كتب ميشال ابو نجم في" الشرق الاوسط": بين باريس وواشنطن هوّة كبيرة في النظر إلى ما يتعيّن القيام به إزاء حرب إسرائيل على لبنان، ففرنسا ما زالت متمسّكة بالمبادرة المشتركة التي أطلقها الرئيسان الأميركي والفرنسي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية إلى وقف لإطلاق النار من 21 يوماً، تتبعه مفاوضات بشأن ترتيبات أمنية في الجنوب اللبناني، وتطبيق القرار 1701 الصادر عام 2006.



وفي البيانات الرسمية كافةً، تُذكّر باريس بهذه المبادرة التي دعمتها ومجموعة واسعة من الدول الأوروبية والعربية، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تم التشاور معه قبل الإعلان عنها وأقرّها، عاد وانقلب عليها، وما يغيظ باريس أن الإدارة الأميركية الراهنة، المكبَّلة باستحقاق الانتخابات الرئاسية يوم 5 تشرين الثاني المقبل، قد أرخت العنان لنتنياهو ليعمل ما يريد في لبنان بينما تسعى هي، من جانبها، لوقف إطلاق النار.
وجاء كلام الناطق باسم الخارجية الأميركية ماتيو ميللر، الثلاثاء، ليضع النقاط على الحروف: «نحن ندعم الجهود التي تبذلها إسرائيل من أجل الحدّ من قدرات (حزب الله)، ولكننا في النهاية نريد حلاً دبلوماسياً للصراع».
عيبُ هذا الكلام أنه عامّ ومُبهَم، ويفتح الباب أمام الاحتمالات كافةً، فهو من جهة لا يحدّد فترة زمنية تعطَى للجيش الإسرائيلي، ومن جهة ثانية، لا يوضح المقصود من «خفض قدرات» «حزب الله»، ومن جهة ثالثة لا يأتي على مساعي إسرائيل للسيطرة على أراضٍ لبنانية، ورابعاً أنه ينحّي الجهود السياسية والدبلوماسية جانباً، ويجعلها رهينةً لنجاح الخطط الإسرائيلية، وما يزيد من المخاطر المترتبة على هذه المقاربة قناعة باريس بأن الجانب الأميركي نشر فوق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «مظلة واقية» تحجب عنه أي انتقادات، وتُطلِق يدَي الأخير لتوجيه التحذيرات والتهديدات، وآخر ما صدر عنه، الثلاثاء، في مقطع فيديو يثير قلقاً بباريس والعواصم الأوروبية، فمنذ أسبوع يحذّر الرئيس إيمانويل ماكرون من «تحويل لبنان إلى غزة أخرى»، وهو ما يهدّد به نتنياهو الطرف اللبناني بكلام لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، فقد جاء في الفيديو المشار إليه، متوجّهاً إلى اللبنانيين ومتحدّثاً عن «حزب الله» ما نصّه: «لا تسمحوا لهؤلاء الإرهابيين بتدمير مستقبلكم أكثر مما فعلوا بالفعل، لديكم فرصة لإنقاذ لبنان قبل أن يسقط في هاوية حرب طويلة تؤدي إلى دمار ومعاناة كما نرى في غزة، لا ينبغي بالضرورة أن تؤول الأمور إلى ذلك»، وبكلام مباشر يقول نتنياهو للبنانيين: إما أن تثوروا على «حزب الله»، وأن تستعيدوا لبنان منه، أو أننا سنعمد إلى تدمير لبنان كما فعلنا في غزة.
لم تكن باريس لتقبل بالمقاربة الأميركية ــ الإسرائيلية، ومن هنا يمكن فهم انتقاد الرئيس الفرنسي لمن يدعو من جهة لوقف إطلاق النار في لبنان (وفي غزة)، وفي الوقت نفسه يثابر على تزويد إسرائيل بالسلاح، ويمنحها «صكاً على بياض» لتفعل في لبنان (وغزة) ما تريد.
والرسالة موجّهة مباشرةً للولايات المتحدة الأميركية، وللرئيس بايدن شخصياً؛ عرّاب «المبادرة المشتركة» الأميركية ــ الفرنسية، وأول المتراجعين عنها، ويلاحظ الطرف الفرنسي أن جميع خطط وقف الحرب والخطوط الحمراء التي وضعتها الإدارة الأميركية بالنسبة لحرب غزة وحرب لبنان (وربما حرب إيران) تهاوت الواحدة بعد الأخرى، والتساؤل الذي يسعى الفرنسيون لجلائه يتناول معرفة ما إذا كانت واشنطن تلعب لعبة مزدوجة، أم أن السبب الأول في ذلك عجزها عن التأثير في القرارات الإسرائيلية، أو عدم رغبتها في الضغط جدّياً على إسرائيل وإحراجها.
وزير الخارجية يحذّر: لبنان «سيغرق في حالة من الفوضى، والمنطقة على شفير اشتعال».
وإزاء هذا الوضع، كان من الطبيعي أن تتدخل الدبلوماسية الفرنسية بشخص وزير الخارجية للتحذير من المخاطر المترتبة على النوايا الإسرائيلية، ودخول جان نويل بارو على الخط لا يمكن فهمه بعيداً عن التوتر الذي نشأ بين ماكرون ونتنياهو نهاية الأسبوع المنصرم، الذي وصل إلى حد تجريح نتنياهو بالرئيس الفرنسي، ووصمه بـ«العار»، وتأليب السياسيين الفرنسيين ضده، بمن فيهم مَن يدين له تماماً بموقعه ومنصبه، كرئيسة مجلس النواب الفرنسي يائيل براون ــ بيفيه، أو نوّاب من حزبه، أو أحد الوزراء الذين سمّاهم في الحكومة الجديدة.
وجرت المقابلة التلفزيونية مع وزير الخارجية، ليل الأحد، للرد على نتنياهو بخصوص لبنان. وخلال الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل، في إطار جولته الشرق أوسطية، لم تتوفر الفرصة لجان نويل بارو لمقابلة نتنياهو، واكتفى بمقابلة نظيره يسرائيل كاتس، وزير الشؤون الاستراتيجية المقرّب من نتنياهو، ونبّه بارو إلى أن «القوة وحدها لن تجلب الأمن لإسرائيل»، وأنه «حان الوقت للعودة للمقاربة الدبلوماسية».
وفي مقابلته التلفزيونية ندّد بارو بكلام نتنياهو، عادّاً إياه «استفزازاً»، مشيراً إلى أنه «إذا أعقب هذا الاستفزاز أفعال، فإنه سيغرق لبنان، البلد الصديق لفرنسا والهشّ أصلاً، في حالة من الفوضى».
 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله من جهة

إقرأ أيضاً:

فرنسا: القوة وحدها لا تكفي لضمان أمن إسرائيل

في الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس على إسرائيل، الإثنين، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن بلاده ترى أن “القوة وحدها لا تكفي لضمان أمن إسرائيل”.

وقال بارو في القدس: “حان وقت الدبلوماسية”، مع تمدد الحرب في قطاع غزة إلى لبنان.

ورأى الوزير الفرنسي الذي أدلى بتصريحاته بعد اجتماع مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن حزب الله اللبناني “يتحمل مسؤولية كبيرة” على صعيد اتساع نطاق الحرب في لبنان.
وأضاف: “في لبنان يهدد العنف بإغراق بلد هش للغاية في فوضى دائمة، مما يهدد أكثر أمن إسرائيل”، مشيرا إلى أن “حزب الله يتحمل مسؤولية كبيرة عن هذا الوضع، بعد أن جر لبنان إلى حرب لم يخترها”.

وبحسب بارو، فإن “هذه الذكرى الحزينة ليوم 7 أكتوبر هي فرصة لتذكيرنا أن فرنسا ملتزمة التزاما لا يتزعزع بأمن إسرائيل. كانت كذلك دائما، وستظل كذلك دائما، وهذه ليست مجرد كلمات”.
وقال إن باريس “حشدت مواردها العسكرية، في أبريل كما في أكتوبر، لمساعدة إسرائيل على صد الهجمات البالستية غير المقبولة” من إيران.

وبحسب الوزير الفرنسي، فإن باريس “بقيت في طليعة الجهود الدولية لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية، أو لإحباط أجندتها الرامية إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي”.

اقرأ أيضاًالعالمصحفى أمريكى يضرم النار فى ذراعه دعما لغزة

وفي وقت لاحق، التقى بارو رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى في رام الله، مقر السلطة الفلسطينية، في الضفة الغربية المحتلة.

وتأتي الزيارة في وقت تصاعد فيه التوتر بين البلدين، بعد أن أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غضب إسرائيل بتأكيده أن “الأولوية اليوم هي العودة إلى حل سياسي، والكف عن تسليم الأسلحة لخوض المعارك في غزة”، مشيرا إلى أن فرنسا “لا تسلم أسلحة”.

 

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأميركية: نشعر بقلق بالغ إزاء الوضع الإنساني في غزة
  • لمعاقبة باريس..الجزائر تستبعد شراء فرنسا من مناقصة القمح
  • الرئيس المصري ووزير الخارجية الأردني يشددان على أن الدولة الفلسطينية المستقلة تعد الضامن الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار
  • الخارجية الفرنسية: باريس والدوحة ترسلان 27 طنا من المساعدات الانسانية إلى لبنان
  • فرنسا: تهديد نتنياهو بتدمير لبنان مثلما حدث في غزة استفزاز
  • بعد سنوات من الإقامة في فرنسا.. باريس تمنع نجل بن لادن من دخول أراضيها بسبب "تمجيد الإرهاب"
  • فرنسا: القوة وحدها لا تكفي لضمان أمن إسرائيل
  • وزير الخارجية الفرنسي: باريس ملتزمة أمن إسرائيل لكن حان وقت الدبلوماسية
  • في الذكرى الأولى للحرب.. إسرائيل وغزة ولبنان على صفيح ساخن