تردد مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» كثيراً خلال الفترة الأخيرة، عبر تصريحات المسئولين الإسرائيليين، وفى مقدمتهم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، مستهدفين إعادة ترتيب موازين القوى فى منطقة الشرق الأوسط ورسم خريطة سياسية جديدة حسب الرؤية الإسرائيلية التى يرى كثير من السياسيين أن هذا أصبح أقرب من أى وقت مضى لتطبيقه فى ظل التطورات المتسارعة التى يشهدها الشرق الأوسط، وتحديداً منذ 7 أكتوبر 2023، ليكون المشهد الأبرز فى هذا الشأن ظهور «نتنياهو»، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ79، حاملاً خريطتين؛ شملت الأولى مناطق تكتسى باللون الأخضر، وخريطة ثانية شملت مناطق صُبغت باللون الأسود ووصفها بـ«الملعونة».

من جهته، قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أصابه نوع من الغرور غير المسبوق، حيث يعتبر الشرق الأوسط «ضيعة» خاصة يستطيع صياغتها كما يشاء، مشيراً إلى أن تصريحاته الأخيرة، المتعلقة بـ«الشرق الأوسط الجديد»، محاولة منه من أجل ترويج المصطلح نظراً لعدم استطاعته الوفاء بوعده لإعادة المستوطنين إلى منازلهم وقراهم فى شمال الاحتلال الإسرائيلى، ورغم اجتياحه جنوب لبنان برياً، فإن الوضع تأزم أكثر ولم يستطع إعادتهم مرة أخرى، وأيضاً لم يستطع إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة بالقوة، فى المقابل، فإن الحرب التى يشنها على قطاع غزة خلّفت أكثر من 42 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال.

وأضاف «رخا» لـ«الوطن»: «دولة الاحتلال أصبحت دولة مثيرة للاضطراب وعدم الاستقرار، وتهدد أمن دول المنطقة، والمساعى الإسرائيلية بتغيير خريطة المنطقة تعد فكراً كارثياً متمثلاً فى إعادة تخطيط شكل الشرق الأوسط من خلال اقتطاع وتوزيع أراضٍ والسيطرة عليها أيضاً، وما يفعله بنيامين نتنياهو ما هو إلا حماقة، فالخطر الحقيقى فى المستقبل القريب والبعيد هو إسرائيل».

فيما قال الدكتور صالح الطراونة، الكاتب والمحلل السياسى الأردنى، إن مصطلح الشرق الأوسط الجديد برز فى عالم تتلاطم فيه أمواج التغيير والتحول، عبر وسائل الإعلام الغربية والمنابر الدولية -على نحو متزايد- خاصة عقب الصراعات الدموية التى شهدها قطاع غزة فى فلسطين وغيره من دول المنطقة، مشيراً إلى أن المصطلح لا يقتصر على توصيف جغرافى أو سياسى فحسب، بل يعكس حقبة جديدة من العلاقات الدولية والنظام الإقليمى الذى يشهد إعادة تشكيل لموازين القوى، وتحالفات جديدة قد تعيد رسم خريطة النفوذ والسلطة فى الشرق الأوسط.

وأضاف «الطراونة»: «ظهر هذا المصطلح فى ظل توترات متصاعدة، سعياً إلى فهم التداعيات السياسية والاجتماعية للتغيرات التى تموج بها المنطقة، ويشمل (الشرق الأوسط الجديد) الدول التقليدية التى كانت محور الصراعات، والفاعلين الجدد الذين برزوا أصواتاً مؤثرة فى الحوار الإقليمى والعالمى، إذ تشهد المنطقة اليوم نزاعات كثيرة، وتحولات سياسية جذرية، حيث تتداخل القضايا القومية مع الأزمات الإنسانية والتحديات الاقتصادية والسياسات الخارجية للقوى العظمى»، موضحاً أن هذا الواقع يكتسب تعقيداً بظهور ديناميكيات جديدة تحت السطح، مثل الحركات الشعبية المطالبة بالتغيير، وتصاعد الأصوات المنادية بحقوق الإنسان، واستشراف آفاق التنمية المستدامة.

وأشار المحلل السياسى الأردنى إلى أن فهم مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» يستوجب العودة إلى الأحداث التاريخية التى رسمت ملامح المنطقة الحديثة فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث أدت اتفاقية سايكس - بيكو إلى تقسيم الأراضى العربية بين القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية، وشكّلت الحدود السياسية للدول المعروفة حتى يومنا هذا، فهذه الاتفاقية، التى كانت بمنزلة تجاهل صارخ لتطلعات الشعوب العربية نحو الاستقلال والسيادة، خلقت بذور الصراعات التى تتجدد دورياً، لتتشابك هذه التحولات الكبرى مع الديناميات الجيوسياسية المعقدة فى الشرق الأوسط، وأبرزها الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، الذى يظل محور كثير من التوترات الإقليمية والدولية، وهذا الصراع، الذى بدأ مع تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلى عام 1948، يواصل التأثير فى العلاقات الإقليمية، ويشكل أحد أصعب التحديات للدبلوماسية الدولية.

وتابع: «يظهر من هذه الخلفية التاريخية أن الشرق الأوسط الجديد ليس فقط مسرحاً للصراعات القديمة التى أُعيد تجديدها بأشكال جديدة، بل هو أيضاً مهد للإمكانات والتحولات التى قد تعزز فرص التعاون والسلام الدائمين، مع ذلك تبقى القضايا الأساسية، مثل العدالة والتنمية وحقوق الإنسان، بحاجة إلى الاهتمام الحثيث لضمان مستقبل أكثر استقراراً للمنطقة».

واختتم المحلل السياسى الأردنى: «خريطة الشرق الأوسط الجديد، التى رفعها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، خلال خطابه فى الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحمل أبعاداً رمزية وجيوسياسية معقدة، فالخريطة المشار إليها، التى أبرزت بعض الدول باللون الأخضر الداكن، تعبر عن رؤية إسرائيل للمنطقة، ولكنها أثارت جدلاً واسعاً، نظراً لعدم ذكر دولة فلسطين، ما يشير إلى تجاهل قضية الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، وهو ما أعاد إلى الأذهان الجدل الذى أثاره الوزير الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش فى وقت سابق».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الشرق الأوسط الاحتلال إسرائيل غزة لبنان مصر إيران الشرق الأوسط الجدید بنیامین نتنیاهو

إقرأ أيضاً:

قراءة إسرائيلية في مواقف ماليزيا تجاه حرب غزة وعلاقتها مع حماس

اهتمت وسائل إعلام عبرية بتصريحات رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، والتي تحدث فيها عن حق "إسرائيل" في الوجود، وحقها في الدفاع عن نفسها، رغم عدم إدانته لهجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر لعام 2023، ودعمه الثابت للشعب الفلسطيني، وإدانته للإبادة الجماعية في غزة.

وقال الباحث في معهد ترومان بالجامعة العبرية غيورا أليراز إنّ "إجابات إبراهيم جاءت مفاجئة، لأنه أعلن معارضته لكل أشكال العنف، ملمحا إلى أن خطابه يمحو عقودا قبل السابع من أكتوبر، ويتجاهل محنة الفلسطينيين منذ نكبة 1948، ويغمض عينيه عن تاريخ الاستعمار ويغفر له حتى الإبادة الجماعية".

وتابع ترومان في ورقية بحثية نشرها معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب وترجمته "عربي21": "ينبغي أن نعرف إذا ما كانت تصريحات إبراهيم مجرد تمرين للعلاقات العامة على الساحة العالمية، أو طموحا للتدخل في الشرق الأوسط، أو ربما علامة أولية على تغيير في الاتجاه نحو إسرائيل (..)".

وذكر أنه "من المفارقات أنه عندما انتُخب إبراهيم رئيسا للوزراء أواخر 2022، بعد مسار سياسي طويل، كان من المتوقع أن يخفف من سياسة ماليزيا الصارمة تقليديا تجاه إسرائيل، بزعم أنه لم يشارك في حدة الخطاب المعادي لها على مدة عقود من الزمن، بعكس سلفه الراحل مهاتير محمد".

ولفت إلى أنه "في مواقف سابقة لإبراهيم نستحضر كلمات قالها في مقابلة عام 2012 مع صحيفة وول ستريت جورنال، عندما كان زعيماً بارزاً للمعارضة بأنه يؤيد كل الجهود لحماية أمن دولة إسرائيل، وأكد في الوقت نفسه التزام بلاده العميق بالقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حل الدولتين، وأن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مشروط باحترامها لتطلعات الفلسطينيين، وحينها لم تتأخر الانتقادات اللاذعة من خصومه السياسيين بسبب تصريحاته غير العادية بشأن قضية أمن تل أبيب، وظلّت ترافقه".



ونوه إلى أنه "هذه المرة أيضا سمعنا انتقادات بعد تصريحاته الأخيرة، لأنها انتشرت على نطاق واسع في شكل مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن يبدو أنها كانت هذه المرة محدودة نسبيا من حيث النطاق والشدة، حيث ردّ على المنتقدين، متهماً إياهم بخداع الرأي العام، استناداً لمقطع فيديو تم تحريره، وإخراج بعض كلماته من سياقها، مؤكدا أنه لم يتغير شيء؛ وستظل ماليزيا ملتزمة بدعم فلسطين، وحديثه هنا باللغة الماليزية، مجددا تصريحاته القاسية ضد تل أبيب".

وبحسب رئيس الوزراء الماليزي، "من يسأل هل أن إسرائيل موجودة، سيكون الجواب نعم، هي موجودة، لكن ماليزيا لم تعترف بها قانونيا قط، بل فقط بوجودها كحقيقة واقعة، بدليل عدم وجود علاقات دبلوماسية معها، ومن وجهة نظره فالموضوع مغلق".

لكن الباحث الإسرائيلي قال إن "تصريحات إبراهيم تزامنت مع نشر مقال صحفي لكاتب عمود محلي من أصل هندي في ماليزيا، تحت عنوان "لماذا أؤيد موقف أنور إبراهيم بشأن حق إسرائيل في الوجود"، ما يكشف عن حقيقة المواقف السائدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بين الأقليات التي تشكل 40% من سكانها، أكبرها الصينيون، يليهم الهنود".

وزعم الكاتب الهندي، وفق القراءة الإسرائيلية، أنه "يتحدث باسم جميع غير المسلمين في ماليزيا، لأنهم، بشكل عام، وعلى عكس المسلمين فيها، ليس لديهم رأي سلبي تجاه دولة إسرائيل، أو رأي إيجابي للغاية تجاه فلسطين، وينظرون للطرفين كدولتين في حالة حرب، مثل أوكرانيا وروسيا، ونرى "نحن غير المسلمين" أن الحرب في الشرق الأوسط حرب خارجية، لا نريد المشاركة فيها، وعندما نرى اعتقاد المسلمين الصادق بأن الحق مع فلسطين، وأن إسرائيل هي الشريرة، فهم يتخذون هذا الموقف من منطلق التعاطف مع الفلسطينيين".

وأشار أننا "نحن غير المسلمين في ماليزيا" نفهم رغبة المسلمين بأن تلعب بلادنا دوراً أكثر نشاطاً لدعم الفلسطينيين في الصراع، مع أنها فعلت الكثير فيما يتصل بالحرب في الشرق الأوسط، ولكن لأن وضع المسلمين أكثر إثارة للقلق، فإن ماليزيا ليست مضطرة للمشاركة في الحرب باختيار الجانب الأضعف ضد الجانب الأقوى بكثير، وهي إسرائيل، لأننا لسنا متأكدين من الصحيح ومن المخطئ، ولا يمكننا أن ندعم رغبات الفلسطينيين إلا إذا اعتزموا أن يروا ماليزيا وسيطًا للسلام في الصراع".



الكاتب الاسرائيلي يعود ليعتبر أن "كلمات رئيس الوزراء إبراهيم، التي يتفق فيها على أن لدولة إسرائيل الحق بالوجود، والدفاع عن النفس، نقطة انطلاق صحيحة لماليزيا، ما يستدعي التوضيح أن التماهي السياسي والعاطفي مع القضية الفلسطينية، الذي يتسم بقوة في الخطاب السياسي والعام في ماليزيا، يبدو متشابكاً مع البناء القديم للهوية الوطنية لدى أغلبيتها المسلمة التي تزيد عن 50% من السكان، بما من شأنه حشد الشعور بالتضامن الإسلامي الشامل، ومثل هذا البناء تضمن أيضًا نغمات معادية لإسرائيل والغرب والاستعمار، لكنه قد يعتبر مشكلة كبيرة من وجهة نظر الأقليات فيها".

وزعم أن "هذه الأقليات الماليزية قد لا تكون الوحيدة التي تشعر حالياً بعدم الرضا عن وضع بلادهم في ضوء حرب غزة الأخيرة، ناقلا عن أحد باحثي الشؤون الماليزية الذي ينقل عن جماعات المجتمع المدني وشخصيات المعارضة استياءهم من موقف الحكومة تجاه حماس، ومخاوفهم من أن يضرّ بمصالح الدولة، بزعم أن تمويل حماس من قِبَل المنظمات الماليزية المؤيدة للفلسطينيين قد يعرضها للعقوبات من قِبَل الغرب".

واستدرك بالقول إن "تصريحات إبراهيم غير العادية بشأن دولة إسرائيل يمكن أن تكون موجهة للخارج والساحة الدولية، لإصلاح صورته في الغرب، وتخفيف التوتر في علاقاته بالولايات المتحدة بسبب اتصالات بقيادة حماس، ويسعى لتجنب الضغوط نظرا لعلاقاته معها، والإشارة أن بلاده شريكة بجهود السلام في الشرق الأوسط، وتتخذ موقفا داعما لجهود السلام من خلال الاتصال بالجسم السياسي للحركة، دون تدخل بأنشطتها العسكرية، زاعما أن علاقاته بها يمنحه ميزة بمحاولة تحقيق السلام في الشرق الأوسط".

وزعم أنه "في الممارسة العملية، فإن خطاب إبراهيم يصرخ بالتناقضات؛ خاصة صمته المطبق إزاء هجوم حماس الدموي في السابع من أكتوبر، مقابل الصراحة الكبيرة بإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، ودعوته على منصة القمة العربية الإسلامية في الرياض لبناء إجماع يحمل المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات سريعة وفعّالة ضد دولة الاحتلال، وصولا لطردها من الأمم المتحدة".

وختم بالقول إننا "سنضطر للانتظار حتى نفهم ما إذا كانت التصريحات غير العادية لإبراهيم التي مجرد حادثة عابرة، أو تمرين في العلاقات العامة على الساحة العالمية، أو طموح للانخراط في الشرق الأوسط، أو ربما إشارة أولية لتغيير في الاتجاه".

مقالات مشابهة

  • العراق في صدارة الدول الأكثر تلوثاً في الشرق الأوسط
  • موسكو تعلق بشأن أحداث سوريا: كارثة على الشرق الأوسط
  • موسكو: عدم استقرار سوريا له تداعيات كارثية على الشرق الأوسط
  • معادلات جديدة تعتري الشرق الأوسط
  • روسيا وتركيا تبحثان الوضع في سوريا
  • ويتكوف يتوقع تحقيق تقدم كبير في محادثات أوكرانيا هذا الأسبوع
  • فرصة تاريخية أمام أمريكا في الشرق الأوسط
  • قراءة إسرائيلية في مواقف ماليزيا تجاه حرب غزة وعلاقتها مع حماس
  • الشرق الأوسط يتجه نحو واقع جيوسياسي مختلف عن السابق.. البراغماتية هي الحل
  • مصر تحاصر مخطط الشرق الأوسط ضدها