شهد عام ١٩٣٣ نشاطًا مكثفًا لتوفيق الحكيم فقد صدر له رواية (عودة الروح) ومسرحية (أهل الكهف) والعملان أحدثًا دويًا ما بين مؤيد بقوة وبين معارض يصل به الشطط أنه يحرف فى سورة قرآنية من خلال مسرحية أهل (الكهف) والعملان يطرحان الفكرة الأسيرة عنده وهى فكرة صراع الإنسان مع الزمن من خلال ثلاثة من البشر يبعثون إلى الحياة بعد موت ثلاثة قرون؛ ليفاجأ كل منهم بعوالم أخرى وأنماط بشرية مغايرة؛ والحكيم كان يرمى فى هذه المسرحية إلى فكرة بعث الروح، ولم يقصد أن يؤلف مسرحية دينية بقدر ما كان يؤكد على نظريته التى لا تتوه عن كتبه وهى انتصار الإنسان دائما على الحضارة باعتبار أنه أحد صناعها ولكن فى نهاية الطريق يتراجع أمام الزمن معترفا أنه لم يتجاوز كونه مجرد ترس تديره عجلات قطار الحياة؛ ظهر هذا المعنى جليا فى رواية (سجن العمر) وهى سيرة ذاتية له تلتقط مكانًا بارزًا فى طبقات أحقاب حياته؛ لكن الحكيم كتب أعماله المهمة بعد رحلته فى فرنسا عام ١٩٢٥ والتى استمرت ثلاث سنوات؛ وبعد خمس سنوات من عودته من باريس كتب (عودة الروح) و(أهل الكهف) وكان تأثير باريس عليها واضحًا.
فى عام ١٩٦٣وبعد ثلاثين عامًا من صدور العملين فوجئ الوسط الأدبى بسيل من الاتهامات من الأديب يحى حقى وقد وصل الأمر أنه بدأ يحذر الشباب ويطلب منهم الابتعاد عن قراءة كتب الحكيم واتهمه بأن الحضارة الغربية عامة والفرنسية خاصة؛ قد سلبت فكره العربى مدللاً أن المدافع عن مصر فى (عودة الروح) هو مؤرخ فرنسى.!.
والحقيقة أن تصريحات يحيى حقى لم تجد صدى إيجابيا؛ خاصه أن الزعيم جمال عبدالناصر صرح بأن رواية (عودة الروح) هى التى ألهمته بثورة يوليو ١٩٥٢ وهو عمل أدبى اعتبره نجيب محفوظ إحدى أمهات الروايات التى أشعلت شرارة الإبداع عند أكثر من جيل. ويوسف إدريس اعتبر عودة الروح بداية نمط جديد استلهم منه الروائيون الشباب أهم أعمالهم. أما الناقد الدكتور محمد مندور فكان يرى أن الحكيم انتهى من حيث بدأ؛ وكان يقصد الهموم المصرية لا تعالجها الحلول الغربية خاصة النمط الفرنسى؛ بينما الحكيم كان يزاوج فى حلوله بين نجاح الحضارة الفرنسية وبين مجد الفراعنة وكلاهما ملهم ذو جذور راسخة.
شئنا أم أبينا فإن الحكيم تأكدت نظريته ونجحت مبرراته على مدى سنوات إبداعه التى اقتربت من السبعين؛ وتكفى شهادة الأديب الفيلسوف جان بول سارتر حين قال عنه إنه أحد أبرز مؤسسى الأدب العربى الحديث. وكان سارتر قد زار مصر فى مارس ١٩٦٧ وفى زيارته لجريدة الأهرام أهداه توفيق الحكيم كل كتبه مترجمة إلى اللغة الفرنسية. وعلق الكاتب لطفى الخولى أثناء الزيارة أن صداقة الحكيم وسارتر توطدت فى باريس منذ الخمسينيات. واليوم يزورنا سارتر ليجد الحكيم فى إبداعات عشرات الأدباء العرب.
انتصر الحكيم على يحبى حقى فى معركة حركت رموز الكتابة بأشكالها.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كاريزما عودة الروح أهل الكهف سجن العمر عودة الروح
إقرأ أيضاً:
???? معركة السودان
بات في حكم المؤكد بأن معركة الفاشر التي أقترب ميعادها وفقاً لمجريات الأحداث، لها لونية خاصة، وهي لا تقل أهمية عن معركة تحرير رمز السيادة (القصر الجمهوري). الفاشر عند المشتركة مسألة وجودية،
وعند آل دقسو آخر رئة تنفس، وعند الأمارات عصاة موسى تهش بها على غنمها (جنجاتقزم)، ولها فيها مآرب أخرى، على أقل الفروض قفل الملاحقة القانونية، وعند الجيش واجب وطني ببسط الأمن في ربوع الدولة عامة. وما جاء بعاليه نجزم بأن الاستعدادات المادية لخوض تلك المعركة من طرف المرتزقة قد بلغت مراحل متقدمة.
كل إمكانيات الأمارات تحت إمرتهم (سلاح وأقمار صناعية)، والدليل ما ظهر من نوعية السلاح المستخدم في هجومهم رقم (٢٠٣) على الفاشر مؤخراً، وإنتقاء الأهداف بدقة عالية. صحيح ثقتنا في الله ومن ثم في الجيش كبيرة، ولكن التهاون في مقدرات العدو القتالية كما يظن الكثيرون بعد هروبهم من العاصمة لأمرٍ في غاية الخطورة. ولنكن واقعيين بأن شوكة العدو لم تنكسر بالتمام بعد، ومازال في جعبته الكثير والمثير.
وبلغة الرياضيين نؤكد بأن المرتزقة مقبلون على المعركة بفرصة واحدة فقط (النصر). وهي لا تترك خلفها عتاد أو مرتزق، سوف تدفع بالكل في أتون المعركة. وخلاصة الأمر رسالتنا للشعب السوداني بأن معركة الفاشر تعتبر معركة السودان كله، عليه ليشارك كل مواطن بالسلاح الذي يجيده، حتى نحقق النصر العسكري على هؤلاء الأوباش، لننطلق بعدها لمعركة بناء ما دمرته الحرب.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الأثنين ٢٠٢٥/٤/١٤