لجريدة عمان:
2025-04-25@23:32:09 GMT

الكتابة منذ الروح!

تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT

الكتابة منذ الروح!

الكتابة أداة مهمة من أدوات التعلم وكسب المعرفة والثقافة، فالإنسان يواصل التقدم في عَمَلِه وعِلْمه وموهبته وهو يحتاج للكتابة وممارستها ولا يأتي ذلك إلا بالمطالعة الغزيرة وتدريب الفكر وقراءة أهم الآثار النثرية والشعرية، مع العمل على تذوق بعضًا من كلماتها وفهمها، فمن شأن هذا يسهم في تكوين ذائقة لغوية متميزة قادرة ومتمكنة على اختيار الألفاظ المناسبة، كما أن دراسة كتاب الله ومداومة الاطلاع عليه وعلى تفاسيره المعتمدة ليكون المرجع الأهم لفهم اللغة وتذوقها للخروج بكتابات متنوعة رائعة.

وعلاوة على ذلك هنالك الخبرة الحياتية التي تعد من أهم الدوافع في صقل موهبة الشخص الكتابية، فأرى في بعض الأحيان أن هذه الخبرة لا تظهر إلا في من عركته الحياة واستفاد من خبراتها، فالكتابة رحلة فريدة في عمر الإنسان، وهي تختلف تمامًا عن عمره البيولوجي المعروف، وقد يبدو بها أكبر عمرًا من حقيقته، فالكتابة الناضجة تحتاج إلى خبرة في الحياة، والخبرة لا تأتي وحدها، بل على قدر ما يستفاد من دروس الحياة.

فالتجارب المعيشية التي تمر على الإنسان في حياته، قد تلعب دورًا مهما في تحديد القيمة الفنية والهوية الإبداعية لما يكتب، وما أعنيه بذلك كلاً من الأفراح المنسية، والخيبات الثقيلة، والتجارب المؤلمة، والقرارات الاختيارية أو الإجبارية بكل ما فيها من صعوبات وتحديات كان لها جانب إيجابي مميز، وهو النهوض للحياة، وإسناد أنفسنا على الكتابة، لإخراج المشاعر والأحاسيس المكبوتة التي لم نجد لها متسعًا في الذاكرة سوى تدوينها، والتحدث عنها بقوة القلم، فهنا تصبح الكتابة منفذًا ضروريًا، بل تصبح الملجأ الوحيد لمصارعة أمواج اليأس العاتية.

ونستمر في الكتابة حتى وإن لم يطلع عليها أحد، لأنه في داخل كل شخص يكمن كاتب يرفض الاستسلام للسهولة، فهل نكتب لأننا نمتلك طاقة إضافية متجددة لا نريدها أن تفلت منا أم أننا نكتب لنعبر عن حرائق دواخلنا أم أننا نكتب لنخرج من ضجيج الجماعة لنتفرد؟ لكل هذا وذاك من التساؤلات نحن نكتب لنقف، نحن نكتب لتجديد طاقاتنا وعزائمنا، فنحن ندرك تمامًا أنه بحواسنا العميقة سنخرج صوت القلم ليبقى له مستقرًا في زاوية اللغة.

فالكتابة ليست تسلية، إنما هي حاجة! إذ أن لها كون فني تعبيري وفلسفي يعطي الحياة قيمة وطعم، وتشكل انتصارًا حياتيًا فارقًا، لذا يبقى الإبداع في الكاتبة تعبيرًا عن ذات الشخص، وتأكيدًا على حيويته وقدرته على الكتابة وصياغة الكلمات، إذ أنه من الرائع جدًا أن يترك الكاتب بصمته في هذه الحياة معبرًا فيها عن حسه وشعوره الكتابي، فنحن بعد ثورة من المشاعر ونزفًا لحبر القلم قد نصاب بركود فكري، وهذا ما على الكاتب أن يتجاوز لحظة الشعور بالفتور في حسه الإبداعي.

في النهاية، من العظيم أن تصبح كاتبًا يشار إليه بالبنان، وأن توثق جمالية زماننا المترفة عبر صفحات وردية تبني من خراب الزمان مساحات وآفاقًا أخرى غير مرئية في الحياة، لا تخرج إلا بسردها في كتابات وأحداث مشرفة تأخذ الإنسان إليها، وربما يكون جميع ما ذكرته سابقًا هي فقط معايير متواضعة كونها اجتهادًا شخصيًا من واقع تجربة ومعركة خضتها في مسيرتي الكتابية وودت أن أشاركها الكتّاب الذين تعنيهم الكتابة وآفاق الكتابة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ثمة أصوات في الشعر لا تُشبه أحدًا، تمضي بصمت، تتفادى الأضواء، لكنها تُقيم في جوهر الشعر نفسه، في طينته الأولى، قبل أن تمسه الأيدي وتُزَينه الصناعة. من بين تلك الأصوات، يقف الشاعر  فتحي عبد السميع، لا يطلب الحفاوة ولا يمدّ يده لجمهور عابر، بل ينقّب، يحفر، يُفتّش في الظلال، ويترك القصيدة تمشي كما لو كانت نبتة برّية نَمَت من شق في الجدار.

ليست تجربته الشعرية محض انفعال جمالي، ولا تنتمي إلى تيار بعينه، ولا تتوسل الموجة، ولا تلتصق بصيغة واحدة. بل هي ضربٌ من الحفر البطيء في الذاكرة، وفي الجغرافيا، وفي اللغة، وفي خريطة الوجود البشري ذاته. إنّها قصيدة العزلة المختارة، حيث تتحول المفردة إلى أثر، والصورة إلى قلق، والمعنى إلى سؤال.

حين نقرأ فتحي عبد السميع، لا نُفكر في الجنوب كجهة، بل كوعي. الجنوب في قصيدته ليس موقعًا على الخريطة، بل شجرة أنساب، حيث ينبت الشعر من رماد الأسطورة، ومن صدأ الأيام، ومن الذكرى التي لا تموت. نشأته في محافظة قنا، بين أطياف القرى وجراح المدن الصغيرة، صاغتْ فيه هذا التوازن العجيب بين الحنين والحذر، بين التعلق بالجذور، والارتياب من ظلالها الطويلة.

هو لا يمارس الفولكلور، ولا يستعيد الجنوب بصفته مادة خامًا، بل يُعيد كتابته من الداخل، كما لو كان الجنوب نفسه من يكتب، عبر صوته، مرثيته للزمن. ولهذا نجد في قصائده تواترًا للمكان لا بوصفه حقلًا للحنين، بل كمجالٍ للكشف، وإعادة النظر. لا نجد الجنوب في النخيل فقط، بل في صمت النسوة، في عرق الفلاح، في مكر الأمثال، في غبار الطرقات، في ضحكات العجائز الملتبسة.

إنّ الجنوب عند عبد السميع ليس ديكورًا، بل ذاكرة كونية تُختزل في لقطة: باب مغلق، ظل على الجدار، عكاز في الزاوية، مشهد يُغني عن ألف رواية.

القصيدة عند فتحي عبد السميع لا تبدأ من اللغة، بل من الصمت. ولعلّ هذا ما يمنحها تلك الهالة الخفيّة، ذلك التردد الحزين الذي يسكن خلف الصور، ويمرّ في الخلفية كما يمرّ شبح في مرآة. كأنّ الكتابة عنده ليست فعل كلام، بل طقس إصغاء. الإصغاء إلى ما لم يُقل، إلى ما اختبأ في العادي واليومي والمُهمل.

هو شاعر التفاصيل الصامتة، لا يرفع صوته، لكنه يرفع وعينا. لا يُكثر من الزينة البلاغية، ولا يستعرض عضلاته اللغوية، بل يقدّم بيت الشعر كمن يُقدّم ماءً نقيًّا خرج توا من بئر مهجورة. الشعر لديه لا يحتفل بالعاطفة، بل يراقبها، ولا ينفعل، بل يُدبّر، ولا يبني أمجاده على الخراب، بل يُنصت إليه ليعرف كيف يُشفى.

هذه النزعة إلى الإنصات تمنح شعره خصوصية ما، وتُبعده عن خطابات الشعر الجاهزة: لا رثاء أجوف، لا بطولة، لا صراخ، بل إعادة اكتشاف للبساطة كقيمة، وللعادي كمأساة.

فتحي عبد السميع ليس شاعرًا فقط، بل هو عارف، بالمعنى الصوفي للكلمة. تتجلى هذه المعرفة في اشتغاله الطويل على الأمثال الشعبية، وقدرته النادرة على تفكيكها، لا باعتبارها أقوالًا ساذجة، بل كنصوص مكثفة اختزلت أعمارًا وتجارب.

الحكمة عنده ليست خاتمةً جاهزة، بل مسارٌ للانتباه. وهو حين يقترب من الموروث، لا يحنطّه ولا يتباهى به، بل يُزيل عنه الغبار، ويُعيد إليه دفء الاستعمال، ويُخضعه لأسئلته الخاصة. ولهذا فإنّ قصيدته في جوهرها، تكتب الذات وهي تتأمل الجماعة، وتستدعي الجماعة وهي تُنصت للذات.

قلما نجد شاعرًا معاصرًا يمنح اللغة كل هذا الاحترام الهادئ. عبد السميع لا يتعامل مع اللغة كوسيلة، بل كقيمة. لا يستعجل الصورة، بل يُنضجها على نار النظر الطويل، ولا يُراكم المجاز، بل ينتقيه كمن يقطف عنقودًا واحدًا من عنبٍ كثير. في الوقت الذي يُحتفى بالجرأة الفارغة والانزياح المستهلك، تبدو لغته نظيفة، كأنّها خرجت لتوّها من الغسيل، محمّلة برائحة قديمة.

في قصائده، الأشياء تُسمّى كأنها تُنادى باسمها الأول: الباب، القمر، الغيم، الحجر، النخلة، الظل. لكنه لا يكتفي بالاسم، بل يكشف عن الروح التي تسكنه. يُعيد للأشياء براءتها المفقودة، كما لو أنّه يربّت عليها، ويُطمئنها: ما زال هناك من يراها.

ليس كثيرًا أن يكون الشاعر ناقدًا، لكن القليل منهم من يستطيع الفصل بين الصوتين. فتحي عبد السميع يفعل ذلك بتوازن لافت. نقده لا يُخضع الشعر للمنطق، بل يحاور الشعر من داخله، يستنطقه، ويضيء زواياه الخفية. وهو حين يكتب عن شعراء آخرين، لا يمارس سلطة، بل يُشبه من يُنصت، ثم يُعلّق بصدق، ولو على حساب التواطؤ النقدي السائد.

هذه المزاوجة بين التجربة الشعرية والرؤية النقدية، منحت نصّه اتزانًا فريدًا، وصيرته شاعرًا لا يمشي خلف موضة، ولا يُعاد إنتاجه. بل ظل وفيًّا لصوته، لهذا النبع السريّ الذي لا يجري في نهرٍ واحد.

في شعره، نلمح الحكاية التي لم تُروَ، النخلة التي لم تُرَ، القمر الذي لم يُكتَب، والأم التي تمشي في الحقل من دون أن تنتبه أنها قصيدة تمشي. في شعره، ينسى القارئ أنه يقرأ، ويشعر فقط أنه يصغي، وأنّ هناك شيئًا حقيقيًا يحدث، شيء نادر، لا اسم له، لكنه يُشبه الحياة حين تصير أكثر جمالًا مما ينبغي.

مقالات مشابهة

  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • “دور الإعلام الثقافي”.. محور لقاء ديوانية القلم الذهبي الأسبوعي
  • خبراء يناقشون سؤال: الكتابة في عصر الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟
  • ما صحة تمرير مرشحين رسبوا في امتحانات الكتابة في البقاع؟
  • 150 عاما من الحياة: تكنولوجيا خارقة تعيد تشكيل مصير الإنسان
  • في ذكراه.. كارل شبيتلر شاعر التمرد الهادئ وفيلسوف الروح الأوروبية
  • «خِلال وظِلال».. ديوان جديد يُضيء سماء الشعر العُماني
  • في النهاية، نحن نكتب الحياة، والحياة في بلادي هي الحرب.
  • النقل تفتح باب الجدل: هل تصبح الأجواء العراقية محوراً استراتيجياً للطيران العالمي؟
  • الحياة الانعزالية للحيوانات تبوح بأسرارٍ عن طبيعة الإنسان الاجتماعية