الجزيرة:
2024-10-10@21:24:59 GMT

هذا ما خسرته إسرائيل ولن تسترجعه أبداً

تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT

هذا ما خسرته إسرائيل ولن تسترجعه أبداً

من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 ليست سنة مما يعدّه عموم الناس، وليست 365 يومًا بتقويم الأجندة. إنها سنة من كتابة التاريخ، وأي تاريخ؟ إنه تاريخ المقاومة، وسنة من رفرفة العلم بألوانه الأربعة في كل الساحات، وأجملها وأروعها ساحات الجامعات العريقة في العالم، والشوارع التي ما زالت تتكلم بلغة العدالة والسلام والأخوة الإنسانية في الشرق والغرب.

إنها سنة ظهور الكوفية المرقطة على أعناق الشباب والشابات من كل الأديان والأعراق والثقافات في الجهات الأربع من العالم، وسماع اسم فلسطين مقرونًا بكلمة حرية "Free".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حرب أنفاق و"عقد قتالية" واستشهاديون أربكوا جنرالات إسرائيلlist 2 of 2حرب غزة تفاقم عجز ميزانية إسرائيل إلى 8.5%end of list

من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تراجع مشروع الاستسلام للهمجية الإسرائيلية، وتوقف قطار التطبيع معها. تراجعت هيبة الردع التي كان المشروع الصهيوني يحكم بها العقل العربي الرسمي، ويجمع بها شتات اليهود الخائفين الذين لا يجمع بينهم شيء، وتعرّت إسرائيل البربرية والعنصرية أمام الرأي العام العالمي.

أصبحت الدولة "الديمقراطية" الوحيدة في غابة الاستبداد العربي متهمة بالإبادة الجماعية للفلسطينيين وأطفالهم، وقادة الكيان الغاصب على لوائح الاعتقال في مطارات دول كثيرة ما زالت تقيم بعض الوزن للقانون الدولي.

وهذه النكسة للمشروع الصهيوني ما هي إلا البداية، ومن يعشْ فسيحكي كيف ومتى بدأ العد العكسي للوجود الإسرائيلي على أرض السلام؛ هذا الوجود الذي نشأ ضد الطبيعة، وضد القانون الدولي، وضد التاريخ، وقريبًا سيصير ضد الواقع أيضًا.

سيذوب المشروع الصهيوني ليس من قوة سلاح المقاومة ولا من تخلي الغرب الأوروبي والأميركي عنه، بل سيذوب من الداخل جراء الإحساس الجماعي بالخوف والرفض وعدم الأمان.

من سيقبل من الإسرائيليين العيش في فلسطين بكلفة نفسية غالية، وأمامه خيار العيش بأمان في أوروبا، وأميركا، وكندا، وأستراليا؟ هذا هو المفعول غير المرئي لطوفان الأقصى، الذي لا يرى بالعين غير المدربة على رصد التحولات العميقة في بنية المجتمعات والأمم والعلاقات الدولية.

من سيقبل من الإسرائيليين العيش في فلسطين بكلفة نفسية غالية، وأمامه خيار العيش بأمان في أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا؟

فكرة إقامة دولة خاصة لليهود وُلدت في عقل المنظّر الصهيوني ثيودور هرتزل أثناء تغطيته لمحاكمة ضابط يهودي اسمه ألفرد دريفوس في فرنسا. هرتزل، الذي يُعتبر من مؤسسي الحركة الصهيونية، قام بتغطية محاكمة دريفوس. كان صحفيًا في ذلك الوقت، وحضر المحاكمة في عام 1894 وشهد على الظلم الذي تعرض له ألفرد دريفوس، الضابط اليهودي الفرنسي الذي اتُّهم زورًا بالخيانة وحُكم عليه بالسجن والنفي، قبل مراجعة الحكم بتدخل إميل زولا وغيره من المثقفين. هنا وُلدت لدى هرتزل فكرة إقامة وطن آمن لليهود خارج أوروبا التي كانت آنذاك تفيض بمعاداة السامية وكراهية اليهود فقط لأنهم يهود.

إذن، عندما تسقط مرتكزات إقامة وطن آمن لليهود في فلسطين، سينهار المشروع الصهيوني على المدى البعيد. وسنكون أمام احتمالين: إما إقامة دولة واحدة للشعبين: الفلسطيني والإسرائيلي، وتعايش الأديان الثلاثة: الإسلام واليهودية والمسيحية، على أرض واحدة وفي كنف دولة ديمقراطية، أو سنشهد هجرة معاكسة لليهود نحو مواطنهم الأصلية التي تخلصت إلى حد بعيد من آفة معاداة السامية. وقد نشهد أيضًا حربًا أهلية داخل كيان هجين أُسس على أساطير، وعلى جريمة طرد شعب آخر ليحل محله.

من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ظهر قاموس جديد في الأرض المباركة وما حولها. ظهر طوفان الأقصى، حيث عبقريةُ الشهادة والمقاومة اللتان كسرتا قانون التفوق العسكري الإسرائيلي والأميركي، وأظهرتا صلابة المعدن الذي تشكل داخله الفلسطيني المتشبث بالأرض والعرض والهوية والحق الذي لا يزول.

ظهرت عبقرية الأنفاق التي دوّخت الاحتلال الإسرائيلي، واحتضنت الحُلم الفلسطيني في وقت عزّ فيه الظهير والنصير. ظهر اختراع وحدة الساحات ونصرة المظلوم، حتى أصبحت الصواريخ من إيران، والعراق، واليمن، ولبنان، وغزة دائمة الزيارة إلى القبة المثقوبة لإسرائيل، معلنةً سياسيًا قبلُ عسكريًا أن نتنياهو وعصابته جسم سرطاني لا مكان له على خارطة المنطقة، وأن المقاومة لا تتقيد بالسقف الواطئ للأنظمة العربية والإسلامية التي وقفت تتفرج على الإبادة الجماعية للفلسطينيين.

أعلن طوفان الأقصى عن ميلاد فاعل إقليمي وسياسي وعسكري وإستراتيجي جديد اسمه مشروع المقاومة، المدعوم من الشارع العربي والإسلامي بكل فصائله وانتماءاته وتعبيراته السياسية والأيديولوجية التي تختلف في كل شيء إلا فلسطين. وفلسطين اليوم هي المرادف الأصدق والأقوى لقيمة الحرية، جذر الإنسانية.

من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، قُتل وجُرح وتيتّم آلاف الأطفال الذين حُملوا في أكفان بيضاء إلى قبور صغيرة، أو ظلوا تحت الدمار الذي عمّ غزة من أقصاها إلى أقصاها. استشهد أكثر من 42 ألف مقاوم ومقاومة، وفي مقدمتهم رموز هذه المسيرة الملحمية: إسماعيل هنية وحسن نصر الله وإخوانهما الذين جادوا بالروح، وقدموا الدرس بأن البطولة ما زالت عملة قابلة للصرف في الصحراء العربية.

المقاومة ليست خطبًا وتنظيرات وعنتريات وصورًا وفيديوهات للاستهلاك المحلي، بل هي قبلُ وبعدُ نبل دم يراق على مذبح التضحية، والدم دائمًا أقوى وأعلى صوتًا وتأثيرًا وحضورًا. العالم لا يسمع للمظلومين الساكتين الخانعين القابلين للهوان، بل يسمع المظلومين الذين يقاومون ويضحون ويبذلون الدم من أجل قضيتهم. لأجل هؤلاء، يسمع أحرار العالم اليوم، ومن أجل هؤلاء يبدأ الرأي العام الدولي في مراجعة أوراقه وخططه ومواقفه. وهذه، لعمري، زراعة طويلة الأمد ستظهر ثمارها في السنوات المقبلة.

من يصمد سنة في ساحة معركة غير متكافئة القوة يمكن أن يصمد سنوات، ومن أعطى دماء وتضحيات جسيمة وكبيرة فلا يعود أمامه ولا خلفه ما يخشى عليه

من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ظهر النفاق الأوروبي والأميركي في أقبح وجوهه دبلوماسيًا وسياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا، حيث انتشرت سردية مظللة ترى ما حدث في غزة يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وكأن لا شيء قبله.

لا احتلال خارج القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة لأكثر من سبعين عامًا؟ ولا حصار مدمر وقاتل لكل مظاهر الحياة في غزة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترًا مربعًا؟ ولا سجون مكتظة بالأسرى الذين يموتون بالتقسيط وراء القضبان؟ ولا تنكيل وإهانات عند المعابر كل يوم؟ ولا صمت دولي وعربي على الحق الفلسطيني الذي يتآكل في كل لحظة تحت ضربات اليمين الديني المتطرف الذي يزرع المستوطنات فيما بقي من أراضي الفلسطينيين، ويعتدي يوميًا على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين دون خجل أو خوف من محاسبة أو عقاب؟

هذا ما تنبه له الأمين العام للأمم المتحدة، الذي قال: "إن السابع من أكتوبر له ما قبله"، وجرّ ذلك عليه نهش آلة الدعاية والتشهير الصهيونية المنتشرة في كل العالم.

الكيل بمكيالين ليس جديدًا على القوى الكبرى في العالم، لكن العجب أن تقف نخب الغرب الأوروبي والأميركي مع جزار مثل نتنياهو، يقود حكومة التعصب الديني والعنصري التي قتلت أكثر من 14 ألف طفل في غزة وحدها، وتخرق يوميًا القانون الدولي الإنساني، وتلقي بقنابل تزن آلاف الكيلوغرامات من الجو على أحياء سكنية وسط بيروت من أجل استهداف شخص واحد. يؤازر الغرب إسرائيل في الوقت الذي تقبل فيه محكمة العدل الدولية توجيه الاتهام لها بأخطر جريمة على وجه الأرض (الإبادة الجماعية).

وكل هذا يجري على مرأى ومسمع الإعلام الجديد والقديم مباشرةً صوتًا وصورة، فهذا أمر غير مسبوق، ولا يسائِل التزام هذه الحكومات بالقيم الديمقراطية التي انتُخبت على أساسها، بل يسائِل القيم الغربية في أسسها ومنطلقاتها ومدى سريانها على كل البشر.

عام ليس كباقي الأعوام، فيه رويت النفوس العطشى للحرية والعدالة والإنصاف والسلام الدولي الحقيقي، لا سلام الرومان المفروض بقوة السلاح. عام ظهرت فيه أصوات حرة بعمق إنساني وأخلاقي عزّ نظيره في الشرق والغرب، لم تخشَ في كلمة الحق لومة لائم، ولا سلاحَ ظالمٍ، ولا إعلامًا منحازًا إلى صاحب القوة والنفوذ والمال.

تعرف الجيوش كيف تبدأ الحرب، لكن لا العسكري ولا المدني يعرفان كيف تنتهي الحروب. الحرب ظاهرة تتمدد وتتقلص وتخلق لنفسها ديناميكية داخلية غير متحكم فيها. لهذا، فإن الأصعب والأخطر على الفلسطينيين وعلى اللبنانيين وعموم المقاومين قد مر، رغم أكلافه الباهظة.

من يصمد سنة في ساحة معركة غير متكافئة القوة يمكن أن يصمد سنوات، ومن أعطى دماء وتضحيات جسيمة وكبيرة فلا يعود أمامه ولا خلفه ما يخشى عليه. الدور الآن على إسرائيل التي خسرت هذه السنة ما لا تستطيع استرجاعه: (الهيبة، قوة الردع، الإحساس بالأمان، مشروع الاندماج في المنطقة، السمعة الدولية).

كثيرًا ما كان النصر في المعركة فخًا يقود إلى الهزيمة في الحرب، وكثيرًا ما كانت الهزيمة في المعركة فرصة للانتصار في الحرب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تشرین الأول 2023 إلى 7 أکتوبر تشرین الأول 2024 من 7 أکتوبر

إقرأ أيضاً:

نتنياهو.. صورة الوغد الذي يحكم إسرائيل

نقل الإعلام الأميركي عن كتاب للصحفي بوب وودوارد، سيصدر الأسبوع المقبل، أن الرئيس جو بايدن، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"الوغد والرجل السيئ" خلال جلسة خاصة مع أحد مساعديه، ربيع العام الجاري.

هذا الوصف الذي أطلقه بايدن على شريكه الإسرائيلي يصلح مدخلا لرسم صورة قلمية عن "بيبي" الفتى الذي نشأ في عائلة متعصبة وأصبح رأسا لما يسمى "الدولة اليهودية". وسندخل إلى نفسية رئيس الحكومة الإسرائيلية عبر التأمل بقصص غريبة، مثل حمله لغسيله الوسخ من إسرائيل إلى الولايات المتحدة ليُغسل على نفقة البيت الأبيض، إذ تفتح تفاصيل صغيرة كهذه نافذة على جوانب مثيرة وغير متوقعة من نفسيته، وتعكس الأبعاد النفسية والثقافية لشخصيته.

يحمل غسيله الوسخ بحقيبته الدبلوماسية

في عالم السياسة، حيث تركز الأضواء عادة على المواقف الكبرى والأزمات الدولية، قد تبرز تفاصيل صغيرة لتلقي ضوءاً مختلفاً على سياسي بحجم رئيس وزراء. ففي زيارته إلى واشنطن، فإن أحد الزعماء الأكثر جدلاً بالشرق الأوسط حمل معه شيئاً غير متوقع: غسيله الوسخ. نعم، هذه ليست مجرد شائعة، بل حقيقة أكدها مسؤولون أميركيون. وكل مرة يزور فيها الولايات المتحدة، يقوم نتنياهو بإرسال ملابسه المتسخة لغسلها على حساب البيت الأبيض.

وفي عالم الدبلوماسية، قد يبدو هذا التفصيل طريفاً أو غريباً، لكنه يعكس جانباً شخصياً في حياة نتنياهو، السياسي الذي يجمع بين الشراسة والبراغماتية، وبين اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة في حياته اليومية، إلى درجة أن يغسل غسيله على نفقة حكومة أجنبية.

كل مرة يزور فيها الولايات المتحدة يقوم نتنياهو (يسار) بحمل ملابسه المتسخة لغسلها على حساب البيت الأبيض (رويترز)

ولكن هذه القصة لا تقف عند حدود الطرافة، بل ربما تثير تساؤلات حول كيف يرى نتنياهو نفسه وعلاقته بالقوى العالمية الكبرى. هل هي مجرد عادة بريئة أم رمز لطموحه الدائم لتحقيق مكاسب شخصية، صغيرة كانت أم كبيرة، في كل مجال؟

وبالنسبة لبعض النقاد، قد يُنظر إلى هذه القصة على أنها نموذج لطريقة تعامل نتنياهو مع السلطة والثقة الزائدة التي تتخطى الحدود، ليس فقط في ميدان السياسة بل حتى في أمور بسيطة كالغسيل. أما مؤيدوه، فقد يرون في الأمر مجرد جانب إنساني يُظهر أنه حتى أقوى القادة لديهم حاجات عادية.

الزعيم الذي يجمع الزجاجات الفارغة

بالانتقال من هذا التفصيل الشخصي، يمكننا الغوص في تفاصيل أعمق حول شخصية نتنياهو، فمن بين القصص المثيرة للجدل التي تحيط بحياة رئيس الحكومة الإسرائيلية، تبرز قصة غريبة تعكس جانباً آخر من أسلوب حياته مع زوجته سارة. ففي عام 2013، تم الكشف عن أن نتنياهو وزوجته جمعا زجاجات فارغة من مقر إقامتهما الرسمي، وباعاها للاستفادة من ثمنها، وهو أمر قد يبدو بسيطاً أو عادياً بالنسبة للكثيرين، لكنه أثار ضجة كبيرة في إسرائيل.

وبدأت القصة عندما تقدم موظف سابق في مقر إقامة رئيس الوزراء بشكوى حول ممارسات عائلة نتنياهو فيما يتعلق بالزجاجات الفارغة. ووفقاً لهذه الشكوى، كان نتنياهو وزوجته يجمعان الزجاجات الفارغة من مشروبات الاستقبال والمناسبات الرسمية، ومن ثم يقومان ببيعها لإعادة تدويرها والاستفادة من المبلغ المالي المتواضع الناتج عن ذلك.

والمثير في الأمر أن هذه الزجاجات لم تكن شخصية يستخدمها نتنياهو وعائلته، بل زجاجات تم شراؤها على حساب الدولة، واستخدمت في مناسبات رسمية بمقر إقامة رئيس الوزراء. ووفقاً للقوانين الإسرائيلية، كان من المفترض أن تتم إعادة أثمانها إلى خزينة الدولة، وليس إلى جيوب العائلة الأولى.

ثمن بخس لكنه أزمة كبيرة

ما جمعه الزوجان نتنياهو من بيع الزجاجات الفارغة كان لا يتجاوز آلاف الشواكل، وهو مبلغ زهيد بالنسبة لرئيس حكومة وزوجته، ولكنه أثار غضباً شعبياً واسعاً. والقضية تمثل رمزاً للتناقض بين حياة الفخامة التي يعيشها نتنياهو على حساب الدولة وبين الجهود الصغيرة التي بذلتها عائلته للاستفادة حتى من الموارد الصغيرة مثل الزجاجات الفارغة.

وفي النهاية، اضطر نتنياهو إلى إعادة المبلغ الذي جمعه من بيع الزجاجات الفارغة، وقد ألقى باللوم على سوء الفهم، مشيراً إلى أن الموضوع كان مجرد خطأ إداري. ولكن بالنسبة للكثير من الإسرائيليين، كانت هذه القصة تعبيراً عن استغلال للمال العام، ولو على نطاق صغير، وقد أضافت إلى صورة نتنياهو كشخص يسعى دوماً لتحقيق مكاسب، مهما كانت بسيطة.

عندما يُذكر نتنياهو بوسائل الإعلام تبرز سارة شريكة حقيقية في جميع جوانب حياته (شترستوك) التعاون الزوجي خلف الأبواب المغلقة

إلى جانب الجدل المالي، عكست القصة جانباً من الشراكة الوثيقة بين نتنياهو وزوجته. وكل مرة يتم ذكر نتنياهو في وسائل الإعلام، تبرز سارة شريكة حقيقية في جميع جوانب حياته، من السياسة إلى الأمور الشخصية. وجمع الزجاجات وبيعها ربما كان يعكس تواطؤاً داخلياً بينهما في محاولة للاستفادة من كل مورد ممكن، حتى وإن كان بسيطاً.

وهذه القصة تكسر صورة نتنياهو كسياسي يصفونه بأنه بارع كما يحاول أن يظهر نفسه في الإعلام، بل إنها تكشفه كشخص يمكن أن ينخرط في ممارسات تبدو غريبة وغير متوقعة، وكأن هناك جانباً من شخصيته يميل إلى الاقتصاد أو التقتير حتى في التفاصيل الدقيقة.

النظر بعمق في عائلة متعصبة

تربى نتنياهو في عائلة تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف في المجتمع الإسرائيلي. والده بنتسيون نتنياهو كان مؤرخاً مشهوراً ومؤيداً قوياً للصهيونية، وقد نقل إليه هذا الإرث من القيم. وهذه النشأة في بيئة مليئة بالأفكار القومية المتشددة قد زرعت فيه شعوراً بالاستحقاق، حيث نشأ في وسط يركز على الهوية المحصنة وقضية البقاء في وجه التحديات التاريخية.

وهذا التعصب العائلي قد يعكس أفكاراً عميقة الجذور حول الدين والقومية، والتي تطورت في ذهن نتنياهو لتصبح جزءاً من هويته الشخصية. فمنذ صغره، تلقى تعليماً يؤكد أهمية وجود إسرائيل كدولة يهودية، ويشدد على التهديدات المحتملة من جيرانه. وهذا الشعور بالتهديد قد يكون سبباً رئيسياً في تبني نتنياهو مواقف عدائية تجاه الفلسطينيين والدول العربية، مما يفسر حذره المفرط ونزعته العسكرية.

وتسببت توجهات عائلته اليمينية المتطرفة في تشكيل رؤيته السياسية، حيث أصبح نتنياهو رمزاً للسياسات القومية المتطرفة. فعندما اعتلى السلطة، تبنى سياسات تدعم الاستيطان بالأراضي الفلسطينية وتستبعد أي حوار جدي مع الفلسطينيين، متأثراً بفكر عائلته الذي يفضل القوة العسكرية وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.

وفي سياق سلوكه الشخصي، يمكن رؤية أثر هذه الخلفية في حبه للاستفادة من الموارد، حتى وإن كانت بسيطة. ويمكن لشعور الاستحقاق والتعصب الذي نشأ فيه أن يفسر لماذا لا يرى في تصرفاته -مثل بيع الزجاجات الفارغة أو غسل ملابسه على حساب دولة عظمى- شيئاً غير عادي أو مرفوض، بل يعتبرها وسائل طبيعية لتحقيق مكاسب حتى وإن كانت ضئيلة.

نشأة نتنياهو بعائلة متعصبة تلقي الضوء على سلوكياته وتوجهاته السياسية (مواقع التواصل) الصراع الداخلي والتناقضات

يمكن اعتبار خلفية نتنياهو العائلية عاملاً يساهم في التناقضات التي يحملها. فهو يتنقل بين كونه زعيماً قومياً يدافع عن مصالح إسرائيل واعتقاداته الشخصية التي قد تبدو في بعض الأحيان صغيرة أو تافهة. وقد يكون هذا الصراع الداخلي ناتجاً عن قيم نشأ عليها، حيث يُتوقع منه أن يكون نموذجاً للقائد القوي، بينما تظهر تصرفاته الشخصية جوانب أخرى من شخصيته، يبدو معها وكأنه الرجل العادي الصغير والتافه.

ولم تُعزز عائلة نتنياهو فقط من توجهاته السياسية، بل أيضاً من أسلوب قيادته. إذ يُظهر أسلوبه في الحكم نزعة قوية إلى السيطرة والسلطة، مما قد يكون مستمدّاً من قيادته العائلية. فشخصية تتربى في بيئة تعزز القوة والهيمنة قد تجد صعوبة في تبني أساليب أكثر مرونة أو تعاونية، بل ويجد طبيعيا أن يتكسب من كل شيء حواليه ما دام أنه يعيش ضمن "السور الواقي" في أعلى قمة السلطة.

وإجمالاً، يمكن القول إن تأثير نشأة نتنياهو في عائلة متعصبة يلقي الضوء على سلوكياته وتوجهاته السياسية. فالتعصب والهوية القومية القوية التي غُرست فيه منذ الطفولة تعكس العديد من الجوانب المثيرة للجدل في شخصيته، من سياساته الخارجية إلى ممارساته الشخصية. وهذه التأثيرات العائلية تعكس وجود صراع داخلي مستمر بين صورة الزعيم القوي وبين التصرفات التافهة التي تبدو متناقضة مع تلك الصورة. وكل هذا ربما يجعل منه "وغدا وسيئا" إذا استعرنا تعبيرات الرئيس الأميركي.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو.. صورة الوغد الذي يحكم إسرائيل
  • «التعليم» تعلن ضوابط امتحانات شهر أكتوبر 2024 لصفوف النقل
  • 10 تشرين الأول -يوم الصحة النفسية العالمي
  • مؤتمر باريس لدعم لبنان في 24 تشرين الأول
  • الخارجيّة الفرنسيّة: سنعقد إجتماعاً وزاريّاً دوليّاً بشأن الأزمة في لبنان في 24 تشرين الأول
  • « التعليم».. تعلن خطة تنظيم أعمال امتحانات شهر أكتوبر للعام الدراسي 2024/2025
  • رئيس الوزراء الياباني يحل مجلس النواب قبل انتخابات في 27 تشرين الأول
  • ما هي العراقيل الـ3 التي تمنع إسرائيل من ضرب نووي إيران؟
  • قاسم : نشكر إيران على الدعم الذي تقدمه على مر السنوات للمقاومة.. وقد أثبتت تصميمها على مساندة المقاومة