رأيته مطرقا الي الأرض ، حزينا ، كاسف البال يحمل كل قطارات الهموم علي سكك حديد رأسه الذي كاد ينفجر من شدة الحرارة !!..
قلت له علي سبيل المؤاساة وقصدي أن أخرجه من دوامة الاسي والأسف التي احتلت جميع أقطار نفسه فصار لايسمع منه غير الهذيان والتوهان :
ممكن اعرف منك لماذا انت علي هذه الحال وانا وانت نعرف أن كل مشكلة لها حلال !!.
رد علي الفور ونطق بجملة خرجت من فيه المرتجف وفي حدتها كانت تضاهي قوة دانة انطلقت للتو من عقالها في طريقها الي هدفها المرسوم :
تلقيت المكالمة التي كنت انتظرها علي احر من الجمر ، صوت نسائي به شيء من قلة الاتيكيت رمي الي بالخبر القنبلة :
ماشالوك ماشالوك ماشالوك ...
رددت الكلمة مع الضغط علي اي حرف فيها وكان بيني وبينها ثار مبيت !!..
تدخلت سريعا لاعرف لغز هذه الكلمة التي بدت لي وكأنها من مفردات اللغة الهيروغليفية وثانيا لاعطي الفرصة لثوران ( جبل سيزوف ) الثائر في جوفه أن يهدأ ويخمد !!..
جلس علي الارض وارتشف قطرات من الماء البارد ، تبللت بها شفتاه الجافة من أثر ثورة الغضب التي انتابته مباشرة عندما اصطكت اذناه بمفردة ( ماشالوك ) التي كادت في لحظة سماعها أن ترسله لغرفة العناية المركزة !!..
يا صديقي العزيز وحتي اضعك في الصورة والمشهد اعرفك باني خضعت لمقابلة نظمتها مدرسة خاصة لمعلمي المرحلة الوسطي لاختيار الصالح منهم للانضمام لهيئة التدريس بها للعام الجديد الذي أصبح علي الابواب .
كانت لجنة المقابلة كما يبدو من وجوههم النبرة وطريقتهم في التعامل مع المعلم المراد اختباره غاية في التهذيب والعلم والمعرفة ويتبارون في توزيع الأسئلة بتناسق موسيقي وينظرون في السبورة بتفحص دقيق ويبدون الملاحظات الصائبة عن الخط والتسطير وكتابة التاريخ والوقفة ومخارج الصوت ولغة الجسد وكانوا لايبخلون علي الأستاذ وهو منهمك في إخراج خير ما عنده بكلمات الاطراء والتقريظ ويدعون له بالتوفيق. وانتهت المقابلة .
وودعوه بمثل ما استقبلوه به من حفاوة وتكريم وبقي بعد ذلك أن ينتظر تلفونا من المدرسة وأكدوا له أنه سيسمع كل خير .
بعد أن أكمل مرافعته سألته بلهفة :
اها وبعدين حصل شنو ؟!
وبكل الهم والغم الذي لفه من أعلي رأسه إلي أخمص قدميه نطق بصعوبة والكلمات تخرج من أغوار بعيدة من داخل قفصه الصدري الممتلئ باعاصير ورياح هوج ...
ياأخي اصدقك القول ( وماطالبني حليفة ) وبما أنني ابليت في المقابلة بلاء حسنا وأنني متمرس علي مثل هذه المقابلات التي أخرج منها دائما ظافرا منتظرا وان عملي في التدريس اكتسبت من ورائه سمعة طيبة وخبرة لا تقدر بثمن .
بعد دا كله وبعد تسعة أيام حسوما رن تلفون هاتفي وسمعت من الجانب الآخر صوت نسائي أجش خالي من اي نبرة اتيكيت :
انت فلان بن فلان المتقدم عندنا لوظيفة معلم مرحلة وسطي ...
قلت : نعم بالحيل أنا فلان بن فلان وفعلا عملت مقابلة لاختيار معلم مدرسة وسطي بمدرستكم المؤقرة ...
قالت علي الفور :
ماشالوك ...
وقفلت الخط بطريقة صفع الباب أمام شخص غير مرغوب في دخوله ... ولم تكن هنالك أي اعتذارات واسف وأمنيات بحظ اوفر في المستقبل .
قلت له حسنا حسنا هون علي نفسك ياصديقي وكفكف دمعك الغالي ... لدي سؤال جوهري ارجو ان تجيبني عليه فهو هام لكشف اللغز في عدم اختيارك رغم ثقتك في نفسك وماقمت به من أداء ممتاز وقد رأيت الاستحسان في عيون اللجنة ... السؤال كم عدد أعضاء اللجنة وكم الذين لهم دقون طالبانية ...
قال عددهم ٧ و ٤
منهم أشبه بالمجاهدين الأفغان بدقونهم الغزيرة...
هنا صرخ صاحبى :
بس . وجدتها وجدتها أن أعضاء اللجنة من أصحاب الدقون هم ( الغتسو حجرك ) لانك من غير دقن !!..
حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي.
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السؤال الذي يعرف الغرب الإجابة عنه مسبقا
لا يُمكن فصل السّيَاسات الدولية اليوم تجاه فلسطين أو تجاه كافة دول العالم الإسلامي عن الموقف من الإسلام في حد ذاته. تحكم السياساتِ الدولية بشكل عامّ مصالح وصراعاتٌ اقتصادية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي يُلاحَظ أن هناك عاملا خفيا يُغلِّف كل هذه السياسات له علاقة بكون هذه الدولة بها غالبية من المسلمين أم لا، بغضِّ النظر عن المذهب أو طبيعة نظام الحكم أو التاريخ أو الجغرافيا لتلك الدولة.
في آخر المطاف تجد اتفاقا بين الدول الغربية في أسلوب التعامل مع أي منها يقوم على فكرة مركزية مفادها ضرورة إذعان هذه الدولة للنظام العالمي الغربي والقَبول بهيمنة القواعد المتحكِّمة فيه وعدم الخروج عنها بأيِّ صفة كانت، وإلا فإنها ستُحارَب بكافة الوسائل والطرق. لا يهم إن كانت هذه الدولة فقيرة مثل الصومال أو غنيّة مثل السعودية أو تركيا أو إيران. جميعهم في نظر السياسات الغربية واحد، فقط هي أساليب التعامل مع كل منهم التي تختلف. بعضهم يحتاج إلى القوة وآخر إلى الحصار وثالث إلى التّهديد ورابع إلى تحريك الصراعات الداخلية إلى حد الاقتتال وسادس إلى إثارة خلافات حدودية مع جيرانه… الخ، أي أنها ينبغي جميعا أن تبقى في حالة توتر وخوف وقلق من المستقبل.
تكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالمتكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالم للتأكد من ذلك، فحيث لا يوجد إخضاع تام من خلال القواعد العسكرية المباشرة والقَبول كرها بخدمة المصالح الغربية، يوجد إخضاع غير مباشر من خلال الحروب الأهلية أو اصطناع الجماعات الإرهابية أو إثارة النّعرات القبلية والعرقية أو تحريك مشكلات الحدود الجغرافية.. نادرا ما تُترك فرصة لِدولة من دولنا لتتحرّك بعيدا عن هذه الضغوط. السيناريوهات فقط هي التي تتبدّل أما الغاية فباستمرار واحدة: ينبغي ألا تستقلّ دول العالم الإسلامي بقرارها، ومن الممنوعات الإستراتيجية أن تُعيد التفكير في مشروع وحدة على طريق جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر مثلا!
وهنا تبرز فلسطين كحلقة مركزية في هذا العالم الإسلامي، ويتحدد إقليم غزة بالتحديد كمكان يتكثف فيه الصراع.
ما يحدث في غزة اليوم ليس المستهدَف منه سكان فلسطين وحدهم، إنما كل كتلة العالم الإسلامي المفترض وجودها كذلك. أيّ إبادة لسكان هذا القطاع إنما تحمل في معناها العميق تهديد أي دولة من دول العالم الإسلامي تُريد الخروج عن هيمنة النظام العالمي الغربي المفروض بالقوة اليوم على جميع الشعوب غير الغربية، وبالدرجة الأولى على الشعوب الإسلامية.. وكذلك الأمر بالنسبة للحصار والتجويع والقهر بجميع أنواعه. إنها ممارساتٌ تحمل رسائل مُوجَّهة لكافة المسلمين ولكافة دول الجنوب الفقير وليس فقط للفلسطينيين في قطاع غزة بمفردهم. محتوى هذه الرسائل واحد: الغرب بمختلف اتجاهاته يستخدم اليد الضاربة للصهيونية في قلب أمة الإسلام، ليس فقط لإخضاع غزة إنما إخضاع كل هذه المساحة الجيوستراتيجية الشاسعة لسيطرته الكاملة ثم إخضاع بقية العالم.
يُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط
وعليه، فإن السلوك المُشتَّت اليوم للمسلمين، وبقاء نظرتهم المُجزّأة للصراع، كل يسعى لإنقاذ نفسه، إنما هو في الواقع إنقاذٌ مؤقت إلى حين تتحول البوصلة نحو بلد آخر يُحاصَر أو يُقَسَّم أو تُثار به أنواع أخرى من الفتن… ويُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط أو ضد حركة الجهاد في فلسطين، ذلك أن كل الاتجاهات الإسلامية هي في نظر الاستراتيجي الغربي واحدة، تختلف فقط من حيث الشكل أو من حيث الحدة والأسلوب. لذلك فجميعها موضوعة على القائمة للتصفية يوما من الأيام، بما في ذلك تلك التي تعلن أنها مسلمة لائكية حداثية أو عصرية!.. لا خلاف سوى مرحليًّا بينها، لا فرق عند الغربيين بين المُعمَّم بالعمامة السوداء أو البيضاء أو صاحب ربطة العنق أو الدشداش أو الكوفية أو الشاش، ولا فرق عندهم بين جميع أشكال الحجاب أو الخمار أو ألوانها في كل بقعة من العالم الإسلامي، جميعها تدل على الأمر ذاته.
وفي هذه المسألة بالذات هم متّحدون، وإن أبدوا بعض الليونة المؤقتة تجاه هذا أو ذاك إلى حين.
فهل تصل الشعوب والحكومات في البلدان الإسلامية إلى مثل هذه القناعة وتتحرّك ككتلة واحدة تجاه الآخرين كما يفعل الغرب الذي يتصرّف بشكل موحد تجاه المسلمين وإنْ تنافس على النيل منهم؟
ذلك هو السؤال الذي تحكم طبيعة الإجابة عنه مصير غزة وفلسطين.. ومادام الغرب يعرف الإجابة اليوم، فإنه سيستمرّ في سياسته إلى حين يقضي الله تعالى أمرا كان مفعولا وتتبدَّل الموازين.
(نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية)