غزة- متوشحة بالكوفية الفلسطينية تشارك ريهان شراب أسرتها في قطف الزيتون من أرضها في منطقة "معن" شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

لكن هذه المرأة التي تنحدر من أسرة تتوارث مهنة الزراعة وتمتلك مساحات من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون، تفتقد للعام الثاني على التوالي عادات وطقوس متوارثة عبر الأجيال وتضفي الكثير من البهجة على موسم قطف الزيتون، الذي يجله الفلسطينيون ويستقبلوه بفعاليات احتفالية رسمية وشعبية.

وتغيب هذه الطقوس عن أسرة ريهان، وتقول للجزيرة نت إن "الموسم بلا طعم" مع غياب كثير من الأعمام والأقارب والجيران الذين شردتهم الحرب، فمنهم الشهيد والجريح، وغالبيتهم نازحون، وللعام الثاني على التوالي "لا يجمعنا موسم الزيتون".

ريهان (يسار) تتوشح بالكوفية وتشارك أسرتها قطف الزيتون متعالية على أجواء الخوف بسبب الحرب (الجزيرة) قيمة كبيرة

ولشجرة الزيتون قيمة كبيرة لدى الفلسطينيين وينظرون إليها كرمز لتجذرهم بهذه الأرض وارتباطهم بها، ويستقبلون محصولها سنويا باحتفالات تعلو فيها الأهازيج والأغاني التراثية على وقع الدبكة الشعبية، في حين تنشغل النساء بإعداد وجبة الإفطار التقليدية من زيت الزيتون والزعتر والشاي، ومن ثم يذهبن للمشاركة في القطف قبل تحضير "المقلوبة" على نار الحطب كوجبة غذاء.

لم يتبق من كل الطقوس سوى هذه، تشير ريهان إلى كوفية توشحت بها، وتقول إن شجرة الزيتون كانت أحد أهداف الاحتلال خلال الحرب، وقد تعرضت مساحات واسعة للتجريف والتدمير، وتشرد المزارعون وتشتت شملهم بين شهيد وجريح ونازح.

"في مثل هذه الأوقات من كل عام نقضي أيامنا من الصباح الباكر وحتى ساعات المساء بين أشجار الزيتون، نتشارك الغناء والضحكات، فأين من كانوا يشاركونا هذه الأفراح؟"، تتساءل ريهان وتجيب في الوقت نفسه "الحرب دمرتنا وفرقت شملنا".

ثمار رديئة وكميات قليلة من الزيتون نتيجة قلة المياه والاهتمام جراء الحرب والحصار (الجزيرة)

وبفعل هذه الحرب التي توشك على إتمام عامها الأول في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تبدلت أفراح المزارعين لخوف شديد وقلق على مدار اللحظة وهم يعملون في أراضيهم، وغالبيتها متاخمة أو قريبة من السياج الأمني الإسرائيلي على امتداد الحدود الشرقية للقطاع.

وتضيف ريهان "بكرنا (سارعنا) في قطف الزيتون خشية أي تطورات تفسد علينا الموسم مثلما حدث الموسم الماضي"، في إشارة منها إلى تزامنه مع اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويبدأ موسم قطف الزيتون في فلسطين سنويا من مطلع أكتوبر/تشرين الأول وحتى ما بعد منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، غير أن مزارعين في جنوب قطاع غزة فضلوا التبكير في قطفه بالثلث الأخير من سبتمبر/أيلول الجاري توجسا من فشله وخسارة الثمار.

الموسم الماضي فشل بالنسبة لغالبية المزارعين خاصة في شمال قطاع غزة (الجزيرة) تدمير وتجريف

وفشل الموسم الماضي بالنسبة لغالبية المزارعين الغزيين، خاصة في شمال القطاع، بينما استغل مزارعون في جنوبه هدنة مؤقتة امتدت 7 أيام في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي وقطفوا ثمار الزيتون من أراضيهم التي لم تطلها أعمال التجريف والتدمير الإسرائيلية.

وبالنسبة لريهان وأسرتها فإنهم يخشون من خسارة الموسم، أو حدوث ما يحول دون وصولهم إلى أرضهم في واحدة من مناطق شرق خان يونس التي دأبت قوات الاحتلال على إجبار سكانها على النزوح المتكرر، ولذلك فضلوا القطف المبكر للزيتون.

وتشكو ريهام من أن الموسم الحالي ليس وفيرا، وحبات الزيتون صغيرة وليست كما كانت عليه في أعوام سابقة، وتُرجع السبب إلى تعذر وصول المزارعين إلى أراضيهم والاهتمام بها.

وبرأيها، فإن الموسم الحالي "سيئ جدا" من حيث جودة الثمار وكميتها، وتفيد بأن كثيرا من أقاربها والمعارف والجيران إما خسروا أشجارهم التي جرفتها ودمرتها آليات الاحتلال وغاراته، أو أنهم أهملوها بسبب الخوف وعدم توفر المواد والمعدات الزراعية والمياه وكان إنتاجها سيئا وضعيفا.

ومن بين أصناف كثيرة من السلع والمواد، تمنع سلطات الاحتلال الأدوية والأسمدة والمستلزمات الزراعية من دخول القطاع عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد الخاضع لسيطرتها، وتفرض عليه قيودا مشددة، في وقت تواصل فيه إغلاق معبر رفح البري مع مصر منذ اجتياحها مدينة رفح في السادس من مايو/أيار الماضي.

المزارع يوسف شراب يقول إن شجر الزيتون في غزة مات بالتجريف والتدمير والتعطيش (الجزيرة)

ويتفق المزارع يوسف شراب مع ريهان في وصفها للموسم بأنه "سيئ"، ويقول للجزيرة نت إن قوة الانفجارات الناجمة عن الغارات الجوية والمدفعية تسببت في تساقط محصول الزيتون عن الأشجار المتبقية، في حين تعرضت مساحات واسعة مزروعة بالزيتون للتجريف والتدمير.

ويجزم أن الموسمين الحالي والماضي هما الأسوأ في حياته كمزارع توارث هذه المهنة عن أبيه وأجداده، ويشرف على مساحات واسعة من الأراضي الشجرية في منطقة "القرارة" شمال شرقي مدينة خان يونس، وقد تعرضت لتجريف ودمار واسعين.

وبينما كانت زوجة شراب وأطفالهما يعملون على فرز حبات الزيتون من بقايا أشجار سلمت من التدمير، وتجهيزها سواء للعصر وإنتاج الزيت أو تخليلها وتخزينها وتناولها كمقبلات، يضيف أن القليل من المعاصر لا تزال تعمل في جنوب القطاع جراء أزمة انقطاع الكهرباء الدائمة منذ اندلاع الحرب أو لشح الوقود.

وزارة الزراعة في غزة ترصد تجريف مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالزيتون في القطاع (الجزيرة) اغتيال شجرة الزيتون

بدوره، فرغ المزارع محمد قديح من قطف الزيتون من أرضه الزراعية في بلدة عبسان التي تبعد بضع مئات من الأمتار عن السياج الأمني الإسرائيلي شرق خان يونس، ويشعر بحسرة شديدة لتدني جودة الثمار وقلتها، ويتساءل في حديثه للجزيرة نت "هل يعقل أن هذا إنتاج 50 شجرة زيتون؟".

ويقدر قديح أن هذه الكمية "لا تزيد على 50 كيلوغراما من الزيتون حباته صغيرة ويابسة ولونها يميل للسواد، ولا تصلح للعصر وإنتاج الزيت، وسيئة في حال تخليلها ولا تكفي لأسرته و6 أسر من عائلته".

وحسب وزارة الزراعة في غزة، فإن 50 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) كانت مزروعة بمليوني شجرة زيتون قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية التي أتت بالتجريف والتدمير على مساحة 40 ألفا و500 دونم.

وقال مدير عام دائرة البستنة الشجرية بالوزارة المهندس محمد أبو عودة -للجزيرة نت- إن هذه المساحة كانت تمثل 50% من مساحة البستنة الشجرية على مستوى القطاع، تنتج 15 ألف طن زيتون للتخليل و35 ألف طن للعصر، و5 آلاف طن زيت زيتون، وبفعل الحرب هناك عجز بـ2500 طن من زيتون التخليل و4 آلاف طن من زيت الزيتون.

وبخصوص أثر الحرب على معاصر الزيتون، أوضح أبو عودة أن 40 معصرة كانت تعمل على مستوى القطاع قبل اندلاع الحرب، خرجت غالبيتها عن الخدمة ولم يتبق سوى 6 معاصر فقط: واحدة في شمال القطاع، و4 بالمحافظة الوسطى، وواحدة في خان يونس.

وإضافة إلى التدمير، يحدد المتحدث أسبابا لخروج المعاصر عن الخدمة، أبرزها ارتفاع التكاليف الإنتاجية، وانقطاع الكهرباء وشح الوقود اللازم للتشغيل، وعدم توفر كميات من ثمار الزيتون بسبب التدمير والتجريف، وعدم توفر عبوات التعبئة للزيت وثمار الزيتون.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات مساحات واسعة اندلاع الحرب قطف الزیتون للجزیرة نت الزیتون من خان یونس

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية مصر يكشف عن بدء تدريب الشرطة الفلسطينية التي ستدخل إلى غزة

ناقشت وزراتا الخارجية والصحة المصريتان، الاثنين، خطة إعادة تأهيل القطاع الصحي بقطاع غزة.

وشهد الاجتماع مشاركة أكثر من مائة سفير أجنبي وممثلي السفارات والمنظمات الدولية.

واستعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الخطة المتكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة التي وضعتها مصر بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية، مؤكداً أن نجاح الخطة يتطلب عدة متطلبات أساسية، منها تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وإدارة مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار بما يضمن الملكية الفلسطينية، والتعامل مع القطاع كجزء أصيل من الأراضي الفلسطينية.



 كما أشار إلى أهمية تمكين السلطة الفلسطينية من العودة إلى قطاع غزة للاضطلاع بمسؤولياتها، من خلال إنشاء لجنة مستقلة وغير فصائلية لإدارة شئون القطاع لفترة انتقالية تحت مظلة الحكومة الفلسطينية. 


وأوضح أن مصر والأردن بدأتا في تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيداً لنشرهم في قطاع غزة.

وأكد عبدالعاطي أن خطة إعادة إعمار غزة حظيت بتأييد إقليمي ودولي واسع، مشيراً إلى أن مصر تعمل حالياً على ترتيب استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة في القاهرة لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ الخطة. 

كما تطرق إلى مقترح بدراسة مجلس الأمن تأسيس وجود دولي في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة والضفة الغربية، من خلال تبني قرار لنشر قوات حفظ سلام أو حماية دولية بتكليف واختصاصات واضحة، وفي إطار زمني يضمن تأسيس دولة فلسطينية مستقلة.

من جانبه، قدم نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان عرضاً مرئياً حول إعادة تأهيل القطاع الصحي بقطاع غزة. واستعرض أبرز ملامح الاستجابة الصحية الطارئة التي قدمتها مصر لأكثر من 107 آلاف مواطن فلسطيني عبروا إلى مصر منذ بداية الحرب، حيث تجاوزت تكلفة هذه الخدمات 570 مليون دولار. 

كما تطرق إلى الوضع الصحي المتردي في قطاع غزة، والذي يعاني من نقص الإمدادات الطبية وخروج أكثر من 70% من المنشآت الصحية عن الخدمة.


واستعرض عبدالغفار تفاصيل المقترح المصري لإعادة بناء وتعزيز القطاع الصحي في غزة، بهدف رفع كفاءته والاستجابة للاحتياجات الصحية الأساسية، مع تقدير التكاليف المتوقعة للمشروعات المقترحة في هذا الشأن.

مقالات مشابهة

  • حماس تدعو الوسطاء للتدخل فورا لكبح جرائم الاحتلال بغزة
  • مخلفات الاحتلال غير المنفجرة موت كامن يهدد بحصد مزيد من الأرواح بغزة
  • فودين: الفوز بكأس إنجلترا والمربع الذهبي بالدوري الإنجليزي يمكن أن ينقذا موسم مانشستر سيتي السييء
  • مشروع صفوة الحفاظ بغزة يتواصل رغم الظروف الصعبة وإقبال كبير (شاهد)
  • وزير خارجية مصر يكشف عن بدء تدريب الشرطة الفلسطينية التي ستدخل إلى غزة
  • شاهد أول أهداف ميسي في الدوري الأمريكي موسم 2025
  • أستاذ عقيدة بغزة: أهل القطاع يمثلون تطبيقا حيا للوفاء بعهد الله
  • مدير عام الطب الشرعي بغزة: الاحتلال يطمس أدلة تثبت ارتكابه جرائم حرب
  • المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: القطاع على أبواب مجاعة محققة بسبب الحصار
  • ترامب: أزمة أوكرانيا كانت تدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة