للتذكر والتاريخ.. ما الذي سقط في حرب 15 أبريل؟
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة لم تسقط في حرب 15 أبريل، سلاح المهندسين لم يسقط، السلاح الطبي لم يسقط، المدرعات لم تسقط، الذخيرة لم تسقط، الكلية الحربية وكلية الطيران في كرري لم تسقط، الإشارة والنقل والصيانة لم تسقط، قاعدة حطاب لم تسقط، الاحتياطي المركزي انسحب تحت مبرر كونه قوات شرطية، أما حامية مدني انسحبت بتعليمات من قيادة الجيش.
السؤال الذي يطرح نفسه، من الذي سقط في هذه الحرب وتشرد وخسر كل ما يملك، كل عاقل سيفهم أن من سقط في هذه الحرب هي "أرواح الأبرياء من المواطنين" وهي الأغلى والأهم، ثم تلاها في السقوط المؤسسات المدنية من مستشفيات ووزارات وجامعات ومدارس ومتاحف وكباري وطرق ومراكز تجارية وبنوك ومحلات وحدائق عامة، ومنازل المواطنين وممتلكاتهم من مركبات ومدخرات مالية وأثاث من أسرة ودواليب وكراسي ومجالس ومراتب ومخدات وملابس واحذية، وشبابيك وأبواب وأسقف وغيرها من المقتنيات الشخصية.
من نزح وتشرد ومات وخسر وفقد المأوى والمأكل والمشرب، ليس هم الجنود، بل هم المدنيين الأبرياء، والمعارك الوهمية دارت داخل منازلهم، وتم تحويلها إلى ثكنات للمقاتلين، ومراكز ارتكاز، وغيرها، وكل منطقة دخلتها مليشيا الدعم السريع في مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري، وقرى ومدن ولاية الجزيرة، كانت مرتعًا للجرائم والسرقات وانعدام الأمن، ونزح كل سكانها، ومن بقي ظل تحت تهديد الموت بالقصف الجوي أو سقوط الدانات، أو برصاص اللصوص والمغتصبين، أما في المناطق التي يسيطر عليها الجيش بداية من مدينة أمدرمان وبقية الولايات الشمالية والشرقية، والأجزاء التي يسيطر عليها في ولايات كردفان ودارفور، وكذلك النيل الأبيض والنيل الأزرق وغيرها، لم يتم احتلال المنازل أو سرقة ممتلكات المواطنين أو تهديدهم، وهذا الأمر يشهده الجميع، ولا يمكن إنكاره.
من خلال هذه الخارطة المختصرة، نستطيع أن نقول إن هذه الحرب لم تستهدف بشكل مباشر مقار القوات المسلحة، بل استهدفت بكل أسف المؤسسات المدنية ومنازل المواطنين وممتلكاتهم، حيث لا يستطيعون العودة إليها حاليًا بسبب تواجد المليشيا فيها، مع العلم أن من يتواجدون الآن في تلك المناطق من المواطنين يتعرضون يوميًا للنهب والتهديد والقتل إضافة إلى الموت جوعًا ومرضًا وخوفًا، ونعلم أن عدد مقدر ممن عادوا إلى منازلهم، هم من يسكنون أمدرمان أو لنقل مناطق سيطرة الجيش، والأمر متشابه (في مناطق سيطرة الطرفين) فيما يخص التدوين وتساقط القذائف داخل الأحياء السكنية، فالجميع معرضون للموت بسبب القصف المتبادل.
ونقولها لمن يريد أن يسمعها ولمن لا يريد سماعها، تلك الفرحة التي شعر بها الملايين من الشعب السوداني، وجاءت الاحتفالات العفوية لتعبر عنها، لمجرد انتشار أخبار تتحدث عن تحرير "مصفاة الجيلي، وتقدم الجيش داخل مدينة بحري،"، تؤكد دون أدنى شك، أن الشعب السوداني لا ينظر إلى الجيش كقوات تابعة للحركة الإسلامية، رغم محاولات سيطرة الكيزان على هذه المؤسسة، ولكن يظل جزء كبير من ضباطها وجنودها منحازون لخيار الشعب ولا ينتمون إلى الحركة الإسلامية، وهؤلاء الشرفاء يعلمون وجميعنا يعلم، أن قيادة الجيش مختطفة من قيادات تتبع للحركة الإسلامية، وهم أعضاء اللجنة الأمنية للرئيس المخلوع عمر البشير، وهم من امتنع عن تسليم السلطة للثوار، ورفضوا تطبيق العدالة، وقاموا بانقلاب عسكري، ومكنوا للمليشيا حتى انقلبت عليهم، وهذه حقائق لا يستطيع أحد نكرانها، ورغم كل هذا تظل القوات المسلحة هي ملك لهذا الشعب، وميزانيتها من أموال الشعب، وراتب ضباطها وجنودها من ميزانية الدولة، ولكل هذه الاعتبارات ينتظر الملايين تقدم الجيش وانتصاره على المليشيا ليعودوا إلى منازلهم، ولا نعتقد أن كل هذه الملايين التي فرحت لمجرد أخبار غير مؤكدة، ستقبل مرة أخرى عودة المليشيا إلى الحكم، أو أن تعود المليشيا كقوات رسمية تصرف أموالها من ميزانية الدولة.
وأخيرًا، نضع هذه الرسالة في بريد الجيش، وحتى لا تنكسر فرحة الملايين الذين ينتظرون انتصار الجيش، وبما أن الحرب سجال يوم لك ويوم عليك، وبعد أكثر من عام ونصف العام من المعارك داخل الأحياء، وبعد تدمير المنازل وسرقة الممتلكات، لن يستطيع هذا الشعب على الصبر أكثر، وقد تستمر هذه الحرب لسنوات قادمة إذا لم يحدث اختراق سياسي حقيقي يتحول إلى طاولة مفاوضات، وهنا للجيش الحق في وضع أجندته الأساسية وهي دمج جنود الدعم السريع داخل القوات المسلحة، وإعادة هيكلتها لتستوعب التغيرات الجديدة، وإقرار عدم تكوين أي مليشيا أو تسليح قوات خارج المؤسسة، وتسليم السلطة فورًا لإدارة مدنية متفق حولها، بعيدًا عن تلك التحالفات والمنظمات التي ارتبطت بأجندة خارجية ومحاور إقليمية وعالمية، والشروع فورًا في تكوين حكومة قومية لتصريف الأعمال، وإعادة الإعمار، والذهاب بقادة الجيش والدعم بعيدًا عن المشهد السياسي للتفاوض حول أجندة الدمج وإعادة الهيكلة دون ضوضاء، وعلى كل الشعب أن يعرف من الذي يرفض تكوين جيش قومي مهني ومن الذي يريد، هذا هو الانتصار الذي ننتظر وليس المزيد من الموت والنزوح والتشرد.
وإجلالًا لضحايا هذه الحرب، نسأل الله أن يتقبل جميع الموتى من المدنيين شهداء، وعاجل الشفاء للجرحى والمرضى، والعودة العاجلة لجميع النازحين إلى قراهم وديارهم.. والنصر للوطن.
#حبًا_وودا
نورالدين عثمان
manasathuraa@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الحرب لم تسقط
إقرأ أيضاً:
حتى لا يكون النصر مأسسةً لحربٍ جديدة
*حتى لا يكون النصر مأسسةً لحربٍ جديدة*
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
• دعم الشعب السوداني لمؤسسة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى غير مشروط ، لأنها الأقدم تأسيساً ، والأشمل تكويناً ، والأخلص لشعبها منذ تأسيسها وعلى امتداد أنظمة الحُكم الوطنية وحتى اليوم ، ولكن دعم الشعب لقيادة هذه المؤسسات لطالما كان محدوداً بأمَدٍ ومشروطاً بأداء ، وهذه المحدودية المشروطة هي ما حملت الجيش والقوات النظامية الأخرى على الاصطفاف إلى جانب الشعب ضد قيادة الجيش في ١٩٦٤م و ١٩٨٥م و ٢٠١٩م ، ولطالما كان جيشُنا يخوض الحرب تلو الحرب منذ الاستقلال وحتى اليوم ، ولم يتغير شئ من معادلة العلاقة بين الشعب والجيش وقواته النظامية ، فدعم الشعب لقيادة الجيش محدودٌ ومشروطٌ بما عاهدت عليه القيادة جيشها وشعبها من النصر المُطلق والعدالة المطلقة وعدم المساومة ، وهذه الشرطية قائمةٌ مهما تعالت أصوات الجنجوريين هنا وهناك ، ولهذه القيادة حق الدَّعم والمُناصرة والطاعة ما أوفت بواجبها والتزاماتها ، ولها على الناس كذلك حقُّ النُّصحِ والنَّقد متى ما تطلَّب الأمر ذلك ، كما أنَّ من حقِّها الانصراف مشكورةً متى ما استشعرت ثِقَلَ الواجبِ وطول الأمدِ فوق طاقتها.
• إن حقوق المواطنة لا تحتاج مِنحةً من أحد ، وسيادة القانون فوق كلِّ أحد ، وما هبَّ الشعب باذِلاً أرواحه ومُستنفِداً وُسعَه إلا دِفاعاً عن الحَقِّ والكرامة ، فالحقوق إذا لم تكُن سجيَّةً ألجأت الناس لانتزاعها ، وقوة الحقِّ إن لم تستعلي بالقانون استوجب رفعها بحقِّ القوة ، وليس التلاعُب بالحقوق الفِطرية والقانون مما يُسْتَجلبُ به النَّصر أو تستقِر به الأوطان ، فإن الأخذ على يدِ الظالم وأطْرُه بالقانون على الحق أطْرَاً هو الحِصنُ من ضرب قلوب الصَّف الوطني بعضها ببعض.
• إن باب التوبة الوطنية عن العمالة والتمرُّد والظُّلمِ ، والأوبة إلى الحقِّ والعدلِ مفتوح ، ولكنَّ التوبة لابُد أن تعبُر من خلال مُستوجباتها الوطنية التي تقتضي:-
١. الإعتراف عَلَناً (كما تمَرَّدوا عَلَناً) بالجُرمِ والعمالة والخطإ والنَّدمِ على ذلك .. لا بتبريره.
٢. الارتداد الفوري عن العمالة والتمرُّد إلى صفوف الوطن والطَّاعة .. لا بالمساومة عليها.
٣. الإنصاف من الذات بِردِّ المظالم بالقانون .. لا برغبة صاحب السلطة.
٤. استعادة حقوق المواطنة كامِلةً بعد ذلك وبالتساوي مع غيرِهم بالقانون .. لا بصفقةٍ بين ذوي الوُدِّ أو المصالح المُشتَركة.
• من الصَّعب أن يخسر السودان والسودانيون أكثر مما خسروه ، ومن الحماقة محاولة الصِّراع مع من لم يعُد لديه كثيراً مما يخشى خسارته ، وإنَّ من الخيانة التي لا تُغتَفر .. جعل كلِّ تلك الدِّماء والأعراض والأموال ومئات الآلاف من الأرامل وملايين الأيتام تضيع تضحياتهم هَدَراً من أجل استقرار عرش السُّلطة لشخصٍ أو فِئة ، واليوم قِيادة البلاد وقواتها النظامية وشعبها في أمانتهم هذه بالخيار .. ما بين أن يكون عشرات الملايين من الضحايا أعلاه والأجيال القادمة التي سيترتبُ عليها مآلات هذه الحرب شُفعاء لهم أو خُصوماً لهم ، وقد علَّمتنا التجارب بأن بعض النَّاسِ لا يُبالون أن يبيعوا بلادهم وشعبهم وخاصة أهلهم وآخرتهُم بِحفنةٍ إموالٍ يقتَرِفونها أو سُلْطةٍ يرضونها ، وبعضهم يستميتون في أن يبيعوا لمَرضٍ في قلوبهم فإنهم يبيعون ذلك كله بمصلحةٍ قد يُصيبها غيرِهم ، وأولئكم هم أدنى العدو ، ومن لم يتفكَّر في العواقب فما الدهر له بصاحب ، ومن البَليَّات توضيح الواضحات.