سورة الكهف وفضلها يوم الجمعة.. 4 أمور تجعلك تغتنمها وتقضي إن فاتك الوقت
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
يستحب قراءة سورة الكهف في أي وقت من يوم الجمعة وليلتها لا في خصوص الوقت قبل الصلاة - حسبما أكدت دار الإفتاء المصرية، فإذا قرئت في هذا الوقت في المسجد تأدى بها المستحب، وتجوز قراءتها سرًّا أو جهرًا، وفي السطور التالية نوضح أحكام سورة الكهف وفضلها.
أحكام سورة الكهف وفضلها يوم الجمعةاستحَبَّ الجمهور: الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، قراءةَ سورةِ الكهفِ يومَ الجُمُعة واختاره ابنُ الحاج من المالِكيَّة، والدَّليلُ مِنَ السُّنَّة ما روي عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَن قَرَأَ سورةَ الكَهفِ يومَ الجُمُعةِ أضاءَ له من النورِ ما بَينَ الجُمُعتينِ».
كما أن سورة الكهف مكية عدد آياتها 110 آية، تتوسط القرآن الكريم، فهي تقع في الجزئين الخامس عشر والسادس عشر، وتتناول السورة عدة مواضيع، تدور حول التحذير من الفتن، والتبشير والإنذار، وذكر بعض المشاهد من يوم القيامة، كما تناولت عدة قصص، كقصة أصحاب الكهف الذين سميت السورة لذكر قصتهم فيها.
وقد وردت الأحاديث في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؛ ففي "الأشباه والنظائر" لابن نجيم (ص: 321، ط. دار الكتب العلمية): [مما اختص به يوم الجمعة قراءة الكهف فيه] اهـ بتصرف، وقال ابن عابدين في "حاشيته" (2/ 164، ط. دار الفكر): [أي في يومها وليلتها والأفضل في أولها مبادرة للخير وحذرًا من الإهمال] اهـ، وفي "زاد المعاد" لابن القيم (1/ 366، ط. مؤسسة الرسالة): [من خواص يوم الجمعة قراءة سورة الكهف فيه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إِلَى عَنَانِ السِّمَاءِ يُضِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»، وقال: الأشبه أنه من قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه]اهـ. وقال النووي في "المجموع" (4/ 548، ط. دار الفكر): [رواه البيهقي بإسناده عن أبي سعيد الخدري -مرفوعًا-، وروي موقوفًا عليه وعن عمر رضي الله عنه، وروي بمعناه عن ابن عمر رضي الله عنهما: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة" وفي إسنادهما ضعف، ثم قال: ويستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وليلتها] اهـ بتصرف.
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه وإن قيل بوقفه عليه فهو مما ليس للرأي فيه مجال فيحمل على السماع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ والمستحب قراءة سورة الكهف في أي وقت من يوم الجمعة وليلتها لا في خصوص الوقت قبل الصلاة، فإذا قرئت في هذا الوقت في المسجد تأدى بها المستحب، وتجوز قراءتها سرًّا أو جهرًا.
وقد جاء في أسرار قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، لأنها تحمي الشخص في آخر الزمان من المسيح الدجال وفتن الدنيا، فإنّ الدجال سيطلب من الناس عبادته من دون الله "فتنة الدين"، وسيأمر السماء بالمطر ويفتن الناس بما في يده "فتنة المال"، وتكون فتنة العلم بأنه "سيخبر الناس بالأخبار"، وأخيرا "فتنة السلطة" بأنه سيسيطر على جزء كبير من الأرض.
وكل فتنة من هذه الفتن لها قوارب للنجاة، فللنجاة من فتنة الدين يكون ذلك بالصحبة الصالحة، قال تعالى: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا».
النجاة من فتنة المال وذلك بمعرفة حقيقة الدنيا، قال تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا».
النجاة من فتنة العلم وذلك بالتواضع، قال تعالى حكاية عن سيدنا موسى: «قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا».
النجاة من فتنة السلطة بالإخلاص لوجه الله، قال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا».
فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعةأكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أنه يستحب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؛ لما ورد في فضلها من أحاديث.
واستدل الأزهر عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بما ورد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» [رواه: الدارمي]، وعنه أيضًا، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ».
وأضاف المركز، فى إجابته عن سؤال: «ما حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟ ومتى يكون وقت قراءتها؟» أن وقت قراءتها، فإنه تقرأ السورة في ليلة الجمعة أو في يومها، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس.
وأفاد: فيكون وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة، قال المناوي: فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي -رضي الله عنه-.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سورة الكهف سورة الكهف وفضلها يوم الجمعة فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة قراءة سورة الکهف یوم الجمعة قراءة سورة الکهف فی رضی الله عنه قال تعالى من فتنة ال ج م ع ى الله
إقرأ أيضاً:
الروم والمسلمون.. قراءة في السياق القرآني
عندما ظهر الإسلام كانت جزيرة العرب في تنافس بين الإمبراطوريتين المجاورتين: فارس والروم، وكان العرب مستقطَبين؛ من الفرس كالمناذرة، ومن الروم كالغساسنة. والفرس مع ولاء الحيرة لهم؛ يسيطرون عسكريا على ساحل عمان الشمالي، وعلى أجزاء من اليمن؛ بعدما قضوا على الوجود الحبشي فيها المدعوم من الروم. والشام واقعة تحت سيطرة الروم، مع ولاء الغساسنة لهم. والحجاز.. ليس بعيدا عن أطماع الدولتين، وكانت الدعوة المحمدية مهددة من قِبَلهما. وبعد أن أخذ الإسلام بالانتشار وبدأ العرب نهضتهم في ظل الدين الجديد ازداد توجس الفرس والروم منهم، فدخلوا معهما في مواجهة منذ عهد النبي محمد. المقال.. يتحدث عن صراع الروم مع القوة الإسلامية الجديدة من خلال رصد القرآن له، مع رجاء أن أكتب عن المواجهة بين هذه القوة والفرس في المستقبل.
للمواجهة بين العرب المسلمين والروم البيزنطيين سببان:
- سياسي، حيث إن نشوء قوة عربية موحَّدة سيغيّر موازين القوى في جزيرة العرب، ويعطيها قدرة على المناورة بين الروم والفرس، وربما تتحالف هذه القوة الناشئة مع الفرس؛ باعتبار أنه لم يظهر للروم بعد هدفُ الدعوة المحمدية، وهو استقلالها التام عن أية تبعية دينية وسياسية.
- ديني، كان الروم يسيطرون على الشام، و«المسجد الأقصى» تحت ولايتهم، وقد سعى النبي محمد إلى «تطهيره» بكونه أحد المسجدين اللذين أقامهما النبي إبراهيم؛ هو والمسجد الحرام، وكان اليهود حينها قائمين بالقدس، فوقفوا ضد النبي بعدما وعدوه بالنصرة، كما وردت بذلك «سورة الإسراء». انظر.. مقال «الإسراء.. من الواقع إلى المتخيّل»، بجريدة «عمان»، بتاريخ: 28/ 2/ 2022م.
يقول الله تعالى: (الـم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ، أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) -الروم:1-10-، وهذه القراءة.. بضم «الغين» وكسر «اللام» في (غُلِبَتِ)، وفتح «الياء» وكسر «اللام» في (سَيَغْلِبُونَ) هي التي يقرأ بها المسلمون الآن، وبها نتعبّد لله.
تناقل المفسرون بعضهم عن بعض تفسير هذه الآيات بأنها تحدثت عن الاقتتال بين الفرس والروم، وأن الفرس في الجولة الأولى انتصروا على الروم، ففرح مشركو مكة بانتصار «الفرس المشركين» على الروم باعتبارهم «نصارى كتابيين»، واستاء المسلمون، فأنزل الله الآيات تبشرهم بأن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين. وهذا التفسير أول مَن قال به مقاتل بن سليمان (ت:150هـ)؛ أي بعد حوالي قرن ونصف من نزول السورة. ويبدو أنه لسابقة الحروب بين الفرس والروم؛ ظن المفسرون أن السورة نزلت فيهما، ولم ينتبهوا بأن القرآن لا يتكلم عن صراع الأمم، وكل حديثه عن الصراع بين الإيمان والكفر. والذي ينظر في السورة لا يجد ذكرا للفرس، فقد أقحموا على التفسير من خارج سياقها.
يقول الله تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)، فكيف يفرح المؤمنون بانتصار المسيحيين الروم -وهم أعداء للنصارى الموحدين لله المنتشرين في المنطقة حينذاك- وقد ألّهوا عيسى بن مريم؛ أي أنهم «مشركون» مثل الفرس؟! ولو قدّرنا أن المسلمين فرحوا؛ فكيف يقرّهم عليه القرآن؟! هذا ليس من أسلوبه، فلا يوجد فيه امتداح للمشركين قط. ثم لو حُمِلت الآيات على فرح المؤمنين بانتصار الروم على الفرس؛ فكيف يعد الله الروم بالنصر؟! وإذا قيل: بأنه وعدٌ للمؤمنين بانتصارهم في معركة بدر. قلتُ: فأين ذِكْرُها هنا؟! كما أن السورة يختل إحكامها والآيات يتبدد معناها. ثم ما الذي يجعل مشركي مكة يفرحون بانتصار الفرس، وهم لا يجمعهم جامع ديني ولا ينتظمهم نظام سياسي؟! بل العرب منذ القديم يُكِنّون العداء للفرس.
فالمناذرة.. على الرغم أنهم واقعون في بوتقة الفرس، وجعلوا من أنفسهم وبلادهم حائلَ صدٍّ عن وصول الروم إليهم بالمدافعة عن حدودهم، إلا أنهم ظلوا في أنفة منهم، وأبوا أن يداخلوهم اجتماعيا، ولو بمصاهرة الأكاسرة، وهذا معلوم من طبع العرب. وعندما انتصروا يومَ ذي قار بقيادة هانئ بن مسعود الشيباني على الفرس فرح سائر العرب، وقد روي عن النبي أنه قال: (هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا)، وقوله: (وبي نصروا) إشارة إلى دعوته لتوحيد الله؛ حيث كان العرب الذين واجهوا الفرس على النصرانية الموحدة، وهم غير المسيحيين الأقنوميين المؤلهين لعيسى بن مريم، فكأنها كانت حينها ثورة من المؤمنين بالله ضد الشرك.
توجد قراءة أخرى قُرِئ بها في صدر الإسلام؛ يعدّها المفسرون من القراءات الشاذة، وهي: (غَلَبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيُغْلَبُونَ)، بفتح «الغين» و«الباء» في (غَلَبَتِ)، وضم «الياء» وفتح «اللام» في (سَيُغْلَبُونَ)، وممن قرأ بها من الصحابة: علي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس، ومن التابعين معاوية بن قُرَّة، وقرأ بها أهل الشام، ولا أدري كيف بهذا تسمى شاذة؟! ومع ذلك؛ تقرر لدى طائفة من المفسرين بأن «القراءة الشاذة» يجوز الأخذ بها في تفسير القرآن والاستفادة منها في فهم معانيه، وقد تعرضوا إلى هذه القراءة بتفسير لا يخرج عن الصراع بين الفرس والروم.
دعونا ننظر في تفسير الآيات وفقاً لقراءة «غَلَبَتْ الروم» و«سيُغْلَبون»؛ بعيدا عن الصراع بين الفرس والروم، وإنما وفقاً للصراع بين الروم والمسلمين، نجده تفسيرا يتسق مع السياق التاريخي والإحكام القرآني، إذ المواجهة دارت بينهما، وبعدما غَلَبَتْهم الرومُ وعدهم الله بأنهم سينتصرون عليهم في بضع سنين، وهذا ما حصل، فإذا قدّرنا أن معركة تبوك في السنة التاسعة وفتح الشام سنة 16هـ، فهذا يعني أنهم انتصروا في بضع سنين. وهذه المعركة وقعت بين الشام والحجاز، في (أَدْنَى الْأَرْضِ)؛ أي أقرب للمدينة عن (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى).
وقد وجّه الله عتابا إلى المؤمنين؛ خاصةً المتخلفين عن معركة تبوك، من ذلك قوله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) -التوبة:117- ومن ينظر في سياق الآيات في «سورة التوبة» لا يجد الحديث عن المعركة يخرج مخرج انتصار المؤمنين. وغَلَبَة الروم في الجولة الأولى لا تعني هزيمة المسلمين عسكريا؛ فيكفي أنهم لم يتمكنوا من كسر شوكة الروم ولم يحققوا هدفهم من «تحرير» المسجد الأقصى بأن تكون الغلبة للروم، لا سيما؛ أن يهود القدس نكثوا في عهدهم مع المسلمين وانحازوا للروم.
وإذا نظرنا في قول الله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ...) -الروم:9-10-، فالخطاب فيه للروم، فهم من كانت لأسلافهم قوة ضاربة شاهرة وعمارة فخمة ظاهرة؛ كما تدل عليها آثار الحضارة الرومانية، وهم من جاءتهم الرسل بالشام. أما مشركو مكة فلم يرد ذكرهم في السورة، ولم يُرسل إليهم من قبل: (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) -يس: 6-.