أحاديث في الإسلام السياسي … مُقدمات مُمهدات ….
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
الجمعة, 12 يوليو 2024 2:24 م
منذ أن أسقط الماسوني مصطفى كمال اتاتورك بقية ما سمي تلفيقا باسم الخلافة الاسلامية ( وهي ليست خلافة إسلامية وانما سلطنة عثما
نية) سنة 1924, والامة في شقيها الاسلامي والعربي تعاني من أزمات نشوء المجتمعات الجديدة الخارجة من نار الظلم العثماني بشقيه التركي المسلم والتركي الطوراني قبل وبعد 1908, ومن ازمات نشوء الدول الوطنية والقطرية والمشاريع الوحدوية والانفصالية .
ولقد كان الاسلام هو المستهدف بصنع الازمات في وجه توجهه وفي وجهته , حتى كان صنع اسرائيل في يوم الناس ذلك مقدمة لصنع هذا الانفصام الحضاري بين نتائج تلك الازمات بين كل من
– الشعوب وحكامها
– الجمهوريات والملكيات
– السياسات والتوجهات
– الشيوعية والتغريب
– القومية والوطنية
– الدكتاتورية والحرية
وكلها ثنائيات جعلت من الحضارة الاسلامية العربية حضارة مأزومة بأزمات :
– الوجود الاسلامي
– الوجود العربي
– الوجود الوظيفي
– الوجود الفعلي
وهذا كله جعلنا نجد ان الصراع بين الثنائيات المنقسمة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وقوميا ووطنيا كان ولا يزال صراعاً بين ثنائيتين :
– أهل الاسلام
– أعداء الاسلام وأهله
فأهل الاسلام من حزبيين وغير حزبيين واجهتهم اشكالية الوجود الاسلامي والعربي الموازي نفسه في تحولات ما بعد 1924 ..
واعداء الاسلام واهله واجهتهم امة ضعيفة دب إليها داء الأمم من قبلها في الحسد والتباغض والاختلاف والتفرق الى شيع واحزاب .
ومن ثم فإن كل تقسيم سياسي وحضاري قام به الغرب المستعمر صار أمراً واقعاً مقبولاً لدى الامة في ذاتها وصفاتها ..
وصارت الدولة القطرية الوطنية المحدودة بالحدود الجديدة بإرادة كوكس وأمثال كوكس وكورنواليس والمس بل وسايكس وبيكو هي البديل عن دار الاسلام التي كانت قيمة حضارية , فتحولت الى قيمةٍ تاريخيةٍ تشبهُ في التمجدِ بها معلقة عمرو بن كلثوم التي تخر فيها الجبابر سجدا للصبي الفطيم ..
وكان ذلك كذلك .
ومن ثم فإن الصراع الحضاري الذي مر في الأربعينات والخمسينات والستينات بين الحكام مدعومين بالسفارات الغربية , وبين المحكومين مدعومين بفكر مستورد شيوعي او تغريبي او قومي او إسلامي منتزع من حقائق الإسلام قسراً تحول في السبعينات وبخاصة في نهايتها الى صراع الوجود الذي واجهته الأمة من كشمير وأفغانستان إلى الحرب العراقية الإيرانية والحرب اللبنانية الى مشكلة الصحراء الغربية الى وجود الامة في منافي الشرق والغرب لأن بعض أبناءِ الأمة عارضوا ,مجرد معارضة, فراعين الأمة وطواغيتها الذين قالوا للناس جميعا حقيقة ومجازا بلسان فرعون :
( أنا ربكم الأعلى ) !!
ولكن وسط الشيوعيةِ والتغريبيةِ والقوميةِ فان الإسلاميين في الثمانينات والتسعينات حتى 2001 كانوا يواجهون الأزمات القديمة التي صارت أزمات قديمة جديدة
– أزمات تحولات العصر
– أزمات نهاية الحرب الباردة وتحولهم الى البديل عن الخطر الاحمر حيث صار الخطر اسلاميا اخضرا
– أزمات انقسام الامة الذاتي والصفاتي
– أزمات الارهاب الذي خرج من مصر وافغانستان ومن حشوية بعض السلفيين امثال جهيمان العتيبي ومن تلا جهيمان العتيبي
– أزمات تحول اميركا نحو الإسلاميين لتخترقهم وتصيبهم في مقتل
وكانت الازمة الكبرى ما جرى في 11 ايلول 2001 التي جرت من بعدها ازمات احتلال افغانستان والعراق .. وما جرى من هبوط الإسلاميين بعد احتلال البلدين قبل السياسة وبعدها .
وفي الفترة التي اوصلتنا الى الربيع العربي المزعوم, وإنما هو صيفٌ لاهبٌ بوجهِ حضارة الأمة , أصاب الإسلاميين ولا يزال يصيبهم في مقتل , فإن الإسلاميين والصراع الحضاري واجهوا التحولات التي قادتها أميركا والغرب بعد أزمات سياسية واقتصادية وثقافية وقومية ..
فكان الصراع الحضاري صراع أدوات الوجود والبَقاء بين الإسلاميين المتحزبين والإسلاميين غير المتحزبين , وبين التغريبيين واليساريين والمتأمركين وحتى المتصهينين من دعاة التطبيع من الصهاينة ..
وما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بعض شواهد ذلك ..
ونتائج الانتخابات وتحولات الرئاسة وتوقع ما بعد الحدث الواقع والذي لا يزال يقع شواهد على ان الصراع بين الإسلاميين وبين الغرب , وبين مجتمعات مأزومة , وبين مراكز فكر تغريبي ظاهرة وخفية , وبين فساد قديم وجديد للنخب القديمة التي لبست كل الاثواب وبضمن ما لبسته اثواب الإسلاميين هو صراع سيتحول وفق كل قواعد الاستشراف السياسي الى صراع وجود بين الإسلاميين وحضارتهم والسياسة والمجتمع وحتى الاقتصاد .
وفي كل الحالات سواء أرَبحَ الإسلاميون أم خسِروا البرلمانات والرئاسات فإنهُم سَيحملون عبء الصراع الحضاري نفسه .. واي عبءٍ عبءُ تحمل الإسلاميين للصراع الحضاري
في مرحلة الليالي فيها حبالى يلدن كل عجيب ..
الدكتور محمود المشهداني
المصدر: المركز الخبري الوطني
إقرأ أيضاً:
الموت والوجود (أُنطولوجيا الموت)
الكلام عن أُنطولوجيا الموت هو كلام عن الموت من حيث هو ظاهرة كلية عامة فـي الوجود، وليس من حيث هو ظاهرة يمكن أن يعيشها أو يعانيها الفرد فـي تجربة الحياة. ولا شك فـي أن الكلام عن الموت بهذا الاعتبار يبدو كلامًا خارج السياق فـي هذه الآونة التي يموج فـيها العالم بأحداث كبرى تؤثر فـي مجريات الواقع وتستدعي التأمل؛ ولذلك فإن دوائر السياسة والإعلام والصحف تنشغل فـي هذه الآونة برصد الصراعات والحروب التي لا تهدأ فـي عالمنا، فضلًا عن رصد وتحليل تبعات عودة الجمهوريين برئاسة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر تأثيرًا فـي الأوضاع والسياسات العالمية. ومع ذلك، فإننا فـي خضم هذه الحقائق والأحداث الواقعية الجسام ننسى أو نتناسى أن الموت يظل هو الحقيقة اليقينية الكبرى، ليس فقط على المستوى الوجودي، وإنما أيضًا على المستوى الواقعي فـي عالمنا الراهن: فالموت يطل برأسه يوميًّا ليحصد الأفراد والجماعات فـي الصراعات والحروب، حتى باتت مشاهد الموت مألوفة فـي كل لحظة من لحظات حياتنا اليومية، وكأننا أمام حالة من صناعة الموت بفعل القتل والعدوان، ويكفـي أن نشاهد يوميًّا آلة القتل الإسرائيلية التي ترتكب مذابح قتل الفلسطينيين وغيرهم. وبذلك فإن حضور الموت الدائم يفرض نفسه علينا ويدعونا إلى تأمله. لنـتأمل أولًا معنى الدلالة الأُنطولوجية للموت: يصف هَيدجر الوجود الإنساني بأنه وجود من أجل الموت أو -على الأدق- وجود متجه نحو الموت Zein zum Tode، وهو لا يعني بذلك أن الموت يمثل نهاية أو نقطة وصول نهائية لمسار الحياة؛ فالموت لا يشبه سقوط ثمرة بلغت تمام نضجها بعد مسار نموها، كما صوره ماركوس أوريليوس: فلو تصورنا الحياة باعتبارها مسارًا، وتساءلنا: أين يقع الموت على هذا المسار؟ فسنجد أن الموت لا يقع عند نقطة محددة من هذا المسار، بل يمكن أن يقع عند أية نقطة من هذا المسار باعتباره إمكانية دائمة كامنة فـي قلب الوجود. لا يعي الحيوان وغيره من الكائنات الحية هذه الحقيقة؛ لأن الحيوان لا يعرف الموت إلا فـي اللحظة التي يكون فـيها مهددًا بالموت، أما الموجود البشري فإنه يعي حقيقة الموت باعتباره متأصلًا فـي ماهية وجوده، أي باعتباره موجودًا متجهًا باستمرار نحو الموت؛ وهذا هو الأصل فـي الوعي بالزمانية والتناهي، وهو أيضًا سر من أسرار القلق الوجودي العميق المتأصل فـي طبيعة الموجود البشري الذي يعي معنى وجوده. هذا فحوى ما يريد هيدجر قوله، وهو بلا شك حقيقة يقينية لا مراء فـيها. ومع ذلك فإننا لا يمكن أن نكتفـي بهذه الحقيقة فـي فهمنا لماهية الوجود الإنساني: حقًّا إننا نعي -أو ينبغي أن نعي- وجودنا باعتبارنا موجودات زمانية متناهية، ولكننا أيضًا لا ينبغي أن نكتفـي بفهم وجودنا باعتباره «وجودًا من أجل الموت» أو «وجودًا متجهًا نحو الموت: فنحن، وإن كنا موجودات متناهية، فإننا لم نُوجد بهذا الاعتبار وحده، أعني أننا لم نُوجد لكي نموت، وإنما لكي نبقى، على الأقل إذا كنا نريد أن نحيا كموجودات حقيقية. فما معنى أن نبقى، وعلى أي نحو يمكن أن نبقى؟ من البديهي أن البقاء هنا لا يعني عدم الموت، وإنما يعني البقاء رغم الزوال والتلاشي وفـي مواجهته، فمن دون ذلك يصبح الوجود الإنساني أشبه بالوجود الحيواني، أعني يصبح وجودًا متلاشيًّا لا يبقى منه شيء فـي هذا العالم من بعد زواله؛ ولذلك فإننا نصف الحيوان الذي انتهى أجله بأنه «قد نفق»، بينما نصف الموجود البشري الذي انتهى أجله بأنه «قد مات»؛ لأن الموت ليس «نفوقًا: أو تلاشيًا من الوجود؛ لأن الموجود البشري يمكن أن يظل باقيًا وحاضرًا فـي الوجود بعد مماته عبر قرون، بل عبر آلاف السنين. فعلى أي نحو يمكن أن يبقى الموجود البشري؟ يبقى الموجود البشري على أنحاء عديدة، من خلال الأفعال التي يقوم بها والأشياء التي يبدعها لتبقى بعد مماته: قد يتمثل ذلك فـي موته دفاعًا عن مبدأ أو قيمة عليا، وهو ما يتبدى فـي سير الأبطال والشهداء العظام التي تبقى عبر الأجيال، وفـي إبداعات الأفراد وصروح الحضارات ومنجزاتها التي تبقى شاهدة على حضور أصحابها فـي التاريخ. وربما أمكنني القول فـي النهاية: إن إبداعات الوجود الإنساني على مستوى الأفراد والأمم تنبع من دافعية أنثروبولوجية عميقة نحو البقاء، من دونها يصبح الوجود الإنساني عابرًا متلاشيًا. |