سودانايل:
2024-10-10@11:24:50 GMT

اقتصاد السودان والتنمية البشرية

تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT

ظل اقتصاد السودان يعاني من تدهور مستمر منذ الاستقلال حيث لم حقق اية تقدم على الصعيد المحلي أو القومي، حيث يعاني الاقتصاد من تشوهات هيكلية أبرز ملامحها اختلال العرض والطلب. صحيح نحن في حاجة إلى دراسة العلاقة بين أزماتنا الاقتصادية والفكر الاقتصادي الذي ساد من قبل الاستقلال وسرنا عليه بعد الاستقلال؛ علنا نجد العلة أو التشخيص الملائم لحال اقتصادنا، أيضا العلاقة بين تراجع اقتصادنا والحالة السياسية لبلادنا، بالإضافة إلى مسألة بالغة الأهمية وسط هذا الركام، وهي التنمية البشرية المحرك الأول للخدمة المدنية التي إن صلحت صلح الاقتصاد وبيئتنا السياسية والاجتماعية خاصة وأننا نركز على مؤشرات الاقتصاد الرئيسة، والأوضاع السياسية، ويتم إهمال التنمية البشرية.

الاقتصاد في تراجع نتيجة لعدة عوامل من أبرزها تدهور الخدمة المدنية منذ أن بدأت (السودنة) بصورة عجلى لم تراع التدرج ومستويات التعليم التي وصل إليها السودانيون، والتخلي تدريجيا عن الانضباط ونظم العمل التي تركها الانجليز على اعتبار أنها تركة استعمارية كانت جاثمة على صدور موظفي الخدمة المدنية، خاصة وأنها كانت جزءا من أدواته لتحقيق أهدافه الاقتصادية وإدارة الحكم؛ مما انعكس سلبا على التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
عندما نتحدث عن التنمية البشرية (Human development) نقصد مجال الاقتصاد لأنه أحد مؤشر التنمية البشرية الذي وضعته الأمم المتحدة، وهذا لا يعنى اهمال تنمية الذات التي تعمل في مجال تحسين قدرات الاشخاص وتشجيعهم على النجاح والابتكار، أو اهمال علم النفس التنموي الذي يُعنى بكافة مراحل النمو الإنساني، منذ الطفولة وحتى الشيخوخة، ويركز على دراسة النمو السلوكي والنفسي وكيف تشكل هذه العمليات شخصية الفرد وسلوكه. آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2023م أشار في تعافي دليل التنمية البشرية إلى أن 51% من الدول الأقل نموا لم تتعافى، مع ملاحظة أن أقل البلدان نموا تسجل مستويات منخفضة من الدخل وتواجه مخاطر كبيرة تجعل منها "الشريحة الأفقر والأضعف" في المجتمع الدولي.
تعتبر البنية السكانية في السودان بنية شبابية إذ تبلغ نسبة الشباب دون الـ 24 عاماً حوالي 60% من مجمل السكان، ومعدل الخصوبة حوالي 4.38 مولود لكل امرأة حسب تقارير عام 2022م. البنية السكانية في السودان يغلب عليها الطابع الريفي حيث بلغ عدد سكان المناطق الحضرية عام 2022م ما نسبته 36%.  نسبة وفيات الأمهات تسجل معدلا مرتفعا حيث تصل إلى 270 من كل 100ألف حالة ولادة عام 2020م، وهذا يتعبر ضعف المتوسط الإقليمي البالغ 132 لكل 100 ألف حالة ولادة.
  السودان من البلدان المتوسطة إلى المنخفضة الدخل وذات التنمية البشرية المنخفضة (مؤشر التنمية البشرية، وهو مؤشر يُستخدم في تصنيف البلاد حسب مستوى التنمية البشرية لديها)، حيث بلغ مؤشر التنمية البشرية 0.51، حيث بلغ معدل الالمام بالقراءة 60.1%، ونسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية 37%، دليل التعليم 53%؛ من جانب آخر نجد أن البراءات الممنوحة (صفر)، الإيرادات من الرسوم والتراخيص للأعمال الفكرية (صفر)، الانفاق على الأبحاث والتطوير 3%، العاملون في مجال الأبحاث والتطوير فقط 263 شخص لكل مليون نسبة (معلومات متعلقة بشمال السودان).
تبلغ نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي (3.65 دولار في اليوم) حوالي 65% من السكان حسب اخر البيانات المتوفرة لعام 2022م، و14% يعيشون تحت خط الفقر حيث يعتبر السودان من بين الدول الأشد فقراً في العالم، فيما ترتفع نسبة الفقراء الى أكثر من الثلثين إذا ما تم اعتماد مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، بحسب بيانات أحدث تقارير التنمية البشرية الصادر عام 2021.
يعاني الاقتصاد من تشوهات هيكلية أبرز ملامحها اختلال العرض والطلب نتيجة لإخفاق محركات الإنتاجية كأحد متطلبات النمو الاقتصادي. وتعتبر زيادة إنتاجية العملLabor Productivity  التي تستند إلى التنمية البشرية أحد محركات الإنتاجية وأحد أهم العوامل طويلة الأمد للنمو الاقتصادي، لذلك عند تحليل اتجاهات الاقتصاد يتم تفصيل النمو وفقا لإسهام متغيرات إنتاجية العمل، وتلك المتعلقة والناتجة عن توسيع نطاق الاستخدام (الناتج المحلى الإجمالي GDP، اجمالي القيمة المضافة GVA)؛ وانتاجية العامل هي معدل انتاج العامل (كمية السلع والخدمات) خلال فترة زمنية مقارنة بالإنتاج المخطط له أو المقرر، وهي مقياس لقدرات مؤسسة أو شركة أو عملية أو صناعة أو بلد. لذلك نجد أن الاستثمار في القدرة الإنتاجية والابتكار التكنولوجي تعتبر عوامل محددة للإنتاجية في المدى الطويل، وهي تُهَيِّئ الظروف المناسبة التي تمكن من الانتقال إلى الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى مثل الصناعة وانتاج وتطوير التكنولوجيا، ولا ننسى الأهمية الكبرى لسياسات الاقتصاد الكلى والسياسة الصناعية والأدوات الفعالة للنظام المالي، وهذه العوامل ومحركات إنتاجية العمل هي أسس نمو الإنتاجية. ورغم أن البعض ربما يرى أن مهارات العمالة وتنميتها والتدريب والسلوك المهني القويم تأتي في درجة أقل من الأهمية، الا أنها محددات أساسية لإنتاجية العمل، ومعظم الدراسات سلطت الضوء على أهمية الإنتاجية للعامل وصاحب العمل، والتعاون بين الإدارة والعامل والبيئة الاجتماعية على مستوى القطاع والمنشأة كوسيلة فعالة لتحسين عمليات الإنتاج وزيادة الفعالية؛ ولا شك أن إنتاجية العمالة ترتبط بمعدلات الأجور، استقرار العمالة، الرضى الوظيفي والقابلية للاستخدام في مختلف المهن أو القطاعات؛ وترتبط من جانب آخر في فهم المجتمع وتقديره للتعليم الفني والمهني والحرفي، وهذا يرتبط بمنظومة التعليم، واعتقد أن هذه المنظومة لم تهمل التعليم الفني والمهني لكن اعاقها سوء تقدير وفهم المجتمع لأهمية التعليم الفني.
هناك إشكالية في تطوير الذات الذي أراه مهملا ولا يسعى إليه كثير من الذي اجتازوا المستوى الجامعي وما بعده إلا من خلال متطلبات الوظيفة، وتطوير الذات في الأساس هو جهد وسعي شخصي ليكون الشخص أفضل ممّا هو عليه من خلال تحسين القدرات والمؤهلات، وتطوير شخصيته، ويشمل هذا التطوير القدرات العقليّة والذهنية، ومهارات التواصل مع الآخرين والتعلم منهم، وتحسين القدرة على السيطرة على النفس والمشاعر وردود الأفعال، وإكسابها المهارات اللازمة والسلوك الإيجابي في التعاطي مع البيئة المحيطة (الذكاء العاطفي).
إن الاهتمام بالتنمية البشرية هي مفتاح للنمو الاقتصادي، وتعافي في التعامل مع البيئة السياسية بدلا من أن تكون معول هدم تصبح معولا للتنمية والإصلاح وفقا لمعايير الوطن أولا. التنمية البشرية والذاتية والنفسية هي مفتاح مستقبل بلادنا بعد الأزمة الحالية التي تعصف بها بالقدرة على الصمود في مواجهتها، وهو أمر بالغ الأهمية للتعافي وامتصاص آثار الأزمة بسرعة. يجب ألا ننسى دور المؤسسات المعنية بسوق العمل ومنظمات المجتمع المدني في تخفيف الآثار السلبية لإعادة هيكلة الاقتصاد، حيث لابد من تدابير تتعلق بسياسات سوق العمل النشطة من خلال تحديد الوظائف الشاغرة وربطها بقوائم مهارات الباحثين عن عمل، وتقديم التوجيه المهني والتدريب وإعادة التدريب إلى العاطلين لإعدادهم لوظائف جديدة، بما في ذلك العمل للحساب الخاص، أما بشأن التعليم الفني والمهني والتدريب؛ يؤدي تعزيز الحوار الاجتماعي دوراً مهما في زيادة ملاءمة برامج التعليم والتدريب والاقتناع بها. إن إعادة بناء إنتاجية العمل لن تكون فعالة في نهاية المطاف في غياب إستراتيجيات وطنية لزيادة حجم السوق والطلب الإجمالي ودعم زيادة الوظائف، والحماية الاجتماعية وتعزيز العمالة وحماية حقوق العمال؛ وهو نهج فعال في بناء اقتصاد قوى، والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية العالمية.

omarmahjoub@gmail.com
 

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التنمیة البشریة إنتاجیة العمل

إقرأ أيضاً:

النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات

الأثنين, 10 يونيو 2024 10:05 ص

متابعة/ المركز الخبري الوطني

‎قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في العراق غازي شبيكات، إن الصندوق يدعم ‏الإصلاحات العراقية التي تحقق استدامة مالية تبعد العراق عن أي أزمات تتعرض لها السوق النفطية والتي يعتمدها العراق في تغطية نفقاته السنوية، متوقعاً حصول نموّ في الاقتصاد العراقي خلال السنوات المقبلة.

‎*ماذا يتوقع الصندوق لمستقبل الاقتصاد العراقي؟
‎– الصندوق يتوقع حصول نمو في الاقتصاد الكلي العراقي، بالتزامن مع الإصلاحات التي تتبناها الحكومة بهدف خلق معالجات واقعية لمجمل المشكلات الاقتصادية، ولمسنا جدية من الحكومة العراقية في مجال تحقيق إصلاحات اقتصادية توطد العلاقة مع الصندوق وهذا يشجع على ترصين التعاون بالشكل الذي يخدم الاقتصاد العراقي الذي يعاني مشكلات مزمنة.
‎*كيف يدعم الصندوق الاقتصاد العراقي وما وجه الدعم؟
‎‏ إنَّ صندوق النقد الدولي يدعم الإصلاحات العراقية التي تحقق استدامة مالية تبعد العراق عن أي أزمات تتعرض لها السوق النفطية والتي يعتمدها العراق في تغطية نفقاته السنوية، ‏لاسيما أنَّ بلداً مثل العراق يحتاج إلى إيرادات كبيرة لتغطية حاجة جميع القطاعات، ‏وهذا يحتاج إلى خلق استدامة مالية حقيقية من خلال إحياء القطاعات الإنتاجية والخدمية وجعل دورة رأس المال في إطار محلي.
‎‏*بماذا تنصحون بشأن تخفيف معدلات البطالة؟
‎العراق يجب أن يركز على سوق العمل وأن تُخلق مزايا في القطاع الخاص توازي ما يحصل عليه في القطاع العام، ‏ليتم التوجه إلى التوظيف في القطاع الخاص الذي يجب أن ينشّط بحدود تتناسب وقدرات العراق الاقتصادية.
‎*ماذا تحتاج سوق العمل العراقية؟
‎‏- لابد من العمل على تدريب وتأهيل الموارد البشرية في جميع الاختصاصات في ظل وجود ثروة بشرية يمكن أن توظف بالشكل الذي يخدم العراق، مع ضرورة خلق أيدي عمل ماهرة في جميع القطاعات وبالشكل الذي يتناسب مع السياسة الحكومية الإصلاحية.
‎*برأيكم أين مكامن القوة في الاقتصاد؟
‎– إنَّ القطاع الخاص يمثل قوة اقتصادية يمكنها أن تقهر التحديات وتنهض بالاقتصاد الوطني بشكل تدريجي فهو يعالج كثيراً من المشكلات، لا سيما أنَّ العراق يمكنه تحقيق تعدد في الإيرادات من القطاعات ومنها يتميز بتحقيق إيرادات مستدامة.
‎*ماذا عن القطاع المالي؟
‎إنَّ التنافسية في قطاع المال يمكنها أن تخلق قطاعاً مالياً رصيناً ذا خدمات متطورة وبمسارات أموال آمنة وشفافة داعمة للاقتصاد ومراحل النهوض التي ينشدها ويعمل على بلوغها ويصل إلى أهم الأهداف المتمثلة بالاستدامة المالية.

مقالات مشابهة

  • الحكومة الألمانية: اقتصاد البلاد يسير نحو الانكماش للعام الثاني على التوالي
  • أستاذ اقتصاد: «حياة كريمة» تبني الإنسان وتحارب الفقر وتوفر السلع
  • أستاذ اقتصاد: الدولة المصرية تواجه التضخم العالمي بمبادرات دعم محدودي الدخل
  • معالي سعيد محمد الطاير يلتقي مدير عام هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي
  • وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تدشّن تطبيق الأفراد الموحّد في نسخته الثانية
  • تسليط الضوء على الصحة الإنجابية والتنمية البشرية خلال ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • الخسائر التي لحقت بالقطاع الصحي في السودان وصلت لأكثر من 10 مليار دولار
  • وزيران ألمانيان يعتبران وضع اقتصاد بلديهما غير مرض