قال السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، نواجه أكثر المراحل خطورة فى عمر الشرق الأوسط و«اليمين المتطرف» يتسابق لتحقيق أهدافه بالمنطقة، مشيراً إلى أن مصر تصدت بقوة لمحاولات التهجير القسرى للفلسطينيين من غزة وعطلت المخططات الخبيثة على الحدود مع رفح.

وأضاف «حجازى» فى حوار لـ«الوطن» أن إسرائيل تسعى لدخول حرب مع إيران بالقوات الأمريكية والقرار لن يكون من تل أبيب لكنه أمريكى بامتياز، وواشنطن لا تمانع فى رد إسرائيلى محدود على صواريخ طهران.

 

وجود حسن نصرالله كان سبباً فى تأخر استقرار لبنان وعطّل الحياة السياسية.. وإيران تبحث عن مصالحها أولاً

وأكد أن المطلوب الآن الوصول إلى اتفاق تهدئة يبدأ بوقف حرب غزة والإفراج عن الرهائن والسماح بدخول المساعدات وإقامة سلطة وطنية تتحرك داخلها «حماس» كحزب سياسى، معتبراً أن وجود حسن نصرالله كان سبباً فى تأخر استقرار لبنان وعطّل الحياة السياسية وإيران تبحث عن مصالحها أولاً، وطهران لن تدخل حرباً حالياً لقرب إنجاز مشروعها النووى.

الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل لحماية «نتنياهو» أمام محكمة العدل الدولية.. ووقف الحرب يعنى محاسبته على إزهاق آلاف الأرواح

وأوضح أن الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل لحماية «نتنياهو» أمام محكمة العدل الدولية، ووقف حرب غزة يعنى محاسبته على المشهد العبثى وإزهاق آلاف الأرواح.. وإلى نص الحوار:

كيف ترى المشهد الإقليمى فى ظل الصراعات المشتعلة.. وهل نحن أمام حرب إقليمية وشيكة؟

- نحن أمام واحدة من أكثر المراحل خطورة فى عمر الشرق الأوسط، حيث تتسابق قوى اليمين المتطرف لتحقيق أهدافها فى المنطقة، ولقد تصدت لها مصر فيما يتعلق بالنزوح القسرى وأبطلت النوايا تجاه الحدود مع رفح، ولديها من الأدوات ما يمكنها من التعامل مع محور فيلادلفيا ومثل هذه القضايا فى المستقبل ما إن تهدأ الأوضاع، ومصر تعمل بوعى وحكمة واستراتيجية واضحة.

كيف ترى مستقبل الصراع الإسرائيلى فى ضوء المستجدات الأخيرة؟

- نحن فى وضع ملىء بالمشاكل مع وجود صراعات فى ليبيا وأوضاع مشتعلة فى السودان، ومشهد شديد التعقيد فى غزة والضفة الغربية، وصولاً إلى التمدد الإسرائيلى فى جنوب لبنان بنفس خطورة الأفعال التى فاقت كل التصور فى بربريتها، ومجافاتها لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وتواصل إسرائيل هذا العمل حتى تلقت الضربة الأخيرة من إيران، وكانت ضربة متوقعة بسبب الأفعال التى امتدت إلى قيادات حزب الله وصولاً لأمينها العام، وهو الأمر الذى دفع إيران التى تعرضت سفارتها فى دمشق لقصف إسرائيلى. 

كما تعرض إسماعيل هنية للاغتيال على أراضيها، وكل هذا المساس بسيادة إيران خاصة مع ارتباط حزب الله بالأمن القومى الإيرانى وتداخل المصالح بهذا النحو، دفع إيران لردة الفعل التى شاهدناها، وأتوقع أن هناك جهوداً دولية ستبذل لأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة جرها لحرب مع إيران، وهو ما كانت إسرائيل تحلم به دائماً، وإسرائيل تسعى إلى حرب مع إيران لكن بالقوات الأمريكية، أى أن تدفع الولايات المتحدة وإيران لمواجهة تحقق فيها إسرائيل المكاسب.

هل إسرائيل تعمل ضد الصالح الأمريكى أو بدون تنسيق معها؟

- لا أدعى أن هناك تناقض مصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل، على العكس، فالاثنتان تتفقان معاً فى مواجهة إيران، ولكن فى ظل هذا التوقيت الذى تشهد فيه أمريكا انتخابات رئاسية، ليس هو التوقيت المناسب، فإن قرار الحرب مع إيران ليس قراراً إسرائيلياً، وإنما قرار أمريكى بامتياز.

هل سيكون هناك رد إسرائيلى على الضربة الإيرانية من وجهة نظرك؟

- رد الفعل على الضربة الإيرانية أمر متوقع لكن لا بد أن يتم بحسابات، فقد صرح الجانب الإيرانى بأنه استهدف قواعد عسكرية ولم يستهدف مدنيين وهذه هى الضربة الأخيرة، ورد الفعل الإسرائيلى هو ما سيحدد ما إذا كانت هناك ضربة ثانية أما لا، وبالتالى إيران تعطى إسرائيل المساحة التى تتحرك فيها ولا تتجاوزها وإلا عادت الأمور للمواجهة، وهنا يبرز دور الولايات المتحدة وأوروبا ومجلس الأمن فى ضبط الأمور على النحو الذى لا يسمح بتفاقم الأوضاع.

لكن التصريحات الأمريكية توضح أن هناك تنسيقاً إسرائيلياً.. ما حقيقة ذلك؟

- بكل تأكيد الولايات المتحدة لا ترحب بحرب بين الجانبين، ولن تمانع فى ضربة إسرائيلية، وحتى إيران نفسها تتوقع هذه الضربة، ولكنها تعلم أن الدخول فى حرب شاملة لن يخدم أياً من الطرفين، وبالتالى إيران ستقبل رد فعل إسرائيل، وعلى الولايات المتحدة أن تضبط إيقاع هذه الضربة بالشكل الذى يجعلها تمر، كما حدث من قبل فى المرحلة الأولى التى واجهت فيها إيران إسرائيل، وأن تكون ضربة محسوبة، وضربة إيران تمت تحت ضغط شعبى وإقليمى، وانتقادات للقيادة سواء كان من الداخل الإيرانى أو من المنطقة، وأن تقاعس إيران عن الرد هو الذى نقل إسرائيل من عملية لأخرى، فما كان لإسرائيل أن تفعل كل هذا لو كان هناك رد فعل إيرانى مبكر.

هل هناك تنسيق إيرانى أمريكى للضربة الموجهة فى إسرائيل لأن أمريكا لم ترسل المقاتلات بالقرب من الحدود؟

- هناك اتصالات على أعلى مستوى، بشكل مباشر أو من خلال دول وسيطة حليفة للجانبين، وإيران أعلنت أن هذه الضربة هى الأخيرة، وسيكون لها ضربة أخرى إذا قامت إسرائيل برد غير محسوب، وهذا له إشارات لإسرائيل بألا تتمادى فى ردة فعلها، وبالتالى دور أمريكا وكما حدث فى الضربة الأولى، أن يتم التعامل مع رد الفعل بشكل محسوب، وهذا واضح من تصريحات الجانب الأمريكى حول الضربة الإيرانية. 

وأكد أنها لم تسبب خسائر كبرى وتم احتواؤها، ما يعكس الرغبة فى أن يكون رد الفعل الإسرائيلى تجاه إيران مقبولاً، لأنه إذا قامت إسرائيل بالتعدى على إيران بشكل كبير، أو بقصف المفاعل النووى الإيرانى على سبيل المثال، كلها أمور قد تؤدى إلى تفجير الأمور والدخول فى حرب إقليمية، لا أظن أنها ستخدم الولايات المتحدة على المدى القصير، خاصة أنها مقبلة على انتخابات ولا ترغب فى تفاقم المواجهة، بل العكس فدخول الولايات المتحدة على خط العمل الدبلوماسى ربما يكون بعد أن تقوم إسرائيل بضربة بسيطة تجاه إيران، وسيبدأ بعدها العمل الدبلوماسى مباشرة، بدليل تعيين إيران لممثل لها فى لبنان، ما يعنى أن البدء فى الاستعداد للتحركات الدبلوماسية الدولية تم مبكراً، وأعتقد أن هذا التحرك سيمكن الولايات المتحدة من عقد اتفاق تسوية فى قطاع غزة أو فى جنوب لبنان، بما يخرج بالمشهد لصالح الإدارة الأمريكية وتقدمه لناخبيها على أنها استطاعت الوصول للتهدئة والإفراج عن الرهائن.

وكيف سيكون الاتفاق المنتظر؟

- سيكون اتفاق تهدئة يبدأ بغزة والإفراج عن الرهائن، وتسوية الأوضاع بما يسمح بدخول المساعدات، وإقامة سلطة وطنية فلسطينية تتحرك من داخلها حركة حماس كحزب سياسى، وينتقل المشهد إلى البحث عن إطار للتسوية من خلال مؤتمر دولى، ولعل ما صدر مؤخراً فى الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام، عن جبهة دولية أوروبية عربية إسلامية تسعى من أجل تحقيق حل الدولتين، والبناء على الاتصالات القائمة من أجل هذا، تكون هى المقدمة التى تتشابك مع الوضع فى الجنوب اللبنانى، حيث يكون العمل لمد قدرات الجيش اللبنانى إلى منطقة جنوب الليطانى، تماشياً مع قرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن 1701، فى هذه الحالة يتحول حزب الله إلى حزب سياسى بنفس القدر الذى أشرت إليه بالنسبة لحركة حماس، وهذه الحركات تعبر عن إطار شعبى، ولا بد أن يكونوا معبرين عن من يتبعهم.

سياسة مصر الخارجية قائمة على مبادئ الأمم المتحدة والاحترام المتبادل للدول والشعوب والسيادة الوطنية وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.. وفرنسا القوة الأوروبية الأقرب إلى لبنان

هل ترى أن وجود حسن نصر الله كان سبباً فى تأخر الاستقرار فى لبنان؟

- نعم.. أخّر الجميع وعطّل الحياة السياسية فى لبنان، وجعل القرار بما تراه إيران التى تبحث عن مصالحها أولاً، وارتباطه بها عطّل حزب الله نفسه فى القدرة على مواجهة إسرائيل بسبب الحسابات الإيرانية، التى هى مرتبطة بأمنها القومى ومشروعها النووى، وبالتالى أصبح حزب الله كالبطة العرجاء بسبب هذا الارتباط، فحزب الله عام 2006 يختلف عن 2024، لأنه أصبح جزءاً من المنظومة الإيرانية، ولا بد من فك هذا الارتباط، وأن يكون حمل السلاح للدفاع عن لبنان مرتبطاً بالجيش اللبنانى وليس بميليشيا حزب الله. 

وسيبقى حزب الله معطلاً بالإرادة الإيرانية ومكبلاً بها، وسيكون عبئاً على إيران وقد يجرها إلى مواجهة، فردة الفعل الإيرانية كانت مكرهة عليها لأنها لا تستطيع أن تدخل فى حرب حالياً، فالمشهد كانت إيران مضطرة إليه، وهى غير قادرة فهى تعلم قدرات إسرائيل المعززة بالدعم الأمريكى العملاق بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا والقوى الغربية، وهذا ليس الوقت المناسب لإيران التى قاربت على إتمام مشروعها النووى. 

وتسعى لاتفاق تسمح من خلاله الدول الغربية لها باستكمال مشروعها النووى على أسس سلمية، ولا يتم القضاء عليه بجانب رغبتها فى رفع العقوبات المفروضة عليها، ولإيران مصالح استراتيجية لا تتفق مع مصالح لبنان وحزب الله، بل تكبلها، وبالتالى إخراج نمط التعامل مع المنطقة من خلال ميليشيات عميلة أو وسيطة فى العراق واليمن ولبنان وفلسطين، وهى أمور عطلت المنطقة وسحقتها، وأحد المشاهد التى نراها اليوم أن التخلص من أذرع إيران فى المنطقة بات مطلباً عاماً.

كيف ترى مستقبل الصراع العربى الإسرائيلى فى ظل ما يحدث الآن، وهل ستكون الحرب هى الحل؟

- لا يمكن لحرب أن تقود لحل، ستبقى إسرائيل تحاول أن تستخدم القوة العسكرية، وستكون الثمار التى ستجنيها أكثر إيلاماً، فما شاهدناه دليل على ذلك، فلأول مرة منذ قيام إسرائيل فى 15 مايو 1948 حتى اليوم، تقصف تل أبيب والمناطق الحضارية فى إسرائيل، ونزح نحو مليون لاجئ خارج مستوطناتهم ومستعمراتهم، وحالة النزوح الشاملة لنحو نصف مليون هاجروا من إسرائيل، فما هو هذا المجتمع الذى يبنى عقيدته على اليمين المتطرف العنصرى الاستيطانى الصهيونى الذى قاد إسرائيل لهذا المشهد شديد الدمار، وتظن فيه دولة كما قال نتنياهو أنها ستصيغ شرق أوسط جديداً.

وكيف ترى هذا التصريح من «نتنياهو»؟

- هذا الاعتقاد خاطئ، وقد ظهر مؤخراً وهو عبوس الوجه لأنه أدرك أن أحلامه وانتصاراته المزعومة التى حاول أن يسوقها لم يحققها، ولم ينفذ أياً منها، وبالتالى استخدم آلات الحرب، والإدارة الأمريكية تغاضت وساعدت وتواطأت مع هذا الوضع، الذى وصفته محكمة العدل الدولية بالتمييز العنصرى، واحتلال قائم، فبدلاً من أن تعمل للامتثال لقرار المحكمة ساهمت فى واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية، وضغطت على قضاة الجنائية الدولية لعدم صدور مذكرات توقيف لمجرم حرب مثل نتنياهو والقادة الإسرائيليين، وهذا الضغط جريمة أيضاً.

كيف ترى الوضع فى غزة بعد عام من الحرب؟

- هذه المرحلة تحتاج إلى رؤية دولية، قوامها التوصل إلى الهدنة التى تتفاوض فيها مصر وقطر والولايات المتحدة مع كل الأطراف، وتبادل الرهائن وفتح المعابر لدخول المساعدات وإقامة سلطة وطنية فلسطينية يجتمع فيها قطاع غزة والضفة الغربية فى وحدة جغرافية وسياسية واحدة، وتتولى السلطة بحضور حماس كشريك سياسى فى إطار من العمل الدولى من أجل إعادة التعمير والبحث عن حل سياسى محدد قائم على حل الدولتين، وهذا هو الحل الوحيد، والقضية الفلسطينية لن تنتهى، فغزة ليست المبانى والطرق، غزة هى الشعب الذى لا يغادر أرضه. 

وبالتالى نحن أمام مشهد يتكرر بسبب الغباء السياسى لإسرائيل القائم على سياسة فرض الأمر الواقع وتكرار نفس الأخطاء، وأذكر من مذكرات إسحاق رابين الذى قال «عندما قبل عبدالناصر بمبادرة روجرز وزير خارجية أمريكا بأن تنسحب إسرائيل من سيناء عام 1968، وقبلتها مصر ورفضتها إسرائيل، فقامت مصر بحرب 1973 وسقط فيها 12 ألف جندى إسرائيلى»، وذكر رابين: «لقد كلفنا يا أغبياء هذا الرفض للمبادرة 12 ألف جندى»، فكم من الإسرائيليين سيقتلون ويهجّرون حتى تتفهم إسرائيل أن الحل هو إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.

هل إسرائيل حالياً تقبل السلام من وجهة نظرك؟

- لا.. فى ظل وجود نتنياهو وحكومته أستبعد ذلك تماماً، لكن إذا فرضت أمريكا إرادتها ووضعت آليات لدفع الأمور نحو الأمن والاستقرار وخلق ديناميكيات جديدة يمكن أن تساهم فى تغيير الواقع فى إسرائيل، ويتم الانقضاض على نتنياهو عندما تهدأ الأمور حتى يتسنى لهم مراجعة المشهد العبثى الذى قاد فيه آلافاً من الأرواح إلى الهلاك.

لماذا تتحرك فرنسا ببطء تجاه لبنان؟

- ما زالت فرنسا هى القوة الأوروبية الأقرب إلى لبنان والمنطقة، وتحاول من خلال مبادرات، ولكن الحقيقة أن أوروبا واقعة تحت ضغط أمريكى بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ولا يُسمح لها بمواقف مستقلة.

هل نحن أمام شرق أوسط جديد؟

- ليس كما يحلم نتنياهو، فالشرق الأوسط الجديد من وجهة نظرى هو تجمع دول وشعوب المنطقة من خلال مؤتمر للأمن والتعاون والتنمية الإقليمى، تتشارك فيه مصر والسعودية وتركيا وإيران وفى القلب منها البحث عن حل لقضايا المنطقة، وما إن تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، يمكن لإسرائيل أن تنضم لهذا، فلا بد أن نصل لهيكل إقليمى للسلام ويأخذ مصالح المنطقة وتحقيق أهدافها التنموية هدفاً له، وأدعو مصر إلى أن تتحمل مسئولية هذه الدعوة، وأن تدعو لمؤتمر للأمن والتعاون لنتشارك جميعاً بالرأى، فما هى الأسباب التى قادت الشرق الأوسط إلى هذا الوضع، ومن الأسف أن تكون دولة صغيرة معادية بحجم إسرائيل تتحدث عن إعادة بناء الشرق الأوسط، فى الوقت الذى لدينا فيه دول لها تاريخ وحضارة مثل مصر وتركيا والسعودية.

متى تتراجع الحرب وتتقدم الدبلوماسية فى الصراع الإسرائيلى؟

- الصراع محموم بين طرفين، طرف يسعى من أجل خير وأمن واستقرار المنطقة، وطرف يمينى استيطانى متطرف يسعى للبقاء فى الحكم مهما كانت التكلفة والتضحيات على شعبه وشعوب المنطقة وعلى عقلاء العالم وحكمائه، خاصة المتواطئين مع هذا المشروع كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، أن يعيدوا حساباتهم لأن الضرر سيشمل الجميع.

هل هناك تقاعس دولى فى تحجيم إسرائيل؟

- طبعاً.. فإسرائيل هى مقاول الحرب للغرب والولايات المتحدة، كما هو زيلينسكى فى أوكرانيا، وهؤلاء يحاربون لصالح الغرب والولايات المتحدة، حتى يستطيع الغرب إنهاك روسيا ووقف تحالفها مع الصين، وهذه هى المعركة الكبرى التى ينتظرها الغرب الذى لا يرى فى روسيا نفس الخطر الذى يراه فى الصين، والاستعمار الغربى الاستيطانى إسرائيل جزء من تشكيلته العقائدية والنفسية، لن يسمح أبداً للشرق ولا الصين أن تقود المسيرة الاقتصادية العالمية، والشرق الأوسط هو حلبة الصراعات الغربية وكل منهم يرى مصالحه، فالمزيد من الأزمات لأمريكا فى الشرق الأوسط يخفف الضغط عن روسيا والصين، وبالتالى لم يكن لهما قدر من الحركة والحماس الذى يمكن أن يؤثر بالشكل الذى كانت عليه الأمور من قبل.

كيف ترى السياسة الخارجية لمصر خلال السنوات السابقة فى ظل ما نشهده من أحداث؟

- مصر تتبع سياسة خارجية قائمة على مبادئ الأمم المتحدة، والاحترام المتبادل للدول والشعوب والسيادة الوطنية للدول، ولا تتدخل فى الشأن الداخلى للدول، وهذه ثوابت السياسة الخارجية التى تتحرك من خلالها مصر، كدولة صاحبة مصلحة استراتيجية ومصداقية، تسعى من أجل أمن واستقرار المنطقة، وتتبنى دائماً سياسات قائمة على العدالة ومبادئ الاحترام للجميع.

وتدافع عن مصالحها بما لا يمثل تعدياً على حقوق الآخرين، وعندما رسمت الحدود مع اليونان لم تتعد على الحدود التركية، وعندما وضعت مصالحها فى الاعتبار فى الشرق الليبى لم تتعد على الغرب الليبى بل تسعى لوحدتها، وكذلك الأمر فى السودان، وفى غزة وقفت أمام مخطط التهجير القسرى الذى كان فى قلب وصميم عمل المشروع الدموى لليمين المتطرف الإسرائيلى، وفيما يتعلق بأمن واستقرار الخليج فمصر ثوابتها هى الدفاع عن أمن ومصالح الخليج شأنه شأن مصالح أمنها الوطنى، وهى مع أمن الملاحة البحرية مع استقرار الأوضاع، فإن لها سياسة متوازنة ووحدة فى الفكر والتعامل بشكل واحد، فمصر دافعت عن المبادئ والقيم فى المنطقة. 

ولا تنسَ أبداً أنها الدولة التى قضت على الإرهاب وهو من أخبث الأعداء، كما وصفه الرئيس السيسى من قبل، فالقضاء على الإرهاب لم يكن لصالح مصر فقط، بل قضاء على خطر كان يهدد أمن وسلامة المنطقة، ونجاح مصر هو نجاح للمنطقة، حتى إن المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل سبق أن قالت إن نجاح مصر هو نجاح لأوروبا، ونجاح مصر نجاح لألمانيا. 

وأمن واستقرار مصر أمن واستقرار لألمانيا، فمصر هى حدود أوروبا الجنوبية، وما تقوم به مصر من سياسة مسئولة فى ملف اللاجئين وكل هذه الإنسانية فى التعامل دون أن نتلقى دعماً أو مساعدات، ولديها أكثر من 10 ملايين لاجئ على أرضها تتحملهم دون أى متاجرة وتقدم لهم التعليم والصحة وجميع الخدمات، هذا هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع اللاجئين، ولم نبنِ خياماً لهم ولم نتاجر بهم كما تتاجر دول كثيرة حولنا فى المنطقة بأزمتهم.

كيف ترى ترؤس مصر لمجلس السلم والأمن الأفريقى خلال شهر أكتوبر فى ظل الأوضاع الحالية؟

- مصر حريصة على مبادئ الأمم المتحدة، وقيم ومبادئ الاتحاد الأفريقى وذات ثقل ومصداقية، وتتحمل مسئوليتها تجاه النزاعات فى القارة، وتسعى من أجل تحقيق الأهداف السياسية والأمنية، وستكون رئاسة مصر لمجلس السلم والأمن الأفريقى مرحلة ستشهد فيها أفريقيا الاقتراب من حل الكثير من النزاعات، بقدرة الدبلوماسية المصرية والرغبة الصادقة فى تحقيق أمن واستقرار القارة لصالح شعوبها.

إسرائيل تسعى لدخول حرب مع إيران بالقوات الأمريكية والقرار لن يكون من تل أبيب لكنه أمريكى بامتياز

مصر تعاملت بإنسانية مع تدفق اللاجئين ولم تبنِ خياماً لهم ولم تتاجر بقضيتهم ولديها 10 ملايين لاجئ توفر لهم الخدمات التعليمية والصحية

وواشنطن لا تمانع فى رد إسرائيلى محدود على صواريخ طهران.. وضربة إيران جاءت تحت ضغط شعبى وإقليمى  مصر تعاملت بإنسانية مع تدفق اللاجئين ولم تبنِ خياماً لهم ولم تتاجر بقضيتهم ولديها 10 ملايين لاجئ توفر لهم الخدمات التعليمية والصحية

«القاهرة» عطّلت المخططات الخبيثةعلى الحدود مع رفح

 الدور الأمريكى متطابق مع الدور الإسرائيلى، ولكن القضية فى التوقيت، والإدارة الأمريكية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية تتعاقب لتنفيذ نفس الأهداف، وما يحدث يتم بعلم ومعرفة الولايات المتحدة، وتصريح الرئيس الإيرانى عن شرق أوسط بدون أوروبا والولايات المتحدة سيكون هادئاً، هى حقيقة، فسحب التأثير الأمريكى من المنطقة لصالح شعوبها أمر مهم جداً وضرورى، لأنه بات واضحاً أن هناك حالة من العداء والاستغلال الظاهر تؤيده الولايات المتحدة، وتعدٍ سافر على الحقوق العربية يتكرر بدون أى محاولة لوقفه، عندما يقتل 40 ألف مواطن عربى فى فلسطين.

ولدينا فى لبنان ما يقرب من ألف شهيد، وبالتالى عندما نتحدث عن تعاون عربى أفريقى هو ضرورة لصالح المنطقة وحل أزماتها، فما الذى يجعل السعودية تخشى إيران، فنحن أمام مشهد إما أن نقوده وإما نُقاد فيه، ويجب ألا نسمح به بسبب رؤية مصر وعمق وعيها الاستراتيجى وفهمها لما يحدث حولها، وآن الأوان للمبادرات الخلاقة، ومنها التوافق مع الدول الفاعلة فى المنطقة نحو مستقبلها وصياغتها وهياكلها الأمنية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: السفير محمد حجازى إسرائيل الولايات المتحدة والولایات المتحدة الولایات المتحدة الیمین المتطرف الأمم المتحدة الشرق الأوسط أمن واستقرار حرب مع إیران عن مصالحها فى المنطقة الحدود مع حزب الله رد الفعل فى لبنان نحن أمام کیف ترى أن هناک من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق إرث فكرى وثقافى وإسهامات تجاوزت حدود الزمنالكاتب والمفكر الراحل السيد يسين

لما يقارب قرن من الزمان، امتدت رحلة الكاتب والمفكر الراحل السيد يسين الفكرية، كانت حافلة بالقراءة والكتابة والمساهمات المؤثرة، ليس فقط فى المجال الأكاديمي، بل أيضًا فى تكوين أجيال واعية بما يدور حولها من تحديات وصراعات، ومدركة للأخطار التى واجهت الوطن فى لحظاته الحرجة، والمراحل التى احتاج فيها إلى البناء والتطوير. 

كان السيد ياسين بالنسبة لرواد علم الاجتماع السياسى بمثابة شيخ المشايخ، إذ ساهمت أبحاثه الاستراتيجية فى تشكيل الخطاب الثقافى وصياغة الوعى المجتمعي. ومنخلال موقعه كمدير لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذى تولاه منذ منتصف السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات، لعب دورًا يفوق تأثير العديد من الوزراء والسياسيين، حيث أسهمت رؤاه فى وضع الخطط التى شكلت الأسس الثقافية للمجتمع المصري؛ كما أثرى وجوده المركز العربى للبحوث والدراسات بمؤسسة "البوابة نيوز"، والذى تولى مسؤوليته فى المحطة الأخيرة من رحلته الحافلة. فىأعقاب نكسة 1967،شهد السيد ياسين حالة الإحباط التى سادت المجتمع، لكنه لم يتوقف عند حدود الشعور بالهزيمة، بل رأى أن مفتاح الفهم يكمن فى دراسة العدو. لذلك،التحق بمركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بمؤسسة الأهرام عام 1968، وهو المركز الذى تحول لاحقًا إلى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذى ترأسه منذ تأسيسه حتى عام 1994.

وبعد مغادرته مركز الأهرام، واصل مسيرته البحثية عبر المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ثم أسس فى 2012 "المركز العربى للبحوث والدراسات" بالتعاون مع الكاتب الصحفى عبد الرحيم علي، ليضم مجموعة من أبرز الباحثين فى مجالات الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، والإعلام.

ترك السيد ياسين إرثًا فكريًا غنيًا، من بينه مؤلفات مهمة فى علم الاجتماع والسياسة، ساهمت فى تشكيل وعى أجيال من الباحثين والمفكرين. وعلىمدار مسيرته الفكرية، نال العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الاستحقاق الأردنى من الطبقة الأولى عام 1992، ووسام العلوم والفنون والآداب عام 1995، وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 1996. واستمر عطاؤه حتى آخر أيامه. وفىصباح يوم 19 مارس 2017، رحل عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة. "البوابة" تحتفى بذكرى الأستاذ الذى يظل باقياً بيننا بأفكاره وإرثه الغنى سواء بمؤلفاته أو بالعديد من الباحثين الذين ساروا على الدرب وما زالوا يواصلون دورهم التنويرى والفكرى.. حيث يكتب خصيصاً فى هذه الذكرى إثنان من كبار الباحثين المرموقين واللذان عملا لسنوات مع الأستاذ الراحل الكريم، وهما المفكران الكبيران نبيل عبد الفتاح ود. يسرى العزباوى.

نبيل عبدالفتاح يكتب: السيديسين.. كبيرنا الذي علمنا السحرنبيل عبدالفتاح

نظرة طائر على مسارات تطور الفكر المصرى الحديث منذ منتصف القرن الثامن عشر، وأواخر القرن التاسع عشر، حتى القرن العشرين، تشير إلى أدوار بعض الأساتذة الكبار المعلمين الذين أسهموا فى نقد الموروثات التقليدية التى يُعاد إنتاجها على الرغم من أنها مستمدة من سياقات واقع تاريخى قديم منذ قرون، حاملةً معها ظروف عصرها، وثقافته وقيمه وأسئلته، من خلال الاجتهادات الفقية أو الكلامية وأعراف الجماعات فى هذه العصور الماضية، ويراد لها أن تحكم حياة المصريين، والمجتمعات العربية، على الرغم من التحولات الكبرى والقطيعة مع هذه العصور التى مضت. على عديد المستويات .

هذا الدور النقدى الخلاق، ظل محصوراً فى بعض هؤلاء الأساتذة الكبار، الذين صدموا العقل المصرى النقلى المسيطر، وخاصةً لدى رجال الدين، بعضهم الآخر ساهم فى محاولة بناء الجسور بين متغيرات العصر الحديث، والمعاصر، وبين النص المقدس من خلال آليات التأويل للنصوص الدينية المقدسة والسّنوية من خلال المقاربة التوفيقية، التى تحولت لدى بعضهم إلى التلفيق بين بعض المتناقضات. بعضهمالاخر لعب دوره النقدى، والتحليلى، من خلال الاطلاع على مصادر التجديد، والتطور فى العلوم الاجتماعية، والقانونية، والسياسية، والفلسفية والسيوسيولوجية والأدبية، وفى ذات الوقت قاموا بدور المعلمين، من خلال دورهم فى نقل المعارف الحداثية وشبه الحداثية فى تخصصاتهم، أو فى عديد من فروع العلوم الاجتماعية، إلى أجيال متعاقبة من تلاميذهم، سواء فى الجامعة ومراكز البحث، أو الصحافة، وكتاباتهم الصحفية، أو مؤلفاتهم العديدة.

الأستاذالمعلم السيد يسين، يمثل واحداً ممن جمعوا فى أعطافهم، وأدوارهم العامة، وإنتاجهم العلمى، غالب هذه الأدوار فى فكره وشخصه.

جاء السيد يسين من مصادر تكوينية متعددة، من الفكر الإسلامى، ومصادره من خلال الانخراط فى أثناء دراسته الثانوية، فى بعض الفكر الإسلامى النقلى مع مقاربات جماعة الإخوان المسلمين، من خلال أحد أساتذته من ذوى العقول المنفتحة، على الرغم من أنه كان ضريراً لكن عقله المتميز، كان يطرح الأسئلة المختلفة، ويحاول الإجابة عليها.

كانت بصيرة أستاذه حادة، حتى بعد دراسته فى كلية الآداب، من هنا استلهم السيد يسين من أستاذه رحابة العقل النقدى، ومعرفة بعض الموروث الفقهى والكلامى، وثقافة السؤال. انتقلالسيد يسين من مقاربة بعض الخطاب فى المسجد، إلى كلية الحقوق، وامتلك ملكة الخطابة الشفاهية، المحمولة على الأسئلة. منخلال الدرس الأكاديمى فى كلية الحقوق بجامعة الأسكندرية، حيث عالم التجريد، والانضباط فى التفسير والتأويل للأنساق القانونية، والنصوص فى كافة فروع القانون العام، والمدنى، والدولى، والتجارى، والبحرى، والشريعة الإسلامية.

عالم كلية الحقوق والدرس الأكاديمى فى رحابها، هو عالم النصوص والنظريات، والمفاهيم، والاصطلاحات، والأهم ملكات التحليل والتأويل والتفسير، والانضباط .عالمسيادة التجريد، والشكلانية – إلا بعض الاستثناءات -،وهو ما أجاده "الأستاذ المعلم"،وأيضاً مع معرفته بالشريعة، والتناقضات بين عالم النقل، والعقل، بين الأشاعرة، والمعتزلة.

بعد تخرجه من كلية الحقوق،عُين بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، وانتقل إلى عالم فكرى أوسع، حيث دراسة الظواهر الاجتماعية، والمشكلات والأزمات المجتمعية، وعالم ماوراء النظام القانونى الكلى، وأنظمته الفرعية، حيث فضاءات القوة، والسلطة، والمصالح الطبقية، المسيطرة التى تفرض نفسها بقوة فى القانون، والسياسة، والاجتماع ومسارات الحياة والتمييزات الطبقية الحادة والقاسية فى مجتمع متخلف تاريخياً.. إلخ.

درس السيد يسين علم الاجتماع وفروعه، ومارس البحث الحقلى والتطبيقي، ومعه علم الاجتماع القانونى، فى تكوين ذى مستويات رفيعة وعميقة، ومعه تغيرت مقارباته للقانون ،والسياسة، والسلطة، والأدب، والفنون، والثقافة.. إلخ.

تعرفت على أفكار الأستاذ المعلم السيد يسين من خلال كتابه "السلوك الإجرامى ومعاملة المذنبين"،وأنا طالب فى كلية الحقوق فى السنة الأولى، ومن خلاله فتح أمامى افاق واسعة فى دراسة السلوك الإجرامى والعقابى من خلال التحليل السوسيو قانونى والواقعى مستصحباً الواقع الموضوعى، واختلالاته ومصادره التى تنتج السلوك الإجرامى.

ثم كتاب "أسس البحث الاجتماعى" مع آخرين، و"التحليلالاجتماعى للأدب"،و"الشخصيةالعربية بين مفهوم الذات وصورة الآخر (١٩٧٣)، والسياسة الجنائية المعاصرة.. كتب تفتح آفاق جديدة أمام العقل والوعى السياسى والقانونى والاجتماعى.

ثم تعرفت شخصياً عليه من خلال أستاذى الكبير الدكتور حسام عيسى، الذى رشحنى إليه، وذهب معى إلى منزله، وتحاورنا، وطلب خطة بحث عن الصراع بين القانون الحديث، وبين التقاليد فى مصر واليابان، وذلك بعد نقاشات وأسئلة، ومحاولته استكشاف عقل هذا المحامى الشاب الذى يعمل فى مكتب سابا باشا حبشى، أحد أكبر رجال القانون المصريين الذين عرفتهم المحاماة، وهاجر إلى أمريكا مع زميله الأستاذ سامى فهمى الذى عمل مستشاراً لشركة أرامكو، وكان سابا باشا قد وضع اتفاقيات النفط بين الشركة والحكومة السعودية، وعمل سابا باشا أستاذاً للشريعة الإسلامية فى جامعة كولومبيا، وفتح مكتباً للمحاماة فى نيويورك، وتسلم المكتب فى القاهرة تلامذته عادل كامل وشفيق إلياس. كانالمكتب أحد مدارس المحاماة والقانون فى مصر والشرق الأوسط كله.

الأستاذالمعلم بعد أن طلب وضع خطة للبحث، وقمت بها – ١٧ صفحة بخط اليد – طلبنى لمقابلته مساءاً فى منزله بجوار المركز القومى للبحوث القانونية والاجتماعية وكان قريباً من منزلنا بالمساكن الشعبية بالكيت كات، وكان يُعد للسفر فى فجر ذات اليوم لأحد المؤتمرات فى الولايات المتحدة، وقال لى: هل ستستمر فى طلب الدخول إلى النيابة العامة، أم حسمت أمرك للعمل فى مجال البحث العلمى الاجتماعى؟، قلت بحسم: أناأقرب إلى عالم العقل والبحث والأفكار.. كرر السؤال مراراً، قلت: حسمت أمرى.. قال: عندما أرجع من المؤتمر بأمريكا، سوف أعينك مع وحيد عبد المجيد.. وفعلها الأستاذ المعلم، وانتقلت للعمل باحثاً بالمركز مع أخى وصديقى العزيز الباحث الكبير والمثقف البارز منذ شبابه وحيد عبدالمجيد.. كان سمت الأستاذ المعلم هو علامة السيد يسين، يبدع الأفكار، ويتابع تطورات الفكر العالمى على نحو ما تشير كتبه، حول ظواهر وتحولات عالمنا المتغير، وواقعنا الاجتماعى والسياسى المضطرب منذ عصر السادات إلى أن توفاه الله.

كان الأستاذ المعلم صارماً فى الأمور العلمية، ويتابع مطالعات الباحثين ووالخبراء فى المركز للكتب والمقالات العلمية ،وغيرها من القراءات فى الأدب والفنون والتاريخ والفلسفة.. إلخ. كان –ما أصعب كان- هو المؤسس الحقيقى لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وواضع أسسه العلمية، وكان يختار الباحثين بعناية فائقة، وبناءاً على اختبارات بحثية وعقلية متتالية، ولا يعين شخصاً إلا بعد إثبات جدارته بالانتماء للمركز.

كان الأستاذ المعلم صارماً فى مساءلة أى باحث أو خبير عن عمله وأدائه البحثى.. كان يجمع بين دور المعلم، ومدير المركز، وبين الكاتب المبدع فى كتاباته، وكتبه العديدة.. كانت معارفه الواسعة بالقانون والسياسة والاستراتيجية والأدب والفنون، تشكل روافد معرفية وأسلوبية فى كتاباته، وفى نسقه اللغوى المتفرد.

كان أستاذى العظيم رغم صرامته الظاهرة وهيبته ذات الظلال المهيمنة على كل من حوله، يمتلك حساً ساخراً، يفجر الضحكات من قلب التناقضات، وتفاهات بعض من فى السلطة، وكان يجيد ببراعة التعامل مع منطق الدولة، ويناور، ويحتوى، ويهاجم فى براعةٍ وذكاء.

كان أستاذنا العظيم، هو كبيرنا الذى علمنا السحر، فى البحث، والكتابة، والمعرفة، ومصادرها المتنامية والمتطورة فى الغرب، وعالمنا العربى. وأيضاًفى فهم عقل الدولة، والبيروقراطية - أصدر كتاباً بالإنجليزية مع الصديق المرحوم د. على ليلة وأستاذ أمريكى - وكيفية التعامل معها مناورةً، وتجاوزاً، ونقداً.

كبيرنا الذى علمنا السحر، أحد بناة العقل المصرى المعاصر منذ النصف الثانى من القرن العشرين، حتى سفره الطويل فى الغروب، ولا يزال أثره قائما فى حياتنا الفكرية المصرية والعربية ،وسيأتى الوقت للكتابة الضافية عنه وعن مركزنا، وغيره من الشخصيات والعقول الكبرى التى تقابلت معها وعرفتها عن قرب.. السلام إلى روحك، وعقلك الكبير أيها المعلم الكبير والمثقف البارز مصرياً وعربياً، وأنت فى سفرك الطويل فى الغروب، أيها الأستاذ المعلم كبير المكانة ورفيع المقام السلام.. السلام.. السلام لروحك الجميلة وعقلك المبدع الوثاب.

د. يسرى أحمد العزباوى يكتب:المفكر الكبير والموبقات السبع للإخواند. يسرى أحمد العزباوى

تمر علينا فى هذه الأيام المباركة الذكرى الثامنة لرحيل المفكر وعالم الاجتماع السياسى الكبير السيد يسين. وفىظل هذه الذكرى العطرة أجد صعوبة بالغة، فى ظل مشاعر غامرة وفياضة، عن أى جانب يمكن الحديث من خلاله عن عالم فذ، ومفكر موسوعي، وباحث متجدد، صاحب مواقف ورؤى، وخط فكرى وعلمى لم يحد عنه يومًا من الأيام. خاضمعارك فكرية عديدة من أجل التنوير والنهضة والحداثة والأمة، ومستقبل أفضل للدولة الوطنية المصرية.

وكان السؤال الذى دار فى خلدي، هل أتحدث عن السيد يسين الإنسان، أم عن المشروع العلمى الثقافى الاجتماعى السياسى المتكامل، الذى أفنى فيه حياته البحثية والعلمية على مدار أكثر من ٦٠عامًا. أمأتناول علاقتنا التى تحولت إلى علاقة أبوية علمية كان يسودها الاحترام المتبادل والتقدير. فلميغضب منى يومًا من رأى أخالفه فيه، وهو من هو، بل على العكس كان دائم التشجيع لى، ولغيرى من أبنائه الباحثين الذين لا يزالون فى مقتبل العمر المهنى والعلمي، وأنا بالطبع منهم. كانلدى الأستاذ فضيلة لم أجدها فى غيره، وهى قيامه بالاتصال بما لا يعرفهم من الباحثين والكتاب تليفونيًا ليثنى على أفكارهم ودراساتهم، وذلك بعد تحمل عبء محاولة الوصول إلى وسيلة الاتصال بهم.

السيد يسين كان حالة وشخصية استثنائية، عادة لا تتكرر، تحمل فى طياتها العزة والكرامة والشموخ والهيبة والطيبة والتلقائية التى كان يتمتع بها عمن سواه من معشر الجماعة البحثية. فهوكان لأبناء جيلى من الباحثين والخبراء فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمثابة أستاذ الأساتذة، كبار الباحثين والخبراء أمامه، يسودهم التواضع العلمى والمعرفي، ولم لا وهو الذى ساعدهم ليتبوأ كل منهم مقعده فى الجماعة البحثية المصرية. ولميبخل على أحد منهم بما يتمتع به من علم ومعرفة، بل والنصيحة، والمساعدة العلمية لإعداد مشروعه العلمى من ماجستير أو دكتوراة، وما بعد الدكتوراة.

لا تزال أفكار ونظريات عالمنا الجليل، فى المجالين الاجتماعى والثقافى تحديدًا، نبراسًا للكثير من الباحثين وطالبى العلم فى مختلف أرجاء الوطن العربي. وأتذكرجيدًا حينما جلست مع أحد الأصدقاء من الدول العربية الشقيقة أو تحاورنا حول قضية من قضايا وطننا الأكبر إلا وتم استدعاء نظريات الأستاذ وأفكاره، كأحد الحلول والمقترحات للخروج من نفق الأزمات التى يعج بها وطنا العربي، فى ظل مرحلة خطيرة يمر بها النظام الدولي.

كان للأستاذ موقف واضح من ثورة يناير، فهو كان دائمًا التأكيد على أن العبرة بالنتائج والخواتيم وليس بالمقدمات أو بالصوت العالي. لميسقط أبداً الأستاذ تحت وطأة فخ ضغط شباب الثورة أو أفكارهم الجامحة، بل حاول ترشيدها ووضعها فى أطر واضحة فى إطار قراءته التاريخية للثورات المختلفة، بما فيها الثورة الفرنسية والبلشفية. وشاركتمعه فى حوارات مع العديد من المجموعات الشبابية التى ظهرت بقوة على السطح بعد ١١يناير، خلال جلسات حوارية عقدها فى المركز العربى للبحوث والدراسات ومركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ومن خلال تلك المناقشات مع الشباب دائمًا كان يعبر عن تخوفه من الطموح الزائد عن الحد فى ظل نقص وغياب المعرفة لدى هؤلاء الشباب بالواقع المصري، والمحيط الإقليمي، والتغيرات الدولية. فالأستاذكان يؤمن بضرورة الإصلاح التدريجى دون تخوين أو إقصاء. وكاندائم التأكيد على ضرورة دمج الشباب وإعدادهم لتحمل المسئولية تدريجيًا حتى تخرج مصر من عنق الزجاجة إلى بر الأمان فى ظل رغبة بعض الدول فى إضعاف الدولة المصرية فى ظل استمرار موجات من الاضطرابات.

ولقد كان للأستاذ الكبير السيد يسين موقف واضح من جماعة الإخوان. فقدكان يرى أن مشروعها الذى كان يسمى "بالنهضة" سيفشل لا محالة، ليس فقط بسبب عدم وجود مشروع من الأصل، وأنه "فنكوش" على حد تعبيره، ولكن أيضًا لأنه مشروع يعبر عن جماعة وفئة وليس مشروعا للأمة المصرية، فضلاً عن ارتكاب الجماعة لما أسماه الموبقات السبع، وهي: محاولة الانفراد بالسلطة، ووضع دستور على مقاس الجماعة، وممارسة العنف، والامتداد الخارجى للجماعة، وانفرادها بالبرلمان، والتحالف مع الجماعات المتطرفة، وتولى الجماعة سدة السلطة الرئاسية.

الأستاذكان يؤمن بأن الجماعة فى طريقها للزوال، ولم لا، فهو أدرى الناس بها، حيث بدأ حياته عضواً بها، ويحفظ عن ظهر قلب مبادئها وأفكارها غير المعلنة. لكنهسرعان ما تبرأ منها، فهو كان يرى فيها الجمود والخمول الفكري، والاستبداد، وحب الانفراد بالسلطة، وأن سعيها لما تسميه "أستاذية العالم" هو مشروع وهمى ليس له أى أسس ومرتكزات فى العصر الحديث، التى تتمتع فيه الدولة الوطنية بالحق الشرعى فى التحكم فى المقدرات المادية والبشرية دون غيرها من الجماعات الأخرى.

وفى السياق ذاته، أيد الأستاذ خروج المجتمع عن بكرة أبيه فى ثورة ٣٠يونيو والإطاحة بالإخوان. ورأىأن أهم منجزات ثورة يونيو هو استعادة للدولة المصرية المخطوفة من الجماعة التى سعت لتأسيس دولة دينية، يحكمها مكتب الإرشاد، والتنظيم الدولى للجماعة. وأتذكرجيدًا عندما زار الأستاذ فى مكتبه المستشار السياسى للرئيس الإندونيسى فى أواخر عام ٢٠١٣والذى كان له موقف غير مؤيد لثورة ٣٠يونيو، قال له الأستاذ بالحرف "هى ثورة حقيقية قام بها الشعب المصري، والذى يمتلك رأياً مخالفاً يحتفظ به لنفسه، والمقابلة انتهت.. اتفضل". وهو موقف تكرر مع عدد من الباحثين الأجانب الذين زاروا الأستاذ للتعرف على حقيقة ما يحدث بعد ٣٠يونيو.

وفى إطار هذا الحماس لـ٣٠ يونيو حمل الأستاذ على كتفيه مشروعا علميا بارزا داخل المركز العربى للبحوث والدراسات حمل عنوان "إعادة إنتاج الدولة التنموية"،شارك فيه عدد كبير من كبار الباحثين والخبراء فى مختلف التخصصات العلمية، تم خلاله رصد أهم التحديات والمشكلات التى تواجه الدولة المصرية، ووضع سياسات بديلة لها، وتصور شامل أمام صناع القرار للاستدلال به علميًا ومنهجيًا فى التعاطى مع قضايا ومشكلات مصر الثقافية والسياسية والاجتماعية.

كان للأستاذ الكبير، ومنظر العولمة الأول فى الوطن العربي، أو الكاهن الأكبر، كما كان يحب أن يداعبه المفكر الكبير نبيل عبد الفتاح، معاركه الخاصة مع الجهل والكراهية ومع مدعى المعرفة والثقافة، وهى تلك المعارك التى خاضها بشرف كبير، وانتصر فيها انتصاراً ساحقًا.

وفى النهاية، كم كنت أتمنى أن يلقى الأستاذ التكريم المستحق من الدولة المصرية، بإطلاق اسمه على أحد المحاور الرئيسة فى القاهرة أو الإسكندرية، فهو يستحق عن جدارة مثل هذا التكريم، لما قدمه طوال مسيرته العلمية والمهنية فى خدمة مصر الحبيبة. وأتمنىأن يجد هذا المقترح صدى لدى المسئولين فى الدولة المصرية الآن!

مقالات مشابهة

  • الخارجية التركية: نرفض محاولات إسرائيل لإعادة العنف إلى المنطقة
  • تركيا: نهج إسرائيل "العدائي" يهدد مستقبل الشرق الأوسط
  • 8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين
  • وزير الشرق الأوسط البريطاني: 10% من أهالي غزة فقط يحصلون على مياه شرب آمنة
  • قرية الغجر: كيف أشعل خط على الخريطة نيران الصراع في الشرق الأوسط؟
  • وزير الدفاع: إيران تواصل تهريب الأسلحة والإستقرار بالمنطقة مرهون بدعم الجيش
  • إسرائيل تكشف خططها بـ«الشرق الأوسط».. من أعداءها الجدد؟
  • خبير: نتنياهو وطواقم اليمين المتطرف لا يرغبون في أن تنتهي الحرب
  • وزير الصحة يبحث مع مساعد وزير الخارجية استعدادات مصر لقمة نظم الغذاء
  • قيادة الشرق الأوسط بعيدًا عن أمريكا