اليوم العالمي للصحة النفسية.. ودليل راحة القَتَلَة
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
صادف يوم الخميس الاحتفال العالمي بيوم الصحة النفسية، وهو يوم تختار منظمة الصحة العالمية فـي ذكرى كل عام أن يكون مرتبطًا بموضوع معين يعني المجتمع البشري قاطبة؛ وكان اختيار هذا العام 2024 أن يكون الاحتفال بهذا اليوم عن «الصحة النفسية فـي مكان العمل».
قبل أن نبدأ الحديث عن الموضوع الذي اختارته منظمة الصحة العالمية ليكون موضوع هذا العالم، لنتذكر أن المنظمات التي يطلق عليها «عالمية»، مثل منظمة الصحة واليونسكو أو مجلس الأمن مهمتها إيقاف الدول المارقة عند حدها أو تفكيكها أيضا.
قبل ست سنوات، وفـي عام 2018م تحديدًا، وقعت على كتاب للباحث والأكاديمي والدبلوماسي الفرنسي بيار كونيسا، ولماذا أذكر هذه الصفات الثلاث؟ لأن أهميته تنبع من كون مؤلفه جمع بين النظرية -البحث والأكاديميا- وبين التطبيق -الدبلوماسية- فقد شغل منصب مساعد لجنة الشؤون الإستراتيجية فـي وزارة الدفاع الفرنسية. كان عنوان الكتاب مستفزًا فقد وضع له مؤلفه عنوانًا رئيسًا «صُنع العدو»، وعنوانه الفرعي «أو كيف تقتُل بضمير مرتاح»!. أخذت الكتاب مباشرة وشرعت فـي قراءته، ذكرني بتشومسكي وأطروحاته السياسية والأخلاقية للعالم الحديث. وكما هي النظرة الأولى؛ لم يُخلف الكتاب توقعاتي. صدر الكتاب عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بترجمة نبيل عجان. وينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة، ما العدو؟، وجوه العدو: محاولة تصنيف، وأخيرا تفكيك العدو. يقدم الكتاب نظرة تحليلية تفكيكية للمواقف التي تتخذها الدول والحكومات، ودوافع تلك المواقف فـي سلم كما فـي الحرب، والمسوغات التي يتخذها المنتصرون؛ لكن كونيسا «يمتلك قلمًا رشيقًا، وأيضا لاذعًا ومؤلمًا، ولا يتساهل مع الغباء والتزييف والأيديولوجيا، والكسل الفكري أو الكذب، ولا يقبل الكيل بمكيالين، ما يجعلنا نطبّق على الآخرين -أي الأعداء-، أنماط فكر لا نقبلها لأنفسنا» كما يقول ميشال فـييفـيوركا فـي تمهيده للكتاب، وهو محقّ فـي ذلك، إلا حين يتعلق الأمر بإسرائيل صراحة.
يستطيع المرء بنظرة خاطفة وبقليل من الجهد البحثي -أو بدون جهد أيضا!- أن يقارن بين الأمثلة الحية التي يذكرها كونيسا، وبين ما ترتكبه عُصبة نتنياهو. «(الهمجي)، هكذا يعتبر المُحتَلُّ الشعبَ الذي يحتلّه، والذي يتكون من متخلفـين لا يفهمون سوى القوة... والقمعُ، هو إحلال السلام!». ونتذكر جيدًا التصريحات التي ألقاها نتنياهو وعصبته فـي الأمم المتحدة وفـي وسائل الإعلام، عن الحرب ضد «الهمجية» و«البربرية». كما أن كونيسا وكأنه استحضر الماضي الذي أعاد إنتاج أمسه بحديثه عن «(حرب الخير ضد الشر) -التي- لا تقتصر على النزاعات الدينية؛ إذ هي أيضًا حرب الأنظمة الشمولية الكبيرة العلمانية فـي القرن العشرين». ويكاد المرء لا يصدق نفسه وهو يقرأ هذا الكتاب، الذي تشير كل سهام السوء والشر فـيه إلى الكيان المحتل «إسرائيل»، ثم يرجع إلى الواقع فـيرى أن الاحتلال له مقعد ومكان فـي الأمم المتحدة!. استشهد كونيسا فـي كتابه بمذبحة دير ياسين فـي 9 أبريل 1948م ولكنه كتب جملة اعتراضية «(ضخّم المسؤولون الفلسطينيون الأمر، للإشارة إلى فظاعة تصرف القوات الإسرائيلية)» رغم أنه كتب بعد هذه العبارة جملتين يحار منهما الأمر، هل يدرك كونيسا تناقضه أم أن عقله اللاواعي المنحاز للقاعدة العسكرية الغربية المتقدمة -إسرائيل- لم ير هذا التناقض!، حيث يقول مباشرة «ولا يزال المستعمرون الإسرائيليون حتى اليوم يدمرون الممتلكات لإرغام الفلسطينيين على الرحيل. ولو كان هذا يحدث فـي مناطق أخرى من العالم، لجرى الحديث عن تطهير عرقي»!.
كتب كونيسا كتابا مذهلا فـي فهم السياسة العالمية الحديثة القائمة على مبدأ القوة لا غير، لكنه لا يرقى لمستوى كتب تشومسكي الذي يتحدث بصراحة. رغم ما تبدو عليه عبارتي الأخيرة من انحياز إلى نعوم تشومسكي الفـيلسوف وعالم اللسانيات اليهودي؛ إلا أن لها ما يعضدها من نواحٍ كثيرة. فكما هو الحال دومًا، تنقضي الحقب التاريخية وتظل الآثار شاهدة على المرء ومواقفه، إن كان فـي المجاري أم فـي الشجرة العالية للمعرفة. ومهما علت قيمة المرء، فإن انتصار الإنسان لأخيه الإنسان يبقى الشاهد المشرف الذي يسم اسمه حتى بعد فناء جسده، وليس موقف هيجل من الاستعمار ورؤيته للعبيد ببعيد عنا أو بمجهول.
أتساءل حقًا عن جدوى الصحة النفسية التي تروج لها المنظمة العالمية، وعن جدوى مجلس الأمن أيضا!. فما كان ينبغي أن يكون عُصبة جامعة للخير، محاربة ومتثدية للشر؛ صارتا نافورتين تزينان الحديقة العالمية. لن تسلم البشرية من لعنة الدم المراق للأبرياء، وما يسميه الاحتلال قتالا؛ ليس سوى «قتل» كما يقول المفكر المصري فهمي هويدي. فالقتال يكون بين معسكرين متسلحين، أما القتل فلا يرتكبه إلا إرهابي مختل بحق مدنيين عُزَّل، فكيف لو كان هؤلاء المدنيون أطفالًا ونساءً وشيوخًا وعَجَزَة!. إن قارئ التاريخ يدرك المعنى الحقيقي للعنة الدم، ولعنة الطغيان، ولكن هذا الانفجار حين يحصل لن تقتصر آثاره على المجرمين وحدهم. إن من السخرية أن نتحدث عن الصحة النفسية فـي بيئة العمل حين تكون الحياة، لا بيئة العمل، على وشك الانهيار. ولا يماثل هذه السخرية السوداء سوى المطالبة بفتح المعابر لدخول الدواء والغذاء إلى قطاع غزة، لا وقف الإبادة الجماعية التي أصبحت سمةً ملازمةً لعبارة «الحق فـي الدفاع عن النفس»!. إن القدسية المطلقة للنفس البشرية البريئة هي المقياس العادل فـي كل مواقفنا، ولا يمكن بحال أن نساوي بين القاتل والضحية؛ فالمساواة بينهما هي التي تستدعي تدخلًا من أطباء الصحة النفسية لعلاج هذا الخلل فـي الحُكم.
علاء الدين الدغيشي كاتب وشاعر عماني |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصحة النفسیة
إقرأ أيضاً:
التنمر وآثاره النفسية والاجتماعية.. ندوة توعوية بمركزي الحمام وسيوة
عقدت أمانة العمل الأهلي بحزب مستقبل وطن محافظة مطروح، ندوة بعنوان «التنمر وآثاره النفسية والاجتماعية»، وذلك بمركزي الحمام وسيوة، بحضور عدد من الطلاب وأولياء الأمور.
وأوضحت رانيا قنديل أمين العمل الأهلي بمحافظة مطروح، أن ندوة أمانة سيوة حاضر فيها الشيخ محمد منصور مدير إدارة أوقاف سيوة، والشيخ إدريس سنوسي إمام وخطيب مسجد السوق، وبحضور أمين العمل الأهلي أحمد محمد علي، ولفيف من القيادات التعليمية والطبيعية والتنفيذية، مؤكدة حرص الحزب على نشر الوعي السياسي والوطني وغرس روح التعاون والألفة والمحبة والتسامح فيما بيننا.
وفي مقر أمانة الحمام، عقدت ندوة مماثلة بحضور شريف مهدي نصيب أمين العمل الأهلي بالمركز، ومحمد حسين ماجستير في التربية، والدكتورة بخيتة أحمد دكتوراه في الفلسفة والآداب من معهد العلوم الاجتماعية.
من ناحية اخري وفي وقت سابق نظّمت أمانة الصحة والسكان بحزب مستقبل وطن مركز العلمين بمحافظة مطروح، برئاسة الدكتورة هبة سالم قويدر، نائب مدير مستشفى العلمين النموذجي، قافلة طبية مخصصة للأطفال، شملت الكشف الطبي وصرف العلاج مجانًا لجميع الحالات؛ وذلك ضمن فعاليات احتفال الحزب بيوم اليتيم.
وأضافت الدكتورة هبة قويدر، أن الفعالية أُقيمت بمقر الشؤون الاجتماعية بمدينة العلمين، بحضور الدكتور إبراهيم حرب، مدير مستشفى العلمين النموذجي، والصاوي السيد، المدير المالي والإداري بالمستشفى، إلى جانب عدد من الشخصيات العامة وأعضاء هيئة مكتب أمانة الحزب بالمركز.
وتم خلال اليوم عمل برنامج ترفيهي مميز، حيث أقامت أمانة الصحة حفلًا كبيرًا تضمن عروض مسرح العرائس، وشخصيات كرتونية أدخلت البهجة والسرور على الأطفال وذويهم، بالإضافة إلى توزيع المأكولات والمشروبات، ثم الألعاب والهدايا على الأطفال، وسط أجواء من الفرح والسعادة بين الحضور.
وأكدت أمينة الصحة بالعلمين حرص حزب مستقبل وطن المستمر بفئة الأيتام، من خلال دمجهم بالمجتمع وإشعارهم باهتمام الدولة بهم، وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والترفيهية اللازمة؛ بهدف تعزيز مشاعر الانتماء والأمان لديهم، وتقريب الفجوات المجتمعية، من أجل بناء جيل واعٍ، منتمي، يعيش في بيئة متحضرة وآمنة.