الشيخ “موسى هلال” وحدود النار
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
السودان أمام أزمة مركبة ،كلفته الكثير من المآسي والتدمير، قوى إقليمية طامعة في موارده الغنية، مافيا سياسية انقضت على السلطة، كإنقضاض قطاع طرق على قافلة في طريق خلوي، و قضمت أكثر مما تستطيع هضمه في هذه اللحظة المأزومة سياسياً ومجتمعياً.
لكنّ ما هو أسوأ، أن قيادتها تحاول استغلال اللحظة السودانية الراهنة ، لتحقيق طموحاتها، حتى وان كان ذلك على حساب نسيج السودان المجتمعي .
البعض يظن أن أخطاء “حميدتي” يجب أن يسدد فاتورتها كل العرب في دارفور ، ليرثوا نفوذهم الذي صنعته السلطة المركزية لضرورة حقبة ما ، وهذه رؤية خاطئة ، ستكون عواقبها وخيمة، فالانفصالُ عن الواقع، وخلق واقع جديد، هو نوع خطير من أنواع القيادة للهاوية.
الهجوم المنظم على زعيم “المحاميد” “موسى هلال” وتخوينه،هو استثمار في انهيار النظام المجتمعي في دارفور.
الشيخ ” هلال” ليس خائناً، بل رجل وطني ، ظللت على تواصل معه طيلة فترة الحرب ، هو في صف القوات المسلحة ، وبذل مجهودات عظيمة في إعادة صياغة العهد الاجتماعي بين المجموعات السكانية لشمال دارفور، عبر توقيع مواثيق عمل مشترك لصد عدوان مليشيات “آل دقلو”.
لكن جهات طامعة في بسط نفوذها السياسي ،العسكري في دارفور ، تعمل على إحباط كلّ محاولة وطنية، مع المضيّ في أبلسة “هلال” ، وهي أكثر علماً ودراية بأن القوات التي تقاتل بجانب مليشيات “حميدتي”بإسم “مجلس الصحوة الثوري”، يقودها “محمد بخيت عجب الدور ” الذي عزله الشيخ “موسى ” عن موقعه كأمين عام في ١٣/يناير/٢٠٢٣م .
كشفت الحرب خللاً هائلاً في ميزان الولاء الوطني ، وان بلادنا تتكئ على رصيد هائل من الانتهازية السياسية، وان العدو وظف ذلك الخلل في عملية انقضاض لا ترحم.
النخبة السودانية أمام امتحان عسير في ولائها الوطني، وسيظل السؤال مطروحاً: كيف ستخرج بلادنا من هذا الجحيم ؟، كيف ستنقذ مجتمعنا من الزلزال ؟، فبعض الماضي يساعد في فهم أخطار الحاضر.
ينبغي على الجميع ان يكونوا عقلانيين و على شيء من الاستعداد للتعامل مع الواقع والمأساة، وفقاً لرؤية وطنية تجمع ولا تفرق السودانيين.
محبتي واحترامي
رشان اوشي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
حرب السودان لم تضع أوزارها بعد
1
في المقال السابق، وفي محاولتي الإجابة على سؤال ما العمل بعد أن استعادت القوات المسلحة السودانية سيطرتها على المناطق التي احتلتها قوات الدعم السريع وطردها منها، وخاصة عاصمة البلاد وما بها من مواقع ورموز السيادة الوطنية، أشرت إلى أن هذه التطورات العسكرية، لا تعني أن الحرب انتهت ووضعت أوزارها.
فالمؤشر الرئيسي لانتهاء هذه الحرب، أو هذه الجولة من جولات حروب السودان، هو استسلام قوات الدعم السريع وتسليم أسلحتها، وهو ما لم يحدث. بل إن هذه القوات مازالت موجودة، وعتادها غربا في دارفور وفي كردفان وفي مناطق متاخمة للعاصمة، حيث جاء في الأخبار أنها تواصل عملياتها الانتقامية ضد السكان المدنيين في قرى الجموعية جنوب أمدرمان.
كما أنها لا تزال تحاصر مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، وتهدد بضرب مناطق في ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، خاصة بعد سيطرتها على منطقة المالحة الاستراتيجية، والتي تقع عند تقاطع الطرق الذي يربط ما بين شمال السودان وغربه، ويُعد مركزاً رئيسياً للإمداد والتموين استأثرت به قوات الدعم السريع لصالح إمدادها وتموينها عبر الطريق القادم من ليبيا. وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه القوات تعتبر مكونا رئيسيا في تحالف «تأسيس» السياسي العسكري والذي يضم أيضا قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمركزة في جنوب كردفان، والتي ظلت لعدة عقود في نزاعات دامية مع حكومات الخرطوم، كما يضم بعض حركات دارفور المسلحة التي أيضا ظلت في نزاعات دامية مع حكومات الخرطوم منذ العام 2002 وحتى توقيع اتفاق سلام جوبا 2020، وأخذنا في الاعتبار أيضا أن هذا التحالف الجديد أعلن أنه سيشكل حكومة موازية لحكومة بورتسودان في البلاد، لبات واضحا أن حروب الهامش والمركز المشبعة بسفك دماء المواطن السوداني منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، دارفور وجنوب كردفان نموذجا، إضافة إلى أنها ستستمر أكثر عنفا وشراسة، ستدفع بالبلاد إلى منعطف أشد خطورة ومأساوية ويهدد وحدتها. وهناك ملاحظة لها دلالتها الهامة والمؤثرة في مجرى الصراع في دارفور، وهي أن قوات الدعم السريع كانت تقاتل إلى جانب حكومة الإنقاذ في دارفور، أو أن الإنقاذ أنشأت هذه القوات خصيصا للتصدي للحركات المسلحة في دارفور آنذاك، بينما هي الآن تقاتل من الضفة الأخرى. وإذا كان تحالف الدعم السريع والحكومة آنذاك لم يستطع حسم الحرب في دارفور عسكريا، فليس هناك ما يشير إلى إمكانية حسمها اليوم عسكريا والدعم السريع انتقل من ذاك التحالف إلى الاتجاه المعاكس، بل سيتواصل تجلي أزمة السودان العامة ودوران حلقتها الشريرة حربا في دارفور كما كانت من قبل. وفي كل الأحوال، فإن الانتصارات العسكرية، مهما كانت حاسمة، لن تنهي حرب السودان الراهنة، بل الأمر يتطلب حلا سياسيا تفاوضيا يخاطب مطالب كل الأطراف، ولكن ليس على حساب المصلحة العامة ومطالب الوطن، وفي إطار التصدي للأزمة الوطنية العامة التي تسكن البلاد منذ فجر الاستقلال، وتمتد جذورها عميقا في تربة التهميش واختلالات التنمية غير المتوازنة والتوزيع غير العادل للموارد والمشاركة غير العادلة في السلطة.
ومن الضروري هنا التأكيد على أن الحل السياسي التفاوضي الذي نعنيه ينبغي ألا يكون مساومة بمبادئ ثورة ديسمبر/كانون الأول العظيمة، أو يأتي مجرد صفقة لشراكة جديدة واقتسام كراسي السلطة، أو مناورة بهدف عودة نظام الإنقاذ في ثوب جديد. فكل هذا يعني استمرار الأزمة واندلاع الحرب ولو توقفت برهة. فأهداف الحل السياسي التفاوضي يجب أن تكون واضحة ومحددة في أ ـ وقف القتال وتحقيق التحول الديمقراطي وكفالة الحريات وحقوق الإنسان، ورفض أي شكل من أشكال الوصاية العسكرية على النشاط السياسي. ب ـ المحاسبة القضائية لكل من ارتكب جرما ضد الوطن والمواطنين، بما في ذلك الانتهاكات وجرائم الفساد. د ـ فتح الطريق لإطلاق حوار سوداني سوداني يبحث الشروع في إعادة بناء الدولة السودانية على أساس مشروع وطني يحارب التهميش ويحقق التنمية المتوازنة ويعيد بناء مؤسسات الدولة السودانية، المدنية والعسكرية، وكل ذلك وفق أسس جديدة تتضمن المواطنة المتساوية وعدالة المشاركة في السلطة وتوزيع الموارد، وبما يحقق إعادة صياغة الهوية السودانية على أساس الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي وتقنينه، وبما يحقق السلام المستدام ويعيد رتق النسيج الاجتماعي وإصلاح الشروخ والجراحات الغائرة التي خلفتها صراعات وحروب الموارد والسلطة والهوية، وصولا إلى تحقيق إقامة سودان موحد ديمقراطي مستقر بإرادة شعبه الطوعية.
لن يفيد السودان، بل سيضره كثيرا، التصرف وكأن الحرب قد انتهت أو شارفت على الانتهاء بعد استعادة السيطرة على العاصمة. لذلك، وإضافة إلى ما ناقشناه أعلاه، هنالك تدابير عاجلة وضرورية وتتطلب التنفيذ العاجل اليوم ويقع عبء ذلك على قيادة القوات المسلحة باعتبارها السلطة الحاكمة في البلاد. وقبل تنفيذ هذه التدابير، فإن أي حديث عن عملية سياسية أو تكوين حكومة جديدة سيكون مجرد ثرثرة على النيل. وفي مقدمة هذه التدابير:
٭ الإسراع في نشر أفراد الشرطة والأجهزة الأمنية لبسط الأمن واحتكارها إنفاذ القانون، والتصدي لكافة أشكال أخذ القانون باليد. *فتح الممرات الآمنة لضمان انسياب وحماية المساعدات الإنسانية في كل البلاد.
٭ إطلاق مشروع لإصحاح البيئة بمشاركة واسعة من شباب الأحياء ولجان غرف الطوارئ وعضوية الأحزاب السياسية ونشطاء المجتمع المدني.
٭ تهيئة المناخ الملائم لإطلاق أي عملية سياسية أو حوار، عبر تجميد التعديلات الأخيرة في الوثيقة الدستورية، وكفالة الحريات العامة، وإلغاء مذكرات الاعتقال الصادرة من النيابة العامة بحق القيادات السياسية في الخارج.
وللأهمية، أختم بذات خاتمة المقال السابق، محذرا أن تظل القوى السياسية السودانية في وضعية المراقب للأحداث والمنتظر للنتائج، بل يجب أن تبادر، وفورا، للتوافق حول رؤية لكيفية التعامل مع المرحلة الجديدة على ضوء تطوراتها الراهنة، وأن لا تترك الأمر كله للمبادرات الخارجية.
نقلا عن القدس العربي