صيدا- على طول الخط البحري من قلعة صيدا البحرية وصولا إلى سوق السمك الشعبي "الميرة"، يسود صمت غير مسبوق، بعد أن كانت المنطقة تعج بالحركة والنشاط، بعد أن فرضت إسرائيل حصارا بحريا على المرافئ التجارية وموانئ الصيادين على طول الشاطئ الجنوبي.

جاء ذلك عقب تحذير جيش الاحتلال الإسرائيلي للسكان بضرورة الابتعاد عن الساحل "حتى إشعار آخر"، حيث أصبحت المنطقة من نهر الأولي -مدخل صيدا الرئيسي- حتى الناقورة بمسافة نحو 60 كيلومترا شمال المنطقة الحدودية خالية تماما من الحركة البحرية الاعتيادية.

إغلاق نهائي

بدا سوق السمك الشعبي في صيدا شبه فارغ، ويتوقع أن يفقد نشاطه نهائيا يوم الخميس ويقفل أبوابه، بانتظار رفع الحظر البحري، وأشار عضو نقابة صيادي الأسماك في صيدا محمد بيضاوي للجزيرة نت إلى تلقيهم بلاغا رسميا من قوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني بمنع السباحة أو أي نشاط بحري بشكل قاطع، بدءًا من منطقة الأولي، الزيرة، سينيق، حتى الناقورة.

وأضاف بيضاوي أنهم أوقفوا جميع عمليات الصيد في البحر، بما في ذلك منطقة المسمكة في ميناء صيدا البحري، حيث كانت الكميات التي يجلبها الصيادون عادة تتراوح بين ألف إلى ألفي كيلوغرام، ولكن الكمية المعروضة اليوم لم تتجاوز 500 كيلوغرام، موضحا أنهم يفتحون المسمكة جزئيًا اليوم لبيع ما تبقى من أسماك طازجة، لكن بدءا من الخميس سيتم الإغلاق بشكل نهائي.

وأكد أنهم يعملون حاليا بمساعدة الأمم المتحدة والدولة اللبنانية لدعم البحارة وضمان تأمين قوت يومهم، وأشار إلى أن طبيعة عمل البحار بنظام يومي، حيث إنه إذا لم يتمكن من العمل فلن يستطيع تأمين رغيف الخبز أو علبة الحليب لطفله، وذكر أن هناك 275 مركب صيد وقرابة 400 بحار، مما يعني أن حوالي 6 آلاف شخص (عائلات الصيادين) يعتمدون على هذا القطاع.

وبينما كانوا يتفقدون مراكبهم ويشدون وثاقها، لم يخف الصيادون مخاوفهم من طول أمد الحرب والحصار البحري المفروض عليهم، وأعرب الصياد سليم وهبي في حديثه للجزيرة نت، عن صعوبة الوضع الحالي في لبنان، مشيرًا إلى أن هذه الصعوبات تشمل جميع المناطق وليس فقط منطقته.

وبيّن وهبي أن الصيادين يشبهون في حالهم المزارعين، ويعانون من غياب المدخول والخدمات الطبية، وأكد أن الحصار له تأثير واضح عليهم، لأنهم يعتمدون على العمل اليومي، لذلك شدد على ضرورة متابعة هذا الموضوع.

وأضاف أنه تم إبلاغهم بقرار منع الصيد، وقد التزموا بتعليمات قيادة الجيش التي حظرت الصيد من الناقورة إلى الأولي، وأشار إلى أنهم تواصلوا مع النقابة بشأن هذا الأمر، موجها مناشدة لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بضرورة معالجة هذه المشكلة، "فالعالم بحاجة إلى العيش" حسب قوله.

سوق السمك الشعبي في صيدا شبه فارغ ويتوقع أن يفقد نشاطه ويقفل أبوابه إلى أجل غير مسمى (الجزيرة) كابوس متكرر

وفي سياق آخر، وصف وهبي وضع البلد واقتصاده بأنه سيئ جدا، موضحا أن الصيادين يعيشون تحت ضغط كبير، حيث يعملون لتأمين لقمة عيش أطفالهم وعائلاتهم بالحد الأدنى، كما أضاف أن معظمهم لديه التزامات مالية مثل إيجارات البيوت، فضلا عن احتياجات أطفالهم الأساسية، واعتبر أن أقل ما يمكن تقديمه لهم هو توفير الحليب أو أي شيء يحتاجونه بشكل أساسي.

وعلى بعد أمتار قليلة من السوق، يجلس بائع السمك محمد سكافي أمام عربته، حيث تنعكس أشعة الشمس عليه كاشفة عن ملامح القلق والهموم التي تساوره، ويتحدث للجزيرة نت بصوت خافت قائلا "الحصار البحري يؤثر على العالم بأسره، لكن تأثيره علينا كبحارة وبائعين أشد قسوة، الأمر محزن للغاية".

ويستعرض سكافي التحديات التي تواجهه قائلا "بعد يومين تقريبًا، ستنفد كميات السمك المتاحة، وكأننا نترقب ساعة الصفر، الوضع يتدهور من سيئ إلى أسوأ، وكأننا عالقون في كابوس متكرر".

ويضيف "كنا مستعدين، وضعنا سيناريوهات أسوأ، لكننا وجدنا أنفسنا فيها بسرعة، وكأننا محاصرون في قفص من الخوف والقلق، اليوم نفتح مصلحتنا، وغدًا قد نضطر لإغلاقها، الوضع في البلد بشكل عام غير مطمئن، نحن نسير نحو المجهول، ونسأل الله أن يسترنا من القادم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد

لم يكن المسعف الفلسطيني رفعت رضوان يعلم، حين ارتدى بزته الطبية وحمل حقيبته الإسعافية فجرًا، أن هذه المهمة ستكون الأخيرة في حياته، برفقة زملائه، لإنقاذ عددٍ من المواطنين الفلسطينيين الذين تعرضوا للقصف الإسرائيلي في حيّ تلّ السلطان، غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة فجر يوم 23 مارس/آذار الماضي.

فعند الساعة 05:20 صباحًا، تحرك فريقٌ مشترك من الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني وإحدى الوكالات الأممية، استجابةً لنداءات استغاثة أطلقها جرحى فلسطينيون كانوا محاصرين.

انطلقوا بنية إنسانية خالصة، لا يحملون سوى الضمادات وقلوبٍ مخلصة، لكنهم -دون أن يعلموا- كانوا الهدفَ القادم لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

ولكن ما بدأ كمهمة إنقاذ انتهى بمجزرة دامية، فبعد وقت قصير من انطلاق الفريق انقطع الاتصال به، وبعد ساعات أعلنت قوات الاحتلال أن المنطقة أصبحت منطقة عسكرية مغلقة.

المسعف رفعت رضوان كان يوثق تفاصيل المهمة بهاتفه النقال دون أن يدرك أنه سيوثق أيضًا الجريمة النكراء التي هزت العالم، تلك كانت اللحظات الأخيرة في حياة مجموعة من المسعفين الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد.

الهاتف الذي كان بحوزة رفعت رضوان عُثر عليه مع جثمانه، موثقًا المشاهد الأخيرة التي تكشف أبعاد المجزرة، وكان رفعت في سيارة الإسعاف الثالثة ضمن قافلة ضمت سيارة إطفاء انطلقت للبحث عن سيارة إسعاف أخرى تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني فقدت الاتصال بقاعدتها، وضُعت علامات واضحة على جميع المركبات في القافلة، مع وميض أضواء الطوارئ.

إعلان

وفي عملية البحث، رصد الطاقم السيارة المفقودة على جانب الطريق. قال أحد المسعفين في الفيديو الذي وثقه رفعت: "إنهم مبعثرون على الأرض! انظروا، انظروا!" نزل رفعت مع مسعفين آخرين من سيارتهم للاطمئنان على زملائهم الذين سقطوا، ولكن حين يتحول المنقذ إلى هدف، انطلق صوت الرصاص من رشاشات وبنادق جنود الاحتلال الذين نفذوا المجزرة بحق المسعفين.

أصيب رفعت، وفي لحظاته الأخيرة صلى ودعا الله مرارًا وتكرارًا ليغفر له وطلب المسامحة من والدته لاختياره طريق الإسعاف الذي وضعه في طريق الأذى. توقفت بعدها صلواته مع توقف نبض حياته، وبعد العثور على جثامين الضحايا، تبين أن قوات الاحتلال قتلت 8 من عمال الهلال الأحمر الفلسطيني في تلك الليلة، إضافة إلى 6 من العاملين في الدفاع المدني الفلسطيني كانوا في المهمة نفسها. وتم القبض على مسعف تاسع يُدعى أسعد النصاصرة.

هؤلاء المسعفون لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا أشخاصًا لهم حياة وعائلات وأحلام، ولكل منهم صفات مميزة أحبها من حوله، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على الجانب الإنساني لهؤلاء الشهداء من خلال شهادات معارفهم وزملائهم الذين عاشروهم وأحبوهم. المسعف إبراهيم أبو الكاس، الذي رافق الشهداء خلال سنوات خدمتهم، تحدث للجزيرة نت عن حياتهم وعملهم الإنساني ضمن طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، مشيرًا إلى 16 شهرًا من حرب الإبادة المستمرة على غزة.

رفعت رضوان: الحفيد الطيب الذي وثق الجريمة بهاتفه

فرفعت، ابن الـ24، كان روحًا لطيفة. "لقد حرص على مساعدة أي امرأة مسنة يصادفها"، يقول أبو الكاس. "كان يسعى للحصول على دعواتهن الصادقة عندما يقدم لهن المساعدة، ثم يودعهن برقة تجعلك تعتقد أنها جدته".

أشرف أبو لبدة: الهادئ كما كان يطلق عليه رفاقه

بوجهه الجاد ونظارته، كان حضور أشرف، ذو الـ32 عامًا، مطمئنًا لزملائه، بدأ التطوع عام 2021 ومنذ ذلك الحين كان يحرص على تقديم وجبات الإفطار لزملائه في رمضان، سواء بإعدادها بمركز الهلال الأحمر أو بجلب الطعام من منزله.

عز الدين شعت الأب الجميل كما يلقبه زملاؤه

عُرف عز الدين (51 عامًا) بهدوء النفس المطمئنة وروح الدعابة، وكان شعاره: "سنعود إن كُتب لنا، وإن لم نعد فهي أقدارنا".

إعلان

ويقول أبو كاس إن عزالدين كان أبا جميلا.. وأخا عزيزا.. هدوء النفس المطمئنة.. كان يمازح الجميع.. وكان شعاره.. سنعود إن كتب لنا.. وإن لم نعد فهي أقدارنا..

قبل أن ينتقل إلى مركز إسعاف رفح بعد أن كان يعمل في مركز إسعاف خانيونس.. يقوم خلال الليل بعمل ساعة راحة لكل طاقم.. ويطمئن أن جميعها قد تناول العشاء.. حتى كان يكتب أسماء العاملين خوفا من أن ينسى أحدهم.

محمد بهلول: صانع المعجزة

كان محمد (36 عامًا) شغوفًا بمساعدة الناس، ويُعرف بقدرته على إيجاد الحلول للنازحين، رغم التحديات.

مصطفى خفاجة: أبو النور

أب لطفل يبلغ 15 عامًا، مكث في المقر أيامًا متتالية، يتفانى في عمله، ابنه هو النور الذي يضيء له الطريق.

محمد الحيلة شاب في الـ 23 من عمره كان يمتلك حس الدعابة وروح التعاون

ويروي عنه أبو كاس إحدى القصص بالقول ذات يوم ماطر.. كانت هناك سيدة طاعنة في السن تريد قطع الطريق، ولا تستطيع.. حديث الشركاء قد دار بين محمد ومصطفى.. هل نحن شركاء بالطبع.. مهما كانت المهمة؟ بالتأكيد.. قم ننقذ تلك السيدة وننقلها للجانب الآخر من الطريق.. وبالفعل يضعون لها كرسيا ومن ثم يجلسونها.. ويحملونها إلى الجانب الآخر من الطريق.. وسط ابتسامات جميلة وهم يزفون العجوز وكأنها عروس.. وتقوم هي بالزغاريد والدعاء لهم..

رائد الشريف: المصور الحالم

قال أبو كاس أحب رائد الذي كان بلغ من العمر، 25 عاما ، وكان يحب التقاط الصور، سخيفة، جادة، غير رسمية، وكان رائد أعرب عن أمله في أن يرى العالم صوره يوما ما وأن يتمكن من نقل معاناة شعبه من خلال عمله.

بدأ التطوع مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عام 2018، عندما كان عمره 18 عاما، خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى.

قتلت إسرائيل 214 متظاهرا، بينهم 46 طفلا، خلال هذه المظاهرات، وأصابت 36 ألفا و100، بينهم نحو 8,800 طفل.

إعلان

رائد هو الأصغر من بين 5 أشقاء، ولم يتزوج بعد، على الرغم من أن عائلته كانت تأمل في أن يتزوج بعد الحرب. لكن هذا لم يحدث، ويروي والد رائد انتظارا مروعا لمدة 9 أيام لمعرفة ما حدث لطفله الأصغر، ويكافح من أجل كبح اليقين بأنه قد أعدم مع زملائه.

الجريء صالح معمر

رغم إصابته في مهمة سابقة، أصر صالح (42 عامًا) على العودة للعمل لإنقاذ الأرواح.

وقال شقيقه حسين للجزيرة إن صالح أحب عمله أيضا، وعاد بمجرد تعافيه من الجراحة في عام 2024.

وأوضح حسين أنه في شباط/فبراير الماضي، كان صالح في مهمة لمساعدة الجرحى عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار على المسعفين، على الرغم من إبلاغه بأنهم سيكونون هناك.

أصيب صالح بجروح بالغة في الكتف والصدر، وانتهى به الأمر إلى قضاء بعض الوقت في المستشفى لإجراء عملية جراحية، وبعد ذلك عاد مباشرة إلى العمل.

أبو الكاس تحدث عن شجاعته: "لقد كان مكرسا للمساعدة، وكان يقول إنه أينما كان الناس يصرخون طلبا للمساعدة، فهذا هو المكان الذي يجب أن نكون فيه، للرد عليهم".

أسعد النصاصرة: الطفل الهمس

قال أبو الكاس إن أسعد البالغ من العمر 47 عاما كان أبا لـ6 أولاد كما أنه أبدى دائما صبرا لا نهاية له للتفاوض مع الأطفال. كلما رأى أطفالا يلعبون في الشارع، كان يذهب إلى القيادة والتعامل معهم، ويقدم لهم الحلوى للخروج من الطريق والذهاب للعب في مكان آمن، سرعان ما اكتشفه الأطفال، وسيلعبون في الشارع مرة أخرى في المرة القادمة، يضحكون ويقولون: "لقد خدعناك!"، لكن أسعد لم يمانع قط، واستمر ببساطة في تسليم الحلويات.

لم تكن جثته من بين أولئك الذين تم العثور عليهم عندما ذهبت بعثة دولية للبحث عن عمال الطوارئ المفقودين، تم القبض عليه وتقييده وأخذه بعيدا، وفقا للشاهد الوحيد الناجي، منذر عابد.

تحدث الأب البالغ من العمر 47 عاما إلى عائلته آخر مرة في المساء الذي اختفى فيه، وأخبرهم أنه في طريقه إلى مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لتناول الإفطار مع زملائه، وفقا لابنه محمد.

إعلان

عندما حاولوا الاتصال به في وقت قريب من السحور، لم يستجب واكتشفوا من المقر الرئيسي أنه لا أحد يستطيع الوصول إليه أو إلى عمال الطوارئ الآخرين.

وقال ابنه إنه كان دائما يحذر عائلته من أنه كلما توجه في مهمة قد لا يعود، لكن مع استمرار أسعد في أعمال الإنقاذ لصالح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حاولوا دائما تجنب التفكير في ذلك.

هذا التقرير، الذي أعده فريق الجزيرة نت، سلط الضوء على الجانب الإنساني لبعض الشهداء الأبطال من فرق الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني، الذين قدموا أرواحهم في سبيل مساعدة أهالي غزة الذين يتعرضون للقصف والقتل الممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 18 شهرًا، من خلال كلمات المسعف إبراهيم أبو الكاس، الذي عاشر هؤلاء الأبطال وعايش تفاصيل حياتهم.

مقالات مشابهة

  • لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد
  • صورة واضحة لطائرة إسرائيلية فوق صيدا.. شاهدوها
  • الجسر البحري المدعوم بـالذكاء الاصطناعي:حاجة ملحة أم مجرّد فكرة؟
  • رجي جدد المطالبة بضغط دولي على إسرائيل للإنسحاب بشكل كامل
  • بول كاغامي: فلتذهب إلى الجحيم الدول التي تفرض علينا عقوبات
  • لبنان.. قوات الاحتلال تستهدف عددا من الصيادين في رأس الناقورة
  • في الناقورة.. مسيّرة اسرائيلية تستهدف الصيادين
  • رئيس مديرية أمن الدولة في الجنوب جال على فاعليات صيدا
  • لبنان.. مدينة صيدا والمخيّمات الفلسطينيّة تشهد إضرابا شاملا تضامنًا مع غزة
  • شباب صيدا القديمة يدعون المحال التجارية للالتزام بالإضراب العام نصرة لغزة