الي متي يلد الجيش ويبارك الشعب؟!
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
من بداهة الأمور ان المؤسسة العسكرية ليست هي مجموعة جنرالات القيادة فقط، فانت لا تغفل ان هنالك صغار الضباط والجنود والشرطة والعسكر الغبش المهمشين بجميع رتبهم، وهؤلاء والمواطنون في مركب واحد ما بين الخضوع لتراتبية الجيش، وقهر الحكام! فلقد شهدناهم في هذه الحرب يقاتلون بأقدام حافية وبطون خاوية، وذهول عن عقيدة عسكرية وطنية بعد ان انقسم قادتهم من كبار الضباط الي فريقين بعضهم مع الجيش والمشتركة التي تقاتل معه والاَخر مع الدعم السريع.
وحين نفضوا أيديهم من تراب الجنوب وذبحوا ثوراً اسوداً فرحا بانفصاله، ظناً ان ذلك سيمكنهم من تطبيق مفهومهم الخاطئ للدين على ما تبقى من السودان، لكن لم تكتمل صرافة عراقة مشروع الحركة الاسلامية وعروبته المتوهمة، فقد وجدوا أنه لايزال السودان للسودانيين (السود) في جبال النوبة وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، فاستعانوا برهينتهم الجيش مجدداً، فكان القصف بالطيران، والبراميل الحارقة والمواد الكيمائية التي تسلخ جلود الأطفال والنساء والشيوخ، وتهدم الكراكير والكهوف علي رؤوسهم، ولم يكن لهم من الحظ الإعلامي مثل تباري الجيش والدعم السريع في توثيق مجازر حمرة الشيخ وسوق الكومة، الحصحيصا وثوار الحلفايا او حصار توتي، واستخدام المواطنين دروع حربيه، او اعدامات الميادين، بقانون تهمة الوجوه الغريبة، وهي ممارسة قديمة للجيش والجنجويد تأسست في عهد الرئيس المخلوع البشير وقادت لعدم المواطنة المتساوية، وانكار الاعتراف بالتنوع الاثني او العرقي.
فقد ولد الجيش من رحمه المليشيا المدللة، الجنجويد، وصيرهم دعماً سريعاً للقيام بكل مهام الجيش، (حميتي حمايتي) قدمهم للعالم الخارجي على انهم بعض من الجيش سنت له القوانين وافتتحت لهم خزائن الدولة. وجارتهم الحركة الإسلامية في منافسة الوداد والمنافع، فكانت جلاد الشعب الذي نادى بإسقاطهم ما بين انتفاضات وهبات اخمدت وتم قمعها بقنص رؤوس الثوار، وأبشع مجزرة لمعتصمين عزل سلميين، احتموا بأسوار قيادة (الجيش).. وكان الثوار يهتفون في وجه مليشيات الدعم السريع، واللجنة الأمنية، وكتائب الظل الذين اعتدوا على حرمات المنازل، واخرجوا المتظاهرين من البيوت، وروعوا ساكنيها جلدا وتهديدا بالقتل والاغتصابات، وهم ملثمو الوجوه بنفس السحن التي نشهدها في الحرب الان! يهتفون دعماً للجيش يتطلعون لشرفاء الجيش! (الجيش جيش السودان ما جيش البرهان) وللعسكري المسكين (نحن اخوانك يا بليد). ولان الاخوان المسلمين يصنعون كل ما يفوق الظن العريض في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، هتفوا فيما اسموه بالزحف الأخضر ضد الحكومة الانتقالية، منادين بسلطة قائد الدعم السريع (حميدتي لحماية الدين)!
وللأسف جيشنا في حربه الحالية لم يعقر من ولادة المليشيات، عاود مخاواة (المتمردين) السابقين لدحر الأخيرين! يهلل جنرالاته ان انتصارات الجيش تمت بفضل الله وكتيبة البراء ابن مالك، فكيف يلام الشعب حين ينتقد الجيش! وهو الذي يحلم بان يكون لديه جيشاً قومياً، قد اعتبر من أخطائه الجسيمة في تبني ورعاية المليشيات!
فهل في ظل هذه الحرب التي كشفت عوار وعورات الجيش المستلب، يتم استفاقته لكي يتم بناؤه وتصحيحه، فيحقن دماء الأبرياء، ويحفظ البلاد من التدخلات الخارجية، ام يطالب الشعب في مواصلة مباركته لمواليد الجيش الداعشيين، خوف ان (يغضب) الجيش (المدلل)، فيقرر عقوبته بالارتماء في أحضان الحركة الإسلامية مزيد؟ والقول بتأجيل مطالب الحد من أطماع العسكر والمناداة بتصحيحه يتم بعد انتهاء الحرب مع الجنجويد، فذلك علة الامر، اذ حينها سيظل رهين لآخر مواليده..
ان هذا الجيش يجب ان يحرره الشعب من براثن مكائد الحركة الإسلامية قبل ان يحرر هو البلاد، إذ لا يفتأ الجيش في تقديم القرابين لهم بإرجاعهم للسلطة، وهم يكيلون لقادته وللمؤسسة العسكرية برمتها، كل أنواع الامتهان والذل ان لم يلتزموا بتوجيهات اللايفاتية والحملات التاديبيبة لامثال سناء حمد، والناجي مصطفي وعلي كرتي، وكل الصور التي لا يرتضيها مواطن غيور لجيشه.
tina.terwis@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة
إقرأ أيضاً:
محمد ناجي الأصم: حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع
حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع، ولن يعني ما سيكتب في أوراقها وإعلاناتها أي شيء. سيعتمد الدعم السريع، كما فعل دائمًا، على سلاح مليشياته وأموال الذهب المهرب وأموال المواطنين من الغنائم، وعلى أموال ونفوذ الإمارات، وهي التي ستحدد لحميدتي ووزرائه وللذين اختاروا التحالف معه كل شيء.
ستضاف حكومة الجنجويد إلى مشاريع الإمارات في ليبيا واليمن والصومال، وهي المشاريع الانفصالية والاستقلالية، والتي تسعى عبرها إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية من موارد الشعوب المنهوبة، وإلى توسيع نفوذها في المنطقة واستخدامها كأدوات للمساومة على القضايا والملفات الإقليمية، ليصب كل ذلك في اتجاه تموضع تسعى إليه كلاعب سياسي واقتصادي وأمني رئيسي في المنطقة لا يمكن تخطيه من قبل اللاعبين الأساسيين في العالم. ولا يهمها في سبيل ذلك إن تقسمت الدول أو ماتت شعوبها أو تشردت.
ولكن السودان ليس كغيره، وربما ذلك أمر قد تمت ملاحظته مبكرا منذ بداية الحرب. فلقد خسرت الإمارات بسبب دعمها للجنجويد على مستوى الرأي العام العالمي كما لم يحدث في كل تجاربها السابقة، وستستمر في الخسارة. كما أن الدعم السريع يختلف عن كل المشاريع الأخرى، فهو مليشيا متهمة بأفظع جرائم الحرب، وفي مقدمتها الإبادة الجماعية. جماعة عسكرية أسسها النظام البائد لتحصين نفسه من التمرد والانقلابات وتضخمت تباعا لتصبح شركة أسرية تعمل من أجل المال والسلاح والسلطة بلا أي مشروع. في هذه الحرب ظل الدعم السريع يحاول في كل حين أن يعتنق مشروعًا جديدًا، بدءًا من حرب في سبيل الديمقراطية، إلى حرب ضد ما يسمى بـ “دولة 56” الظالمة، وصولًا إلى حرب ضد قبيلة أو قبيلتين. وكلها محاولات فاشلة لإضفاء شرعية على المشروع الأساسي، وهو دولة عائلة حميدتي المالكة.
لن تسمح الفظائع التي عايشها السودانيين من عنف المليشيا قديمًا، والآن في هذه الحرب التي دخلت كل البيوت بتغيير الرأي العام، الذي انحاز بصورة غير مسبوقة ضد الدعم السريع وفظائعه وانتهاكاته. ولن تؤثر في ذلك محاولات تجميل مصطنعة من مشاريع مستعارة بعضها عظيم كالسودان الجديد للزعيم الراحل جون قرنق، مشاريع قرر قادتها اليوم أن مصالحهم التكتيكية تتقاطع مع بنادق وذهب وأموال الجنجويد والإمارات، ليهزموا أنفسهم لا المشاريع. وستظل دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية والسودان الجديد والجيش الواحد القومي البعيد عن الصراع السياسي أهداف نضال الملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني عبر السنين، وأهداف الثورة التي خرجت ضد النظام البائد الذي صنع الجنجويد ومكنهم وأرسلهم ليحاربوا خارج البلاد ومكنهم من صنع علاقاتهم الخارجية المستقلة و امبراطوريتهم الاقتصادية.
لن نستطيع بصورة عملية مقاومة الحرب واستمرارها وسيناريوهات تمزيق السودان بدون الحديث بوضوح عن الدول التي تتدخل في الصراع السوداني ومن قبله لعقود عبر استغلال هشاشة الأوضاع الداخلية، من الإمارات ومصر، إيران، تركيا والسعودية وغيرها من الدول التي تدعم الحرب بالسلاح والمال والنفوذ وتتجه بالحرب في السودان إلى حرب كاملة بالوكالة لا يملك السودانيين من العسكريين والمدنيين القرار في استمرارها أو إيقافها. لتستمر أو تتوقف حينها في سبيل أجندات تلك الدول الخاصة التي تسعى لتحقيقها من خلال دماء وأرواح ومقدرات السودانيين.
أخيرا، تمزيق السودان لن يتم عبر سلطة أو حكومة الجنجويد الموازية، بل يمكن أن يحدث فعليا فقط إذا لم تتوقف آلة الكراهية البغيضة التي أشعلتها الحرب والتي تستثمر فيها العديد من الجهات، هذه الكراهية التي تزيد بسببها الشقة الاجتماعية بين مكونات السودان، تلك التي تنفي مواطنة البعض والتي تصنف الناس على أساس مناطقهم، قبائلهم، إثنياتهم وأديانهم لتمنحهم الحقوق أو تنزعها عنهم، والتي تعتبرهم محاربين أو مسالمين إذا كانوا من هذه القبيلة أو تلك والتي تسترخص دماء بعض السودانيين وتجعلها أقل من دماء سودانيين آخرين. وهي عنصرية وكراهية وتعصب ليست وليدة الحرب، ولكنها أشعلتها وزادتها ضراما وهي بدورها تعود لتزيد من اشتعال وتأجيج الحرب. كراهية يتمزق السودان من خلالها كل يوم وبسلطة وحكومة موازية أو بدونها.
محمد ناجي الأصم
إنضم لقناة النيلين على واتساب