا نتحداهم في ذلك.
إنني أتحدى أن هناك من يستطيع ردّ مشيئة الله بالتمكين للمسلمين والمؤمنين في الأرض، قال سبحانه: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ..} آية 5-6 سورة القصص.
وإنني أتحدى أن هناك من يستطيع أن يُطفئ نور الله، قال سبحانه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} آية 8 سورة الصف.
وإنني أتحدى من يستطيع أن يكذب الوعد الإلهي بأنه لن يتحقق ولن ينفذ الله وعده بأن يمكّن لهذا الدين، وكيف يستطيع أحد من البشر أن يفعل ذلك وربنا الذي وعد وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} آية 55 سورة النور.
وإنني أتحدى أولئك الصعاليك والأقزام والصبيان الذين يتطاولون على هذا الدين ويزعمون أنهم سيقضون على دعوته ورسالته، إنهم أولئك الذين يخيل إليهم أنهم فراعنة وأكاسرة وقياصرة هذا الزمان وهم ليسوا إلا مجرد صعاليق وأقزام ضحك لهم الزمان ببعض قوة حازوها فظنوا أنهم ربّ هذا الكون والمتصرف فيه ولا يكون فيه إلا ما يريدون.
فأبشروا يا من استضعفتم في الأرض ويا من تكالب عليكم الأعداء وخذلكم الأشقاء، وما ذنبكم إلا أنكم أردتم أن ترفعوا راية الله في الأرض، وأن تجعلوا كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. أبشروا فوالله سيجعلكم الله أئمة وقادة هذه الدنيا وسادتها، وسيمكن الله لكم في الأرض، فهذا وعد الله {وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} آية 47 سورة الحج. وهذه كلمة الله النافذة {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ*وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 171-173 سورة الصافات .
كفكف دمعك وارفع رأسك
بينما كان رجل يتألم ويبكي على ما حلّ بشعبنا وأمتنا وما أصاب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وما يواجهه الإسلام من كيد من أعدائه ومن خذلان وإدارة ظهر من أبنائه، فرآه صديق له على هذه الحال فقال له:
علام النحيب والبكاء؟ فقال على الدين. فأجابه الصديق: لا تحزن على الدين ولا تبكِ عليه لأن الله ناصره ومؤيده، ألم تسمع قول الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} آية 21 سورة المجادلة.
قال الرجل الموجوع: أبكي على المسلمين المقتولين ظلمًا وغدرًا في غزة وفي لبنان وفي سوريا والسودان وفي اليمن وفي الهند. قال الصديق: وكيف تبكي عليهم وهم الشهداء عند ربهم يرزقون؟ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آية 169 سورة آل عمران.
قال الرجل المكلوم: أبكي على الجرحى والمكلومين والمسجونين والمشرّدين. قال الصديق: وكيف تبكي عليهم ورسول الله ﷺ قد بشّرهم لما قال: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه”.
قال الرجل الحزين: أبكي على الأرامل والأيتام. قال له الصديق: وكيف تبكي عليهم والله سبحانه هو الذي يتولاهم وقد قال: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} آية 196 سورة الأعراف.
قال الرجل المفجوع: أبكي على من فقد أبناءه ومن فقد زوجته ومن فقد أحبابه.
أبكي على 920 عائلة من أهلنا وأبناء شعبنا في غزة خلال سنة واحدة قد مسحت وأبيدت وقتلت ولم يبقَ منهم أحد، الزوج والزوجة وكل الأبناء والبنات.
أبكي على 1364 عائلة من أهلنا وأبناء شعبنا في غزة خلال سنة واحدة قد أبيدت ولم يبق منهم سوى فرد واحد.
أبكي على 3472 عائلة من أهلنا وأبناء شعبنا في غزة خلال سنة واحدة قد أبيدت ولم يبق منهم سوى فردين اثنين.
قال له الصديق: وكيف تبكي عليهم وربنا عز وجل قد أجزل لهم الثواب والأجر على صبرهم على هذا الفقدان، وهو الذي قال سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} آية 10 سورة الزمر؟
قال الرجل المهموم: أبكي لتمكن أهل الباطل من أهل الحق وبطشهم بهم وإذلالهم وترويعهم. فأجابه الصديق: وكيف تبكي عليهم ألم تسمع قول الله تعالى يقول: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ*مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} 196-197 سورة آل عمران،
ثم تابع الصديق قائلًا: كفكف دموعك وثق بموعود ربك سبحانه، وكن مطمئنًا واثقًا بقول الله ووعده {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} آية 21 سورة يوسف.
فيا وريث المجد، ارفع رأسك فأنت مسلم، ولا تبك وكفكف دمعك. إنها كلمة اهتزازية “كف كف” في دلالة على ضرورة التماسك النفسي والمعنوي أمام صلف الظلمة الطواغيت، فإننا في زمان ومرحلة ما أكثر المؤشرات فيها أننا على خير وإلى خير، فلا دموع ولا أحزان، وإنما هي ابتسامات وإشراقات وأفراح وفرج قريب سيكون بإذن الله تعالى.
يا أيها المسلم ما هذا القلق أوليس ربك قد تكفّل ما خلق؟
أوليس بعد العسر يسر مثلما بعد الليالي دائمًا يأتي الفلق؟
لا عزاء للمحبطين والمتشائمين واليائسين.
كفكف دمعك وارفع رأسك فأنت مسلم.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الشيخ كمال الخطيب بلاغة القرآن الكريم القرآن الله تعالى قال سبحانه قال الرجل من یستطیع هذا الدین أبکی على فی الأرض ا فی غزة على هذا ال أ ر ض
إقرأ أيضاً:
القوات المسلحة: معركة الكرامة يوم خالد في سِفر المجد والبطولة
#سواليف
في ذكرى #معركة_الكرامة الخالدة يتجدد الموعد مع #التضحية و #الصمود، لنتفيأ ظلال المجد و #البطولة و #الكبرياء في #معركة_ضارية خاضها فرسان أشدّاء، امتطوا خيولهم، وامتشقوا سيوفهم التي ما سُلّت إلا بالحق وللحق، ومضوا بأنفة وشموخ في مواجهة مع #الجيش_الاسرائيلي محطمين أسطورة الجيش الذي لا يقهر، فكانت الهمم فوق القمم، عاقدة العزم على الانتصار على الجيش الاسرائيلي الذي عاد يجرّ وراءه أذيال الخيبة والخسارة والهلاك.
في هذا اليوم الأشمّ تسلّح نشامى #الجيش_العربي بالإيمان والعزيمة الصادقة، بعد أن أدّوا فرضهم وتوكلوا على ربهم، ليلبّوا نداء الحق والواجب في الدفاع عن تراب أرضهم الطهور، فزرعوا في أرض الكرامة عزاً وفخراً، وزيتوناً ونخلاً، ودحنوناً وزعتر، بدمائهم الطاهرة الزكية، وبأرواحهم النديّة، فخُضّبت الأرض بنقش أياديهم الطيبة المباركة، ورسموا بها لوحة مجد وخلود، فكان النصر بعد الصبر، يعلو هامات الأحرار، ويزين جباههم التي سجدت لربها وجادت بأرواحها، ليظل الوطن حراً عزيزاً.
ففي فجر يوم 21 من آذار الخير عام 1968، هبّت نسائم الفجر الصادق، ناشرة رياحينها على رحاب الكرامة، وسار الأبطال في مواكب عانقت الكواكب، وانطلقوا ينقضّون على تلك الفئة الباغية التي حاولت تدنيس الأرض الطاهرة، إلا أن الأسود كانت لهم بالمرصاد، تزأر فوق التلال والهضاب، وسجّلت قواتنا المسلحة نصرًا محققًا عانق الغمام، وظل ماثلاً أمام العيان؛ ليشهد على التضحيات الجسام التي سطرتها في مجابهة الجيش الإسرائيلي الغاشم، وليبقى أثرًا لا يمّحي، وعلامة دالّة على حكمة وشجاعة قائدها المغوار المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال، وبسالة جنودها الأبطال الصابرين الصامدين، فكانت العزائم قوية صلبة تدك البغي وتمحو الظلام.
مقالات ذات صلةأراد الجيش الإسرائيلي المتغطرس من هذه المعركة تحطيم القدرات العسكرية والروح المعنوية للقوات الأردنية الباسلة التي قلبت الموازين، التي عملت على إعادة التنظيم وبسرعة فائقة، واحتلت مواقع دفاعية جديدة على الضفة الشرقية لنهر الأردن، لتبقى روح القتال والتصميم في أعلى درجاتها، حيث بقيت قواتنا ثابتة بحيويتها ونشاطها وتصميمها على الكفاح من أجل إزالة آثار العدوان.
قاومت قواتنا المسلحة الأبيّة ذلك الهوس الإسرائيلي وتلك الأماني الهشّة، حيث كان يعتقد أنها نزهة يقضونها في رحاب عمان والسلط، إلا أن رجال الأردن الأشمّاء كانوا كجبالها الشاهقة وتلالها الرابضة، وكانت تلك الوقفة المشرّفة من نشامى جيشنا العربي، كلطمة قاسية في وجه المعتدين، وغدت سجلاً زاهياً بالانتصار دُوّن في بطون الكتب، وجذورًا ضاربة في أعماق التاريخ.
كان الهجوم الإسرائيلي قد خُطط على أكثر من مقترب، وهذا يؤكد مدى الحاجة لهذه المقتربات لاستيعاب القوات المهاجمة، وبشكل يسمح بإيصال أكبر حجم من تلك القوات وعلى اختلاف أنواعها وتسليحها وطبيعتها إلى الضفة الشرقية، لإحداث خرق ناجح في أكثر من اتجاه يتم البناء عليه لاحقًا ودعمه للوصول إلى الهدف النهائي، وكانت الغاية من اتساع جبهة المعركة وتعدد المقتربات، تشتيت الجهد الدفاعي لمواقع الجيش العربي وتضليلها عن الهجوم الرئيس، وهذا يؤكد أن القوات المتواجدة في المواقع الدفاعية كانت قوات منظمة أقامت دفاعها على سلسلة من الخطوط الدفاعية، بدءًا من النهر وحتى عمق المنطقة الدفاعية، الأمر الذي جعل اختراقها صعبا أمام المهاجم كما كان يتصور، لا سيما وأن المعركة جاءت مباشرة بعد حرب العام 1967.
لقد لعبت المدفعية والدروع دورًا كبيرًا في معركة الكرامة، وعلى طول الجبهة خاصة في السيطرة على جسور العبور، ما منع الجيش الإسرائيلي من دفع أي قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه، وذلك نظراً لعدم قدرته على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة، وقد أدى ذلك إلى فقدان القوات الإسرائيلية المهاجمة لعنصر المفاجأة، وساهم بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم، وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر وبشكل سهّل التعامل معها واستيعابها وتدميرها.
وقد استمر دور سلاح المدفعية والدروع وجميع الأسلحة المشاركة وعناصر المشاة بشكل حاسم طيلة المعركة من خلال حرمان الإسرائيليين من محاولة إعادة البناء على الجسور القديمة، وحتى نهاية المعركة، ما يؤكد أن معركة الكرامة خاضها الجيش العربي وهو واثق من نفسه، وأن الجهد الذي بُذل خلالها ما كان جهداً ارتجالياً، بل كان جهداً دفاعياً شرساً ومخططاً، بالتركيز على أهم نقاط التقتيل للقوات المهاجمة لكسر حدة زخمها وإبطاء سرعة هجومها.
بدأ الجيش العربي قتاله في معركة الكرامة منذ اندلاع شرارتها الأولى وتقدم القوات المهاجمة، وكان الأمر مباشرة بفتح النار لتدمير حشود العدو، لذلك كسب جيشنا العربي مفاجأة النار عند بدء الهجوم على القوات الإسرائيلية، ولو تأخر في ذلك لأتاح للقوات المهاجمة الوصول إلى أهدافها بالنظر إلى قصر مقتربات الهجوم، في ظل حجم القوات التي تم دفعها وطبيعتها، وسرعة وزخم هجومها، بالإضافة إلى سهولة الحركة فوق الجسور القائمة.
لقد استطاعت القوات المسلحة الأردنية خاصة سلاح المدفعية، حرمان القوات الإسرائيلية من حرية العبور حسب المقتربات المخصصة لها، ودليل ذلك أن القوات الإسرائيلية التي تكاملت شرقي النهر كانت بحجم فرقة وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم، وبعدها لم تتمكن القوات المهاجمة من زجّ أي قوات جديدة شرقي النهر، بالرغم من محاولتهم المستميتة للبناء على الجسور التي دمرت، ومحاولة بناء جسور حديدية لإدامة زخم الهجوم والمحافظة على زمام المبادرة، ما أربك المهاجمين وزاد من حيرتهم خاصة في ظل شراسة المواقع الدفاعية ومقاومتها الشديدة.
اضُطرت إسرائيل لشدة القصف المدفعي وصلابته إلى طلب وقف إطلاق النار، وهذا دليل كبير على أن القوات التي واجهتهم في المواقع الدفاعية كانت بحجم التحدي، وكانت المعركة بالنسبة لقواتنا المسلحة معركة وجود ومعركة حياة أو موت على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي فقد أصرّ الأردن على لسان جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين طيب الله ثراه على عدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جندياً إسرائيلياً واحداً شرقي النهر، ما يثبت وبدون أدنى شك أن معركة الكرامة كانت معركة الجيش العربي منذ اللحظة الأولى، حيث كانت قيادته العليا تديرها وتتابع مجرياتها لحظة بلحظة، وأن عدم قبول جلالة الملك قرار وقف إطلاق النار الذي طلبه الإسرائيليون بعد 6 ساعات من بدء المعركة دليلٌ على امتلاك ناصية الأمر والسيطرة على المعركة والتحكم بمجرياتها.
مع انتهاء أحداث المعركة كان العدو قد فشل تمامًا في عملياته العسكرية، دون أن يحقق أيًّا من الأهداف التي شرع بهذه العمليات من أجلها وعلى جميع المقتربات والمحاور، فتحطمت الأهداف المرجوة من وراء المعركة أمام صخرة الصمود الأردني، ليثبت للعدو من جديد بأنه قادر على مواصلة المعركة تلو الأخرى، وعلى تحطيم محاولات العدو المستمرة للنيل من الأردن وصموده، وأثبت الجندي الأردني أن روح القتال لديه نابعة من التصميم على خوض معارك البطولة والشرف والإقدام والتضحية.
جسّدت معركة الكرامة أهمية الإرادة لدى الجندي الأردني، والتي كانت متقنة وذات كفاءة عالية، وأسهمت بشكل فعال في حسم المعركة، وأبرزت أهمية الإعداد المعنوي حيث كان هذا الإعداد على أكمل وجه، فمعنويات الجيش العربي كانت مرتفعة، حيث ترقبوا يوم الثأر والانتقام وانتظروا ساعة الصفر بفارغ الصبر للرد على الظلم والاستبداد، كما أبرزت حسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي، مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات، إذ لم ينجح الجيش الاسرائيلي بتحقيق عنصر المفاجأة؛ نظرًا لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية التي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص، حيث تمحص وتحلل النتائج، فتنبأت بخبر العدوان من قبل إسرائيل، ما أعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها.
لم تغب شمس 21 من آذار إلا وهي تبشر بالنصر، وتزف إلى السماء الشهداء الأبرار، وبين الخندق والخندق حكايات صبر وثبات، وبين تلال الكرامة وهضابها وسهولها نسمع صوت المقاتلين يُهدرون بالتكبير، ويُقبلون على الشهادة بفرح ونشوة، ومع كل قذيفة ورصاصة تنطلق الأهازيج، ومن فوق الدبابات وتحت جنازيرها تأتي أخبار النصر المؤزر، ويُخلّد الشهداء أسماءهم على ثرى الكرامة الطاهر، فسلام على قائد الكرامة وصانع انتصارها، وسلام على الشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية أرض الكرامة.