أحمد الطهراوي.. جدٌ يُستشهد وأحفاده يُجبرون على دفن أحلامهم تحت ركام الاحتلال
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
في ظلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، خرجت قصة إنسانية مؤلمة تتعلق بأحمد الطهراوي، الرجل الذي عاش طيلة 101 عامًا، ليصبح أكبر الشهداء سنًا في هذه الحرب، واستشهد الطهراوي، الذي عاش فصولًا من المعاناة والفقد، بعد قصف عنيف استهدف منزله في 27 أكتوبر 2023، لتكون النهاية المحزنة له في أحد مستشفيات القطاع بعد أسبوع من المعاناة.
وُلد أحمد الطهراوي في عام 1922 في قرية المسمية، تلك القرية التي خسرها بعد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948، حيث شهد أولى فصول النكبة عندما هُجّر مع عائلته إلى مخيم البريج في غزة، ولم يحمل الطهراوي معه سوى مفتاح منزله، الذي لم يستطع العودة إليه أبدًا. ومع كل التحديات، أسس عائلة كبيرة تمتد عبر الأجيال، ليُصبح والدًا وجدًا يروي حكاياته لأحفاده، ويعيش ليشهد أحفاد أحفاده.
قصف متواصل وفقدان الأحبةمع تصاعد العدوان على غزة، انتقل الطهراوي للعيش مع ابنته، آملًا في العثور على مأوى آمن في منزل ذو سقف خرساني، لكن سرعان ما تعرضت الأسرة، التي هُجّرت ست مرات، للقصف، وخلال الغارة، استشهد 12 فردًا من أسرته، وأُصيب الطهراوي نفسه بنزيف داخلي. على الرغم من أنه لم يكن ينتمي لأي منظمة مسلحة، إلا أن الاحتلال لم يرحم ذلك الرجل المسن، الذي لم يعد لديه القدرة على إيذاء أحد.
الحزن والفقديصف حفيده عبد الرحمن مشاعره بعد فقدانه لجده، قائلًا: "شعرت بحزن شديد وفراغ هائل، كنت المفضل عنده. سأشتاق إليه وإلى قصصه ومغامراته"، وتعكس كلمات عبد الرحمن الحزن العميق الذي يعيشه الجيل الجديد من الفلسطينيين، الذين لا يعرفون سوى الفقد والحنين.
كان لأحمد الطهراوي 126 من الأولاد والأحفاد الأحياء عند بداية الحرب، لكن مع انقضاء العام الأول، نجى 90 منهم فقط، ويشهد هذا الفقدان الكبير على الفاجعة التي يعيشها الفلسطينيون، الذين يخسرون أحبائهم في كل لحظة.
تراث من الحب والصمودعلى الرغم من كل الأوجاع، ترك الطهراوي وراءه إرثًا عائليًا مليئًا بالحب والمثابرة، ورغم استشهاده، ستبقى قصصه ورحلاته تُروى للأجيال القادمة، ليُصبح رمزًا للصمود في وجه الاحتلال، وتتجلى قصته في معاناة الفلسطينيين، الذين يعيشون تحت وطأة الحرب والتهجير، وتُعبر عن الإنسانية التي لا تنطفئ أبدًا.
في كل زاوية من زوايا غزة، يبكي أحفاد أحمد الطهراوي وأبناء أحفاده، ليس فقط على فقدان رجل عظيم عاش طيلة قرن من الزمان، بل أيضًا على الأمل الذي يُختطف منهم في كل مرة يُفجع فيها الوطن، كما تعكس هذه القصة الإنسانية العمق الإنساني للفلسطينيين، الذين لا يزالون يصرخون بأصواتهم المليئة بالألم، ولكن الأمل لا يزال حاضرًا في قلوبهم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: غزة شهداء الاحتلال أحفاد معاناة قصف النكبة الألم الأمل الانسانية الحرب ذكريات العائلة الصمود التاريخ
إقرأ أيضاً:
مدير عام الطب الشرعي بغزة: الاحتلال يطمس أدلة تثبت ارتكابه جرائم حرب
غزة- تنشغل مشرحة مجمع الشفاء الطبي هذه الأيام بمعاينة جثث الشهداء الذين اضطر ذووهم لدفنهم خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة داخل باحات المستشفيات وفي أماكن عامة، وذلك تمهيدا لنقلهم إلى المقابر المخصصة لدفن الموتى.
ويتولى الطب الشرعي مهمة استخراج جثث الشهداء والتأكد من هويات أصحابها، وتدوين كل الملاحظات الخاصة بطبيعة الإصابات التي أدت لوفاتهم في إطار استكمال توثيق ملفات الشهداء.
الجزيرة نت أجرت حوارا مع المدير العام للطب الشرعي والمعمل الجنائي في غزة خليل حمادة الذي تحدث عن ظروف العمل الصعبة التي تسببت فيها الحرب الإسرائيلية، وأثر منع قوات الاحتلال إدخال المعدات اللازمة على استكمال مهامهم.
كما رافقت الجزيرة نت المسؤول الطبي حين إتمامه تقرير وفاة مسن فلسطيني فارق الحياة على الفور بعد سماعه نبأ استشهاد أبنائه وأطفالهم عقب تدمير طائرات الاحتلال الحربية منزل العائلة فوق رؤوسهم.
وقال حمادة "هذه الحالة واحدة من مئات جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة".
مع انطلاق شرارة الحرب على غزة تكدست عشرات الجثث داخل المشرحة المخصصة لمعاينة الشهداء وتوثيق طبيعة الأسلحة التي اخترقت أجسادهم وما نجم عنها من تهشيم وكسور، وحتى تحول بعضهم إلى أشلاء بسبب تعرضهم للصواريخ بشكل مباشر.
إعلانويركز الأطباء الشرعيون عملهم خلال الحروب على المعاينة الظاهرية للجثث وتوثيقها بالصور التي تكشف الآثار التي تركتها الأسلحة الإسرائيلية على أجساد الضحايا سواء تعرضهم لشظايا صواريخ أو قذيفة دبابة أو طلقات نارية، أو أصابتهم صواريخ الطائرات الحربية بشكل مباشر، مع تدوين جميع المعلومات المتاحة عن هؤلاء الشهداء بما فيها الملابس التي يرتدونها والعلامات المميزة على أجسادهم.
ويقول حمادة إن الأطباء الشرعيين تعرضوا لضغط هائل الأيام الأولى للحرب على غزة، وبقوا على رأس عملهم حتى اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حينها خرجت المشرحة عن الخدمة قسرا.
وأوضح المدير العام للطب الشرعي أن جنود الاحتلال تعمدوا نثر ملفات معاينة الشهداء في ساحات المستشفى، وتدمير معدات العمل الخاصة بتشريح الجثث، مما زاد من صعوبة عمل الطواقم المختصة بعد انسحاب الآليات التي اقتحمت مجمع الشفاء الطبي مرتين خلال الحرب على غزة.
ويؤكد المسؤول الطبي أن جيش الاحتلال يريد طمس كل الوثائق والأدلة التي تثبت جرائم الحرب التي ارتكبها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، كما اشتكى من ضعف الإمكانات المخصصة للعمل بسبب تدميرها ومنع ادخال المواد اللازمة لفحص الحمض النووي "دي إن إيه" (DNA) رغم أهميته في التعرف على جثث الشهداء مجهولي الهوية.
ولفت حمادة إلى أن الاحتلال دمر المستلزمات الأساسية لعمل الطب الشرعي من مناشير كهربائية وأجهزة الأشعة، ويمنع إدخال أجهزة فحص السموم.
وأضاف "نعاني من نقص كبير في الكادر البشري، حيث لا يوجد سوى 3 أطباء مختصين فقط في جميع محافظات قطاع غزة، مما زاد الأعباء الملقاة على الطب الشرعي".
وبرز ملف الشهداء مجهولي الهوية خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة بشكل لافت، وشكل تحديا للطواقم المختصة التي اتخذت إجراءات يمكن أن تدل عليهم في وقت لاحق، كما يقول مدير عام الطب الشرعي.
إعلانويكمن أولى الإجراءات الخاصة بمجهولي الهوية في توثيق بياناتهم وتصويرها بشكل دقيق من حيث العلامات الظاهرة من شكل وألوان الملابس وحجم الحذاء وارتداء الشهيد أي إكسسوارات (ساعة، خاتم) وما يحمله في ملابسه من أوراق إن وجدت.
ويشمل التوثيق ما أحدثته صواريخ الاحتلال في أجساد الشهداء من كسور في العظام والجمجمة، ومن ثم تعريف الجثث المجهولة برموز، وذلك تمهيدا لتولي لجنة مختصة من وزارة الصحة والدفاع المدني ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية لعملية الدفن وتوثيق أماكنهم لحين تعرف ذويهم عليهم.
ويشير حمادة إلى أن عشرات الجثث لا تزال مجهولة الهوية، ولم يتم التعرف عليها، ويعزو ذلك لعدة أسباب منها استشهاد جميع أفراد العائلة دفعة واحدة، وأخرى تتعلق بانقطاع الاتصالات بين الأهالي في ذروة الحرب وبالتالي لم يعرفوا أماكن ووجهة أبنائهم، كما أن جيش الاحتلال دفن عددا من الشهداء بعد قتلهم، وتحللت أجسادهم قبل العثور عليهم.
وقد استدعت ظروف الحرب القاسية -كما يقول المسؤول الفلسطيني- تشكيل لجنة توثيق الشهداء والمتوفين والمفقودين في قطاع غزة، سيما أن مئات الشهداء لم يتمكن ذووهم من نقلهم للمستشفيات لإصدار شهادات وفاة لهم قبل دفنهم بسبب خطورة الأوضاع الأمنية، مما يستدعي اتباع إجراءات خاصة لتوثيق وفاتهم.
جرائم حرب
وشكلت الجهات الرسمية في غزة لجنة لتوثيق جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزة تمهيدا لملاحقته قانونيا، والعمل وفق نماذج لجمع كافة البيانات اللازمة للمحاكم الدولية.
وشدد حمادة على أن الاحتلال ارتكب جرائم حرب أدت في الكثير من الأحيان إلى تبخر أجساد الشهداء وفقدان جثثهم.
وقال مدير عام الطب الشرعي إن القوة النارية للصواريخ الثقيلة التي أطلقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على رؤوس الفلسطينيين أدت لتبخر أجساد عدد ممن سقطت الصواريخ عليهم بشكل مباشر.
إعلانوأوضح أن درجة الحرارة المنبثقة عن الصواريخ تصل لآلاف الدرجات المئوية، وتعمل على تفتيت الأشخاص لقطع صغيرة، ومن ثم حرقها كاملا وتبخرها.
وذكر المسؤول ذاته أن الكثير من الحوادث والشهادات التي عايشوها واستمعوا لها أثبتت أن جثث عشرات الشهداء تبخرت ولم يجد ذووهم أثرا لها، مشددا على أن هذه جرائم حرب وإبادة ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.