الجزيرة:
2025-04-28@16:30:08 GMT

نتنياهو.. صورة الوغد الذي يحكم إسرائيل

تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT

نتنياهو.. صورة الوغد الذي يحكم إسرائيل

نقل الإعلام الأميركي عن كتاب للصحفي بوب وودوارد، سيصدر الأسبوع المقبل، أن الرئيس جو بايدن، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"الوغد والرجل السيئ" خلال جلسة خاصة مع أحد مساعديه، ربيع العام الجاري.

هذا الوصف الذي أطلقه بايدن على شريكه الإسرائيلي يصلح مدخلا لرسم صورة قلمية عن "بيبي" الفتى الذي نشأ في عائلة متعصبة وأصبح رأسا لما يسمى "الدولة اليهودية".

وسندخل إلى نفسية رئيس الحكومة الإسرائيلية عبر التأمل بقصص غريبة، مثل حمله لغسيله الوسخ من إسرائيل إلى الولايات المتحدة ليُغسل على نفقة البيت الأبيض، إذ تفتح تفاصيل صغيرة كهذه نافذة على جوانب مثيرة وغير متوقعة من نفسيته، وتعكس الأبعاد النفسية والثقافية لشخصيته.

يحمل غسيله الوسخ بحقيبته الدبلوماسية

في عالم السياسة، حيث تركز الأضواء عادة على المواقف الكبرى والأزمات الدولية، قد تبرز تفاصيل صغيرة لتلقي ضوءاً مختلفاً على سياسي بحجم رئيس وزراء. ففي زيارته إلى واشنطن، فإن أحد الزعماء الأكثر جدلاً بالشرق الأوسط حمل معه شيئاً غير متوقع: غسيله الوسخ. نعم، هذه ليست مجرد شائعة، بل حقيقة أكدها مسؤولون أميركيون. وكل مرة يزور فيها الولايات المتحدة، يقوم نتنياهو بإرسال ملابسه المتسخة لغسلها على حساب البيت الأبيض.

وفي عالم الدبلوماسية، قد يبدو هذا التفصيل طريفاً أو غريباً، لكنه يعكس جانباً شخصياً في حياة نتنياهو، السياسي الذي يجمع بين الشراسة والبراغماتية، وبين اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة في حياته اليومية، إلى درجة أن يغسل غسيله على نفقة حكومة أجنبية.

كل مرة يزور فيها الولايات المتحدة يقوم نتنياهو (يسار) بحمل ملابسه المتسخة لغسلها على حساب البيت الأبيض (رويترز)

ولكن هذه القصة لا تقف عند حدود الطرافة، بل ربما تثير تساؤلات حول كيف يرى نتنياهو نفسه وعلاقته بالقوى العالمية الكبرى. هل هي مجرد عادة بريئة أم رمز لطموحه الدائم لتحقيق مكاسب شخصية، صغيرة كانت أم كبيرة، في كل مجال؟

وبالنسبة لبعض النقاد، قد يُنظر إلى هذه القصة على أنها نموذج لطريقة تعامل نتنياهو مع السلطة والثقة الزائدة التي تتخطى الحدود، ليس فقط في ميدان السياسة بل حتى في أمور بسيطة كالغسيل. أما مؤيدوه، فقد يرون في الأمر مجرد جانب إنساني يُظهر أنه حتى أقوى القادة لديهم حاجات عادية.

الزعيم الذي يجمع الزجاجات الفارغة

بالانتقال من هذا التفصيل الشخصي، يمكننا الغوص في تفاصيل أعمق حول شخصية نتنياهو، فمن بين القصص المثيرة للجدل التي تحيط بحياة رئيس الحكومة الإسرائيلية، تبرز قصة غريبة تعكس جانباً آخر من أسلوب حياته مع زوجته سارة. ففي عام 2013، تم الكشف عن أن نتنياهو وزوجته جمعا زجاجات فارغة من مقر إقامتهما الرسمي، وباعاها للاستفادة من ثمنها، وهو أمر قد يبدو بسيطاً أو عادياً بالنسبة للكثيرين، لكنه أثار ضجة كبيرة في إسرائيل.

وبدأت القصة عندما تقدم موظف سابق في مقر إقامة رئيس الوزراء بشكوى حول ممارسات عائلة نتنياهو فيما يتعلق بالزجاجات الفارغة. ووفقاً لهذه الشكوى، كان نتنياهو وزوجته يجمعان الزجاجات الفارغة من مشروبات الاستقبال والمناسبات الرسمية، ومن ثم يقومان ببيعها لإعادة تدويرها والاستفادة من المبلغ المالي المتواضع الناتج عن ذلك.

والمثير في الأمر أن هذه الزجاجات لم تكن شخصية يستخدمها نتنياهو وعائلته، بل زجاجات تم شراؤها على حساب الدولة، واستخدمت في مناسبات رسمية بمقر إقامة رئيس الوزراء. ووفقاً للقوانين الإسرائيلية، كان من المفترض أن تتم إعادة أثمانها إلى خزينة الدولة، وليس إلى جيوب العائلة الأولى.

ثمن بخس لكنه أزمة كبيرة

ما جمعه الزوجان نتنياهو من بيع الزجاجات الفارغة كان لا يتجاوز آلاف الشواكل، وهو مبلغ زهيد بالنسبة لرئيس حكومة وزوجته، ولكنه أثار غضباً شعبياً واسعاً. والقضية تمثل رمزاً للتناقض بين حياة الفخامة التي يعيشها نتنياهو على حساب الدولة وبين الجهود الصغيرة التي بذلتها عائلته للاستفادة حتى من الموارد الصغيرة مثل الزجاجات الفارغة.

وفي النهاية، اضطر نتنياهو إلى إعادة المبلغ الذي جمعه من بيع الزجاجات الفارغة، وقد ألقى باللوم على سوء الفهم، مشيراً إلى أن الموضوع كان مجرد خطأ إداري. ولكن بالنسبة للكثير من الإسرائيليين، كانت هذه القصة تعبيراً عن استغلال للمال العام، ولو على نطاق صغير، وقد أضافت إلى صورة نتنياهو كشخص يسعى دوماً لتحقيق مكاسب، مهما كانت بسيطة.

عندما يُذكر نتنياهو بوسائل الإعلام تبرز سارة شريكة حقيقية في جميع جوانب حياته (شترستوك) التعاون الزوجي خلف الأبواب المغلقة

إلى جانب الجدل المالي، عكست القصة جانباً من الشراكة الوثيقة بين نتنياهو وزوجته. وكل مرة يتم ذكر نتنياهو في وسائل الإعلام، تبرز سارة شريكة حقيقية في جميع جوانب حياته، من السياسة إلى الأمور الشخصية. وجمع الزجاجات وبيعها ربما كان يعكس تواطؤاً داخلياً بينهما في محاولة للاستفادة من كل مورد ممكن، حتى وإن كان بسيطاً.

وهذه القصة تكسر صورة نتنياهو كسياسي يصفونه بأنه بارع كما يحاول أن يظهر نفسه في الإعلام، بل إنها تكشفه كشخص يمكن أن ينخرط في ممارسات تبدو غريبة وغير متوقعة، وكأن هناك جانباً من شخصيته يميل إلى الاقتصاد أو التقتير حتى في التفاصيل الدقيقة.

النظر بعمق في عائلة متعصبة

تربى نتنياهو في عائلة تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف في المجتمع الإسرائيلي. والده بنتسيون نتنياهو كان مؤرخاً مشهوراً ومؤيداً قوياً للصهيونية، وقد نقل إليه هذا الإرث من القيم. وهذه النشأة في بيئة مليئة بالأفكار القومية المتشددة قد زرعت فيه شعوراً بالاستحقاق، حيث نشأ في وسط يركز على الهوية المحصنة وقضية البقاء في وجه التحديات التاريخية.

وهذا التعصب العائلي قد يعكس أفكاراً عميقة الجذور حول الدين والقومية، والتي تطورت في ذهن نتنياهو لتصبح جزءاً من هويته الشخصية. فمنذ صغره، تلقى تعليماً يؤكد أهمية وجود إسرائيل كدولة يهودية، ويشدد على التهديدات المحتملة من جيرانه. وهذا الشعور بالتهديد قد يكون سبباً رئيسياً في تبني نتنياهو مواقف عدائية تجاه الفلسطينيين والدول العربية، مما يفسر حذره المفرط ونزعته العسكرية.

وتسببت توجهات عائلته اليمينية المتطرفة في تشكيل رؤيته السياسية، حيث أصبح نتنياهو رمزاً للسياسات القومية المتطرفة. فعندما اعتلى السلطة، تبنى سياسات تدعم الاستيطان بالأراضي الفلسطينية وتستبعد أي حوار جدي مع الفلسطينيين، متأثراً بفكر عائلته الذي يفضل القوة العسكرية وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.

وفي سياق سلوكه الشخصي، يمكن رؤية أثر هذه الخلفية في حبه للاستفادة من الموارد، حتى وإن كانت بسيطة. ويمكن لشعور الاستحقاق والتعصب الذي نشأ فيه أن يفسر لماذا لا يرى في تصرفاته -مثل بيع الزجاجات الفارغة أو غسل ملابسه على حساب دولة عظمى- شيئاً غير عادي أو مرفوض، بل يعتبرها وسائل طبيعية لتحقيق مكاسب حتى وإن كانت ضئيلة.

نشأة نتنياهو بعائلة متعصبة تلقي الضوء على سلوكياته وتوجهاته السياسية (مواقع التواصل) الصراع الداخلي والتناقضات

يمكن اعتبار خلفية نتنياهو العائلية عاملاً يساهم في التناقضات التي يحملها. فهو يتنقل بين كونه زعيماً قومياً يدافع عن مصالح إسرائيل واعتقاداته الشخصية التي قد تبدو في بعض الأحيان صغيرة أو تافهة. وقد يكون هذا الصراع الداخلي ناتجاً عن قيم نشأ عليها، حيث يُتوقع منه أن يكون نموذجاً للقائد القوي، بينما تظهر تصرفاته الشخصية جوانب أخرى من شخصيته، يبدو معها وكأنه الرجل العادي الصغير والتافه.

ولم تُعزز عائلة نتنياهو فقط من توجهاته السياسية، بل أيضاً من أسلوب قيادته. إذ يُظهر أسلوبه في الحكم نزعة قوية إلى السيطرة والسلطة، مما قد يكون مستمدّاً من قيادته العائلية. فشخصية تتربى في بيئة تعزز القوة والهيمنة قد تجد صعوبة في تبني أساليب أكثر مرونة أو تعاونية، بل ويجد طبيعيا أن يتكسب من كل شيء حواليه ما دام أنه يعيش ضمن "السور الواقي" في أعلى قمة السلطة.

وإجمالاً، يمكن القول إن تأثير نشأة نتنياهو في عائلة متعصبة يلقي الضوء على سلوكياته وتوجهاته السياسية. فالتعصب والهوية القومية القوية التي غُرست فيه منذ الطفولة تعكس العديد من الجوانب المثيرة للجدل في شخصيته، من سياساته الخارجية إلى ممارساته الشخصية. وهذه التأثيرات العائلية تعكس وجود صراع داخلي مستمر بين صورة الزعيم القوي وبين التصرفات التافهة التي تبدو متناقضة مع تلك الصورة. وكل هذا ربما يجعل منه "وغدا وسيئا" إذا استعرنا تعبيرات الرئيس الأميركي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات نتنیاهو فی هذه القصة فی عائلة على حساب

إقرأ أيضاً:

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (7) جابوتنسكى «الملهم»

في حلقة جديدة من كتابه «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع يتعرض المؤلف مصطفى بكرى لأفكار روزئيف جابوتنسكى المتطرفة والتي مثلت إلهامًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو منذ الصغر.

يعد زئيف جابوتنسكى هو الملهم لنتنياهو في أفكاره ومواقفه، فهو مؤسس ما يسمى بـ«الحركة الصهيونية التصحيحية» بعد انفصاله عن المنظمة الصهيونية بقيادة “حاييم وايزمان.

في أعقاب الاتهامات التي وجهها إليه بالمهادنة- تجاه السياسات البريطانية والقاضية بقصل شرقي الأردن عن فلسطين وتحديد الهجرة اليهودية بحسب القدرات الاقتصادية للبلاد.

وفى مواجهة ذلك أنشأ جابوتنسكى الحركة التصحيحية عام1925، بهدف مراجعة سياسة المنظمة الصهيونية وأهدافها النهائية في فلسطين.

لقد طرح جابوتنسكى رؤيته المتطرفة التي تحدد أهداف حركته في إقامة دولة قومية ذات أكثرية يهودية في فلسطين على ضفتي نهر الأردن الغربية والشرقية، وأن ذلك وحده الذى سيلزم الفلسطينيين بجدية الأهداف الصهيونية،

ونتيجة لمواقف وأطروحات جابوتنسكى المتطرفة أصبح بمثابة المرشد والأب الروحي للكثير من المتطرفين اليمينيين، حيث تبنى مقولاته العديد من القادة الصهاينة أمثال مناحيم بيجين (1913)، إسحاق شامير (1915)، ارنيل شارون (1928)، غيئولا كوهن (1925)، ايهو اولمرت (1945)، بنيامين زئيف بيجن (1943)، دان مريدو (1947)، بنيامين نتنياهو (1949)، تسيبى ليفينى (1958) وغيرهم كثيرون.

كان جابوتنسكى يرى أن المشكلة اليهودية لن تحل إلا بحل جذري لهذه المشكلة بتجميع اليهود في بقعة أرض خاصة بهم، ويتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول العظمى.

وكان يردد دومًا: «إذا كانت المشكلة اليهودية هي مشكلة عدم وجود بقعة أرض»، وتساءل قائلًا: «إذا كانت المشكلة اليهودية هي مشكلة عدم وجود بقعة أرض»، إذن: لماذا في هذه البلاد بالذات، والتي تشكل الوطن القومي للفلسطينيين، وليس في أي بلد آخر، يجب أن يقام الوطن القومي لليهود؟!

وكانت إجابة جابوتنسكى على هذا السؤال في مقال كتبه عام 1905، بعنوان “الصهيونية وأرض إسرائيل” إلى أن اختياره فلسطين لا ينبع من عاطفة أو غريزة فطرية، وإنما هو مبنى على اعتبارات عقلانية عملية تقتضى هذا الاختيار،

وقال: «إن العلاقة بين الصهيونية وصهيون بالنسبة لنا ليست مجرد مسألة غريزة أو عاطفة قوية يجب الحفاظ عليها، وإنما أيضًا استنتاج راسخ شديد الأهمية ينبع من اعتبارات وضعية خالصة».

وأشار جابوتنسكى في مقاله إلى أن الحركة الصهيونية لن تنجح في تحقيق أهدافها في أية بقعة أخرى،

عدا أرض فلسطين لأن مثل هذه البقعة لا تلائم رغبة الشعب الفلسطيني وإرادته، بمعنى إنه إذا كانت بقعة الأرض المستهدفة لا تجتذب اليهود بمجموعهم، ولا تلبى رغباتهم، فإن الحركة الصهيونية لن تنجح عندئذ في تجنيدهم من أجل تحقيق أهدافها وبذلك لن تستطيع التحول إلى حركة شعبية.

وقال جابوتنسكى: «إن الطريق الوحيد الذى يمكن لحركة يهودية قومية السير فيه، كي تكون حقًا حركة شعبية، هو الطريق المؤدى إلى أرض إسرائيل»، أي إنه إذا اختارت الحركة الصهيونية أية بقعة أرض لا تكون الجماهير اليهودية مستعدة للهجرة إليها فإن الحركة لن تنجح في تشييد البيت القومي اليهودي، وأضاف: «إن المحنة اليهودية لا تكفى من أجل نجاح الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها، وإنما هناك حاجة لهدف (بقعة أرض) تتوفر فيها قوة جذب لليهود المشتتين في دول العالم موجودة فقط في فلسطين، فهي بحكم الرابطة الدينية، بقعة الأرض الوحيدة القادرة على اجتذاب جموع اليهود إليها».

كان جابوتنسكى يطالب اليهود بإخراج ما أسماه بـ”الروح الشرقية” ذات انتماء أوربي وقال: «في أي نزاع بين الغرب والشرق، سنكون دومًا إلى جانب الغرب، فهم قد مثلوا تراثًا أكثر تفوقًا من الشرق على مدار الألف سنة الماضية»،

وقال: «ليس لنا نحن اليهود، أي قاسم مشترك مع ما يسمى “الشرق” ونحمد الله على ذلك، وأنه يجب فطم اليهود الشرقيين (السفارديم)».

وقال: «نحن ذاهبون إلى (أرض إسرائيل)، أولًا: من أجل راحتنا القومية، وثانيًا: كما قال نورداو: من أجل توسيع حدود أوربا حتى نهر الفرات، وبكلمات أخرى من أجل إزالة كل مخلفات الروح الشرقية من (أرض إسرائيل) وبشكل جذري في كل ما يخص اليهودية فيها».

وعندما تم إخبار جابوتنسكى أن المسلمين هم أقرباء اليهود، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا خصومًا لهم، رد قائلًا: «إسماعيل عليه السلام- ليس عمنا، نحن ننتمى لأوروبا منذ ألفى سنة، ونحن نساهم في خلق حضارتها، ووصف العرب والمسلمين بأنهم “رعاع يزعمون بثيابهم الرثة وألوانها الصارخة المتوحشة، وقال: إنه لابد من كنس الروح الإسلامية من أرض إسرائيل».

لقد كان من رأى جابوتنسكى في هذا الوقت يقضى بضرورة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين وشرق الأردن مهما نجم عن ذلك من ضرر قد يلحق بالسكان (العرب) في القطرين، لأنه لا يجوز أن تترك المشكلة اليهودية دون حل بسبب مليون عربي، كانوا يقطنون يومئذ هناك، وقال: ثم إن العرب يستطيعون التنازل عن فلسطين وشرق الأردن، وتكفيهم الأراضي الشاسعة الأخرى التي يقطنوها، خصوصًا وأن عدد سكانها قليل للغاية بالنسبة إلى مساحتها.

وفى بداية انضمامه للحركة الصهيونية لم ينظر جابوتنسكى للعرب كأمة لها طموحات قومية في فلسطين بل تحدث عن فلسطيت كمقيمين أو “سكان محليين” يشكلون أغلبية في “أرض إسرائيل” بل واقترح في عام1905، استبدال العمال العرب في المستوطنات بعمال يهود، وبرز ذلك بالحاجة إلى “عبرنه” العمل، وبهدف زيادة الأمن في المستوطنات إذا اندلعت صدامات بين العرب والصهاينة.

وكان جابوتنسكى يدعو منذ عام1923، إلى رفض مبدأ المفاوضات مع العرب، ومحاولة التوصل لحلول سلمية ترضى الطرفين، لاعتقاده استحالة ذلك مادام الصهاينة أقلية في فلسطين، فحين تحقق الأغلبية لليهود فإن العرب سيقبلون صاغرين الوجود الصهيوني المتمثل بدولة اليهود.

وقال: «لا يملكنا أن نحلم باتفاق حر بيننا وبين العرب (أرض إسرائيل) لا الآن، ولا في المستقبل القريب، لا يوجد أي أمل- مهما كان ضعيفًا- للحصول على موافقة عرب (أرض إسرائيل) لتحويل فلسطين لبلد ذي أكثرية يهودية- كما انه لا يوجد- ولو مثل واحد على الأقل- لاستيطان بلد بموافقة أبنائه الأصليين».

وقال: «إن هؤلاء ولا فرق في ذلك إن كانوا متمدنين أو همجيين- حاربوا دائمًا بعناد المستوطنين الجدد.. مادام هناك بريق من الأمل بالتخلص من الاستيطان الغريب»، وقال: «هكذا تصرف عرب (أرض إسرائيل)».

كان جابوتنسكى يدعو دومًا إلى ترحيل من يسميهم بـ”عرب إسرائيل” من فلسطين وشرق الأردن إلى العراق وسوريا أو أية مناطق أخرى، وقد نشرت الحركة التصحيحية التي يقودها إعلانًا في صدر صحيفة “نيويورك تايمز” يوم 4أكتوبر1943، قال فيه “فلسطين لليهود والعراق للعرب” وقد وقع على الإعلان 25 عضو في الكونجرس الأمريكي و17رجل دين مسيحي و25 رئيس جامعة أو كلية أمريكية وشخصيات عامة وصحافيون وفنانون وقد اقرت اللجنة خطة تضمنت الترويج لزراعة المناطق المهجورة بين دجلة والفرات بالقمح وتقديم حوافز كبيرة لعرب فلسطين والأردن للاستقرار في العراق، وتوفير إمكانيات مالية وهندسية لمشروعات إعادة التوطين والمساعدة في إنشاء وكالات لإعادة توطين اليهود في فلسطين والعرب الفلسطينيين في العراق.

لعب جابوتنسكى بمواقفه وأفكاره دورًا هامًا في رؤية الليكود ورموزه لقضية الصراع العربي- الإسرائيلي، وأطروحاته المتطرفة للمسالة اليهودية.

ويرى إرن كابلان رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية في جامعة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة في بحث نشره بعنوان “لمحة عن الأيديولوجية التي تواجه نتنياهو”، أن الحرب الإسرائيلية المميتة الحالية التي تحولت إلى كارثة إنسانية على الفلسطينيين في غزة، إنما تعكس أيديولوجية تعرف باسم “الجدار الحديدي” التي أطلقها جابوتنسكى في عشرينيات القرن الماضي، وشكلت الملهم الأساسي طيلة مسيرة حكم نتنياهو، على مدى الفترة الماضية.

ويرى الكاتب الأمريكي المختص في الشؤون الدولية “زاك بوشامب” في مقال نشره بعنوان “الأفكار التي تحدد شخصية نتنياهو” أن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشددة التي قوده أحيانًا إل خلافات مع أقرب حلفائه مثل الأمريكيين، سببها انتماؤه إلى التيار الصهيوني الأقدم والأكثر تشددًا الذى نشأ على يد جابوتنسكى.

وقال الكاتب: «إن جابوتنسكى الذى ولد في أوريسا بروسيا عام 1880، انتج رؤية فكرية تمخضت فولدت في نهاية المطاف حزب الليكود والسياسات المشددة التي ينتجها الأن نتنياهو، والذى يؤمن بالضغط العسكري والسحق والتدمير وسيلة وحيدة لتحقيق الأمن لإسرائيل، هي تجسيد حرفي لأفكار مرجعه الصهيوني “زئيف جابوتنسكى”».

وقال الباحث اليوناني “يورجوس ميترالياس” في دراسة منشوره: «إن ما يفعله حكام إسرائيل اليوم نتاجًا للارتجال ولا اختراعًا وليد اللحظة، ذلك أن نتنياهو الذى حطم الرقم القياسي في رئاسة الليكود والحكومة الإسرائيلية هو نسل حقيقي للرحم “الفاشي” الذى اُنجب مناحيم بيجين وإسحاق شامير وغيرهما من اليمينيين المتطرفين التي ألهمها وأنشأها وقادها جابوتنسكى قبل قرن من الزمان».

ويؤكد متيرالياس: «أن قادة الليكود بأفعالهم الشنيعة اليوم لا يأتون بشيء جديد، فهذا ما كانت تبشر به المنظمات الإرهابية والفاشية “بيتار، أرجون، شتيرن”».

وأضاف: «أن هناك فرقًا مهمًا بين الأمس واليوم، ففي ذلك الوقت كان جابوتنسكى وأهميير وبيجين وشامير سيئ السمعة، وكان السياسيون في العالم يتجنبون صحبتهم».

أما اليوم، قال ميترالياس: «إن الوضع مختلف تمامًا، إذ تحول الفاشيون والإرهابيون سيئو السمعة في عام1948، ليس فقط إلى حلفاء مقبولين تمامًا، بل إلى شركاء إستراتيجين متميزين يفرضون خياراتهم الإستبدادية على أغلب الحكومات والبلدان الغربية».

وتدعو “الحركة التصحيحية” والتي شكلت الأيديولوجية والعقيدة السياسية لحزب الليكود اليميني إلى طرد الفلسطينيين من ديارهم، وأن تمتد الدولة اليهودية إلى حدودها “التوراتية” انطلاقا من الشعار الذى طرحه قائد الحركة صاحب مقولة “لنهر الأردن ضفتان، هذه لنا، وتلك أيضًا”.

أما نتنياهو نفسه فهو يعتبر أن قوة إسرائيل تابعة من فكرة لجابوتنسكى تسمى “الجدار الحديدي”.

ذلك الجدار الذى يعنى قوة عسكرية ساحقة تضمن البقاء للدولة اليهودية وتجبر العرب على قبولها.

ويرى الكثير من الباحثين أن تطبيق نتنياهو لرؤية جابوتنسكى واضح للغاية سواء من حيث تكثيف الاستيطان ورفض التنازل عن أي شبر من الأراضي في الضفة الغربية التي يراها أرضًا يهودية، أو من خلال سياسة التدمير والقوة الساحقة في غزة، حيث يرى مستندًا إلى أفكار جابوتنسكى التى ترى أن الحل الوحيد هو دولة يهودية قوية، ترفض أي تنازلات وتحدد التهديدات التي يواجهها “الشعب اليهودي” وتتصدى لها باستعراض ساحق للقوة يقضى على كل من يفكر في مواجهتهم، وتجبر العرب في النهاية على التخلي عن قادتهم الذين يتبنون نهج المقاومة، وتسليم القيادة لمن يسمونهم بالمجموعات المعتدلة التي يمكن لليهود التوافق معهم.

اقرأ أيضاًفصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد

«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» (5).. الحصاد المر

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (4) عملية السويس وتفاصيل العبور الذى كاد يودى بحياة نتنياهو

مقالات مشابهة

  • مندوب مصر أمام محكمة العدل: إسرائيل انتهكت كافة القوانين الدولية التي وقعت عليها
  • نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
  • نتنياهو: إسرائيل ستسيطر على غزة عسكريا ولن تسمح للسلطة باستبدال حماس
  • نتنياهو : رئيس الشاباك يمثّل أكبر فشل استخباراتيّ بتاريخ إسرائيل
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (7) جابوتنسكى «الملهم»
  • قضاء مصر يحكم بحبس وائل غنيم 6 أشهر بتهمة إزعاج تركي آل الشيخ
  • غضب في الليكود بسبب “قطع” رأس نتنياهو (صورة)
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • باراك: نتنياهو يقود “إسرائيل” نحو الهاوية.. وحربنا في غزة عبثية