محمد بن حميد: البيانات لغة المستقبل ومهندسة الثورة الصناعية المقبلة
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
الشارقة: «الخليج»
تحت رعاية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبحضور الشيخ محمد بن سعود القاسمي، رئيس دائرة المالية المركزية بالشارقة، انطلقت، أمس، أعمال الدورة الأولى من المنتدى الإقليمي للبيانات والتنمية المجتمعية، الذي تنظمه دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية يومي 9-10 أكتوبر في مركز الجواهر للمناسبات والمؤتمرات تحت شعار «معايير تصنع التغيير»، بحضور ومشاركة أكثر من 100 مسؤول حكومي وخبير من داخل الإمارات والوطن العربي والعالم.
في كلمته الافتتاحية للمنتدى، أكد الشيخ محمد بن حميد القاسمي، أن البيانات ليست مجرد أرقام جامدة، أو إحصائيات معقدة، بل هي الرواية الحقيقية والأكثر دقة التي تعكس احتياجات المجتمعات، واصفاً إياها بأنها حكاية التاريخ ولغة المستقبل، ومهندسة الثورة الصناعية المقبلة.
وقال: «لا تقتصر آثار البيانات على القطاعات الاقتصادية والخدمية فقط، بل هي عامل حيوي في تنشيط الثقافة وترسيخ القيم النبيلة، إذ تسهم في سد الفجوات الاجتماعية وتعزيز العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، ووضع البرامج المناسبة لمكافحة الفقر والبطالة وتطوير الثروة البشرية، لهذه الأسباب وأكثر، تنظم الشارقة هذا المنتدى للإشارة إلى أن جميع الموارد، بما في ذلك البيانات، يجب أن تستخدم لتحقيق طموحات المجتمعات وتحسين حياتها، خاصة أن دول المنطقة وضعت خططاً طموحة لبناء مستقبل أبنائها، وهذا يوضح أهمية هذا المنتدى ونتائجه لتحقيق المصالح المشتركة».
واختتم كلمته بالقول: «منذ بدأت حديثي معكم حتى هذه اللحظة، أنتج العالم من البيانات ما يكفي لتغيير سياسات وقرارات ومخططات، وتصويب مسارات كاملة، فلنكن سباقين في استثمار هذه الثروة لما فيه مصلحة مجتمعاتنا ومجتمعات العالم أجمع».
أكثر الوسائل اعتمادية
بدورها، أكدت انتصار عبد الله الوهيبية، المدير العام للمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، أنه في خضم عالم متغير، أصبحت البيانات من أكثر الوسائل اعتمادية وموثوقية لدى متخذي القرار، لتحقيق الأهداف المنشودة، والحلول الممكنة التي تسهم في تنمية المجتمعات، مشددة على أن التغيير الحقيقي هو في التحول في عمليات التنمية إلى التركيز على الإنسان الذي يوازن بين التطور الاقتصادي والنمو الاجتماعي.
نظام بيئي
من جهته، تحدث ستيفان شاينفيست، مدير شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة، مؤكداً أن المناقشات العالمية في قطاع البيانات توسعت من مفهوم النظام الإحصائي الوطني إلى نظام المعلومات الوطني، وحتى إلى نظام بيئي وطني للبيانات، وهذا يؤكد ضرورة العمل مع الشركاء واستخدام مصادر البيانات المبتكرة، مثل البيانات الضخمة والمعلومات الجغرافية المكانية، لإنشاء البنية الأساسية المناسبة للمعلومات لدعم صنع السياسات القائمة على الأدلة.
وحول أهمية المنتدى، قال شاينفيست: «هذا المنتدى قيم للغاية، لأنه يجمع بين أصحاب المصلحة المختلفين من المنظمات الدولية والكيانات غير الحكومية والدول والقطاعات المتنوعة، ما يمكننا من تبادل الخبرات والتعلم من بعضنا وتطوير شعور مشترك بالهدف الذي نعمل من أجل تحقيقه».
توفير الأدوات
وفي إطار الكلمات الرئيسية التي شهدها حفل افتتاح المنتدى، قالت نبال إدلبي، مديرة قسم الابتكار في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة، «تسعى الإسكوا جاهدة لدعم الدول الأعضاء في المنطقة العربية من خلال توفير الأدوات والمنهجيات الحديثة التي تمكنها من الاستفادة القصوى من البيانات في صناعة القرار، وتسعى إلى بناء مجتمعات معلوماتية متقدمة من خلال تنظيم الفعاليات والورش التدريبية التي تعزز قدرات الكوادر الوطنية في هذا المجال، كما تحفز الإسكوا الابتكار في القطاعين العام والخاص لتسخير التكنولوجيات الحديثة مثل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة».
واختُتم حفل الافتتاح بعرض قدمته الإعلامية عبير الوكيل، حيث سلطت الضوء على أهمية البيانات في بناء مجتمعاتنا الحديثة.
دعم الأمن الغذائي
أكد الدكتور المهندس خليفة مصبح الطنيجي، رئيس دائرة الزراعة والثروة الحيوانية بالشارقة، أن البيانات ساهمت بشكل كبير في دعم الأمن الغذائي بدولة الإمارات، لاسيما في المشاريع التي نفّذتها الدائرة، حيث كان لها دور كبير في توفير 40% من مياه الري، المستخدمة في زراعة القمح بالشارقة، لافتاً إلى أن تجربة البيانات في الأمن الغذائي أثبتت فاعلية وحققت دفعة كبيرة في رفع مؤشر الأمن الغذائي في البلدان التي تعاني جفاف التربة وشح المياه.
جاء ذلك خلال خطاب ملهم بعنوان: «مزارع مليحة: الأمن الغذائي المستدام من خلال البيانات»، ضمن فعاليات الدورة الأولى من المنتدى.
وقال: «حققت مؤسسة (اكتفاء) للإنتاج الزراعي نجاحات كبيرة بإنتاج دقيق سبع سنابل وحليب مليحة، والفضل الرئيسي في ذلك يعود إلى الرؤية والخبرة العلمية والأكاديمية التي يتمتع بها صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ففي مرحلة دراسة المشروع الرائد في مجال الأمن الغذائي وتنمية الثروة الحيوانية، واجهتنا تحديات كبيرة، خاصة ما يرتبط بالمناخ الحار للمنطقة، وكمية المياه المطلوبة، إلا أن الاعتماد على البيانات الموثوقة حقق نقلة نوعية في نجاح هذا المشروع الحيوي».
تقنية التصوير الحراري
وأضاف: «التقييمات التي وصلتنا كانت سلبية وزعمت بأنه لا يمكننا زراعة القمح، لكن اعتمدنا على البيانات لمعرفة تجارب القمح الحديثة وأي البذور يمكن زراعتها في الإمارات، فحصلنا على بذور قادرة على التكيف مع البيئة في الإمارات»، مشيراً إلى أنه تم الاعتماد على منصة تستخدم تقنية التصوير الحراري عبر الأقمار الصناعية وهذه المنصة تتيح البيانات للتنبؤ بالمحاصيل، بحيث تعطينا كم حبّة تحتاج إليها المزرعة ووزن الحبة الواحدة ومستوى نضجها، وكذلك المجسات في التربة وهل الحقل اكتفى بالري أو لم يكتفِ، ما أسهم في توفير 40% من مياه الري، وهذا انعكس إيجاباً على تجربة زراعة القمح.
وحول مزرعة ألبان مليحة، قال الطنيجي: «مشاريع الأمن الغذائي في الشارقة هي الوحيدة التي تنتقل بالغذاء إلى الطبيعة والأصالة من مراحله البدائية لاختيار السلالات حتى المرحلة النهائية للمنتج، فحليب مليحة لم يُنزع منه شيء ولم يُضف إليه شيء».
وكشف أنه تم الاعتماد على تقنية «القلادة الإلكترونية للأبقار»، وهي مبنية على معلومات مسبقة وتسهم في تحليل البيانات واتخاذ قرار سليم؛ إذ تراقب درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والأنشطة اليومية والتنبؤ بالأمراض بما يساعد على الوقاية الاستباقية والتحصين المبكر من الأمراض، كما تتبع الدورة الإنجابية بما يسهم في زيادة عدد المواليد ومن ثم كمية الإنتاجية اليومية، وأيضاً تحليل سلوك الأبقار لمعرفة ما إذا كانت تعاني مشكلة نفسية أو صحية يمكن علاجها.
صورة واضحة
أكد الكاتب والمؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي، خالد غطاس، أن البيانات تدخل في صلب حياة كل شخص، فهي تعطيه صورة واضحة حول الممارسات والآراء والأفكار، وتدفعه لاتخاذ قرارات مفصلية في حياته، مشدداً على أهمية الاعتماد على البيانات الموثوقة بدلاً من الانطباعات والمشاعر النفسية، وأن هذا النهج الحياتي يضيء الطريق للقرارات الصائبة في حياة الناس وأعمالهم.
وتحت عنوان «رأي ورقم وقرار»، قدّم غطاس، خطاباً مُلهماً ضمن فعاليات المنتدى، أشار فيه إلى مدى أهميّة البيانات في إنتاج المعرفة، مستعرضاً عدداً من الأمثلة.
وشدّد على أهمية الاسترشاد بالبيانات والمعلومات الدقيقة في حياتنا اليومية.
وأشار إلى أنّ البيانات مهمة في فهم سلوك البشر واتخاذ القرارات الصحيحة، وأنها تسهم في معرفة ما هو الأفضل.
التقنيات السحابية
أكد الخبير التقني داريو روسو، المستشار لدى «آر جي 3» للاستشارات الرقمية، أن تقنيات السحابة العامة بدول منطقة الشرق الأوسط، والتي تضمن توفير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات مثل الخوادم والشبكات وأنظمة التخزين في صورة موارد افتراضية يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت، ينتظرها مستقبل كبير ومتقدم، حيث من المتوقع أن تقود تطبيقاتها نمو الناتج المحلي لدول المنطقة بنسبة 6% بحلول عام 2030.
وأوضح خلال حواره الملهم: «تسخير السحابة العامة في الشرق الأوسط: آفاق واسعة للنمو»، أن خدمات القطاع العام يمكن أن يكون لها النصيب الأكبر من النمو في حال تبينها تطبيقات وتقنيات السحابة العامة.
وأشار إلى أنه على الرغم من الريادة الإماراتية في الاعتماد على تقنيات السحابة العامة، إلا أن المنطقة بشكل عام لا تزال تواجه تحديات كبيرة في هذا القطاع وقطاع الخدمات التقنية عموماً، وذلك بسبب المشهد الجيوسياسي غير المستقر في المنطقة.
دمج الشباب
أكد عدد من القيادات الشابة أهمية دمج الشباب وتأهيلهم في عملية استثمار البيانات، مشددين على ضرورة تمكينهم من المساهمة في تطوير الحلول المستدامة للتحديات المجتمعية.
كما شددوا على دور البيانات المحوري في اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة، وفهم احتياجات المجتمع وتطوير حلول مبتكرة لمختلف التحديات، إلى جانب تسليط الضوء على أهمية حماية البيانات واستخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي لتحليلها واستخلاص قيمة منها.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان «صوت الشباب في عالم البيانات».
واستضافت الجلسة كلاً من رابعة بني ياس، المدير التنفيذي لقطاع الدعم المؤسسي بالإنابة ومدير معهد التدريب الإحصائي التابع لمركز الإحصاء بأبوظبي، وخالد الكعبي، محلل أول لاستثمارات البنية التحتية في شركة «مبادلة للاستثمار»، وغالية أحمد العلي، رئيس مجلس أبوظبي للشباب، وميادة عادل، وهي من «القيادات الشابة من أجل التنمية المستدامة»، وهي مبادرة أممية لتمكين الشباب، وأدار الجلسة عبدالقادر السقاف، ممثل شباب الإمارات لدى منظمة الأمم المتحدة.
الأزمات تشكّل تحدياً كبيراً
اتفق مسؤولون حكوميون وخبراء في مجال البيانات على أن الأزمات والنزاعات تشكّل تحدياً كبيراً لجمع البيانات الإحصائية واستخدامها في صنع السياسات الفعّالة والاستجابة لحالات الطوارئ.
جاء ذلك خلال جلسة بعنوان «طرق توفير البيانات في حالات الصراع والأزمات الإنسانية في المنطقة العربية».
وشارك في الجلسة كل من الدكتور إسماعيل لبّد، مسؤول قسم الإحصاءات الديمغرافية والاجتماعية في الإسكوا، والدكتور ماجد عثمان، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق في جمهورية مصر العربية، والرئيس التنفيذي ومدير المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة)، والدكتور مروان الخواجة، رئيس قسم الإحصاءات السكانية والاجتماعية في الإسكوا، وأدارها الدكتور أحمد حسين، مستشار إحصائي في المركز الوطني للإحصاء بقطر.
تناغم بين مخرجات التعليم والعمل
أكد عدد من الخبراء في قطاع العمل والتنمية المجتمعية، أهمية البيانات والإحصاءات في سنِّ التشريعات واتخاذ القرارات ورسم الاستراتيجيات الطموحة بما يعزز من الواقع الاقتصادي، وخلق آلافٍ من فرص العمل وتقليل نسب البطالة، على اعتبارها ثروة معلوماتية هائلة، يلجأ إليها صناع وقادة الأعمال لمعرفة طبيعة سوق العمل في بلدانهم.
جاء ذلك، خلال جلسة حوارية «كبسة زر لإنهاء البطالة في العالم».
شارك في الجلسة، ماموسو باتريشيا كومي ماساكوا، نائبة وزيرة التعليم الأساسي والثانوي في سيراليون، ورافائيل دييز دي ميدينا، مدير إدارة الإحصاءات وكبير الإحصائيين في منظمة العمل الدولية، ومحمد العلوي، مدير تنفيذي الشؤون الاقتصادية بالإنابة في مجلس تنافسية الكوادر الإماراتية «نافس»، وأدارها الدكتور ماجد عثمان، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق في مصر والرئيس التنفيذي ومدير المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة).
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات الشارقة الإحصاء السحابة العامة الأمن الغذائی الاعتماد على البیانات فی على أهمیة جاء ذلک إلى أن
إقرأ أيضاً:
في محاضرته الرمضانية الثانية والعشرين قائد الثورة: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم تجاه المخاطر التي تستهدفهم مهمة جداً
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي قدَّم الله فيها قصة نبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في مقامٍ من مقاماته لتبليغ الرسالة الإلهية، ودعوة قومه إلى عبادة الله تعالى، وإلى توحيده، والإيمان به، ونبذ الشرك، كُنَّا في سياق الحديث عن قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وعنوان الهداية عنوانٌ مهمٌ جدًّا، يترتب عليه:
• إمَّا فوز الإنسان، وفلاحه، وسعادته، ومستقبله السعيد في الآخرة.
• أو يكون لموقف الإنسان السلبي تجاه الهدى، التأثير الكبير على حياته في الدنيا بالشقاء، وكذلك الخسران الأبدي في الآخرة والعياذ بالله.
لأهمية هذا الموضوع؛ أتى الحديث عنه واسعاً جدًّا في القرآن الكريم من جوانب متعددة.
تحدثنــــا في المحاضـــــرة الماضيــــــة:
• أن هدى الله تعالى واكب مسيرة البشرية منذ بداية وجود الإنسان؛ فكان آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» نبيّاً، واسْتَمَرَّت المواكبة بالرسل، والأنبياء، وكتب الله، وكذلك من بعد الرسل ورثة الكتب الإلهية، من جهة المهتدين، الهادين بها وفق سُنَّة الله في هداية عباده، وخَتَم الله النُّبوَّة والأنبياء بخاتم النَّبِيِّين، رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، وختم الله كتبه بالقرآن الكريم، الذي هو مُصَدِّق لما بين يديه من كتب الله، وكذلك مهيمن، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة:48]، القرآن الكريم هو لهداية المجتمع البشري إلى قيام الساعة، في الحقبة الأخيرة من الحياة والوجود على الأرض.
• تحدثنا عن بعضٍ من مميزات القرآن الكريم في المحاضرة الماضية؛ لأن مميزات القرآن الكريم كثيرةٌ جدًّا وواسعة؛ ولـذلك المقام مقام اختصار، تحدثنا باختصار عن هذا الموضوع.
• تحدثنا عن جانب من جوانب الهداية في القرآن الكريم، وهو: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم، تجاه المخاطر التي تستهدفهم من جهة أعدائهم، وهذا موضوعٌ مهمٌ، وموضوع مُلِحٌّ؛ لأن المسلمين في معاناة قائمة وموجودة، وفي خطرٍ رهيبٍ؛ والسبب الأول هو: غياب الرؤية الصحيحة لكيفية التعامل مع هذا الخطر، وما هو الموقف الصحيح، وهذه المسألة مؤثِّرة تأثيراً كبيراً على المسلمين، مؤثرةٌ تأثيراً كبيراً عليهم فعلاً.
هناك قاعدتان مهمتان في القرآن الكريم، تُبيِّن لنا كيف أن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لم يتركنا من الهداية فيما يتعلق بهذا الموضوع المهم:
• القاعدة الأولى: عبَّرت عنها في النصوص القرآنية، بقول الله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]:
هذا شيءٌ مهمٌ، هو جزءٌ من إيماننا بالله، وأن نَعِيَهُ جيداً؛ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الرحيم بنا، لا يمكن أن يتركنا للتظالم من دون هداية إلى ما يقينا من ذلك، ومن دون جزاء، ومن دون رعاية، هذه قاعدة مهمة جدًّا؛ ولهـذا أكَّد الله عليها في القرآن الكريم: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]، وفي آيةٍ أخرى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31].
ولـذلك فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هدايته، في تشريعه، في سنته في رعاية عباده وشؤونهم، لا يريد لهم الظلم، لا يظلمهم، ولا يريد لهم أن يُظلموا؛ فهـو يُقَدِّم ما يقيهم من الظلم، ما فيه المَنَعَة، والعِزَّة، والحماية لهم من الظلم، ويُقَدِّم أيضاً في إطار المسؤوليات الإيمانية، التي رسمها لعباده، ما يُحَقِّق العدل في الحياة، ويكون فيه التَّصدِّي للظلم.
فالله هو القائم بالقسط، وجعل إقامة القسط هدفاً من الأهداف الأساسية لرسالاته؛ ولـذلك يقول الله في القرآن الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران:18]، وقال عن كونه هدفاً أساسياً لرسالاته إلى الناس: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحديد:25]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو القائم بالقسط، ولا يريد لعباده أن يظلموا، فقدَّم لهم الهداية الكاملة، وقدَّم في تشريعه، وفي المسؤوليات التي رسمها لعباده، ما يكافح الظلم، ما يساعد على تحقيق العدل، وإقامة العدل في الحياة.
• القاعدة الثانية في القرآن الكريم هي: قول الله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45]:
الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الأعلم بأعدائنا (من هُمْ)، على مستوى تحديد من هو العدو، هو الأعلم بمن هو العدو، الذي هو عدوٌ لنا، ويُشَكِّل خطورةً علينا، وعلينا أن نتَّخذه عدواً، والمسلمون يعانون من الضلال حتى في تشخيص من هو العدو، والاشتباه تجاه العدو الكبير، الذي عدائه في غاية الوضوح، (هل هو عدو، أو صديق؟)، يريد البعض أن يُقدِّمه صديقاً. كيف هم هؤلاء الأعداء؟ كيف هي خطورتهم؟ ما هي الطريقة الصحيحة لدفع شرِّهم… وغير ذلك، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال في القرآن الكريم عندما حدَّد لنا من هم الأعداء: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45]، يعني: لم يكتفِ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بأن يخبرنا من هو العدو، كيف هي خطورته، كيف هي أساليبه العدائية، أين هو مصدر شَرِّه الذي يُشَكِّل خطورةً علينا؛ وإنما أيضاً عرض لنا هدايته، ونصرته، أن يهدينا كيف نواجه هذا العدو، وأن ينصرنا ضد هذا العدو، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45].
الشيطان هو العدو الأول للإنسان، وهو على رأس خط الضلال، المناوئ لطريق الهداية وللصراط المستقيم، هو على رأسهم (الشيطان الرجيم)، وهو يريد أن يوقع الإنسان في أكبر شَرّ، وأن يوجِّه له أكبر ضربة، عداؤه للإنسان عداء شديد جدًّا؛ ولـذلك هو لا يكتفي بمستوى عادٍ من الضرر؛ هو يريد أن يلحق بالإنسان أكبر الضرر، وأن يوقعه في أكبر الخطر، وأن يجعله يتَّجه في طريق الخسران الدائم، هذا ما يركِّز عليه الشيطان: أن يوقع الإنسان في العذاب الأبدي الرهيب، أن يَصُدَّه عن سبيل الخير، والفوز، والفلاح، والسعادة، والسمو النفسي.
وتكررت قصته في القرآن الكريم كثيراً، في إطار تلك السنة الإلهية: أن الله أعلم بأعدائنا، ويبيِّن لنا:
• من هو العدو.
• ما هي خطورته.
• كيف نقي أنفسنا من شرِّه.
• وعن سبب عداوته للإنسان، تشخيص دقيق ما هو السبب.
• عن مستوى عدائه للإنسان.
• متى بدأ هذا العداء، وإلى متى سيستمر.
كل هذا أتى الحديث عنه تفصيلياً في القرآن الكريم.
• ما هي خطَّته العدائية.
• كيف يريد أن يستهدف الإنسان.
تفاصيل كثيرة في القرآن الكريم.
• وما هي الطريقة الصحيحة لمواجهته، والحماية منه.
والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بيّن لنا في القرآن الكريم، في قوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83]، هو يعتمد على الإغواء، لماذا؟ لأن الإغواء عن طريق الهداية هو تضييعٌ للإنسان، هو الذي من خلاله ينحرف بالإنسان عن الصراط المستقيم، الذي كان سيوصله إلى الغاية الكبرى، في الفوز، والفلاح، والسعادة الأبدية؛ وإلى أداء مهامه في هذه الحياة، في إطار توفيق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ورعايته، وهدايته، بنجاح؛ فهـو يسعى للإغواء، الإغواء في كل المجالات للإنسان: الإغواء على المستوى العقائدي، على المستوى الأخلاقي… على كل المستويات.
{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}، في آيةٍ أخرى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}[النساء:119]، يسعى للإضلال، الإضلال هو: طريقة خطيرة وجامعة للانحراف بالإنسان عن طريق الهداية، والتضييع له بذلك.
قال عنه أيضاً: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]، يعني: أن يُصَدَّهم عن صراط الله المستقيم، ويصرفهم عنه، من أجل ماذا؟ من أجل غوايتهم، إضلالهم، من أجل خسارتهم وشقائهم.
وتكرر في القرآن الكريم كيف بدأ استهدافه للإنسان، بدايةً بما عمله مع آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وكيف سعى لإخراجه من الجنَّة ليشقى.
ومع كل ما أتى من الحديث عنه في كتب الله، والتحذير عنه من أنبياء الله، ورسل الله، وأولياء الله، هم يُحَذِّرون الناس منه، وَيُبَيِّنُون للناس سوءه، وشرَّه، وخطره، وعداءه، وحقده، وما يسعى من خلاله لإشقاء الإنسان، للاتِّجاه به في طريق الخسران؛ مع كل ذلك- وللأسف الشديد- انخدع به أكثر البشر، وأطاعوه، وتولوه، وهذه قضية عجيبة في واقع البشر! وقضية خطيرة.
ولهـذا يُبَيِّن الله لنا في القرآن الكريم عن هذه الخسارة للمجتمع البشري، نتيجة التَّولِّي للعدو، التَّولِّي لعَدُوِّهم، الذي حذَّرهم الله منه، الطاعة له في معصية الله، الانصراف عن هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والاتِّجاه في طريق الغواية، التي يدعوهم إليها الشيطان:
• في يوم القيامة، يوجِّه الله نداءه للمجتمع البشري: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس:60-62].
• في الحديث أيضاً في القرآن الكريم عن حجم الخسارة لكثيرٍ من الناس؛ بسبب توليهم للشيطان عَدُوِّهم، وطاعتهم له: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85]، تمتلئ جهنم، تمتلئ بالبشر، بالبشر الذين كانوا في هذه الدنيا مُتَوَلِّين لعَدُوِّهم، عَدُوِّهم الحاقد عليهم، الذي كان هدفه الرئيسي هو: أن يوصلهم إلى جهنم، إلى أشد عذاب؛ لأن هذا بالنسبة له هو الذي يُلَبِّي رغبته في العقدة، والحقد، والعداء لبني آدم: أن يوصل الإنسان إلى أَشَدِّ العذاب، إلى نار جهنم للأبد؛ لأن هذه أكبر ضربة يمكن أن يوجهها للبشر، وأن يعمل بهم ما لا يمكن أن يكون هناك أَشَدّ منه، ولا خسارة أكبر.
فلـذلك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أقام حُجَّته، وَنَبَّه، وبَيَّن، وقَدَّم حتى التفاصيل، حتى فيما يتعلق بالمستقبل في الآخرة.
• الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» حينما يقول في القرآن الكريم، وهو يُحَذِّرنا من الشيطان، بعد أن بيَّن لنا أنه رفض السجود لآدم، وحَقِد بسبب أمر الله له بالسجود: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50]، {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}، هذه هي الخسارة: التَّولِّي للعدو الحقود، الذي يسعى لأن يتَّجه بك إلى الشقاء الأبدي، إلى الخسران الرهيب العظيم، إلى الخسارة الكبيرة، إلى نار جهنم، هذه مشكلة كبيرة على الواقع البشري.
الارتباط بالشيطان خسران؛ لأنه كما بيَّن الله لنا: يسعى لإضلال الناس، لإغوائهم، لإفسادهم؛ ثم تحريكهم في طريق الغواية؛ لتتحوَّل مسيرة حياتهم إلى مسيرة إضلال، وإفساد، وشرّ، وإجرام، وطغيان، ومفاسد، ومظالم؛ فيتَّجه بهم لتسخير كل إمكاناتهم، وقدراتهم، وطاقاتهم، في الاتِّجاه الشيطاني، في اتِّجاهه هو، الذي هو هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، من إضلال، وإغواء، وإفساد، وشرَ وإجرام، وظلم، وفساد… وغير ذلك؛ فالارتباط به خسارة، ومن يرتبط به، يتولاه، يطيعه، يعبده؛ يعبده بإيثاره لطاعته فوق طاعة الله، بانصرافه على نهج الله، واتِّجاهه في طاعته، وطاعة وساوسه، والاتِّجاه في الطريق التي هي طريقه، طريق الشر، طريق الإجرام، طريق الضلال والفساد.
أولياء الشيطان الذين يتولونهم، يتحولون هم- كذلك- إلى مصدر شرّ، مصدر للجريمة، للفساد، للظلم، ويُحَرِّكهم الشيطان في نفس تلك الاتِّجاهات؛ ولـذلك يكون نشاطهم في هذه الحياة كمجرمين، جرائم، أنواع الجرائم تصدر منهم، فاسدين مفسدين، ضالِّين مُضِلِّين، يتحرَّكون بالشَّرّ في حياة الناس؛ ولـذلك يتجلَّى على أيديهم- هم أيضاً- ما يسعى له الشيطان في إشقاء المجتمع البشري؛ لأنهم هم من أساؤوا إلى هذه الحياة، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» رسم للبشرية منهج الهداية، الذي يكفل لهم السعادة والخير؛ لكن نتيجةً لأولئك الذين قاموا بالتولِّي للشيطان، والعبادة للشيطان، والاتِّجاه في طريقه الإجرامي، المُضِلّ، الذي فيه الشَّرّ والفساد، هم من سَوَّدوا وجه الحياة، من ملأوا الحياة بظلمهم، بفسادهم، بطغيانهم، من جلبوا الشقاء على المجتمع البشري؛ فتحوَّلوا هم إلى مصدر للشر، مصدر للجريمة، للظلم، للمفاسد؛ ولـذلك يُعَبَّر عنهم في القرآن الكريم بأولياء الشيطان، الذين قاموا بِالتَّوَلِّي له، بمختلف فئاتهم، وعناوينهم، وأسمائهم: فاسقين، كافرين، مجرمين، منافقين… هم يجمعهم هذا العنوان: التَّولِّي للشيطان، أولياء الشيطان، سَمَّاهم أولياء الشيطان.
في القرآن الكريم، القائمة التي تضمن عناوينهم- يعني: في آيات كثيرة في القرآن الكريم- بمواصفاتهم بشكلٍ واضح، يُعَرِّفهم تعريفاً واضحاً وجليّاً، كل فئة من أولياء الشيطان: كيف هي مواصفاتهم، أعمالهم، تصرفاتهم، نفسياتهم، توجهاتهم، مواقفهم…إلخ. والأنشطة التي يتحرَّكون فيها هي نفس الأنشطة الشيطانية:
• هو قال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}[النساء:119]، يتحرَّك مِنَ الذين يتولونه من هم مُضِلُّون في هذه الحياة، نشاطهم هو الإضلال.
• الشيطان يسعى للإفساد والإغواء؛ هم يتحركون لإفساد الناس، وبالفساد، الفساد بالنسبة لهم ممارسة في حياتهم؛ لأنهم أصبحوا فاسدين، ومع ذلك يسعون لنشر الفساد في الأرض، وإفساد الآخرين.
• وهكذا بالنسبة للظلم؛ الظلم ممارسة وسلوك بالنسبة لهم، يَتَعَدُّون حدود الله، يظلمون عباد الله، وفي نفس الوقت من يتولَّاهم، من يسير في دربهم؛ يسير في طريق الظلم.
وهكذا أصبحوا هُمْ من يتَّجهون ويتحرَّكون بالشَّرّ في واقع الحياة؛ فالشيطان يُحَرِّكهم، وهم أصبحوا شبكات كبيرة في المجتمع البشري، ينشطون في أنشطته الشيطانية العدوانية، التي تستهدف المجتمع البشري. الشيطان منذ البداية كان سيعتمد عليهم بشكلٍ أساسي، في أن يتحوَّل واقع الحياة لدى الناس إلى واقع سيء بفعلهم.
{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63]، يستحق جهنم من يَتَّبع عدوه الشيطان، الرجيم، الخسيس، السيء، الحقود، المستكبر، الضال، المفسد، الشرير؛ ويترك التولِّي لله ربِّ العالمين، المنعم، الكريم، العظيم، الذي له الأسماء الحسنى، الذي هو ولي كل نعمة على الإنسان، ربُّ العالمين.
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[الإسراء:64]؛ لـذلك فكل فئات أولياء الشيطان الذين يتحركون في واقع الحياة، بمختلف فئاتهم، وأصنافهم، وأنواعهم؛ هم امتداد للشيطان، لشرِّه، لضلاله، لفساده، لعدوانيته، لحقده، لإجرامه، تحوَّلوا إلى أداة شيطانية للشيطان.
القائمة التي وردت في القرآن الكريم هي قائمة واضحة- كما قلنا- تُحَدِّدهم بمواصفاتهم، على رأس تلك القائمة، التي حَذَّرنا الله منها في القرآن الكريم، وبَيَّن سوءها وشرها وخطرها: فريق الشر من أهل الكتاب، (اليهود، والموالون لهم من النصارى) هم على رأس القائمة في ما يُعَبَّر به في القرآن الكريم، ما يُستفاد منه أنهم هم الأكثر ضلالاً، والأشدُّ ظلماً، يعني: هم من أخطر أولياء الشيطان، ومن أسوأ أولياء الشيطان، ومن أكثر البشر عملاً في الاتِّجاه الشيطاني، والأنشطة الشيطانية في المجتمع البشري؛ فهم مصدر شر كبير على المجتمع البشري وخطير، وهم امتدادٌ للشيطان، في إجرامهم، وفسادهم، وظلمهم، وعدوانيتهم.
ولـذلك حينما يشرح لنا القرآن الكريم عنهم، ويخبرنا الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عنهم، ماذا يريدون بنا؟
• يقول: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، نفس الإرادة الشيطانية، ماذا يريد الشيطان من البشر؟ أن يَضِلُّوا السبيل في كل المجالات، وأن يكونوا تائهين في هذه الحياة في كل شيء: في معتقداتهم، في انتمائهم الديني، في مختلف مسارات حياتهم، في المجالات كافَّة، أن يَضِلُّوا كُلَّ سبيل خيرٍ، وفلاحٍ، وعِزٍّ، ونجاحٍ، وصلاح، وأن يتَّجهوا إلى الاتِّجاه الخاطئ، الذي هو اتِّجاه السقوط والضياع.
• يقول عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة:64]، وهذا هو نفسه من أهم الأنشطة الشيطانية، التي يسعى لها الشيطان، ويحرص عليها الشيطان، فهم يشتغلون في نفس الاتِّجاه الشيطاني.
• يقول عنهم: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهذا أيضاً ما يسعى له الشيطان: لارتداد حتى بمن اتَّجهوا في طريق الإيمان، أن يرتد بهم عن نهج الإيمان وطريق الإيمان، إلى الكفر.
بيَّن القرآن الكريم عداءهم وحقدهم الشديد على المؤمنين، وهذه هي عقدة شيطانية، الشيطان هو حقود جدًّا على المؤمنين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82].
بَيَّن مستـــوى حقدهــــم:
• بقوله: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]، هذا يُبَيِّن حقدهم الشديد، يودُّون لكم العنت، أي عنت، ويسعون لذلك، ما فيه الضرر البالغ عليكم، برغبة شديدة، برغبة شديدة لذلك.
• يقول عنهم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:118].
• يقول عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119].
• يقول عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:105]، كم في القرآن الكريم من آيات كثـــيرة جدًّا عنهم، هذه نماذج فقط من الآيات القرآنية.
فالله قدَّم في القرآن الكريم تشخيصاً دقيقاً لهم، وماذا يريدون، وكيف هم، وماذا يمكن أن يعملوا، وماذا يهدفون إليه، وكيف سيكون مصير الناس إذا لم يتحرَّكوا لمواجهة شرهم؛ وبيّن كيف يجب أن نكون في مواجهتهم.
بيَّن حتى مشاعرهم، مشاعرهم الداخلية نحو الناس، نحو المؤمنين، حديث القرآن الكريم عنهم واسعٌ جدًّا وتفصيلي، بالتفصيل في آيات كثيرة جدًّا، وعن سبيل مواجهتهم، كذلك الطريقة الصحيحة، التي تحمي الأمة من شرِّهم وخطرهم.
بيّن كذلك أساليبهم، سواءً على مستوى حربهم الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، وهي حرب خطيرة على الأمة، وهي- تلك الحرب- قائمة على قدمٍ وساق.
يعني: قد يتصوَّر البعض- مثلاً الآن- وهو يرى واقع العالم الإسلامي، فيرى- مثلاً- أن هناك حرب عسكرية، بالقتل، والدمار، والقنابل، والصواريخ؛ على غزَّة، على اليمن، على لبنان، في بعض سوريا؛ ثم يتصوَّر أن واقع بقية الأمة هو واقعٌ هادئ ومستقر، وأن الخطر من اليهود في عدوانهم، ونشاطهم العدائي، وتَحَرُّكهم العدواني، هو في هذا المستوى: استهداف لبلدان معيَّنة محدَّدة بالصواريخ والقنابل؛ إذاً كيف يعمل لكي يتخلَّص من ذلك.
حربهم قائمةٌ على قدمٍ وساق بما هو أخطر حتى من القنابل والصواريخ، على بقيَّة العالم الإسلامي، على بقيَّة البلدان العربية، يعني مثلاً: حربهم على دول الخليج، على مصر، على دول المغرب العربي، على بقيَّة العالم الإسلامي، هي حرب ساخنة جدًّا في اتِّجاهها الآخر: الحرب الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، يعني: لهم برامج وأنشطة عدوانية، خطيرة، قائمة، مشتغلة، ماشية، ماشية؛ لأن هناك تجاوب معهم فيها، استجابة- كما يفعل الناس في الاستجابة للشيطان- استجابة للعدو فيما يخدمه، ويُحَقِّق أهدافه، وهناك مسار لهم:
• للإضلال: التأثير والتغيير في الخطاب الديني، في المناهج الدراسية، في التَّوَجُّهات السياسية… في مختلف الأمور.
• الإفساد اللاأخلاقي: عمل مستمر، برامج، أنشطة متحركة.
لو يتأمل الإنسان ما يجري- مثلاً- في المملكة العربية السعودية، هناك عمل كبير لليهود، وهو عمل عدواني، لكن الناس هناك، (مثلاً: النظام، ومن يواليه، ومن يخضع له، ومن يستجيب له ويتَّبعه)، يتصوَّرون- لغبائهم المفرط، لضلالهم الرهيب، لابتعادهم عن هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- يتصوَّرون أنهم يتَّجهون الاتِّجاه الصحيح، في استجابتهم لكل المساعي اليهودية لإضلالهم وإفسادهم، كما هو الحال عندما يتَّجه الإنسان مع الشيطان براحة، وهو يتصوَّر أنه يُلَبِّي شهوات نفسه، رغبات نفسه، وهو يتَّجه إلى ما فيه الخسارة له.
فاليهود هم يشتغلون بأنشطتهم التي هي عدوانية، هي خطرٌ وشَرٌّ كبيرٌ جدًّا على الناس، وهي تتحرَّك في أوساط الآخرين على قدم وساق، وتحقق النتائج، وهي تُهَيِّئ- في نهاية المطاف- للشقاء الكبير، يعني: تُهَيِّئ لاستحكام السيطرة- فيما بعد- على تلك البلدان بشكلٍ كامل وبكل بساطة، بكل سهولة، بدون عناء؛ لأنها عندما تصل بهم على مستوى الإفساد النفسي، والتمييع اللاأخلاقي، إلى الحضيض، إلى أحطّ مستوى، كيف يمكن أن يكونوا في يومٍ من الأيام- بعد أن يصلوا إلى تلك الحالة- في مقام التصدِّي للعدو، ما يستلزمه ذلك من مبادئ، من أخلاق، من قيم، من غَيرة، من عِزَّة، من كرامة، من شرف… تكون قد فُقِدَت كل المقومات المعنوية للموقف، أصبح أمامك وضع لمنحطين، فاسدين، مائعين، تافهين، ضائعين، لا يمتلكون المبادئ، ولا القيم، ولا الأخلاق، ولا العقائد الصحيحة، ولا المبادئ الصحيحة، ولا التَّوجُّهات الصحيحة، فُرِّغ الإنسان من محتواه الإنساني، والإيماني، والأخلاقي؛ فيصبح- كما يتصوَّره اليهود- مُجَرَّد حيوان بصورة إنسان، يستغلونه كما يشاؤون، يقتلون من أرادوا، ويستغلون من يريدون، بحسب ما يريدون.
فهم يتحركون في الاتِّجاهات بكلها، والله حَذَّر منهم، وحَذَّر من أن مسلكهم في تلك الاتِّجاهات؛ لإضلال الناس، لإفسادهم، للارتداد بهم عن مبادئ الدين، عن قِيَمه، لإغوائهم ثقافياً وفكرياً؛ هي كلها أعمال عدائية خطيرة جدًّا، وهي تُمَثِّل شَرّاً كبيراً جدًّا على الأمة، يضيع بها من ضاع بسببها وتأثَّر بها في الدنيا والآخرة، يخسر مستقبله حتى في يوم القيامة.
الله قَدَّم في القرآن الكريم الهداية الكافية، في سبيل حماية المؤمنين والمسلمين، وعِزَّتهم، ومَنَعَتِهِم، ووقايتهم من شَرِّهم، مع التأييد من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هداية ومعها تأييدٌ ورعاية، وليس فقط هداية فقط، على قاعدة: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31]، يهدي وينصر، عندما تتَّجه وفق ما هداك إليه.
لــو لـم يكــن للمسلمـــين إِلَّا:
• ما ورد في (سورة آل عمران) في صفحة ونصف في (سورة آل عمران)، هو قَدَّم لنا فيها برنامجاً متكاملاً:
• بيّن فيه ما يريدون أن نصل إليه كمسلمين، كيف يريدون أن نكون أمة مطيعةً لهم، وفي هذا الإطار نفسه يرتدوا بنا إلى حالة الكفر، والخروج عن نهج الإيمان، الكفر بمبادئ الإسلام، بقيمه، سواءً الكفر بالكامل، بالخروج من المِلَّة؛ أو مع بقاء الانتماء: الكفر بالمبادئ، الرفض لها، التَّنَكُّر لها، عدم القبول بها، واستبدالها ببدائل أخرى.
• ثم عرض لنا ما فيه الوقاية لنا، يهدي إلى ما يحمي هذه الأمة؛ لتكون في موقع العِزَّة والمَنَعَة.
في صفحة ونصف، من قوله: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[آل عمران:100]، في آخر الصفحة، ما قبل تلك الصفحة، وصولاً إلى النتيجة التي يمكن أن تصل إليها الأمة، إذا اتَّجهت وفق ذلك البرنامج الإلهي، التي بَيَّنها الله بقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}[آل عمران:111].
• في صفحة كذلك في (سورة المائدة)، صفحة:
• بيّن فيها خطورتهم.
• حرّم الولاء لهم.
• بيّن خطورة التولِّي لهم؛ لأنه تولٍ لعدوك؛ يُمَهِّد له أن يُحَقِّق أهدافه فيك بكل بساطة، ولن يُغَيِّر من موقفه العدواني تجاهك؛ إنما هو تمكينٌ له منك، بيّن خطورة الولاء لهم.
• فَنَّد التبريرات، التي يَتَذَّرع بها الموالون لهم.
• كشف حقيقة الموالين لهم، والسبب الحقيقي الذي يدفعهم إلى الولاء لهم.
• بَيَّن السبيل الصحيح لمواجهة شَرِّهِم وخطرهم.
بدءاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54]، إلى النتيجة التي بَيَّنها بقوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56].
لو لم يكن إلا هذا في القرآن الكريم، لكان فيه الهداية الكافية، ما بالُك والحديث واسعٌ جدًّا، الهداية الواسعة الكافية، التي ترتقي بالأمة إلى مستوىً عظيم في المَنَعَة، والعِزَّة، والقوة؛ لإبطال شَرِّهم، ودفع شَرِّهم، على المستوى العالمي، وليس فقط في تحصين الأمة في وضعها هي، على مستوى واقعها هي؛ بل حتى إنقاذ بَقِيَّة المجتمع البشري من شَرِّهم.
ويُبَيِّن الله في القرآن الكريم أنه يُقَدِّم الهداية والرعاية، والعون، والنصر، والتأييد، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من له ملك السماوات والأرض:
• يَعِد بالنصر: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7].
• يَعِد بالهداية الدائمة، التي تأتي إلى كل التفاصيل، إلى كل المواقف، من خلال كتابه ونوره: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة:16]، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101].
• يُقَدَّم لنا مشروعاً منتصراً، يَعِدُ بنصره: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف:9].
ولـذلك فالأمة تكبَّدت خسائر رهيبة جدًّا؛ لتفريطها في الاهتداء بالقرآن الكريم، في شتى مجالات حياتها، وأيضاً فيما يتعلق بهذا الجانب: جانب كيف نواجه المخاطر التي تستهدفنا من جهة أعدائنا؛ وإلَّا لكان نصّاً واحداً من القرآن الكريم كفيل بأن يرتقي بالأمة إلى أعلى مستوى، يعني: لو لم يكن لنا في القرآن الكريم إلَّا قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، لو اتَّجهت الأمة هذا التَّوَجُّه، واسْتَمَرَّت عليه؛ لكان واقعها مختلفاً تماماً عمَّا هي عليه.
هدى الله يواكب مسيرة الحياة، هو مسيرة متكاملة، عطاؤه متجدِّد في إطار سنة الله تعالى في هداية عباده، ولأهمية هذه المسألة عَلَّمنا الله أن نقول في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:6-7]؛ لأننا بحاجة دائمة إلى الهداية الإلهية، وبحاجة متجدِّدة في مسيرة حياتنا، وفيما يَسْتَجِدّ في حياتنا هذه، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لا يترك عباده من دون هداية، يُقِيم عليهم الحُجَّة: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:7]، لا يتركهم بدون هداية.
واقع العالم اليوم، بالرغم من كل ما قد وصل إليه من تَقَدُّم مادي، يشهد على الحاجة إلى الهدى:
• واقع الغرب مأزوم، إمكاناتهم، تَقَدُّمهم المادي، لم يرتقِ بهم إنسانياً وأخلاقياً؛ إنما توحَّشوا أكثر، سخَّروا إمكاناتهم لنشر الفساد، يعيشون أزمات اجتماعية كبيرة جدًّا، وهناك مشاكل كثيرة جدًّا في العالم؛ نتيجةً للانصراف عن الهدى.
• واقع المسلمين أيضاً واقع مأساوي، ومحزن، ومؤسف؛ نتيجةً لإعراضهم وغفلتهم، عمَّا قد منَّ الله به عليهم من الهدى، وهم بحاجة إلى الرجوع إليه.
نكتفي بهذا المقدار.
وفي ختام هذه الكلمة، لا يفوتنا أن نُشِيد بالمؤتمر الدولي الثالث (فلسطين قضية الأمة المركزية) في صنعاء، الذي هو بعناية رسمية، وفيه مشاركات من بلدان كثيرة؛ بل من مختلف القارات: سواءً بالكلمات عبر الفيديو؛ أو من خلال الحضور، من تهيأ لهم الحضور.
هذا المؤتمر المهم، هو يأتي- كما قلنا- برعايةٍ رسمية، في إطار الاهتمام الجادّ والصادق بالقضية الفلسطينية، والمناصرة للشعب الفلسطيني، فيه مشاركات مفيدة، نحن نَتَوَجَّه بالشكر للإخوة القائمين على هذا المؤتمر، والذين بذلوا جهوداً كبيرة في إقامته، وإن شاء الله تكون مخرجاته مفيدة، ومثمرة، وفي إطار هذا التَّوَجُّه الصادق لنصرة القضية الفلسطينية.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛