لم تشهد ليبيا في تاريخها فيضانات مثل تلك التي وقعت في سبتمبر/أيلول من العام الماضي وتسببت في انهيار سدين مائيين، الأمر الذي دفع خبراء حول العالم إلى الاهتمام بمحاولة استكشاف الأسباب التي أدت إلى هذا المشهد المدمر، وكانت المفاجأة في الدور المهم الذي لعبته قوة فضائية في هذا الحدث المتطرف، وهي "الأشعة الكونية المجرية".

وهذه الأشعة هي جسيمات عالية الطاقة تنشأ من خارج نظامنا الشمسي، ومعظمها من بقايا انفجارات المستعرات الأعظمية وغيرها من الأحداث النشطة في المجرات البعيدة، وتتكون في المقام الأول من البروتونات والإلكترونات والنوى الذرية التي تنتقل عبر الفضاء بسرعة الضوء تقريبا، وعندما تصل إلى الأرض تتفاعل مع الغلاف الجوي، مما يتسبب في التأين والتفاعلات الثانوية المختلفة.

وبحثت الدراسة المنشورة في دورية "جورنال أوف أتموسفيرك آند سولار- ترستريال فيزيكس" -والتي أجراها فريق بحثي من قسم العلوم البيئية بمعهد الغابات في الجامعة الريفية الفدرالية بالبرازيل- العلاقة بين تدفق هذه الأشعة ودرجة حرارة سطح البحر وهطول الأمطار أثناء العاصفة المتوسطية "دانيال" في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، والتي بدأت فوق اليونان، مما أدى إلى أضرار واسعة النطاق، واشتدت مع تحركها نحو ليبيا، إذ تسببت في فيضانات كارثية، خاصة في مدينة درنة.

ومن المعروف منذ فترة طويلة أن الأشعة الكونية المجرية تتفاعل مع الغلاف الجوي للأرض، وتؤدي هذه التفاعلات إلى تكوين نوى التكثيف، وهي جزيئات صغيرة تعزز تكوين السحب من خلال السماح لبخار الماء بالتكاثف إلى بلورات جليدية على ارتفاعات عالية.

ويقول الباحث في معهد الغابات بالجامعة الريفية الفدرالية في البرازيل رونابسون كاردوسو فرنانديز والمشارك بالدراسة في تصريحات خاصة للجزيرة نت "بينما لا تنتج الأشعة الكونية المطر بشكل مباشر فإنها تزيد عدد نوى التكثيف، مما يسمح لسحب العاصفة بتخزين المزيد من المياه وتكثيف هطول الأمطار".

ومن خلال تحليل بيانات السلاسل الزمنية للأشعة الكونية المجرية وتقديرات هطول الأمطار ودرجة حرارة سطح البحر للفترة بين الأول من سبتمبر/أيلول 2023 والـ11 من الشهر نفسه وجد فرنانديز ورفاقه ارتباطا قويا بين تدفق الأشعة الكونية المجرية وهطول الأمطار الشديدة خلال الفترة المذكورة، مما يشير إلى أن الطقس الفضائي ربما لعب دورا رئيسيا في حجم العاصفة "دانيال".

الأشعة الكونية جسيمات عالية الطاقة تنشأ من خارج نظامنا الشمسي (ناسا) تأثير درجة حرارة البحر

ورصد الباحثون أيضا في دراستهم كيف كان للأشعة الكونية تأثير على درجة حرارة البحر وانعكاس ذلك على حجم العاصفة وشدتها، إذ تتفاعل الأشعة الكونية المجرية التي تأتي من الفضاء الخارجي مع الغلاف الجوي، مما يزيد تكوين السحب، وتعكس هذه السحب الإضافية ضوء الشمس بعيدا عن مياه البحر، مما يتسبب في تبريد سطح البحر قليلا.

وقبل العاصفة كان البحر دافئا بالفعل، وتوفر المياه الدافئة الطاقة للعواصف من خلال التسبب في تبخر المزيد من المياه، ويضيف هذا التبخر الكثير من الرطوبة إلى الغلاف الجوي، مما يساعد العواصف على إنتاج المزيد من الأمطار.

ويقول فرنانديز إنه "على الرغم من أن الأشعة الكونية بردت البحر قليلا فإن الماء كان لا يزال دافئا بما يكفي لتغذية العاصفة بالرطوبة، وساعد الجمع بين الغطاء السحابي الإضافي (الناجم عن الأشعة الكونية) والمياه الدافئة في تكوين سحب عاصفة أقوى، مما أدى إلى هطول أمطار غزيرة".

ولتقريب الأمر، يمكن التفكير في الغلاف الجوي كمطبخ، إذ يتم "طهي" المطر، وتكون الأشعة الكونية المجرية هي الطهاة الذين يساعدون في تحضير المكونات (جسيمات صغيرة في الهواء)، في حين أن درجة حرارة سطح البحر تشبه حرارة الموقد، وعندما يكون الموقد دافئا جدا يمكنه "طهي" الكثير من المطر، خاصة عندما يعمل الطهاة أيضا بجد لإضافة المزيد من المكونات، وأدى هذا المزيج إلى هطول أمطار غزيرة تسببت في فيضانات هائلة بكل من اليونان وليبيا.

مع ميل الأحداث المتطرفة للزيادة في المستقبل يميل عمل الأشعة الكونية المجرية إلى تكثيف هذه الأحداث بشكل أكبر (وكالة الأنباء الفرنسية) الفرق بين ليبيا واليونان

وأوضحت الدراسة مسؤولية كل عنصر من العناصر عن هذا الحدث المدمر في اليونان وليبيا، إذ كان للأشعة الكونية المجرية تأثير بنسبة 60.52% على هطول الأمطار، وكان لدرجات حرارة سطح البحر تأثير بنسبة 34.53% في اليونان، أما في ليبيا فكان تأثير الأشعة الكونية المجرية 33.71% ودرجة حرارة سطح البحر 65.96%.

ويحذر فرنانديز من أنه "مع ميل الأحداث المتطرفة إلى الزيادة في المستقبل يميل عمل الأشعة الكونية المجرية إلى تكثيف هذه الأحداث بشكل أكبر، ليس في ليبيا واليونان وحدهما، ولكن في مناطق متعددة من العالم".

ويقول "على عكس تغير المناخ -الذي يرتبط بالأنشطة البشرية- تأتي الأشعة الكونية من الفضاء، لذلك فإنها تضيف عاملا إضافيا يكثف الطقس المتطرف منفصلا عن تغير المناخ، فعلى سبيل المثال أظهر بحث جديد لفريقنا البحثي لا يزال قيد التقييم أن تأين الهيدروجين بواسطة الأشعة الكونية المجرية ساهم في تحمض هطول الأمطار في تايوان، ومع زيادة تلوث الهواء ستكون الأمطار الحمضية أكثر تواترا".

ويضيف فرنانديز "دراستنا تسلط الضوء على الحاجة إلى تضمين بيانات الأشعة الكونية في نماذج التنبؤ بالطقس والمناخ المستقبلية، إذ لا تأخذ النماذج الحالية في الاعتبار تدفق الأشعة الكونية، فنحن نبني معادلة يمكن استخدامها عالميا لتحسين التنبؤات بالأحداث الجوية المتطرفة مثل تلك التي شهدناها في اليونان وليبيا".

أكثر أهمية من أي وقت مضى

وتدعم هذه الدعوة دراسات سابقة، مثل تحليل أجري عام 1998 لهطول الأمطار الشديدة في شمال شرق البرازيل، والذي وجد أيضا علاقة قوية بين تدفق الأشعة الكونية ودرجة حرارة سطح البحر وهطول الأمطار، كما يوضح فرنانديز.

ومع زيادة تغير المناخ بالفعل وتسببه في الأحداث الجوية المتطرفة فإن فهم كيفية تفاعل الطقس الفضائي -مثل تدفق الأشعة الكونية المجرية- مع الغلاف الجوي للأرض أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ويؤكد فريق البحث أن الأشعة الكونية المجرية -التي تتأثر بالنشاط الشمسي، وليس تغير المناخ- يمكن أن تزيد شدة العواصف المستقبلية.

ويقول فرنانديز "هذه الظاهرة لا تقتصر على البحر الأبيض المتوسط، إذ تؤثر الأشعة الكونية المجرية على الطقس في جميع أنحاء العالم، ويجب اعتبارها عاملا رئيسيا في التنبؤ بالأحداث المتطرفة والوقاية من الفيضانات وإدارة موارد المياه".

من جانبه، يشيد كارم عبد المحسن الباحث في العلوم الجيولوجية والبيئية بجامعة غرب ميشيغان وجامعة ولاية أريزونا بهذه الدراسة، والتي تقدم -برأيه- إساهما مهما في دراسة تأثير الأشعة الكونية على تكوين نوى التكثيف والأحداث الجوية المتطرفة.

ويقول عبد المحسن للجزيرة نت "تظهر الدراسة ارتباطا قويا بين تدفق الأشعة الكونية ودرجة حرارة سطح البحر، مما يعزز الفهم العلمي لأنماط الطقس ويبرز الآليات الفيزيائية المعقدة وراء هذه الظاهرة".

ويؤكد على أن هذا البحث يشير إلى احتمالات تأثير الأشعة الكونية على الطقس المستقبلي في ظل التغيرات المناخية، إذ لا تأخذ نماذج المناخ في الاعتبار تدفق الأشعة الكونية المجرية كسبب في أحداث هطول الأمطار المتطرفة.

ويضيف "في تقديري، هذا البحث يمثل دعوة علمية لإدراج الأشعة الكونية المجرية كمتنبئات بالطقس والمناخ في الماضي والحاضر والمستقبل، كونها مهمة في فهم هذه الأحداث التي قد يكون لها تأثير سلبي على توليد الطاقة المتجددة وحدوث الفيضانات المدمرة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات هطول الأمطار تغیر المناخ المزید من بین تدفق

إقرأ أيضاً:

صحة البحيرة: دعم مستشفى غرب النوبارية بجهاز أشعة سينية C-arm

أعلن مديرية الصحة بالبحيرة، برئاسة الدكتور السيد عبد الجواد وكيل وزارة الصحة بالبحيرة، بدعم مستشفى غرب النوبارية المركزي بجهاز أشعة سينية C-arm، الذي يعد ثورة في التصوير الطبي وأداة حيوية في جراحات العظام والقلب والجراحات طفيفة التوغل بفضل قدرته على توفير التصوير في الوقت الحقيقي للمريض.

جاء ذلك في ضوء جهود الدولة المصرية لدعم القطاع الصحي، والعمل على التطوير المستمر لكافة المنشآت الصحية والمستشفيات، ضمن خطة الإدارة العامة للأشعة لتزويد وتحديث أقسام الأشعة بالمستشفيات، بأحدث أجهزة الأشعة المقطعية، ورفع كفاءة الخدمة الطبية المقدمة لمستشفى غرب النوبارية المركزي بمحافظة البحيرة.

يأتي فى إطار مجهودات وزارة الصحة والسكان لجودة وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والارتقاء بالمنظومة الصحية، وفي ضوء طلب مديرية الصحة بالبحيرة ورؤية القطاع العلاجي وإدارة الأشعة بالمديرية بتوفير أجهزة أشعة لرفع كفاءة العمل بأقسام الأشعة لبعض المستشفيات.

يستخدم جهاز C-arm على نطاق واسع في مجموعة متنوعة من الإجراءات لمساعدة الأطباء في تشخيص وعلاج المرضى. ومن أبرز إستخداماته في جراحة العظام، حيث يوفر تصويراً فورياً للعملية لمساعدة الجراح في وضع الدبابيس والبراغي في الموضع الصحيح، مما يقلل فرص حدوث أخطاء أثناء الجراحة ويساهم في تسريع تعافي المريض.

كما تم تركيب جهاز السونار في قسم العناية والحضانة الخاص بحالات الإيكو للأطفال، مما يعزز القدرة على تشخيص الحالات الطبية بدقة.

يأتي ذلك ضمن منظومة التطوير الكبرى التي تشهدها مستشفيات البحيرة، ودعمها بالأجهزة الطبية الحديثة لتقديم أفضل مستوى من الخدمات الطبية للمرضى والمترددين على المستشفيات.

وأكدت الدكتورة جاكلين عازر محافظ البحيرة، أن هناك خطة تطوير شاملة للقطاع الصحي بالمحافظة، بالتنسيق مع كافة الوزارات والهيئات والأجهزة التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني، بهدف الإرتقاء بمنظومة الرعاية الصحية وتطوير ورفع كفاءة المستشفيات العامة والمركزية، والتوسع في إنشاء المراكز الطبية المتميزة، وتزويدها بكافة الأجهزة والمعدات الحديثة لتوفير الخدمات الصحية المتكاملة للمواطنين.

مقالات مشابهة

  • حفرة تثير الزعر في اليابان ومخاوف من فيضانات الصرف الصحي.. والسكان يفرون
  • ترقبوا| حدث فضائي مذهل.. هذا ما سيحدث في هذا الموعد
  • محمود التهامي والليلة الكبيرة ونجوم الموسيقى العربية يبهرون جمهور اليوم الثاني
  • طقس العراق اليوم: صحو بدرجات حرارة معتدلة
  • هل الاحتياطيات النقدية الكبيرة للعراق حقاً تطمئن أم تخفي أزمة مالية مقبلة؟
  • «ايدج» تتعاون مع «الدفاع» المجرية في برامج الابتكار
  • فيديو.. فيضانات تاريخية تجتاح شمال غرب فرنسا
  • صحة البحيرة: دعم مستشفى غرب النوبارية بجهاز أشعة سينية C-arm
  • الطريقة الرفاعية: الليلة الكبيرة في مولد السيدة زينب لها مكانة خاصة في قلوب المصريين
  • تركيب جهاز الأشعة السينية C -arm بمستشفى غرب النوبارية