لماذا أنفقت غوغل 2.7 مليار دولار لتستعيد هذا الموظف؟
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
عادت غوغل للظهور في عناوين الصحف في الأيام الماضية بعد أن أنفقت 2.7 مليار دولار لتستعيد أحد موظفيها الذين تركوها في 2021، وهو المختص بالذكاء الاصطناعي نعوم شازير، ورغم أن وظائف الذكاء الاصطناعي هي الأعلى دخلًا في الوقت الحالي، فإن عرض غوغل تخطى المعتاد في هذا القطاع بفارق كبير.
دفعت هذه الصفقة الجميع لطرح سؤال رئيسي: من هو نعوم شازير؟ ولماذا أنفقت غوغل كل هذا المبلغ لإعادته لصفوفها بعد أن تركها مستاءً في عام 2021؟
صفقة ذات تفاصيل أعمقتضمنت الصفقة لإعادة شازير إلى صفوف عملاق البحث تفاصيل أكثر من مجرد مكافأة يحصل عليها أو راتب مستقبلي، إذ أنفقت غوغل هذا الملبغ لطلب رخصة استخدام نموذج ذكاء اصطناعي يدعى "كاراكتر" (Character)، وهو نموذج الذكاء الاصطناعي ذاته الذي رفضته غوغل وتسبب في ترك شازير الشركة في 2021.
أشار تقرير نشرته "وول ستريت جورنال" إلى أن صفقة كاراكتر منحت غوغل حقًا في الاستفادة من تقنيات الشركة، فضلًا عن انتقال نعوم شازير للعمل لدى غوغل ليصبح أحد 3 أشخاص مسؤولين عن تطوير "جيميناي"، نموذج الذكاء الاصطناعي في غوغل. والأموال التي حصل عليها شازير بشكل مباشر هي نتيجة حصة الأسهم التي يمتلكها في كاراكتر، وهو ما ينطبق على كافة المساهمين في الشركة.
ومن المثير للدهشة في هذه الصفقة أن غوغل في الوقت الحالي لا تملك استخداما واضحا لتقنية كاراكتر، رغم أنها أصبحت تمتلك حقوق استخدامها، مما يشير إلى أن الصفقة بأكملها كانت لإعادة شازير لصفوفها.
من نعوم شازير؟انضم شازير إلى غوغل للمرة الأولى في عام 2000، وعمل على مجموعة من المشاريع الهامة للشركة، من ضمنها تحسين أنظمة بحث غوغل لفهم الأخطاء الإملائية بشكل أفضل، وهو المشروع الذي أسهم في تعزيز دور محرك البحث يتخطى المتوقع، لذا عندما طلب شازير من إريك شميت -الذي كان المدير التنفيذي للشركة آنذاك- الوصول إلى آلاف الشرائح وافق مباشرةً، تمكن شازير من استمالة شميت قائلا "سوف أحل معادلة المعرفة العامة بحلول نهاية الأسبوع".
بالطبع فشلت مساعي شازير في ذلك الوقت لتقديم نموذج ذكاء اصطناعي ذي معرفة عامة، ولكن هذا الفشل أكد لمجلس إدارة الشركة أنه سيكون المسؤول عن إطلاق الذكاء الاصطناعي البشري في المستقبل، بحسب وصف شيمت له.
وفي عام 2017، نشر شازير بالتعاون مع مجموعة من الباحثين في غوغل ورقة بحثية تدعى "كل ما تحتاج إليه هو الانتباه"، تضمنت شرحًا مفصلًا لأنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على توقع الكلمة التالية في الجملة، وهو ما تحول لاحقًا إلى نموذج المساعدة في البحث لدى غوغل ونواة أنظمة الذكاء الاصطناعي التي نعرفها اليوم.
مساعي شازير لإطلاق نموذج اصطناعي واع وأشبه بالبشر لم تتوقف، واستمر في أبحاثه بالتعاون مع دانييل دي فريتاس الذي يعمل معه في غوغل من أجل بناء روبوت دردشة قادر على التحدث في كافة المواضيع العامة يدعى "مينا"، ويمكن النظر إليه بوصفه نسخة أولية من "شات جي بي تي"، ولكن رفض مجلس الإدارة في غوغل طرح النموذج أو تبنيه نتيجة مخاوف قانونية، مما دفع شازير ودي فيرتاس لترك الشركة في عام 2021 مؤكديْن أن غوغل ترفض المخاطرة في مجال الذكاء الاصطناعي. لاحقًا في ذلك العام، أسس نعوم شازير ودانييل دي فريتاس شركة "كاراكتر".
متاعب مالية والبحث عن تمويلتغير عالم الذكاء الاصطناعي للأبد في نهاية عام 2022 حين أعلنت "أوبن إيه آي" عن نموذج "شات جي بي تي"، ليجذب أنظار المليارات حول العالم ويقدم شركات الذكاء الاصطناعي للعالم، وفي مقدمة هذه الشركات كانت كاراكتر، التي تمكنت من جذب استثمارات بلغت 150 مليون دولار بعد تقييم الشركة عند مليار دولار.
في ذلك الوقت، تطورت خدمات كاراكتر كثيرًا حتى أصبحت قادرة على بناء محادثات شبه بشرية مع المستخدمين، وذلك عبر بناء شخصيات وهمية أو محاكاة شخصيات حقيقية أو خيالية من الأدب، ورغم الآفاق الواسعة لمثل هذه التقنية، فإن المستخدمين بدؤوا في إساءة استخدام التقنية.
دفع أسلوب المستخدمين الشركة للتوسع في آليات مراقبة المحتوى وحظر المحتوى غير المرغوب أو المحادثات التي تسبب في عواقب قانونية إلى جانب الاستخدامات التي تختلف عن رؤية مؤسسي الشركة. ونظرًا لتكاليف تطوير الذكاء الاصطناعي المرتفعة إلى جانب تكاليف المراقبة اليدوية للمحتوى، أصبحت الشركة تنفق الكثير من أموالها، مما وضعها في ضائقة مالية.
بالطبع كان شازير يحاول البحث عن تمويل جديد لشركته إلى جانب محاولة إقناع الشركات العملاقة بالاستحواذ عليها (شركته)، الأمر الذي أفضى لاحقًا لصفقة غوغل.
الصفقة أثارت مجموعة من الردود المتفاوتة بين مؤيد ومنتقد (رويترز) هل يستحق شاريز كل هذه المتاعب؟بالطبع أثارت الصفقة مجموعة من الردود المتفاوتة، بين من يراها حلمًا وقدوة لكل العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي، وبين من يرى أن شازير لا يستحق كل هذه المتاعب.
في حديثه مع "وول ستريت جورنال"، يقول كريستوفر مانينغ رئيس مختبر الذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد إن نعوم شازير أحد أهم العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي، ويطرح تساؤلًا حول مهارته "هل هو أفضل 20 مرة من المنافسين؟".
وعلى النقيض تمامًا يرى أندريه ميندوزا، الذي يعمل مسؤولا عن توظيف التقنيين في مجموعة "كاريكس" الاستشارية، أن مثل هذه الصفقات أمر طبيعي في قطاع الذكاء الاصطناعي المتسارع، وفق حديثه مع موقع "بيزنس إنسايدر"، إذ شبه خبراء الذكاء الاصطناعي اللامعين بلاعبي الكرة المحترفين، وأشار إلى أن هذا التصرف ليس غريبًا عن الشركات التقنية الكبيرة، إذ قامت به "مايكروسوفت" سابقًا لتجذب مؤسسي شركة "إنفليكشن" (Inflection) مصطفى سليمان وكارين سيمونيان بصفقة بلغت 650 مليون دولار.
خطط غوغل المستقبليةعودة شازير إلى غوغل تشير إلى خطط الشركة المستقبلية التي قد تتضمن تقديم نماذج ذكاء اصطناعي متطورة للغاية قادرة على المنافسة، إذ تمكنت "أوبن إيه آي" من توسيع الفجوة بين نموذجها "شات جي بي تي" و"جيميناي" عبر تقديم نموذج "أو 1" القادر على التفكير المنطقي مثل البشر.
تقمص الأدوار البشرية ورحلة البحث عن نموذج ذكاء اصطناعي ذي معرفة عامة واعية هو مفتاح النجاح في هذا السباق المتسارع. يذكر أن غوغل ما زالت في محاولات لدمج الذكاء الاصطناعي مع منتجها الأبرز والأهم "محرك بحث غوغل"، ورغم الإطلاق المحدود للنسخة الجديدة من محرك البحث، فإن الآراء ما زالت متضاربة حولها كثيرًا، وقد تمثل عودة شازير إلى غوغل الانتعاشة التي كان يحتاجها محرك البحث بشكل رئيسي.
تزيد صفقة شازير من المخاوف المحيطة بقطاع الذكاء الاصطناعي بالفعل، إذ يرى العديد من الخبراء أن التقنية مكلفة للغاية ويحيط بها تكاليف إنفاق مرتفعة تجعلها غير مجدية من ناحية العائد على الاستثمار والتكاليف الخاصة بها، ولكن الشركات الضخمة مثل غوغل لن تواجه مشكلة التكاليف والعوائد بالشكل المعتاد بفضل تمويلها الضخم. فهل تنجح هذه المخاطرة أم يغادر شازير الشركة لاحقًا؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الذکاء الاصطناعی ذکاء اصطناعی مجموعة من فی غوغل فی عام لاحق ا
إقرأ أيضاً:
من الوكلاء إلى الهلوسات.. هكذا تطور الذكاء الاصطناعي في 2024
شهد عام 2024 تطورات بارزة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة في نماذج اللغة التي أصبحت أكثر دقة وكفاءة؛ فمن النماذج الصغيرة ذات القدرات المذهلة إلى معالجة الهلوسات وصولاً إلى ظهور وكلاء الذكاء الاصطناعي، يبرز هذا العام بوصفه نقطة تحول كبيرة في هذا المجال.
النماذج الصغيرةعلى الرغم من أن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل ChatGPT تعتمد على مئات المليارات من المقاييس لتقديم أداء شبيه بالبشر، فإن عام 2024 شهد طفرة في النماذج الصغيرة، التي تتمتع بكفاءة أكبر وموارد أقل.
هذه النماذج، مثل Phi-3 وPhi-4 من مايكروسوفت وLlama-3.2 من ميتا، تُعد أدوات مرنة يمكن تكييفها بسهولة لأداء مهام محددة، مثل التلخيص أو التحقق من الحقائق.
بالإضافة إلى ذلك، فإنها تستهلك طاقة أقل وتعمل على أنظمة حاسوبية أقل تكلفة، مما يجعلها خياراً مثالياً للمؤسسات ذات الموارد المحدودة.
ما يميز هذا العام أيضاً هو التفاعل المتسارع بين النماذج الكبيرة والصغيرة، حيث تسهم الأولى في تقديم ابتكارات تُستخدم لتحسين الثانية، مما يُنتج أنظمة هجينة أكثر قوة.
على صعيد متصل، أشار تقرير في موقع Fast Company إلى أن إتاحة هذه النماذج على نطاق واسع فتح المجال لتطبيقات متنوعة، لكنها جاءت بمخاطر جديدة، لا سيما خلال عام شهد انتخابات حاسمة في العديد من الدول.
واستخدمت بعض الأطراف نماذج الذكاء الاصطناعي في حملات تضليل واسعة، مثل مكالمات روبوتية مزيفة تقلد صوت الرئيس الأمريكي جو بايدن لحث الناخبين على عدم التصويت، كما تم إنتاج فيديوهات وميمات خادعة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ورغم جهود شركات مثل OpenAI لإيقاف هذه العمليات، فإن التأثير الحقيقي لهذا النوع من التضليل على الرأي العام لا يزال غير واضح، ما دفع العديد من الولايات الأمريكية إلى إصدار قوانين جديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، مما يعكس القلق العالمي من تداعيات هذه التكنولوجيا.
التحدي الأكبر: الهلوساترغم تقدم نماذج اللغة، لا تزال "الهلوسات" تمثل تحدياً كبيراً، حيث تقدم النماذج أحياناً مخرجات خاطئة بثقة زائفة، مثل وصفات تنظيف خطيرة أو نصائح قانونية غير دقيقة.
ولحل هذه المشكلة، طورت الشركات تقنيات مثل "إطارات الحماية"، التي تراقب المدخلات والمخرجات في الوقت الفعلي لضمان الدقة.
ومع ذلك، أكدت الأبحاث أن هذه الهلوسات قد تكون جزءاً لا مفر منه في نماذج الذكاء الاصطناعي، بسبب محدودية مواردها الحاسوبية والمعلوماتية، تماماً كما يخطئ البشر.
شهد عام 2024 بروز "وكلاء الذكاء الاصطناعي"، وهي نماذج تتمتع بقدرات تنفيذية مستقلة، حيث تتجاوز وظائف روبوتات المحادثة التقليدية لتتمكن من استخدام أدوات خارجية وأداء مهام معقدة، حيث يمكن لوكيل ذكاء اصطناعي تخطيط جدول سفر كامل، بدءاً من حجز الرحلات إلى ترتيب الإقامة وتنظيم الفعاليات.
ورغم أن هذه التكنولوجيا لا تزال في مراحلها الأولى، فإن التوقعات تشير إلى أن 82% من المؤسسات ستتبنى وكلاء الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع توقعات باستخدام أوسع في 2025.
وعليه، فقد كشف عام 2024 عن الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي، لكنه أظهر أيضاً الحاجة إلى توازن دقيق بين الابتكار والمسؤولية. ومع اقتراب دخولنا عام 2025، يبقى التحدي الأكبر هو توجيه هذه التقنية نحو تحسين حياة البشر مع الحد من مخاطر إساءة استخدامها.