الحرب والمصالحة والمظالم التاريخية !
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
مناظير الخميس 10 اكتوبر، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* رغم ان الكيزان هم الذين اشعلوا الحرب على أمل ان تعيدهم للحكم، ولكنها تستند علي اسباب وترسبات إجتماعية وثقافية ودينية ومظالم تاريخية عظيمة لا يمكن القفز فوقها بمصالحات وطبطبات وترضيات او غيره.
* بسبب ظلم الدوله للاقاليم واهل الهامش عموما، والمحسوبية والاستخفاف بالدم والدوس علي القوانين واحتكار المال والسلطات وغيرها من موبقات تفشت خاصة خلال حكم الاسلامويين، اصبح الكثيرون ينظرون الي الحرب اليوم علي انها طريق الخلاص من جحيم المظالم وإنسداد الأفق وتحقيق نوع من العداله إستحال علي المغلوبين المقهورين رؤيتها تتحقق طيلة عقود طويله.
* بإختصار ورغم نبل الغايات، لكن أن يظل منطق إيقاف الحرب والاحتفاظ بالمعادلة القديمة المختلة منطق بائس ومرفوض، ولابد من مخاطبة امر الدماء والمظالم العظيمة التي وقعت للناس وهدم صنم دولة التمكين الظالمة وبناء دولة المواطنة ومؤسساتها من جديد، بما فيها الجيش وفق عقد اجتماعي جديد عماده الحرية والسلام والعدالة والمساواة .
* ولا بد من تحقيق مبدأ المحاسبة والعقاب مهما كلف الأمر، لأن الحرب نفسها واحدة من افرازات جريمة الإفلات من العقاب التي برعنا فيها نحن السودانيون دوناً عن العالمين، فرغم كل الجرائم الكبري التي اُرتكبت في حق المواطن والتآمر ضد الوطن ورهن قراره وسيادته لدول اخرى والتنازل عن اراضيه وتهريب خيراته، لم نجرؤ علي محاكمة جنرال او سياسي واحد علي تلك الجرائم الكبري، وإذا إستمر تعاطينا بذات فهم (عفا الله عما سلف) ستتكرر ذات الجرائم، وقد نصحو يوما علي لا وطن ولاشئ، وما فائدة وطن لا يحفظ إنسانيتك وكرامتك وتُهان فيه انت واطفالك وكبارك وتُداسون بالبوت صباح مساء دون رحمة وانتم جوعي ومرضي تسألون الناس إلحافا مثلما هو حالنا اليوم!
* لا نريد وطنا بمواصفات الكيزان ولو ظللنا نحاربهم لقرن قادم فالعيش تحت حكمهم أهون منه الموت، ويجب ان يدفعوا ثمن ما فعلوه بنا وبوطننا مهما كلف الأمر، وليس مصالحتهم وإحتضانهم من جديد وإعادتهم للحياة السياسية ليفعلوا بنا مجددا ما يفعلوه اليوم!
* كان ذلك تعليق أحد القراء الكرام، بينما يقول آخر (واحترم خصوصيتهما بعدم ذكر الاسماء):
* الحقائق على الأرض تقول انه لا حل بدون تقديم تنازلات، ورغم كل الجرائم التي ارتكبها الجيش والدعم السريع فهما الطرفان الأساسيان في اي مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار، ولا يمكنك أن تقول لهما "أوقفوا إطلاق النار وضعوا السلاح جانبا وتعالوا لنحاكمكم على الجرائم التي أقترفتموها، ومن يُدان سيتم سجنه أو إعدامه"، هكذا لن تقف الحرب أبدا. عندما توفى فرانكو في أسبانيا بعد حوالي أربعة عقود في الحكم اتفقت القوى السياسية الإسبانية، يمينا ويسارا، على عُرفت ب(اتفاقية النسيان) التي تعني العفو عن ما مضى والسير الى للأمام.
* تعقيب:
* شكرا على المشاركة، وأكرر بأن ما دفعني لطرح الموضوع هو انقاذ السودان وشعبه البرئ، واجياله القادمة من الضياع وهى الاهم.
* تسعة عشر مليون تلميذ وطالب (19 مليون) خارج التعليم الآن، وإذا استمرت الحرب فترة اطول، فعلى هؤلاء وغيرهم السلام. تخيلوا .. أن تتحول اجيالنا القادمة الى مشردين ومتسولين وعطالة ومنحرفين ومستعبَدين في ازقة وحواري البلاد الاخرى، انها كارثة كبرى.
* بالنسبة لما قاله البعض بأن الحركة الاسلامية لن تقبل بأن يشاركها أحد الحكم، وإذا قبلت لا بد من شروط صارمة للتصالح معها ..إلخ، فإنني لم أود الدخول في تفاصيل فرعية حاليا، مُفضِلا عرض الفكرة فقط وحفز الآخرين على النقاش، ولكن إذا إستطاعت (رواندا) التي قُتل فيها اكثر من 800 الف مواطن في حرب أهلية شرسة، أن تصل الى حل تصالحي بين الجميع، فما الذي يمنعنا من صيغة مقبولة للتصالح؟!
* لا يزال الموضوع مفتوحا للنقاش .
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
إسماعيل عبدالمعين (2-10): وإذا تفرّق شمل قومك فأجمعن..!
كان إسماعيل عبدالمعين كما هو معلوم مبدعاً غاية الإبداع في تلحين وأداء أناشيد وأهازيج النضال الوطني والتطلّع للانعتاق من ربقة الاحتلال:
صه يا كنار وضع يمينك في يدي (الصاغ محمود أبوبكر)
صرخة روّت دمي (محي الدين صابر)
للعلا...للعلا (خضر حمد)
يقول عبدالمعين عن "صه يا كنار": (سنة 37 ظهر مؤتمر الخريجين..سمع صاحبي مصطفى خليل بأنو الصاغ محمود أبوبكر عمل "صه يا كنار"..شالا وجاني في عطبرة لابس طرطوره وجبته العسكرية..وهو كان شاويش في المدرسة الحربية..قال لي: في هبّة في أم درمان..لحِّن الكلام دا نلحق بيهو الهبّة..أول ما كنا قاعدين في شاطي النيل جاني اللحن دا..رجعت البيت فتشت اللحن في العود..لقيت محلو..ربّيتو وسكّنتو في العود..كان نبداهو ونقول:
صفدونا ليه..صفدونا ليه..؟
غربونا ليه..غربونا ليه..؟
يا بلادي آه.. يا بلادي آه..
يا بلادي ليه؟.. يا بلادي ليه..؟ قبل ما نخش في "صه يا كنار وضع يمينك في يدي".. ولامن لاقيت الصاغ محمود أبوبكر قال لي: دا اللحن الكنت بدوِّر عليهو زمن..وما لاقيهو)..!
ودّع بدمعك من تحب فإنما..
أنا إن دعوتك لن تعيش إلى غدِ
وألحق بقومك في القيود فإنني
أيقنتُ ألا حر غير مقيّدِ..!
**
فإذا وجدت من الفكاك بوادراً
فابذل حياتك غير مغلول اليدِ
وإذا سفرت فكن وضيئاً نيّراً
مثل اليراعة في الظلام الأسودِ
وإذا تبدّد شـمل قومك فاجمعن
وإذا أبوا..فاضرب بعزمة مُفـردِ
صه يا كنار ملحمة نغمية من العيار الثقيل ومن الأعمال الطليعية التي تعبّر بصورة إجمالية خالصة عن الشعور الوطني والاستنهاض عامة بطابع قومي خالص.
في هذه القصيدة العجيبة يتحوّل تحوّل الصاغ محمود أبوبكر إلى "فلكي" حيث يقول إنه أصبح يعرف (أخلاق النجوم):
أنا يا كنار مع الكواكب ساهدٌ... أسرى بخفق وميضها المُتعددِ
وعرفت أخلاق النجوم فكوكبٌ... يهب البيان وكوكبٌ لا يهتدى
وكويكبٌ جمّ الحياءِ وكوكبٌ... يعصى الصباح بضوئه المتمردِ..!
**
وهناك تسجيل رائع لهذه الأغنية الوطنية الباذخة شارك فيه عمالقة من الفنانين: (عبيد الطيب/ أبو داؤود/ احمد المصطفي /عثمان الشفيع /سيد خليفة /صلاح مصطفي/ محجوب عثمان /عبد الماجد خليفة/ يوسف السماني/ وعبدالقادر سالم).
**
وقع في يدي مقال عن "سيد درويش" في ذكراه السادسة والتسعين.. ذلك الموسيقار العجيب الذي يضعه إخوتنا المصريون في عداد بيتهوفن وباخ وموزارت وقبيلهم من الجهابذة الذين أحدثوا انقلابات عبقرية في مسيرة الموسيقى والألحان..فتذكرت كيف نتناسى نحن هنا في بلادنا عبقرياتنا العابرة لحواجز السائد..ونشبعهم سخرية وإهمالاً ونحن جلوس في (ضل الضحي)..!
كان عبدالمعين موسيقاراً بحق...فهو يغرف من الإيقاعات والألحان والميلوديات الشعبية ويخرج بها إلى الدنيا (يأخذها من أفواه (الحبوبات) والرعاة والمزارعين والسواقين والمساعدية والمراكبية والصنايعية والشغيلة والعتّالة، ومن الجلالات والمارشات والفولكلور، ويلتقط الشوارد من صميم البيئة المحلية ويمزجها بأصول الموسيقى وعلومها الحديثة مع إتقان عجيب للعزف والتلحين..!
كل ذلك مع مقدرة فائقة في تلمّس المزاج الشعبي والإفادة الواعية من تنوّع البيئات اللحنية السودانية، مع معرفة وشغف كبير باستلهام التراث ودمج مخرجاته مع العلم الموسيقى والإبتكار الفني، وتوظيف خصائص الآلات الموسيقية بصرامة، ولكن مع رحابة كبيرة في اكتشاف طاقاتها الكامنة..! ولهذا لم يكن من الغريب أن تلفت ألحانه وتوزيعاته وتنويعاته الموسيقية انتباه الآخرين من العوالم الشرقية والغربية..!
**
ما يماثل سيد رويش عندنا وربما يتفوّق عليه هو إسماعيل عبدالمعين..ويقول المصريون عن سيد درويش إن ما فعله بالموسيقى الشرقية هو ذات مافعله (برومثيوس) بالنار، في إشارة لسرقة برومثيوس للنار رمز الحياة والمعرفة من جبال الأولمب حسب الأسطورة..! وقد خطف درويش الموسيقى ووضعها على قائمة الحياة اليومية للشعب، وشيّد بناء الموسيقى المصرية الحديثة وتغني مثل عبدالمعين بالأهازيج الوطنية وأغاني العمل، وعَبَرت موسيقاه وأغانيه وأهازيجه وأوبريتاته وموشحاته وأدواره وطقاطيقه إلى العمال والفلاحين ونساء الحقول والبرّادين والحدادين والسقايين وجرسونات المقاهي وعمال اليومية والتراحيل..!
لا ينقضي النهار إلا وتكون على ألسنة الأهالي في كل مكان؛ غناءً وسمراً..فما أسرع أن تصبح افتتاحيات أغنياته في كل الأفواه، أشجان وتنغيمات وهتافات وطنية..وقد كان عبدالمعين على ذات النسق من حيث واستلهام الهموم الشعبية والوطنية والأنغام التراثية التي تتعدد فيها الأصوات والخطوط اللحنية والهارموني..إلخ
أين عبدالمعين من ها الاعتبار.. وسيد درويش في المناهج وفي تماثيل الميادين والساحات، واسمه على المسارح والقاعات و الشوارع والأحياء والحدائق وذكراه تتردد كل يوم في الأفلام والبرامج والحوارات والمنتديات .؟!
**
ومثلما كان سيد درويش تعبيراً فنياً عن مناخات ثورة 1919 الشعبية في مصر، كان عبدالمعين في بعض جوانب إبداعه تعبيراً عن الحركة الوطنية التي كان يمثلها آنذاك (مؤتمر الخريجين)...!
أما دعوة إسماعيل عبدالمعين الفنية الموسيقية الغنائية إلى (الهوية السودانية الجامعة) فهذا معترك آخر..كان فيه عبدالمعين الحادي الأمين..والفارس الذي لا يدرك مسابق غبار فرسه..!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com