لجريدة عمان:
2025-03-25@17:33:49 GMT

فشل بايدن الأخلاقي في إسرائيل

تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

ثمة قصة فريدة وراء رئاسة جو بايدن. يحكيها بنفسه فيقول إنه كان قد انتهى من أمر السياسة، وتقاعد في سعادة من الحياة العامة. ثم تغير ذلك بعد رد فعل دونالد ترامب الغامض على المسيرة العنصرية في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا عام 2017. إذ أدرك الرئييس بايدن آنذاك أن الرئيس ترامب وحلفاءه يهددون ما أطلق عليه "روح الأمة": أي التزامها بالمساواة.

فعاود النزول إلى الحلبة.

ومنذ ذلك الحين، يذهب الرئيس بايدن إلى أن مناصرة المساواة هي مفتاح الحفاظ على الديمقراطية الأمريكية محليا وتعزيز النفوذ الأمريكي خارجيا. بدأ في عام 2019 إعلانا متلفزا في حملته الانتخابية بقوله إن تشارلوتسفيل كانت بلد توماس جيفرسن الذي كتب أن "كل الناس يخلقون سواسية". وفي خطاب قبوله الترشح في المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 2020 زعم أن "الغرض الأعظم" لأمريكا هو "أن تكون مرة أخرى نورا للعالم. أن ترقى أخيرا إلى التجسيد الحقيقي للكلمات المكتوبة في الوثائق المقدسة التي تأسست عليها هذه الأمة وهي أن كل الرجال والنساء يخلقون سواسية".

وفي خطاب تنصيبه سنة 2021، وصف التاريخ الأمريكي بـ"الكفاح الدائم بين مثال أمريكي مفاده أننا جميعا مخلوقون سواسية، وبين واقع قبيح قاس مزقتنا فيه العنصرية والقومية والخوف والشيطنة". ووعد بأن يجعل الولايات المتحدة مرة أخرى "منارة للعالم". ومنذ توليه السلطة جعل الرئيس الالتزام بالمساواة لا محض حل لصعود القومية البيضاء المحلية وإنما لمواجهة القوى الاستبدادية التي تهدد الديمقراطية بالخارج أيضا.

والآن نرى هذا كله حطاما. فمن خلال دعمه الراسخ لإسرائيل، ساند الرئيس بايدن عمليا معاملتها المنافية للمساواة للفلسطينيين ـ وبخاصة في غزة ـ وقهرها لهم، فقوَّض الأساس الأخلاقي لرئاسته.

على الصعيد المحلي، واجه الرئيس بايدن نزعات سلفه العرقية القومية بالمساواة. وكان الرئيس ترامب قد ألمح مرارا إلى أن الأمريكيين غير البيض وغير المسيحيين ليسوا بأمريكيين حقا. فقال في عام 2016 إن جونزالو كوريياـ القاضي المولود في إنديانا، لا يمكن أن يحكم بإنصاف في القضايا المدنية المرفوعة على جامعة ترامب بسبب تراثه المكسيكي، في ضوء وعود الرئيس ترامب بإقامة سور بين الولايات المتحدة والمكسيك. وفي 2019، طالب الرئيس ترامب بأن "ترجع" عضوات الكونجرس الأربع الملونات اللاتي يشكلن ما يعرف بـ(الفرقة) ـ وثلاث منهن مولودات في الولايات المتحدة ـ إلى بلادهن التي جئن منها. وفي المقابل، أعلن الرئيس بايدن في خطبته أمام خريجي جامعة هاورد في مايو 2023 أن أمريكا قائمة على فكرة ـ هي فكرة المساواة في الحقوق ـ "لا على دين، ولا على عرق". وعلى مدار رئاسته، صور الرئيس بايدن نفسه مدافعا عن ذلك المبدأ في مواجهة الدعاوى الاستبدادية داخليا وخارجيا.

لكن النظام السياسي لإسرائيل قائم صراحة على دين وعرق. إذ يعلن قانون الدولة-الأمة الخلافي الصادر في 2018 أن اليهود وحدهم هم القادرون على "ممارسة تقرير المصير الوطني". ولا يستطيع أغلب الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية ـ في الضفة الغربية وقطاع غزة ـ أن يصبحوا مواطنين في الدولة التي تسيطر على حياتهم. وأقلية من الفلسطينيين الذين يعيشون في حدود عام 1967 لإسرائيل هم الذين ينعمون بالمواطنة وحق التصويت. لكن حينما تقدم ساسة من عرب إسرائيل بمشروع قانون كان من شأنه أن يجعل المساواة القانونية بين المواطنين العرب واليهود أساسا للقانون في إسرائيل سنة 2018، رفض رئيس البرلمان الإسرائيلي طرحه للتصويت لأنه "يقضي على أسس الدولة".

ولقد تكلمت سابقا عن تراث صهيوني كان يتصور أن اليهود يعيشون على قدم المساواة بجانب الفلسطينيين في دولة ثنائية القومية، برغم أن أمريكيين كثيرين الآن يعلمون علم البديهيات أن إسرائيل تمنح اليهود تفوقا قانونيا.

ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن الرئيس بايدن لم يدعم المساواة بموجب القانون. وبسبب حرب غزة لم يعد من سبيل إلى تجاهل هذا التناقض، وخاصة حينما يصبح هذا التناقض صارخا إذ يعرب بايدن عن تعاطف عميق مع المعاناة الإسرائيلية ولامبالاة نسبية بعدد الموتى الفلسطينيين الأكبر بفارق هائل، أو حينما يبدو أن إدارته تميز حتى بين المواطنين الأمريكيين فتبدي من الاهتمام بمن تقتلهم حماس أكثر مما تبديه بمن تقتلهم إسرائيل.

ولا عجب إذن، وفقا لاستطلاع أجراه معهد الشؤون العالمية في سبتمبر، أن الديمقراطيين يعدون سياسة الرئيس بايدن في غزة أكبر فشل له في السياسة الخارجية. والشباب الأمريكيون بخاصة ينفرون من الهوة بين أفعال الرئيس بايدن ومثله العليا المعلنة. فقد تبين لاستطلاع رأي أجراه معهد هارفرد للسياسة أن أكثر من ثلاثة أرباع الأمريكيين ممن تقل أعمارهم عن الثلاثين يرفضون سياسته تجاه حرب إسرائيل في غزة.

ولقد ألحق دعم الرئيس بايدن غير المشروط تقريبا لأفعال إسرائيل ضررا بسمعته الدولية أيضا. فهو يزعم منذ أمد بعيد أن الولايات المتحدة ـ خلافا لروسيا والصين ـ تدافع عن النظام "القائم على القواعد" الذي تكون فيه جميع البلاد بغض النظر عن قوتها ملتزمة بمعايير معينة. وبلغ هذا الزعم الخطابي ذروته بعد أن حاولت روسيا اجتياح كييف في فبراير 2022. فالأمر في أوكرانيا، كما قال الرئيس بايدن لجمهور بولندي في الشهر التالي، إنما هو خيار "بين نظام قائم على قواعد ونظام تحكمه القوة الغاشمة". في سبتمبر من ذلك العام قال الرئيس بايدن للأمم المتحدة إن أعضاء مجلس الأمن يجب أن "يحجموا عن استعمال حق النقض إلا في المواقف النادرة الاستثنائية". وكان ذلك توبيخا آخر لموسكو التي استعملت حقها في النقض خلال فترة بايدن الرئاسية سبع مرات، كما كان سعيا إلى ربط الولايات المتحدة بنظام دولي أكثر إنصافا لا تستطيع فيه حتى أقوى الأمم أن تحظى بحصانة لأفعالها. ولتقوية هذه القواعد، تردد أن إدارة بايدن في يوليو الماضي قد أمرت الولايات المتحدة بتقديم أدلة بشأن مسؤولين في الكريملين يمكن أن تساعد المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا.

ثم وقعت مجزرة السابع من أكتوبر وما أعقبها من غزو إسرائيل لغزة. في أشهر الحرب السبعة الأولى، استعملت الولايات المتحدة حق النقض ضد أربع قرارات تخص إسرائيل وفلسطين. وندد الرئيس بايدن بالمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لمطالبته بإصدار أوامر اعتقال لزعماء من حماس وإسرائيل. وبرغم تحذير الرئيس بايدن لإسرائيل من القصف "العشوائي" في غزة وإزهاق أرواح المدنيين، فقد أكد مرارا دعمه لإسرائيل وأمدها بمقادير هائلة من الأسلحة.

هكذا تبددت أي فرصة لأن يقنع الرئيس بايدن أعدادا هائلة من الأجانب بأن الولايات المتحدة تؤمن بتطبيق القانون الدولي على الجميع. فعلى مدار السنة الماضية، وفقا لمركز بيو البحثي، تهاوت نسبة من يثقون في أن الرئيس بايدن "يفعل الصواب فيما يتعلق بالشؤون العالمية" انخفاضا ضخما في كل من بريطانيا واليابان وأستراليا وأسبانيا والسويد، وكلهم حلفاء أساسيون في صراع القوى العظمى الذي يخوضه الرئيس بايدن ضد موسكو وبكين. وثقة البريطانيين والكنديين والإيطاليين في الرئيس بايدن اليوم أقل من ثقتهم في جورج بوش الابن في عام 2003، أي في عام غزو العراق.

في الشهر الماضي، في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة، اعترف الرئيس بايدن بأن "الكثيرين ينظرون إلى العالم اليوم فيرون مصاعب ويشعرون باليأس". لكن ما لم يعترف به هو أنه أسهم شخصيا في هذا اليأس، في نظر كثير ممن يؤمنون برؤية المساواة التي أوضحها يوما الرئيس بايدن بنفسه، وذلك بمعاملته فعليا للفلسطينيين باعتبارهم بشرا أدنى، وبمعاملته الإسرائيليين باعتبارهم أعلى من القانون الدولي.

قبل أيام قليلة من خطاب الرئيس بايدن، أصدرت وزارة الصحة في غزة بيانا مصورا بأسماء وأعمار الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم في هذه الحرب. وبحسب صحيفة جارديان، فإن أول مئة صفحة تتألف بالكامل من أسماء أطفال ماتوا وهم دون سن العاشرة. وحتما سوف يكون لأرواح هؤلاء وزنها عندما يقيم المؤرخون الرئيس بايدن وعلى أي نحو صاغ "روح هذه الأمة".

• بيتر بينارت أستاذ في كلية نيومارك للصحافة بجامعة نيويورك

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الرئیس ترامب الرئیس بایدن فی عام فی غزة

إقرأ أيضاً:

بلا ندم..سفير جنوب إفريقيا المطرود من الولايات المتحدة يعود إلى بلاده

قال سفير جنوب إفريقيا الذي طردته الولايات المتحدة وعاد إلى بلاده الأحد، إنه لا يشعر "بأي ندم" على مواقفه، وذلك في تصريح في كيب تاون أمام حشد جاء للترحيب به.

وأمرت الولايات المتحدة إبراهيم رسول بمغادرة البلاد في 14 مارس (آذار) الماضي، بعد أن أعلنه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو "غير مرغوب فيه"، ووصفه بـ "سياسي عنصري يكره أمريكا" ورئيسها دونالد ترامب. 

وجاء ذلك بعدما وصف رسول حركة ترامب "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً" برد فعل عنصري على التنوع في الولايات المتحدة.

ودافع السفير، وهو ناشط سابق في مناهضة الفصل العنصري، عن تصريحاته الأحد قائلاً إنه كان يتحدث إلى مثقفين وقادة سياسيين وغيرهم في جنوب إفريقيا ليخبرهم بأن "الطريقة القديمة في التعامل مع الولايات المتحدة لن تنجح".

[LIVE NOW ????] "It was not our choice to come home but we come home with no regrets,' says Ambassador Ebrahim Rasool. Rasool is speaking to his supporters outside Cape Town International Airport. Tune in to #eNCA #DStv403 #QuestionThinkAct pic.twitter.com/rfWHF046O2

— eNCA (@eNCA) March 23, 2025

وأصبحت جنوب إفريقيا هدفاً لواشنطن منذ عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، فقطع المساعدات عنها واتهمها بمعاملة أحفاد المستوطنين الأوروبيين "بشكل غير عادل"، وهاجمها بسبب شكواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية. 

وقال رسول أمام مئات  جاؤوا للترحيب به في كيب تاون: "لم نختر العودة إلى الوطن، لكننا نعود بلا ندم".

 

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: اتفاقين منفصلين مع أوكرانيا وروسيا لضمان سلامة الملاحة في البحر الأسود
  • الدنمارك: الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا غير مقبولة على جرينلاند
  • احتجاجات دعم إمام أوغلو تمتد إلى الولايات المتحدة
  • إيران: الطريق مفتوح لإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة
  • مقترح جديد للهدنة بموافقة الولايات المتحدة وحماس
  • وصول 199 مهاجراً رحلتهم الولايات المتحدة إلى فنزويلا
  • F-47.. الولايات المتحدة تكشف أول طائرة مقاتلة من الجيل السادس في العالم
  • السياح يتجنبون السفر إلى الولايات المتحدة في عهد ترامب
  • بسبب ترامب..السياح يتجنبون السفر إلى الولايات المتحدة
  • بلا ندم..سفير جنوب إفريقيا المطرود من الولايات المتحدة يعود إلى بلاده