سودانايل:
2025-10-17@13:46:58 GMT

اقتصاد السودان والتنمية البشرية

تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT

ظل اقتصاد السودان يعاني من تدهور مستمر منذ الاستقلال حيث لم حقق اية تقدم على الصعيد المحلي أو القومي، حيث يعاني الاقتصاد من تشوهات هيكلية أبرز ملامحها اختلال العرض والطلب. صحيح نحن في حاجة إلى دراسة العلاقة بين أزماتنا الاقتصادية والفكر الاقتصادي الذي ساد من قبل الاستقلال وسرنا عليه بعد الاستقلال؛ علنا نجد العلة أو التشخيص الملائم لحال اقتصادنا، أيضا العلاقة بين تراجع اقتصادنا والحالة السياسية لبلادنا، بالإضافة إلى مسألة بالغة الأهمية وسط هذا الركام، وهي التنمية البشرية المحرك الأول للخدمة المدنية التي إن صلحت صلح الاقتصاد وبيئتنا السياسية والاجتماعية خاصة وأننا نركز على مؤشرات الاقتصاد الرئيسة، والأوضاع السياسية، ويتم إهمال التنمية البشرية.

الاقتصاد في تراجع نتيجة لعدة عوامل من أبرزها تدهور الخدمة المدنية منذ أن بدأت (السودنة) بصورة عجلى لم تراع التدرج ومستويات التعليم التي وصل إليها السودانيون، والتخلي تدريجيا عن الانضباط ونظم العمل التي تركها الانجليز على اعتبار أنها تركة استعمارية كانت جاثمة على صدور موظفي الخدمة المدنية، خاصة وأنها كانت جزءا من أدواته لتحقيق أهدافه الاقتصادية وإدارة الحكم؛ مما انعكس سلبا على التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
عندما نتحدث عن التنمية البشرية (Human development) نقصد مجال الاقتصاد لأنه أحد مؤشر التنمية البشرية الذي وضعته الأمم المتحدة، وهذا لا يعنى اهمال تنمية الذات التي تعمل في مجال تحسين قدرات الاشخاص وتشجيعهم على النجاح والابتكار، أو اهمال علم النفس التنموي الذي يُعنى بكافة مراحل النمو الإنساني، منذ الطفولة وحتى الشيخوخة، ويركز على دراسة النمو السلوكي والنفسي وكيف تشكل هذه العمليات شخصية الفرد وسلوكه. آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2023م أشار في تعافي دليل التنمية البشرية إلى أن 51% من الدول الأقل نموا لم تتعافى، مع ملاحظة أن أقل البلدان نموا تسجل مستويات منخفضة من الدخل وتواجه مخاطر كبيرة تجعل منها "الشريحة الأفقر والأضعف" في المجتمع الدولي.
تعتبر البنية السكانية في السودان بنية شبابية إذ تبلغ نسبة الشباب دون الـ 24 عاماً حوالي 60% من مجمل السكان، ومعدل الخصوبة حوالي 4.38 مولود لكل امرأة حسب تقارير عام 2022م. البنية السكانية في السودان يغلب عليها الطابع الريفي حيث بلغ عدد سكان المناطق الحضرية عام 2022م ما نسبته 36%.  نسبة وفيات الأمهات تسجل معدلا مرتفعا حيث تصل إلى 270 من كل 100ألف حالة ولادة عام 2020م، وهذا يتعبر ضعف المتوسط الإقليمي البالغ 132 لكل 100 ألف حالة ولادة.
  السودان من البلدان المتوسطة إلى المنخفضة الدخل وذات التنمية البشرية المنخفضة (مؤشر التنمية البشرية، وهو مؤشر يُستخدم في تصنيف البلاد حسب مستوى التنمية البشرية لديها)، حيث بلغ مؤشر التنمية البشرية 0.51، حيث بلغ معدل الالمام بالقراءة 60.1%، ونسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية 37%، دليل التعليم 53%؛ من جانب آخر نجد أن البراءات الممنوحة (صفر)، الإيرادات من الرسوم والتراخيص للأعمال الفكرية (صفر)، الانفاق على الأبحاث والتطوير 3%، العاملون في مجال الأبحاث والتطوير فقط 263 شخص لكل مليون نسبة (معلومات متعلقة بشمال السودان).
تبلغ نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي (3.65 دولار في اليوم) حوالي 65% من السكان حسب اخر البيانات المتوفرة لعام 2022م، و14% يعيشون تحت خط الفقر حيث يعتبر السودان من بين الدول الأشد فقراً في العالم، فيما ترتفع نسبة الفقراء الى أكثر من الثلثين إذا ما تم اعتماد مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، بحسب بيانات أحدث تقارير التنمية البشرية الصادر عام 2021.
يعاني الاقتصاد من تشوهات هيكلية أبرز ملامحها اختلال العرض والطلب نتيجة لإخفاق محركات الإنتاجية كأحد متطلبات النمو الاقتصادي. وتعتبر زيادة إنتاجية العملLabor Productivity  التي تستند إلى التنمية البشرية أحد محركات الإنتاجية وأحد أهم العوامل طويلة الأمد للنمو الاقتصادي، لذلك عند تحليل اتجاهات الاقتصاد يتم تفصيل النمو وفقا لإسهام متغيرات إنتاجية العمل، وتلك المتعلقة والناتجة عن توسيع نطاق الاستخدام (الناتج المحلى الإجمالي GDP، اجمالي القيمة المضافة GVA)؛ وانتاجية العامل هي معدل انتاج العامل (كمية السلع والخدمات) خلال فترة زمنية مقارنة بالإنتاج المخطط له أو المقرر، وهي مقياس لقدرات مؤسسة أو شركة أو عملية أو صناعة أو بلد. لذلك نجد أن الاستثمار في القدرة الإنتاجية والابتكار التكنولوجي تعتبر عوامل محددة للإنتاجية في المدى الطويل، وهي تُهَيِّئ الظروف المناسبة التي تمكن من الانتقال إلى الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى مثل الصناعة وانتاج وتطوير التكنولوجيا، ولا ننسى الأهمية الكبرى لسياسات الاقتصاد الكلى والسياسة الصناعية والأدوات الفعالة للنظام المالي، وهذه العوامل ومحركات إنتاجية العمل هي أسس نمو الإنتاجية. ورغم أن البعض ربما يرى أن مهارات العمالة وتنميتها والتدريب والسلوك المهني القويم تأتي في درجة أقل من الأهمية، الا أنها محددات أساسية لإنتاجية العمل، ومعظم الدراسات سلطت الضوء على أهمية الإنتاجية للعامل وصاحب العمل، والتعاون بين الإدارة والعامل والبيئة الاجتماعية على مستوى القطاع والمنشأة كوسيلة فعالة لتحسين عمليات الإنتاج وزيادة الفعالية؛ ولا شك أن إنتاجية العمالة ترتبط بمعدلات الأجور، استقرار العمالة، الرضى الوظيفي والقابلية للاستخدام في مختلف المهن أو القطاعات؛ وترتبط من جانب آخر في فهم المجتمع وتقديره للتعليم الفني والمهني والحرفي، وهذا يرتبط بمنظومة التعليم، واعتقد أن هذه المنظومة لم تهمل التعليم الفني والمهني لكن اعاقها سوء تقدير وفهم المجتمع لأهمية التعليم الفني.
هناك إشكالية في تطوير الذات الذي أراه مهملا ولا يسعى إليه كثير من الذي اجتازوا المستوى الجامعي وما بعده إلا من خلال متطلبات الوظيفة، وتطوير الذات في الأساس هو جهد وسعي شخصي ليكون الشخص أفضل ممّا هو عليه من خلال تحسين القدرات والمؤهلات، وتطوير شخصيته، ويشمل هذا التطوير القدرات العقليّة والذهنية، ومهارات التواصل مع الآخرين والتعلم منهم، وتحسين القدرة على السيطرة على النفس والمشاعر وردود الأفعال، وإكسابها المهارات اللازمة والسلوك الإيجابي في التعاطي مع البيئة المحيطة (الذكاء العاطفي).
إن الاهتمام بالتنمية البشرية هي مفتاح للنمو الاقتصادي، وتعافي في التعامل مع البيئة السياسية بدلا من أن تكون معول هدم تصبح معولا للتنمية والإصلاح وفقا لمعايير الوطن أولا. التنمية البشرية والذاتية والنفسية هي مفتاح مستقبل بلادنا بعد الأزمة الحالية التي تعصف بها بالقدرة على الصمود في مواجهتها، وهو أمر بالغ الأهمية للتعافي وامتصاص آثار الأزمة بسرعة. يجب ألا ننسى دور المؤسسات المعنية بسوق العمل ومنظمات المجتمع المدني في تخفيف الآثار السلبية لإعادة هيكلة الاقتصاد، حيث لابد من تدابير تتعلق بسياسات سوق العمل النشطة من خلال تحديد الوظائف الشاغرة وربطها بقوائم مهارات الباحثين عن عمل، وتقديم التوجيه المهني والتدريب وإعادة التدريب إلى العاطلين لإعدادهم لوظائف جديدة، بما في ذلك العمل للحساب الخاص، أما بشأن التعليم الفني والمهني والتدريب؛ يؤدي تعزيز الحوار الاجتماعي دوراً مهما في زيادة ملاءمة برامج التعليم والتدريب والاقتناع بها. إن إعادة بناء إنتاجية العمل لن تكون فعالة في نهاية المطاف في غياب إستراتيجيات وطنية لزيادة حجم السوق والطلب الإجمالي ودعم زيادة الوظائف، والحماية الاجتماعية وتعزيز العمالة وحماية حقوق العمال؛ وهو نهج فعال في بناء اقتصاد قوى، والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية العالمية.

omarmahjoub@gmail.com
 

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التنمیة البشریة إنتاجیة العمل

إقرأ أيضاً:

الموارد البشرية والتوطين تطلق نظام عين المدعوم بالذكاء الاصطناعي

أطلقت وزارة الموارد البشرية والتوطين، خلال مشاركتها في معرض "جيتكس جلوبال "2025، نظامها الذكي "عين"، الذي يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في تسريع عمليات إصدار تصاريح العمل، من خلال معالجة الطلبات تلقائيًا مع تقليل الحاجة للتدخل البشري إلا في الحالات الاستثنائية.

ويعمل نظام "عين" على تسريع الإجراءات الإدارية، وتقليل الأخطاء البشرية، من خلال استخدام خصائص وكيل الذكاء الاصطناعي "AI Agent" للتحقق من الوثائق المطلوبة لإصدار تصاريح العمل، بحيث يقوم النظام بتحليل مستندات مثل الصورة الشخصية، وجوازات السفر، والشهادة الدراسية لضمان دقة وصحة الوثائق. 

وقال راشد حسن السعدي، وكيل الوزارة المساعد لقطاع خدمات سوق العمل بالإنابة، إن نظام "عين" يمثل خطوة جديدة نحو تحسين خدمات الوزارة بما يواكب التحولات الرقمية العالمية، ضمن باقة واسعة من مشاريع التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي.

أخبار ذات صلة "ميتا" تخطط لإنشاء مركز بيانات جديد في تكساس لدعم الذكاء الاصطناعي «النفق البيومتري» لشرطة دبي يتعرف على البصمة الحركية

وأضاف أن نظام "عين"، يقدم قيمة مضافة حقيقية لخدمة تصاريح العمل عبر تسريع إنجاز المعاملات، وتقليل التكاليف التشغيلية، وضمان تقديم مستندات عالية الجودة، مما يسهم في تحسين تجربة المتعاملين بشكل عام. 

وأوضح أن حزمة المشاريع المبتكرة التي أطلقتها الوزارة تباعاً تؤكد الالتزام بتعزيز تجربة المتعاملين وزيادة كفاءة الأعمال الحكومية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما تعكس ريادتها وقدرتها على تقديم حلول مبتكرة لتحسين كفاءة العمليات التشغيلية.

وإلى جانب نظام "عين"، تعرض الوزارة مجموعة من المشاريع المبتكرة في مجال التحول الرقمي خلال جيتكس من أهمها، باقة العمل، ومشروع المستكشف، ومشروع استشراف مهن ومهارات المستقبل، ومشروع راصد السلامة الذكي، والتطبيق الذكي للوزارة، "MOHRE".  

 

 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية
  • «الموارد البشرية والتوطين» تُطلق نظام «عين» المدعوم بالذكاء الاصطناعي
  • الموارد البشرية والتوطين تطلق نظام عين المدعوم بالذكاء الاصطناعي
  • صندوق النقد يرفع توقعاته لنمو اقتصاد كوريا الجنوبية
  • الخطيب: نعمل على بناء اقتصاد أكثر مرونة وتنافسية عبر عدة إجراءات
  • «صندوق النقد» يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8%
  • صندوق النقد يرفع توقعات نمو اقتصاد أمريكا مع تراجع مخاطر الرسوم الجمركية
  • قمة شرم الشيخ.. أستاذ اقتصاد: مصر تجني ثمار السلام وتتحول إلى مركز إقليمي للاستثمار
  • صندوق النقد يرفع توقعاته لنمو اقتصاد المملكة إلى 4 % لعامي 2025 و 2026
  • صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد المملكة إلى 4% في 2025