عندما كانت إسرائيل تدّك أسوار غزة كان يعتقد البعض أنها لن تنقل عدوانها الغزاوي إلى لبنان، بل ستكتفي بالردّ على "حزب الله"، الذي قرّر منفردًا فتح جبهة الجنوب لإسناد المقاومة في القطاع، من ضمن ما كان يُعرف بـ "قواعد الاشتباك"، على رغم مخاوف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من تحويل لبنان إلى غزة ثانية.

وهذا ما فعلته إسرائيل وتفعله كل يوم منذ سبعة عشر يومًا، وهي مستمرة في هدم المنازل فوق رؤوس أهلها وناسها، الذين استشهد منهم من استشهد، وجرح من جرح، وتهجّر من تهجّر. أعداد الشهداء الذين يسقطون كل يوم بآلة الغدر الإسرائيلية كبيرة، وكذلك أعداد الجرحى من بين المدنيين. أما عدد النازحين فتخطّى المليون. وهذا ما يقلق السلطات الحكومية والجمعيات الإنسانية، التي تتخوف من كارثة اجتماعية إذا ما حلّ الشتاء قبل أن تنتهي الحرب، التي يبدو وفق المؤشرات أنها ستكون طويلة ومكلفة.   فتل أبيب لم تتأخر كثيرًا لتكذيب تفاؤل المتفائلين، وعملت على نقل الحرب من غزة إلى لبنان بعدما أجبرت "حزب الله" على تكثيف عملياته الدفاعية بعد حادثة "البيجيرات". وهي بالتأكيد لن تكتفي بهذا القدر، بل ستسعى إلى جرّ طهران إلى حرب مفتوحة، وإلى توريط الولايات المتحدة الأميركية في ما تخطّط له منذ ما قبل عملية "طوفان الأقصى"، التي جاءتها على طبق من فضة و"شحمة على فطيرة" لتنفيذ ما كانت تسعى إليه منذ وقت طويل.   فقبل أن تردّ إيران على اغتيال الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" عباس هنية تواصل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالبًا منه أن يمارس ضغطه على إيران للعدول عن الردّ، وأبلغه أن الردّ على الردّ سيكون أقوى وأشدّ. فلم تعد موسكو بإمكانية التوصّل إلى إقناع الإيرانيين بعدم الردّ، بل تعهدّت بضمان ألا يكون مفعوله ذا أهمية بالمعنى العسكري، وما يمكن أن يحدثه من تغيير في موازين القوى. وهذا ما حصل بالفعل، إذ لم نشهد الدمار والخراب الكبيرين، اللذين ألحقتهما الصواريخ الباليستية والفرط صوتية حيث سقطت في إسرائيل على غرار ما تخّلفه الصواريخ الإسرائيلية في المناطق المستهدفة في لبنان، بحيث يظن المشاهد أن "ميني قنابل نووية" قد أسقطت على الأهداف، التي يُقال إنها مخازن أسلحة لـ "المقاومة الإسلامية".   بحسب الأخبار الآتية من خلف الحدود تفيد بأن تل أبيب ستردّ على الردّ الإيراني، ولكن هل سيكون ردّها متساويًا مع الردّ الإيراني من حيث الأهداف والنتائج، وهل ستكتفي بهذا المستوى من الاستهدافات، أم أنها مصمّمة على جرّ طهران إلى المكان الذي لا تريده وتحاول جاهدة تلافيه وتجنّبه كما فعلت مع "حزب الله"، وذلك نظرًا إلى السياسة التي تتبعها منذ نهاية حربها مع العراق، إذ قررت يومها عدم خوضها أي حرب بالمباشر، وعملت على تقوية حلفائها في المنطقة، سواء "حزب الله" في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، و"أنصار الله" في اليمن.   فإذا اكتفت إسرائيل بضربة مشابهة للضربة الإيرانية تكون تل أبيب وطهران قد تجنبتا حربًا إقليمية واسعة ومفتوحة، وقد تكون ربما شرارة لحرب عالمية ثالثة. أما إذا لم تنجح موسكو في لجم الاندفاعة الحربية الإسرائيلية ضد إيران فإن الوضع الميداني يتجه إلى المزيد من التصعيد، ومن الردّ والردّ المضاد بما يقود المتخوفين على الاستقرار العام في المنطقة إلى الجزم بأن هذه الحرب المفتوحة ستقود إلى تغيير خارطة دول المنطقة. وقد يأتي تخوف الموفد الفرنسي جان ايف لودريان من زوال لبنان بصيغته الحالية في سياق ما يُخططّ له في المطابخ السرّية.   فإذا لم تردّ إسرائيل فهذا يعني أنها ستكتفي بتوجيه ضرباتها القاسية إلى المناطق، التي تدّعي بأن فيها مخازن أسلحة لـ "حزب الله"، وأن مفاعيل الحرب لن تتعدى جغرافية تلك المناطق المستهدفة، وبالتالي فإن ما يلوح في أفق المساعي الفرنسية قد يلقى بعض التجاوب بهدف إيجاد آلية تنفيذية لبلورة النداء الأممي للحل الشامل في لبنان، بالتوازي مع ما يُطبخ من تسويات للقضية الفلسطينية مع مصر والأردن.   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

المنتدى الإسلامي للفكر يحذر من توسع عدوان إسرائيل لدول عربية أخرى

حذر "منتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة"، من توسيع إسرائيل عدوانها إلى دول عربية أخرى حال نجاحها في لبنان، معتبرا في الوقت ذاته أن عملية طوفان الأقصى "فضحت السردية الصهيونية، وكشفت النفاقَ الغربي الأمريكي".

جاء ذلك في الإعلان الختامي للمؤتمر السابع للمنتدى الذي انعقد بإسطنبول على مدار 3 أيام تحت عنوان "فلسطين رافعة الاستئناف الحضاري للأمة الإسلامية".

وقال الأمين العام للمنتدى عبد الرزاق مقري: "إن توسيع الكيان الصهيوني لعدوانه وجرائمه على لبنان، وتصريحُه بنواياه لتغيير الشرق الأوسط يدل بأن نجاحه في لبنان سيدفعه إلى العدوان على الأردن ومصر ليقوم بالتهجير بنفسه، أو ليتوسع في المنطقة إن وجد فرصة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى".

وأضاف: "سيكون هذا الكيان خطرا داهما حتى على دول المنطقة التي يتحالف معها؛ مما يؤكد بأن انخراط الأمة كلها في المعركة ضده في غزة والضفة ولبنان هو دفاع عن الأردن ومصر وسوريا وكل الأمة العربية والإسلامية".

وفي أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، توعد نتنياهو بـ"تغيير وجه منطقة الشرق الأوسط"، معتبرا أن الحروب التي تشنها بلاده حاليا هي لتحقيق ذلك.

ومنذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي وسعت إسرائيل نطاق الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لتشمل لبنان، والعاصمة بيروت، بشن غارات جوية غير مسبوقة، وتوغل بري جنوب لبنان مخالفة بذلك تحذيرات دولية وقرارات أممية.

تلك الغارات أسفرت حتى عصر الاثنين عن 1251 قتيلا و3618 مصابا، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، وأكثر من مليون و200 ألف نازح، وفق رصد الأناضول لبيانات رسمية لبنانية.

في المقابل، يرد "حزب الله" على العدوان بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومستوطنات في أنحاء إسرائيل.

في سياق متصل، اعتبر الإعلان الختامي للمؤتمر السابع لـ"منتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة" كذلك "عملية طوفان الأقصى امتدادا طبيعيا لجهاد الشعب الفلسطيني والعربي الإسلامي، والانتفاضات الشعبية والمسلحة التي قامت ضد المجموعات الإرهابية والاحتلال الصهيوني في القرن الماضي".

وقال إن "عملية طوفان الأقصى فضحت السردية الصهيونية، وكشفت النفاق الغربي الأمريكي، وكسّرت هيبة الجيش الاسرائيلي وأبرزت الوجهَ القبيح الحقيقي للكيان الإسرائيلي".

وأضاف أن "طوفان الأقصى تسببت في حالة وعي واسعة في الأوساط الغربية والدولية، وزادت من إضعاف وتشتيت المعسكر الغربي، وساهمت في تراجع هيمنته على العالم نحو عالم متعدد الأقطاب".

وفي 7 أكتوبر 2023، نفذت "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى عملية "طوفان الأقصى"، حيث استهدفت قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة قطاع غزة؛ ردا على "جرائم الاحتلال الإسرائيلي اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى".

ومنذ ذلك التاريخ، تشن إسرائيل بدعم أمريكي، حرب إبادة جماعية على غزة، دخلت عامها الثاني؛ ما أسفر عن أكثر من 139 ألف قتيل وجريح فلسطيني، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

الإعلان الختامي للمؤتمر جاء فيه كذلك إن "المسلمين أمة واحدة يتآزرون ويتضامنون"، معتبرا أن "فتح القدس كان إيذانا بانتقال الإسلام عمليا إلى بعده الحضاري العالمي، وبقيت فلسطين والمسجد الأقصى البوصلة الحضارية للمسلمين".

وأكد على أن "السعي لتحرير كل شبر محتل من بلاد المسلمين هو فرض عيني يقوم على كاهل الحكام والعلماء والقادة وعموم المسلمين، كل حسب مسؤوليته ومكانته ومقدوره".

وعد "احتلال المسجد الأقصى أكبر نكبة وأخطر تهديد عرفه المسلمون"، لافتا إلى أنه "لا أمان للإسلام والمسلمين ما لم يتم تحريره".

كما شدد المؤتمر في بيانه الختامي على أن "السعي لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وضرورة واقعية لسلامة الأمة الإسلامية ووحدتِها ونهضتها الحضارية، ولمصلحة كل الدول في العالم العربي والإسلامي".

وأشار إلى أن "الأمة الإسلامية تملك مقدراتٍ جبارةً لتحقيق نهضتها الحضارية".

مقري في حديثه عقب تلاوة الإعلان، أفاد أنه "من أجل المساهمة في تحقيق غايات هذا الإعلان الختامي وجه المنتدى المشاركين إلى اقتراح مشاريع عملية لذلك، بحيث يمكن تنفيذها عبر الخطط التي يعتمدها".

وكشف أن "الأمانة العامة للمنتدى والمشاركين قدموا عددا من المشاريع؛ حيث تشكلت لجنة لدراستها تتكون من مقري، ونائب الأمين العام للمنتدى منير سعيد، وعلماء بينهم طارق السويدان، وعصام البشير، وأحمد الإبراهيمي، وكمال أوزدان".



وعلى يد علماء ومفكرين وناشطين في العمل الإسلام، تأسس "منتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة" في ماليزيا عام 2014 تحت اسم "منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة" قبل أن يتم تغير اسمه قبل أيام.

ويسعى المنتدى إلى"إقامة حوار دائم في القضايا الفكرية والحضارية حول واقع الأمة وخياراتها المستقبلية، يستند إلى مرجعية الإسلام، وبقراءة معاصرة شاملة لتوضيح الطريق للعاملين وتوجيههم نحو تحقيق القيم العليا للإسلام ونهضة الأمة وسيادتها".

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: ما يحدث في المنطقة خططت له إسرائيل منذ سنوات طويلة
  • بـ 100 صاروخ.. حزب الله يستهدف حيفا برشقة صاروخية هي الأكبر منذ بداية الحرب
  • الأكبر منذ بداية الحرب.. رشقة صاروخية جديدة تتعرض لها إسرائيل من الجنوب اللبناني
  • المنتدى الإسلامي للفكر يحذر من توسع عدوان إسرائيل لدول عربية أخرى
  • نائب الأمين العام لحزب الله: طوفان الأقصى بداية تغيير وجه الشرق الأوسط
  • نعيم قاسم: هجوم 7 أكتوبر يعد بداية تغيير الشرق الأوسط
  • قاسم: طوفان الأقصى بداية تغيير الشرق الأوسط
  • نعيم قاسم: طوفان الأقصى بداية تغيير وجه الشرق الأوسط
  • ‏نتنياهو يقترح تغيير اسم الحرب من "السيوف الحديدية" إلى "حرب القيامة"