الهوية الوطنية بين تحديات العولمة وخصوصية القيم.. رؤية فلسفية معاصرة
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
إشكالية الهوية الوطنية في الفلسفة المعاصرة تحتل مكانة مركزية في الفكر العربي في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم الهوية ليست مجرد مجموعة من القيم الثابتة التي تتوارثها الأجيال بل هي مفهوم ديناميكي يتفاعل مع السياق العالمي والتحولات الثقافية والاجتماعية لكن هذا التفاعل لا يعني دائما الانسياق الكامل وراء ما تمليه العولمة الثقافية من معايير وسلوكيات قد تتناقض مع خصوصيات المجتمعات
في ندوة نظمها منتدى الفكر والثقافة بالتنسيق مع مكتب الدكتور جمال سند السويدي نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية والتي افتتحها الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش طُرحت إشكالية الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية من زاوية العلاقة بين خصوصية القيم المحلية وعالمية المعايير في ظل عالم يزداد فيه الطابع الكوني على كل جوانب الحياة من الاقتصاد إلى الثقافة والسلوك الاجتماعي.
الهوية الوطنية تواجه اليوم تحديات داخلية وخارجية من الداخل ثمة تغيرات اجتماعية كبيرة تمس القيم والأخلاق التقليدية التي كانت تشكل العصب المركزي للوعي الجمعي في المجتمعات العربية الإماراتية ومن الخارج هناك ضغط متزايد من قوى العولمة الاقتصادية التي لا تكتفي بتوحيد الأسواق بل تعمل أيضا على ترويج أنماط سلوكية وثقافية جديدة تختلف جذريا عن القيم المحلية هذه العولمة تترافق مع ما يمكن تسميته بـ”العربدة الأخلاقية” حيث يتم تقديم الشذوذ الجنسي والفردانية بوصفهما جزءا من الحرية الفردية التي يتعين على الجميع قبولها دون اعتراض.
لكن إشكالية الهوية الوطنية ليست مجرد صدام بين قيم الداخل وقيم الخارج بل هي صراع بين ثوابت محلية عريقة وقيم كونية تبدو لأول وهلة أنها إنسانية لكن عند التدقيق يظهر أنها تروج لمفهوم مادي للفرد يضعه في مواجهة مع الجماعة ويعزز النزعة الحيوانية في الإنسان على حساب كرامته العقلية والأخلاقية كيف يمكن للمجتمعات العربية التي تعتز بتقاليدها وتاريخها الطويل من القيم أن تواجه هذه التحديات وتحافظ على قواسمها المشتركة وذاكرتها الجماعية؟
الحفاظ على القيم الوطنية والإرث الثقافي في هذا السياق لا يعني الانغلاق أو رفض كل ما هو جديد بل يجب أن يكون هناك انفتاح واعٍ يعتمد على التمييز بين القيم التي تعزز من كرامة الإنسان وتلك التي تدفعه نحو التفسخ والانحلال الفردانية التي تروج لها العولمة قد تبدو جذابة من حيث المظهر لكنها في جوهرها تؤدي إلى تآكل روابط التضامن الاجتماعي الذي يشكل العمود الفقري لأي هوية وطنية هذه الفردانية تعزز من مفهوم الإنسان المستقل عن مجتمعه وعن القيم الأخلاقية التي توجه سلوكاته مما يفتح الباب أمام انهيار القيم الاجتماعية المشتركة التي ظلت لقرون تشكل أساس استقرار المجتمعات العربية.
في المقابل يأتي التحدي الأبرز في كيفية الحفاظ على هذا التوازن بين الأصالة والانفتاح بين الثوابت والمتغيرات فالقيم الوطنية الإماراتية المستمدة من الذاكرة الجماعية والإرث الحضاري ليست مجرد ماضٍ تليد نتمسك به بل هي قيم حية تسهم في تشكيل الحاضر والمستقبل لهذا المجتمع هذا الإرث ليس مجرد سرديات تاريخية بل هو قاعدة أساسية تساعد على مواجهة العولمة الثقافية والفكرية بشرط أن يتم التعامل معها بوعي وعقلانية.
إن الهوية الوطنية في الإمارات تقدم نموذجاً فريداً للتفاعل مع التحديات العالمية دون المساس بالثوابت الثقافية والاجتماعية فهي هوية قائمة على التسامح والانفتاح الإيجابي على العالم مع الحفاظ على القيم التي تجعل المجتمع الإماراتي متميزاً ومتماسكاً بين مكوناته المختلفة هذا النموذج يمثل حلاً عملياً لإشكالية الهوية في الفلسفة المعاصرة إذ يؤكد على إمكانية التعايش مع العالم المعاصر دون التخلي عن الخصوصيات الثقافية والتاريخية التي تشكل جوهر الهوية.
لكن الحفاظ على الهوية الوطنية لا يمكن أن يتحقق بمجرد الحديث عن القيم أو التمسك بالذاكرة التاريخية فقط بل يتطلب استراتيجيات شاملة تشمل التربية الوطنية وتعزيز الوعي الثقافي لدى الأجيال الجديدة التربية الوطنية التي تركز على القيم المشتركة والإرث التاريخي تسهم في بناء وعي وطني قوي قادر على مواجهة التحديات المستقبلية بما في ذلك العولمة الثقافية التي تعمل على تذويب الحدود بين الثقافات والأمم.
ختاما فإن إشكالية الهوية الوطنية في العالم العربي وفي الإمارات خصوصا تتطلب تعاملاً حكيماً يوازن بين الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والقيم المحلية وبين الانفتاح على المعايير العالمية التي تعلي من شأن الإنسان دون تدمير مقوماته الأخلاقية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الهویة الوطنیة فی الحفاظ على
إقرأ أيضاً:
برلماني رافضا تصريحات ترامب: محاولة مكشوفة لتفكيك النسيج الفلسطيني وطمس الهوية الوطنية
قال المهندس حازم الجندي ، عضو مجلس الشيوخ، وعضو الهيئة العليا بحزب الوفد، إن اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول عربية مجاورة، مثل مصر والأردن هو حديث صادم لأنه جاء متجاهلا التاريخ والواقع، حيث يحمل في طياته خطرا كبيرا على مستقبل القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها المواثيق الدولية، مؤكدا أن نقل الفلسطينيين من قطاع غزة لا يمكن اعتباره حلاً لأي أزمة، بل هو خطوة تسعى إلى تهجير سكان الأرض الأصليين وتفريغ القطاع من أهله، في محاولة مكشوفة لتفكيك النسيج الفلسطيني وطمس الهوية الوطنية.
وأضاف أن قطاع غزة بكل ما يعانيه نتيجة الحرب الإسرائيلية على مدار عام و ٣ شهور، هي جزء أصيل من فلسطين، وتهجير سكانها إلى دول أخرى لا يعني فقط اقتلاعهم من جذورهم، بل يعني أيضاً تحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد أزمة إنسانية بدلاً من كونها صراعاً سياسياً حول الحقوق والأرض، مؤكدا أن هذا الاقتراح يتعارض بشكل صارخ مع مبادئ القانون الدولي، فالقرارات الأممية، وعلى رأسها قرار الجمعية العامة رقم 194، تؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، كما أن هذا الطرح يخالف ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر التهجير القسري، ويعتبره شكلا من أشكال جرائم الحرب.
وأشار « الجندي» إلى أن اقتراح ترامب يعكس رؤية أميركية ضيقة لدور الولايات المتحدة في عملية السلام، فبدلاً من العمل على إيجاد حلول عادلة تستند إلى مبادئ القانون الدولي، جاءت هذه المبادرة التي تستهدف خدمة مصالح إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، مشددا على أن دعم المسارات السياسية التي تهدف إلى تحقيق حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع بشكل عادل ومستدام.
ودعا المجتمع الدولي اليوم إلى التصدي لهذه الطروحات التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يتطلب موقف واضح برفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو انتهاك حقوقهم التاريخية، ومن ثم أي حلول لا تحترم حقوقهم، ولا تضمن لهم إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، هي حلول محكوم عليها بالفشل، مشددا على أن الاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني حتى لا تصبح المنطقة رهينة للاضطرابات والصراعات التي لن تنتهي.