لجريدة عمان:
2024-10-09@21:19:54 GMT

الهوية الثقافية العمانية وتحديات العولمة

تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT

الهوية الثقافية العمانية وتحديات العولمة

لعبت العولمة على الدوام دورا خطيرا في ترسيخ الثقافة الغربية، وتآكل الثقافات الوطنية والقومية، ونشر قيم وثقافات "المهيمن" عبر وسائل الإعلام، والتكنولوجيا، والتجارة، والتعليم وفي الخطابات السياسية الموجهة بعناية فائقة ما أدى في الكثير من الأماكن في العالم إلى تقويض الهويات الثقافية المحلية. ومنذ تسعينيات القرن الماضي حينما ساد العالم مصطلح "نهاية التاريخ"، حذر المفكر صمويل هنتنغتون في كتابه "صراع الحضارات" أن الانقسامات الكبرى بين البشر والصراعات القادمة ستقوم على أساس ثقافي.

أدركت سلطنة عُمان منذ فترة مبكرة هذا الخطر وعملت بكل الوسائل والسبل الممكنة على تكريس ثقافتها وهُويتها الوطنية وحماية إرثها التاريخي ونقائه ليبقى المصدر الذي يستمد منه العمانيون أصول ثقافتهم ومبادئهم وهويتهم الوطنية.

وتثبت التحولات الكبرى التي تحصل اليوم في العالم في السياق الثقافي بمعناه الواسع بعد النظر العماني في الحفاظ على الثقافة العمانية وعلى الإرث الحضاري الذي أنتجه العمانيون عبر آلاف السنين والذي حاجج البعض في مرحلة من المراحل أنه تمسك غير مفهوم بالتاريخ وبالماضي دون وعي أنه الجذر الذي بدونه لا يمكن المرور الآمن والراسخ نحو المستقبل.

لقد عملت العولمة خلال تعزيزها للنمو الاقتصادي والتقدم العلمي على تآكل الهويات الوطنية لصالح الهُوية الغربية التي جاءت إلى الشرق عبر كل الوسائل وعبر كل المنافذ التكنولوجية والاقتصادية والإعلامية.

وتنبه المفكر إدوارد سعيد خلال دراسته للاستشراق على الكيفية التي استطاعت بها السرديات الغربية أن تطغى على السرديات الشرقية وتشوهها ما أدى إلى انخفاض الشعور بالذات بين العرب بشكل خاص.

ورغم قوة الاستقطاب الغربية لهذا المشروع والذي انفق له مليارات طائلة إلا أن بعض الدول التي حافظت على تراثها وموروثها وقيمها لم يشعر فيها الفرد بانكفاء تقديره لذاته ولتاريخه ولحضارته وبالتالي لمستقبله. إن سلطنة عُمان نموذج في هذا النجاح حيث ما زال العمانيون يشعرون بفخر لا يعادله فخر عندما يتحدثون عن تاريخهم وعن إرثهم وبشكل عام عن ثقافتهم بكل تفاصيلها.. حدث ذلك في ظل توازن بين الأصالة والمعاصرة، بين الاستفادة من التقدم العلمي الذي يحققه العالم وتنجزه العولمة وبين الحفاظ على سلامة التقاليد والقيم وحفظ المجتمع وترسيخ دور الأسرة في عملية البناء التكاملي.

لم تنصهر الثقافة العمانية في الثقافة الغربية رغم أنها تأثرت بها وبمفاهيمها الإيجابية ومنجزاتها التي لا يمكن تجاوزها، وظلت الثقافة العمانية محتفظة بصلابتها دون التماهي في "الثقافة السائلة" وفق المفهوم الذي طرحه عالم الاجتماع زيجمونت باومان. وما زالت الثقافة العمانية قادرة على الصمود ولكن، أيضا، الاستفادة من ثقافة الآخر بما يسمح بالتحديث والتقدم دون التضحية بالجوهر الثابت والنبع الصافي.

لكن هذا لا يعني أننا في معزل تام عن التأثيرات السلبية، بل هي موجودة وتتسلل ولكن ما زالت الثقافة العمانية قادرة على الحفاظ على نفسها والحفاظ على إنسانها؛ وحتى تستطيع الصمود أمام كل هذا المد القوي فإننا في أمس الحاجة اليوم إلى إعطاء هذا الأمر أهمية كبيرة واعتباره تهديدا وطنيا لا يعفى أحد من العمل في سبيل التصدي له.

وإذا كانت الحاجة في تسعينيات القرن الماضي ماسة لحملة وطنية للحفاظ على الهوية الوطنية والإرث الثقافي فإن الحاجة اليوم لمثل تلك الحملة أكبر بكثير. والعمانيون في المجمل، رغم استفادتهم من تجارب الآخرين عبر التاريخ، إلا أنهم غير منبهرين كثيرا بالنموذج الغربي، في كل تفاصيله، وهذا ما يفترض أن تنشأ عليه كل أجيال عُمان ويتحقق ذلك عبر ترسيخ هُويتنا وثقافتنا في نفوس النشء منذ نعومة أفكارهم التي تتماس اليوم مع الآخر عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي ومعطيات ثورة الاتصال التي تتدفق من كل الاتجاهات.

يتطلب تعزيز الهوية العُمانية في عصر العولمة استراتيجية مدروسة ومستنيرة تحتفي بالماضي وتكرمه وتتعاطى مع الحاضر وتسير نحو المستقبل. قد يبدو هذا الأمر كثير التعقيد في ظل إمكانيات العولمة ولكن لا بد أن نعي أن سامحنا بتفتت وتآكل ثقافتنا، لا قدر الله، يعني اندثارنا الثقافي تماما. ومنجز حضاري مثل المنجز العماني لا يمكن أن يندثر مهما كانت قوة الدفع القادمة من الآخر ولكن هذا لا يتم دون إرادة جماعية من العمانيين واحتفاءهم بثقافتهم وما حققته عبر التاريخ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة العمانیة

إقرأ أيضاً:

الصين وفرص التقاسم مع العالم في الذكرى 75 لتأسيسها

 

تشو شيوان **

تحل هذا العام الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وهي فترة لم تشهد فقط تحول الصين إلى قوة اقتصادية كبرى؛ بل أيضًا تعزيز علاقات متبادلة وقائمة على الفائدة المشتركة مع دول العالم. خلال هذه العقود، انتقلت الصين من دولة نامية وضعيفة إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وأصبحت محورًا رئيسيًا للنمو العالمي بفضل سرعة تطورها ومرونتها الاقتصادية، وقد انعكست هذه النهضة الصينية بشكل إيجابي على دول عديدة؛ حيث تقاسمت الصين فرص التنمية معها وعززت من قدراتها الإنتاجية والصناعية.

بدأت الصين مسيرتها منذ تأسيس الجمهورية الشعبية في 1 أكتوبر 1949، وخلال هذه المسيرة شهد الاقتصاد الصيني نموًا ملحوظًا بلغ متوسطه السنوي حوالي 8.9% خلال الفترة من 1979 إلى 2023، وهو معدل أعلى بكثير من معدل النمو الاقتصادي العالمي الذي بلغ 3% خلال الفترة نفسها. وبفضل هذا التقدم، تمكنت الصين من القضاء على الفقر المدقع؛ مما أدى إلى تحسين حياة الملايين من المواطنين الصينيين، وفي الوقت نفسه، ساهمت الصين في تحسين الحياة لملايين الناس حول العالم من خلال تقديم منتجات بأسعار تنافسية وكسر الاحتكارات العالمية.

وفي إطار سياستها الإصلاحية وانفتاحها على العالم الخارجي، أصبحت الصين لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي؛ حيث أسهمت بشكل كبير في استقرار سلاسل الإنتاج والإمداد، ودعمت الابتكار والاستثمار على مستوى العالم. وفي ظل الأزمات المالية والاضطرابات الجيوسياسية، ساهمت الصين في استدامة العولمة الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.

الصين في الوقت الذي عملت فيه على التنمية الذاتية من خلال الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، ساهمت في الاستقرار والازدهار العالميين وأصبحت عاملًا مهمًا لاستقرار الاقتصاد العالمي وقوة دافعة رئيسية له، من خلال دورها في مجالات سلاسل الإنتاج والتوريد والابتكار والاستثمار، ومن منظور أوسع تتجسد علاقة المنفعة المتبادلة والتقدم المشترك بين الصين والعالم أيضًا في مشاركة الصين العميقة في الحوكمة العالمية وجهودها الفعالة في بناء اقتصاد عالمي منفتح، فمذ الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 إلى الأزمة المالية الدولية في عام 2008، ثم إلى تفشي جائحة كوفيد واشتداد الصراعات الجيوسياسية، فإن العولمة الاقتصادية قد تحركت إلى الأمام وسط تقلبات ومنعطفات كبيرة.

ومع تصاعد التحديات العالمية وزيادة عجز التنمية، كانت الصين تؤكد على ضرورة وضع التنمية في صدارة الأولويات الدولية. وقد طرحت مبادرة الحزام والطريق كآلية لتعزيز التعاون بين الدول وتشجيع التنمية المستدامة. كما عملت على تعزيز شراكاتها، مثل الشراكات العشر مع الدول الأفريقية، في إطار سعيها لتعزيز شمولية العولمة وضمان تقاسم الفرص الاقتصادية مع دول العالم كافة.

وفي الوقت الذي ازداد عجز التنمية العالمية وظهور مشاكل اقتصادية عالمية شديدة كان لا بد من حلول فعالة لحل هذه المشكلة، ولهذا ظلت الصين تدعو إلى وضع التنمية في صدارة الأجندة الدولية، وإطلاقها مبادرة الحزام والطريق التي كانت وما زالت محركًا قويًا للتنمية العالمية. وفي قمة بكين الأخيرة لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي، طرحت الصين "الشراكات العشر" بين الصين وأفريقيا من أجل تعزيز عملية التحديث، في إطار جهود الصين الدؤوبة لدفع العولمة الاقتصادية باتجاه أكثر شمولا واستيعابًا مما أوجد للعالم حلًا تنمويًا مستدامًا وهذا ما كانت الصين تريده أن لا تتركز التنمية الاقتصادية في اقتصادات كبرى فقط؛ بل تحث عن تقاسم الفرص الاقتصادية مع جميع دول العالم.

 

وبالنظر إلى المستقبل، يبقى التطور في الصين متصلًا ارتباطًا وثيقًا بتطورات العالم، والعكس صحيح؛ فالصين، التي حققت العديد من الإنجازات خلال الخمسة وسبعين عامًا الماضية، تستعد لمواصلة دورها كفاعل اقتصادي وتنموي على الساحة الدولية؛ حيث تسعى لجعل العولمة أكثر شمولية وعدلًا لضمان مشاركة الجميع في ثمار التنمية الاقتصادية.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • “الزادمة” يبحث مع “الدروقي” دور المؤسسات الثقافية في المنطقة الجنوبية
  • حرمان مريم المنصورة.. بين عنف الدولة وعنف العولمة
  • جلسة حوارية حول "الهوية الوطنية والقيم الإنسانية"
  • نسرين حجاج تكتب: الطفرة الرقمية .. بين تنوع المحتوى وتحديات الحفاظ على الجودة الثقافية
  • جلسة حوارية تؤكد أهمية ترسيخ الهوية الوطنية والقيم الإنسانية
  • تحت رعاية لطيفة بنت محمد.. دبي تستضيف منتدى المدن الثقافية العالمي
  • تحت رعاية لطيفة بنت محمد.. دبي تستضيف “منتدى المدن الثقافية العالمي”
  • الصين وفرص التقاسم مع العالم في الذكرى 75 لتأسيسها
  • صدور كتاب “الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة” لجمال السويدي