أبوبكر الديب يكتب: يعني إيه "اقتصاد حرب" ؟
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فتحت تصريحات الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن لجوء الحكومة إلى اقتصاد الحرب في حالة استمرار التوترات الجيوسياسية في المنطقة العديد من علامات الاستفهام ويتساءل الكثير من المواطنين عن معني اقتصاد الحرب وكيف نتفاعل معه.. وقد حاول المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، توضيح مفهوم اقتصاد الحرب الذي تحدث عنه رئيس الوزراء، قائلا إن المقصود منه هو أن تكون هناك إجراءات استثنائية على المستوى الاقتصادي، يتم اتخاذها في حالة نقص سلاسل الإمداد في حالة حدوث حرب إقليمية بالمنطقة، ومنها خطة تعامل الدولة مع نقص السلع الغذائية أثناء جائحة كورونا الأخيرة.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة وضعت تكليفات واضحة لوزيري البترول والكهرباء، ومحافظ البنك المركزي، للتنسيق والتعاون بهدف تقليل تأثير الأوضاع الحالية على الدولة قدر الإمكان، مشددا على أن الأحداث الجارية في المنطقة تؤثر بشكل كبير على الدول المجاورة.
وأضاف متحدث الحكومة: "لدينا خطة للتعامل مع كافة الأمور، ونعمل على مواجهة أسوأ السيناريوهات في حالة حدوث مشاكل كبيرة في العالم والمنطقة".
لكني أقول، وفي ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والسيناريوهات المفتوحة للصراع الاسرائيلي مع ايران ووكلاءها بالمنطقة فضلا عن العدوان الاسرائيلي علي غزة ولبنان والضفة، ووضع المنطقة كلها علي صفيح ساخن، تأتي مفردة اقتصاد الحرب وهي تعني بالإنجليزية war economy وهي مجموعة من إجراءات الطوارئ التي يتم اتخاذها من قبل أي دولة لتعبئة اقتصادها للإنتاج خلال فترة الحرب وهو نظام إنتاج الموارد وتعبئتها وتخصيصها لدعم المجهود الحربي وتتضمن بعض التدابير التي يتم اتخاذها مثل زيادة معدلات الضرائب، وكذلك طرح برامج تخصيص الموارد وطبعا يحق لكل دولة اتخاذ التدابير اللازمة فى حالة فرض نظام "اقتصاد الحرب"، حسب الأوضاع الداخلية لها.. واقتصاد الحرب يعني أن الدولة تعيد تنظيم كل ما يتعلق بإنتاج وتوزيع السلع والخدمات خلال فترة الحرب.
يأتي ذلك رغم أن الأوضاع في مصر مستقرة حاليا ولا تستدعي إعلان اقتصاد الحرب، لأنها ليست طرفا في الصراع القائم حاليا.
وفي الحرب العالمية الأولى، وسعت الولايات المتحدة من صلاحياتها الحكومية من خلال إنشاء مؤسسات مثل مجلس الصناعات الحربية WIB للمساعدة في الإنتاج العسكري وأدخلت نظام التوقيت الصيفي في محاولة لتوفير الفحم والنفط، وحثت علي زيادة إنتاج الحبوب وفي الحرب العالمية الثانية، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مماثلة في زيادة سيطرتها على الاقتصاد ومع الهجوم على قاعدة بيرل هاربر شعرت واشنطن بأن هناك حاجة إلى مزيد من البيروقراطية للمساعدة في التعبئة ورفعت الحكومة الضرائب التي تدفع لسد نصف تكاليف الحرب والأموال المقترضة في شكل سندات حرب، لتغطية ما تبقى من الفاتورة كما اشترت المؤسسات التجارية مثل البنوك سندات وأوراق خزانة أخرى بقيمة مليارات الدولارات حتى أصبح لديها في نهاية الحرب أكثر من ٢٤ مليار دولار وتم دمج ثلثي الاقتصاد الأمريكي في المجهود الحربي بحلول نهاية عام 1943 وبسبب هذا التعاون الهائل بين الحكومة وكيانات القطاع الخاص، قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية نجحت أمريكا في قيادة قوات الحلفاء إلى النصر، وخلال الحرب العالمية الثانية، قال الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت: إنه فى حالة انتصار دول المحور فى الحرب، فعلى الجميع التحول إلى قوى عسكرية مبنية على أسس اقتصاد الحرب.
وفي الحرب العالمية الأولى، أصيب القطاع الزراعي الألماني بشدة من المجهود الحربي فلم يقتصر الأمر على تجنيد العمالة، ولكن حدث نقص في المواد الغذائية فطبقت السلطات نظام ترشيد الغذاء ومنع المضاربة وأدت هذه الإجراءات إلى خلق وظائف للكثير من الألمان الذين كانوا يعانون من وطأة الانهيار الاقتصادي عقب الحرب العالمية الأولى.. لكن أول تطبيق لنظام اقتصاد الحرب، كان في الحرب الأهلية الأمريكية من عام 1861إلي 1865 .
وشهدت مصر اقتصاد الحرب منذ عام 1967 إلي انتصار حرب أكتوبر عام 1973، وقد أعلن الدكتور عزيز صدقي، رئيس الوزراء الأسبق في فبراير 1973، إجراءات التعبئة الاقتصادية التي ستطبق في حال نشوب الحرب، إذ كان من المفترض أن يتم تعديل الموازنة العامة لتصبح "ميزانية المعركة"، بهدف توفير جميع احتياجات القوات المسلحة خلال فترة الحرب وتمويل المتطلبات الناتجة عنها وما زالت الناس تتذكر التعبئة الاقتصادية للمجهود الحربي، وتقنين المواد التموينية والسلع الغذائية وتحويل معظمها إلى الجيش لخوض "معركة الكرامة" والتي شهدت أعظم انتصار عرفه التاريخ المعاصر للجيش المصري.
وبالتأكيد إنه في حالة إعلان "اقتصاد الحرب"، نتيجة تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، سيكون هناك بعض الخطوات والإجراءات الضرورية التي يجب اتخاذها، منها ترشيد الاستهلاك عوضبط الإنفاق وقصر الاستيراد علي السلع الأساسية، وخفض الإنفاق الحكومي في الجوانب المدنية.
وتأثرت مصر خلال السنوات الأخيرة، بتداعيات الحروب والصراعات في الاقليم والعالم فمن اضطرابات ليبيا وصراع السودان إلى الحرب في غزة ولبنان ثم تطورات التصعيد في البحر الأحمر، والحرب المحتملة بين اسرائيل وايران، وقبل ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم أن مصر حافظت على زضع مستقر في مواجهة تلك التحديات، الا أنها تعرضت لخسائر اقتصادية وتجارية أيضا شأنها شان دول كثيرة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحرب العالمیة اقتصاد الحرب فی الحرب فی حالة
إقرأ أيضاً:
جامعة أفريقيا العالمية.. جسر السودان الذي مزقته الحرب
لعقود طويلة، مثلت جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم صرحا علميا وثقافيا يربط السودان بعمقه الأفريقي، حيث احتضنت الآلاف من طلاب القارة السمراء.
لكن الحرب المستعرة منذ عامين حولت هذا الصرح العلمي إلى ثكنة عسكرية بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، لتنضم الجامعة إلى قائمة طويلة من الخسائر التي خلفتها الحرب المدمرة.
وأظهرت جولة أجراها مراسل الجزيرة حسن رزاق في حرم الجامعة حجم الدمار الذي لحق بمرافقها ومنشآتها، وكيف تحولت من فضاء للعلم والمعرفة إلى ساحة للصراع العسكري.
"من هذه البوابة عبر ذات يوم آلاف من طلبة أفريقيا.. ضجيج خطاهم وصخب أحاديثهم كان يعم الأرجاء، لكن بسبب الحرب بات المكان موحشا وصامتا"، هكذا وصف رزاق مشهد الجامعة التي كانت تعج بالحياة.
وبين أكوام الركام، يتجول فاروق إسماعيل، أحد عمال الجامعة الذين حوصروا داخلها بعد استيلاء قوات الدعم السريع عليها، ليصبح شاهد عيان على ما ارتكب بحقها من انتهاكات.
يقول فاروق: "كانوا يسيؤون التعامل مع الجامعة ويكسرون الطاولات ويحرقونها ويستخدمونها حطبا لإشعال النار، وعندما كنت أطلب منهم التوقف، كانوا يهددونني".
موقع إستراتيجيوبحكم موقعها الإستراتيجي جنوبي العاصمة السودانية ومبانيها المتعددة، تحولت الجامعة إلى نقطة تجمع لقوات الدعم السريع، ومخزن للذخائر، في حين غرقت المكتبة في الظلام واستباح العابثون محتوياتها.
إعلانولم تسلم جدران الجامعة وحجرات الدراسة من أعمال التخريب والدمار، إذ طالها قدر كبير من الخراب، وفق ما أظهرته الصور التي وثقها المراسل خلال جولته.
ويؤكد الدكتور عبد الباقي عمر، مساعد مدير جامعة أفريقيا العالمية، أن الجامعة تأثرت تأثرا بالغا بهذه الحرب، فموقعها الجغرافي جعلها أكثر عرضة للخطر، إذ تحولت لفترة طويلة إلى ثكنة عسكرية تتبع لمليشيا الدعم السريع، الأمر الذي ألحق أضرارا جسيمة ببنيتها التحتية.
وأضاف عمر أن الجامعة فقدت قدرا كبيرا من أصولها، بما في ذلك المكتبات والمنشآت الحيوية جراء الاشتباكات والنهب الذي تعرضت له.
وتمثل جامعة أفريقيا العالمية جسر السودان إلى عمقه القاري، إذ احتضنت هذه الكليات على مدى عقود طلابا من 54 دولة أفريقية، لكن الحرب المستمرة منذ عامين حالت دون هذا التواصل الحيوي.
ورغم ما تركته الحرب من دمار بهذه الجامعة، فإنها بدأت محاولات لملمة جراحها، إذ استأنف عدد من كلياتها الدراسة عن بعد، في انتظار أن تدب الحياة في رحابها مجددا ويملأها الطلبة ضجيجا وصخبا، ويعود السودان ليحتضن أبناء أفريقيا من جديد.
وتبقى هذه الجامعة كموطن للعلوم، تمثل أيضا بعثا للأمل الأفريقي وسط ظلمة الحرب التي خيمت على السودان، وأرخت بظلالها على مشاريع التعاون والتكامل الأفريقي.