لجريدة عمان:
2025-12-01@15:48:18 GMT

فـي إهمـال الاستـشراق في الغـرب

تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT

مـن سوء حـظّ الاستـشراق أنّ الصّـورة التي كـوّنها عن نفسـه، طـويلاً، بما هـو ميـدانٌ دراسـيّ مميَّـز داخل الثّـقافـة الأوروبيّـة والغـربيّـة، صـورةٌ لا تطابـق حقيـقـته في البيـئات العـلميّـة والأكاديـميّـة في الغـرب ولـدى مؤسّساتها والعاملين فيها. لقـد نُـظِـر إليه في الجامعات ومـراكز البحث، ولفـترةٍ طويلة مـمتـدّة، بـقـدرٍ ملحـوظ من الاستصـغار أو، على الأقـلّ، من الإهمـال فـما حُـسِـبَ للمستـشرقيـن حسـابٌ، في تلك البيئـات الفـكـريّـة، يعادل الاعتـراف العلـميّ بما يـقـدّمـونه من أعمـال، أو يعادل - على الأقـلّ - التّسليـم بوجـودهم كجسـمٍ دراسـيّ! ولعـلّ أكـثـرَ الاستـشراق الذي أصابـه حيْـفٌ وضيْـم من المؤسّـسة العـلميّـة- الجامعـيّـة هو ذاك الذي تَـكَـرّستْ مباحـثُـه وبـرامجـُـه العلـميّـة لـدراسة الإسلام والعالم العـربيّ، وشَـكّـل فـرعـاً من أنشط فـروعه هو فـرع الإسلاميّـات.

ومع أنّ الـدّراسات الشّـرقـيّـة الأخرى المنـتميـة إليه، مثـل الـدّراسات الهـنديّـة والـدّراسات الصّـينيّـة...، لم تَـحْـظ بالمكانـة الاعـتـباريّـة العـلميّـة التي تستحـقّـها في دوائـر البحث والـدّرس الجامعيّ في الغـرب، وعَـرَض لها مـن الإهمـال والتّـجاهُـل والحِـطّـة، هي الأخـرى، ما عَـرَض الـدّراسات العربيّـة والإسلاميّـة، إلاّ أنّ القـليل من الاهتمام الذي لـقِـيَـتْـهُ يظـلّ أفـضل؛ إذْ هو فـاق مثـيله في مجال الإسلاميّـات بما لا يقـاس؛ وهـو الأمر الذي ظـلّ مثـار تساؤلٍ في أوساط دارسـي الإسلاميّـات من المستـشرقين، ولكـن من غير أن يَـعْـرِضوا هـذه «النّـازلـة» على البحث والـدّرس والمناظـرة قـصْـد الْـتـماس تـفسيـرٍ عـلميّ لـها!

يمكـنـنا أن نـتبـيّـن، بسهولة، هـذا الاستـصغـار للـدّراسات الشّـرقـيّـة، عـموماً، وللـدّراسات الإسلاميّـة خاصّـةً إنْ قـارنّـاها بالـدّراسات اليونانـيّـة والرّومانـيّـة القـديمـة؛ فهـذه - خـلافـاً للسّابـقـة - تحظى بـقـدرٍ ملحـوظ من الاهتـمام الأكاديـميّ وبـمستـوًى أعلى مـن الإقـدام عليها، خاصّـةً في البلـدان الأوروبيّـة. على أنّـنا نـدرك، على الحقيـقـة، دواعي وجـود هـذا الفـارق في العنايـة الرّسميّـة والجامعيّـة بالعالميْـن اليونانـيّ- الرّومانيّ والآسيويّ- الإسلاميّ. إنّ مَـأْتـاهُ ممّـا يحتـلّـه الميـراث اليونانيّ- الرّومانيّ القـديـم في خزيـن أوروبا الحضاريّ مـن مكانـةٍ ملحـوظـة بحسبانـه واحـداً من المداميـك الذي على استـعادتـه قامـتِ النّهـضـة الأوروبيّـة وقامـت أوروبا الحديثـة. ليست تلك هي عيـنُـها عـلاقـة الثّـقافـة الغـربيّـة بـتـراثـات شعـوب الشّـرق والإسـلام؛ إذ هي تبقـى، في النّـهايـة، برّانيّـة عن التّـاريخ الـذّاتـيّ الأوروبيّ حتّى ولو أنّ الإسـلام مـثـلاً - وهـو الأقـرب احتكـاكـاً بأوروبا والمسيحيّـة فيها - كان يشـكّـل، بمعـنًـى مّـا، جـزءاً مـن تـاريخـها الموضوعـيّ.

لا نشـكّ في وجـود أسباب عـديدة غير معـرفـيّـة أو فكـريّـة تكمَـن خلـف هـذا الإهـمال المتـعـمَّـد لميـدان الاستـشـراق والـدّراسات الإسلاميّـة، وخـلـف تلك الرّغـبـة البـيّـنة في تهميشـه في الـدّوائـر الأكاديـميّـة. على أنّ هـذه الأسباب غير المعرفـيّـة، السّياسيّـة والإيـديـولوجيّـة، يشترك في صناعتها السّياسيّـون والباحثـون الغـربيّـون على السّـواء، ولا مجـال لتبرئـة جانـب الأخيـريـن من المسؤوليّة عن ذلك بـدعـوى أنّهم دارسـون أو مفـكّـرون أو «مـنـزَّهـون» عن الأغـراض الإيـديـولوجيّـة وعـن النّـزعات الاستعـلائيّـة الكيـديّـة التي تَـسِـمُ أفعال السّياسيّـيـن وأقـوالهم. ولعـلّ في صـدارة تلك الأسباب الموقـف السّـلبـيّ من الإسلام ومن العـرب، المبـنـيّ على نظـرةٍ نمطـيّـة إليهما ينـحـدر المعظـمُ من مادّتـها من كـتابات اللاّهوتـيّـين المسيـحيّـين في العصور الوسطـى، فيما يتـغـذّى ما هو حـديثٌ منها من الثّـقافـة الاستعماريّـة العنصـريّـة تجاه الآخَـر؛ وهي الـثّـقافة السّائـدة في بـلدان الغـرب. نعـم، إنّ الموقـف السّـلبيّ هذا عـامٌّ في بـلـدان الغـرب، يشمـل النّـخب السّياسيّـة والثّـقافـيّـة، لأنّ مبْـناهُ على ثـقافـةٍ جمعـيّـة شديدة الرّسـوخ. ومن البـيّـن أنّ مثـل هذا الموقـف الغـربيّ السّـلـبيّ تجاه الإسلام والاحتـقاريّ لرمـوزه وميراثـه لا يشجّـع أحـداً في الغـرب على الاحتـفال بأمـر هذا الإسلام في المؤسّسات الجامعيّـة والعـلميّـة، أو على تـقـديم الـدّعـم الماديّ والمعـنوي للمستـشرقيـن ولجمـعيّـاتهم العـلميّـة ولمراكـز الـدّراسات المهتـمّـة بالإسلام والثّـقافـة العربيّـة التي يعـملون فيها. لذلك تصطـدم هذه الفئـة من العلمـاء والـدّارسين المتخصّصيـن في ميـدان الإسلاميّـات بعـوائـق شتّـى من الحكـومات والجامعات ومن زملائـهم في المياديـن الأخـرى على نحـوٍ يُـلحـق أبـلغ الضّـرر بعـملهم الـدّراسيّ ويحُـطّ من قـدره.

على أنّ عامـلاً معـرفـيّـاً آخَـر يفـرض نفسـه على الباحث في هـذا الموضوع؛ إذْ يفـسّـر جـوانب من ذلك التّـهميش، ويلـقي ضـوءاً على بعـضٍ مـن «مـبرِّراته» من وجهة نظـر البحث العـلميّ. يتعلّـق الأمـر، في هـذا، بما اكـتـنـف ميـدان الاستـشراق من ركـودٍ علميّ لـفـترةٍ ممتـدّة لأسبابٍ تـتعلّـق بانغـلاق هـذا الميـدان على نفسه، والـدّوران في حلـقة تقـاليـده الفـكـريّـة والمنهجـيّـة الموروثـة عن بدايات القـرن التّاسـع عشر، وعـدم انـفـتاحه على مياديـن العـلوم الإنسانـيّـة والاجتماعـيّـة المعاصـرة وعلى مكـتسـبات ثـوراتها المعـرفـيّـة والمنهجـيّـة الجديدة. لقد ظلّ الاستـشراق وفـيّـاً لتـقاليـده المنهجيّـة التي أرسـتْـها التّاريخانـيّـة الألمانـيّـة، وفي القلب منها العمـل بالمنهـج الفـيلـولوجـيّ (الفـقـهـلغـوي): في التّـحـقيق - تحقيـق النّصـوص - كما في الـدّراسات. لم ينـتبـه أكـثرُهـم - وخاصّـة من المعاصريـن - إلى أنّ الـدّراسات ذات الطّبيعـة الفيـلولـوجيّـة أدّت وظيـفـتَـها العلميّـة التي كانت مطلوبـة منها قبل قـرن، وما عـاد يسعُـها الاستمرار بالعُـدّة ذاتها؛ وأنّ فيضـاً من مكتسبات المعرفـة تَـدَفَّـق من مـدّ مـياه العـلوم الإنسانـيّـة والاجتـماعيّـة. وقـد أَشْـعَـر انْـكـهافُ المستـشرقين في كهوفهـم الفيـلولـوجيّـة زملاءَهـم من الـدّارسيـن في المياديـن الأخـرى أنّـهم يعمـلون خارج قـواعـد البحث العلـميّ المعاصرة ومعايـيرها، لذلك قـوبـلوا بالصّـدّ والجـحـود منهم و، أحيـانـاً، بالإنكـار والاحتـقار!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإسلامی ـات العـلمی ـة فی الغـرب الس یاسی ـة التی

إقرأ أيضاً:

بيلاروس مستعدة للحوار مع الناتو لضمان أمن أوروبا الشرقية

قال رئيس إدارة التعاون العسكري الدولي مساعد وزير الدفاع البيلاروسي فاليري ريفينكو، اليوم إن بيلاروسيا مستعدة لإقامة حوار مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) لضمان الأمن في منطقة أوروبا الشرقية.

الناتو والاتحاد الأوروبي يؤكدان التزامهما بالحفاظ على أمن البحر المتوسط ومواجهة التحديات

وأوضح ريفينكو، في تصريحات أوردتها وكالة أنباء (بيلتا) البيلاروسية، أن العلاقات المتبادلة بين بلاده ودول الغرب والدول الأعضاء في الناتو تعاني من مشاكل بالغة، مشيرًا إلى أن الغرب سعى إلى جعل بيلاروسيا تتبع مصالحه ورواياته فقد أراد عزل مينسك وإلحاق أضرار اقتصادية وسياسية ومعنوية بالبلاد.

وأكد المسؤول البيلاروسي أن بلاده لا تتفق مع ذلك، فهي لديها سياستها الخاصة، بما في ذلك سياسة حسن الجوار وهي سياسة تهدف إلى ضمان الأمن في منطقة أوروبا الشرقية من بين أمور أخرى وهو ما يتعارض مع آراء الغرب، ولفت ريفينكو إلى أن هذا الوضع أثر على علاقة بيلاروس مع الدول الغربية، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي والناتو.

وأشار ريفينكو إلى أن بلاده اعترفت بعدد من الدول الأعضاء في الناتو في بيلاروس ويبلغ عددها حالياً عشرة، معربًا عن استعداد بلاده لشرح موقفها لهم، كما أن بيلاروس مستعدة أيضًا للاستماع إلى مواقفهم للتوصل إلى توافق في الآراء من أجل ضمان الأمن في المنطقة.

 

 

سلاح الجو الكوري الشمالي يدخل معادلة الردع النووي

 

في خطوة تكشف عن مرحلة جديدة من سباق التسلح في شرق آسيا، أعلن زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون عن تطوير قدرات بلاده النووية وتزويد سلاح الجو بأصول عسكرية إستراتيجية جديدة. 

 

وكتب ساعر، عبر حسابه على موقع "إكس" : "أؤكد أن إنهاء قضية محاكمة نتنياهو يعكس المصلحة الوطنية، وسيساهم في وحدة إسرائيل" ، حسبما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

 

وكان نتنياهو، قد تقدم رسميا، اليوم الأحد، بطلب إلى الرئيس إسحاق هرتسوج، للعفو عنه في محاكمة مستمرة منذ سنوات بتهم فساد، معتبرا أن الإجراءات الجنائية تعوق قدرته على إدارة شئون إسرائيل وأن العفو يخدم المصلحة العامة للدولة.

 

وفي المقابل، قال زعيم المعارضة يائير لابيد، مخاطبا الرئيس، إسحاق هرتسوج ، : "لا يمكنك العفو عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل إقراره بالذنب وإنسحابه من الحياة السياسية

مقالات مشابهة

  • منظمة حقوقية تدين إهمال الحكومة لجرحى الحرب وتطالب بحماية حقوقهم
  • أمريكا والحركات الإسلامية: الإرهاب والترهيب
  • الاستشراق الرقمي: كيف تصنع وسائل الإعلام الغربية شرقاً جديداً؟
  • بيلاروس مستعدة للحوار مع الناتو لضمان أمن أوروبا الشرقية
  • مسؤول فرنسي سابق: روسيا زعيمة عالم ما بعد الغرب .. ننكر هزيمتنا في أوكرانيا وسندفع ثمن التهور
  • هل يقع طلاق القاضي غير المسلم في بلاد الغرب؟
  • إيران ومعركة السيادة
  • في الصميم
  • روسيا: ننتظر خطوات عملية من الغرب لإعادة العلاقات
  • روسيا تنتظر خطوات عملية من الغرب لإعادة توازن العلاقات الثنائية