السر في تقدم الفاتحة على كل سور القرآن
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
قال الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر، إن تقدم الفاتحة على سائر سور القرآن الكريم جاء كذلك لحكم كثيرة أهمها أنها اشتملت إجمالا على ما يوجد في القرآن تفصيلا .
ما هو سر تقدم سورة الفاتحة على سائر سور القرآن الكريم ؟
وأضاف مرزوق أن سورة الفاتحة كالمقدمة لسائر سور القرآن الكريم، وقد جاء وللعلماء في ذلك كلام كثير نكتفي منه في هذا المقام بما نقله السيوطي عن الطيبي عليهما رحمة الله تعالى، قال السيوطي : ﻗﺎﻝ اﻟﻄﻴﺒﻲ: ﻫﻲ - أي الفاتحة - ﻣﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻧﻮاﻉ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮﻡ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻨﺎﻁ اﻟﺪﻳﻦ:
النوع الأولﻋﻠﻢ اﻷﺻﻮﻝ، ﻭﻣﻌﺎﻗﺪﻩ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻭﺇﻟﻴﻬﺎ اﻹﺷﺎﺭﺓ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ} ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻫﻲ اﻟﻤﺮاﺩﺓ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {ﺃﻧﻌﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ} ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﻌﺎﺩ ﻭﻫﻮ اﻟﻤﻮﻣﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻣﺎﻟﻚ ﻳﻮﻡ اﻟﺪﻳﻦ}
النوع الثانيﻋﻠﻢ اﻟﻔﺮﻭﻉ ﻭﺃﺳﻪ اﻟﻌﺒﺎﺩاﺕ ﻭﻫﻮ اﻟﻤﺮاﺩ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {ﺇﻳﺎﻙ ﻧﻌﺒﺪ}
النوع الثالثﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻪ اﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻢ اﻷﺧﻼﻕ ﻭﺃﺟﻠﻪ اﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﻀﺮﺓ اﻟﺼﻤﺪاﻧﻴﺔ ﻭاﻻﻟﺘﺠﺎء ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺎﺏ اﻟﻔﺮﺩاﻧﻴﺔ ﻭاﻟﺴﻠﻮﻙ ﻟﻄﺮﻳﻘﻪ ﻭاﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺇﻟﻴﻪ اﻹﺷﺎﺭﺓ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {ﻭﺇﻳﺎﻙ ﻧﺴﺘﻌﻴﻦ اﻫﺪﻧﺎ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ}
النوع الرابعﻋﻠﻢ اﻟﻘﺼﺺ، ﻭاﻷﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ اﻷﻣﻢ اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ﻭاﻟﻘﺮﻭﻥ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ اﻟﺴﻌﺪاء ﻣﻨﻬﻢ، ﻭاﻷﺷﻘﻴﺎء، ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﻋﺪ ﻣﺤﺴﻨﻬﻢ، ﻭﻭﻋﻴﺪ ﻣﺴﻴﺌﻬﻢ ﻭﻫﻮ اﻟﻤﺮاﺩ ﺑﻘﻮﻟﻪ : ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾
[ سورة الفاتحة: 7]
أعظم سور القرآن
وعلق مرزق على كلام الطيبي تنبيه هام، أن هذا يبين لنا عظمة سورة الفاتحة ويبين أنها أعظم سورة في القرآن الكريم، وقد دلت السنة الصحيحة على ذلك : "ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﻠﻰ، ﻗﺎﻝ: ﻣﺮ ﺑﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺻﻠﻲ، ﻓﺪﻋﺎﻧﻲ ﻓﻠﻢ ﺁﺗﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﻠﻴﺖ ﺛﻢ ﺃﺗﻴﺖ، ﻓﻘﺎﻝ: «ﻣﺎ ﻣﻨﻌﻚ ﺃﻥ ﺗﺄﺗﻴﻨﻲ؟» ﻓﻘﻠﺖ: ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻠﻲ، ﻓﻘﺎﻝ: " ﺃﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﻟﻠﻪ: {ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا اﺳﺘﺠﻴﺒﻮا ﻟﻠﻪ ﻭﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺇﺫا ﺩﻋﺎﻛﻢ ﻟﻤﺎ ﻳﺤﻴﻴﻜﻢ} [اﻷﻧﻔﺎﻝ: 24]
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: «ﺃﻻ ﺃﻋﻠﻤﻚ ﺃﻋﻈﻢ ﺳﻮﺭﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﺧﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ»، ﻓﺬﻫﺐ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻴﺨﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﺬﻛﺮﺗﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: «اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الفاتحة سورة الفاتحة القران الكريم الأزهر القرآن الکریم سورة الفاتحة سور القرآن
إقرأ أيضاً:
الشُّكْرُ
الشُّكْرُ
#ثروت_موسى_الرواشده
أَنْ تَسْتَيْقِظَ كُلَّ صَبَاحٍ دُونَ أَلَمٍ، أَنْ تُبْصِرَ وَجْهَ مَنْ تُحِبَّ، أَنْ تَمْشِيَ، أَنْ تَتَنَفَّسَ، تَضْحَكَ، تَأْكُلَ، جَمِيعُهَا مُعْجِزَاتٌ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ الْبَارِئِ الْخَالِقِ الْمُصَوِّرِ، وَمِنْ أَوَّلِ شَرْخٍ لِنِعَمِهِ اعْتَدْنَاهَا نُوقِنُ أَنَّنَا تَنَاسَيْنَا فِرْدَوْسًا كُنَّا نَعِيشُهُ، وَلَمْ نَرْفَعْ لِخَالِقِهِ تَهْلِيلَةَ شُكْر.
أحَقًّا نَحْنُ مِنْ عِبَادِهِ الْقَلِيلِ؟
قال تعالى في (القرآن العظيم الحكيم المجيد):
إنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ
سورة التغابن، الآية 17
وقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
سورة فاطر، الآية 34
ذريَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا
سورة الإسراء، الآية 3
وَقَدَّمَ اللهُ الشُّكْرَ عَلَى الْإِيمَانِ لِأَهَمِّيَّتِهِ وَمَدْحًا لَهُ، وَهِيَ عِبَادَةٌ تَزِيدُ الْإِيمَانَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
مَاذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً
سورة النساء، الآية 147
فَمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ: أَيْ يَرَى أَعْمَالَ الْعِبَادِ الْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ فَيَشْكُرَ لَهُمْ، أَيْ بِمَعْنَى يُثِيبُهُمْ.
وَعَلِيمٌ: فَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ كَمْ يَسْتَحِقُّ مِنْ شُكْرِهِ مِنْ جَزَاءٍ وَعَطَاءٍ.
فَاللَّهُ يُثْنِي عَلَى عِبَادِهِ الشَّاكِرِينَ، وَيَكُونُ الشُّكْرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَرْكِ الْكُفْرِ وَالدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ (الإِسْلَامِ)، وَإِقْرَارِ النِّعْمَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِهَا، ثُمَّ الْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ الْمُنْعِمُ، ثُمَّ عِبَادَتُهُ، ثُمَّ التَّعْرِيفُ بِهِ وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْحَكِيمِ الْمَجِيدِ يَأْتِي الشُّكْرُ عَلَى مَرَاتِبَ:
أَوَّلًا: ثَنَاءُ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ
بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي أَوَّلُهَا “الْأَلِفُ وَاللَّامُ”، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 3]
ثَانِيًا: ثَنَاءُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
[البقرة: 32]
ثَالِثًا: مَدْحُ الْبَشَرِ، وَخُصُوصًا الْأَنْبِيَاءَ
وإذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
[البقرة: 127]
وَهُوَ أَوَّلُ مَدْحٍ لِإِنْسَانٍ ذكر ، ذَكَرَهُ: النَّبِيُّ أَبُو الْأَنْبِيَاءِ.
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
[آل عمران: 35]
وَهُوَ أَوَّلُ مَدْحٍ لإنسان أُنْثَى
وَبَيَّنَ الدُّكْتُور Robert Emmons وَهُوَ أَحَدُ أَبْرَزِ الْبَاحِثِينَ فِي عِلْمِ النَّفْسِ الْإِيجَابِيِّ بِجَامِعَةِ كَالِيفُورْنْيَا، يَقُولُ:
إِنَّ الْأَشْخَاصَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الشُّكْرَ وَالِامْتِنَانَ بِانْتِظَامٍ، يَكُونُونَ أَكْثَرَ سَعَادَةً بِنِسْبَةِ 25% مِنْ غَيْرِهِم، وَبِذَلِكَ يُعَزِّزُ الرِّضَا عَنِ الْحَيَاةِ، وَيُقَلِّلُ مِنَ الْقَلَقِ وَالِاكْتِئَابِ، كَمَا تُسَاعِدُ الْأَفْرَادَ الَّذِينَ يُعَانُونَ الْأَرَقَ، وَالْمُخَدِّرَاتِ، وَاضْطِرَابَاتِ النَّوْمِ، فَتَجْلِبُ لَهُمُ الْأَمَلَ وَالْإِيجَابِيَّةَ.
..وَفِي عُلُومِ الطَّاقَةِ وَالتَّنْمِيَةِ الذَّاتِيَّةِ يُعْتَبَرُ الشُّكْرُ وَالِامْتِنَانُ مِنْ أَقْوَى الطَّاقَاتِ الْإِيجَابِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعِيشَ بِهَا، فَتَرْفَعُ ذَبْذَبَاتِهِ، وَيَحْدُثُ تَحَوُّلٌ فِي الطَّاقَةِ الْإِيجَابِيَّةِ، وَبِحَسَبِ قَانُونِ الْجَذْبِ، فَإِنَّكَ تَجْذِبُ مَا تُرَكِّزُ عَلَيْهِ.
أَمَّا رُؤْيَتِي عَنِ الشُّكْرِ وَالِامْتِنَانِ، فَهِيَ مِنْ أَهَمِّ الْمَهَارَاتِ الَّتِي يَتَوَجَّبُ تَدْرِيبُ الْعَقْلِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَبْحَثٌ تَرَاهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَجْرِي خَارِجَكَ، بَلْ تَتَدَفَّقُ مِنْ دَاخِلِكَ، فَإِنَّ بِالشُّكْرِ وَالِامْتِنَانِ تَمْلَأُ الْفَجْوَةَ مَا بَيْنَ قَلْبِكَ وَالْحَيَاةِ، وَتُسْقِطُ عَنْكَ ثَوْبَ الضَّحِيَّةِ.
فَنِسْيَانُ النِّعَمِ كَالْعَاصِفَةِ، تَزُولُ بِشُكْرِكَ لِفَضْلِهِ، لِتَظْهَرَ السَّمَاءُ بِزُرْقَتِهَا كُلَّمَا امْتَلَأَ قَلْبُكَ امْتِنَانًا لِكَرَمِهِ، فَتَرْتَقِي بِنَفْسِكَ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ.