كلما أطلقت إسرائيل رصاصة على فلسطيني، خلتُها الرصاصة الأخيرة، ولكن شلال الدم لا ينتهي، و«دراكولا» الذي نراه فـي الأفلام لا يرتوي من دم ضحاياه، يقتلهم شر قتلة، ويمتص دماءهم، ولا يجد الضحايا إلا الفرار أمامه، إنها «ثقافة الموت» الذي ينتهجها الإسرائيليون، يقتلون أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لأجل اصطياد طائر جريح، يهدمون المنازل على رؤوس أصحابها، ويصورون قتلاهم وهم يتفاخرون بأشلائهم، ينتهكون عرض السجناء ويرتكبون أبشع الجرائم، والعالم كله يتفرج، ويكتفـي بالنداءات والتنديدات، بل ويدين الضحية أحيانا، فأي عالم أعمى هذا الذي يصفق للقتل، ويشجع القاتل، بامتناعه عن إدانته؟
فعلها الأمريكان فـي سجن «أبو غريب» العراقي، كان عملا ممنهجا، مر بسلام، وها هم الإسرائيليون يفعلونها فـي سجون فلسطين، وكل شيء يمر دون عقاب، إنه «الإذلال النفسي» الذي تستخدمه الجيوش، لكي تنال من أقصى نقطة فـي عمق الشخصية الوطنية، فعلها الألمان فـي الحرب العالمية الثانية، وكذلك الصرب فـي البوسنة، وفعلتها معظم الجيوش فـي معاركها لكي تمعن فـي الإذلال، وها هم الإسرائيليون يفعلون ما تعلموه، إنهم يمثلون دور الضحية التاريخية، ويتباهون بالقتل، والدمار، إنهم ينتقمون من كل من أذلهم على مر التاريخ، وكل من حرّقهم، وأبادهم، إنهم ينتقمون من النازيين، ولكنهم -فـي كل أحوالهم- ينتقمون من الأشخاص الخطأ، الأشخاص الذين تعايشوا معهم -كمواطنين- طيلة سنين فـي فلسطين -طبعا غير اليهود المهاجرين والمهجرين- غير أن هؤلاء اليهود يريدون دائما كل شيء، الأرض والسلام والتفوق، ولذلك تظل الشخصية اليهودية -مهما تعاطف معها الإعلام الغربي فـي الظاهر- شخصية مكروهة غربيا، وغير قابلة للتعايش، والتاريخ يشهد على روح الكراهية لليهود التي يحاول الغرب تخفـيف حدتها، والتي ابتدعوا لها ما يسمى بقوانين «معاداة السامية» للحد من كره مواطنيهم لهذا العرق المندس بينهم، والذي لا يؤمن جانبه.
لقد تم طرد اليهود على مر التاريخ من أراضي أوروبا (إنجلترا، إسبانيا، ألمانيا، روسيا، المجر، فرنسا، وغيرها)، وتم التنكيل بهم فـي كل مكان لجأوا إليه، لأن الروح القومية الغربية الكارهة لليهود، والتي يحاول البعض إخفاءها، كامنة فـي نزعته الداخلية، فالطبع اليهودي الطامع فـي كل شيء، والغادر، والباحث عن موطئ قدم له فـي أرض ما، ولو كان فـي جهنم، لا يؤمن جانبه، ولذلك كانت فلسطين أرضا مخلصة لهم، مستندين على المقولة السياسية: «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، وهي القشة التي تعلق بها اليهود، وعلقوا آمالهم عليها، حتى أهداها لهم الإنجليز بتواطؤ غربي وعربي، وما زالوا يكذبون ويصدقون الكذبة التاريخية التي رسخت فـي أذهانهم كحقيقة ثابتة، بها يقاتلون، وبها يقتلون، تساندهم أوروبا والولايات المتحدة، ودول أخرى، دون خجل، أو تأنيب ضمير، إنهم يحاولون التكفـير عن «ذنوب هتلر»، ولكنهم يرتكبون فـي ذات الوقت، جرائم أفظع مما ارتكبها النازيون، والغريب أن عقيدة «الإحلال» والإبادة العرقية تتشارك بها الولايات المتحدة، التي أبادت الهنود الحمر، وأحلت مكانهم الرجل الأبيض، وكذلك دول أوربية أخرى والتي مارست نفس السياسة فـي أستراليا مثلا، وجنوب أفريقيا، ودول كثيرة حول العالم، حيث تم تهميش السكان الأصليين، وإحلال عرق آخر مكانهم، وهذا ما هو حاصل حاليا فـي فلسطين، ولذلك سيستمر الصراع التاريخي والوجودي الإسلامي ـ اليهودي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مهما حاول البعض «تدجين» القضية، وإفراغها من محتواها من خلال عمليات التطبيع والسلام الزائفـين.
مسعود الحمداني كاتب وشاعر عماني |
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«ثقافة الكاريبي».. هوية أدبية وإنسانية
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةتحلّ ثقافة دول الكاريبي ضيف شرف على فعاليات الدورة الـ34 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب. ويسلط مركز أبوظبي للغة العربية، منظم المعرض، من خلال هذه الاستضافة الضوء على وثقافة الكاريبي، التي تمثل فسيفساء ثقافية تجمع بين التأثيرات الإفريقية، والأوروبية، والآسيوية، لتشكّل هوية أدبية وإنسانية فريدة من الشعر والموسيقا إلى الرواية والفكر. ويفتح المعرض نافذة على عوالم الكاريبي الملهمة، ويتيح فرصة للتقاطع الثقافي، واكتشاف صوت أدبي ممتدّ من الجزر إلى العالم.
ويأتي اختيار المعرض دول الكاريبي ضيف الشرف في إطار سعي دولة الإمارات إلى تعزيز صناعة النشر والترجمة، ما يسمح ببناء شراكات جديدة تتيح للقارئ العربي الوصول إلى الأدب الكاريبي، فضلاً عن أن الاستضافة تعزز مكانة أبوظبي وجهة ثقافية عالمية تُعنى بمناطق ذات ثراء لغوي وثقافي، وتدعم التنوع الأدبي بعيداً عن الإطار التقليدي الذي يركز غالباً على أوروبا وأميركا.
تحتفي الاستضافة بما يجمع الثقافتين العربية والكاريبية من ملتقيات، وركائز تاريخية، من خلال برنامج حافل بفعاليات تعكس التاريخ الثقافي، والفكري، والمعرفي، والحضاري للدول الكاريبية، ويجسد علاقات الصداقة التي تجمع دولة الإمارات بدول الحوض الكاريبي، إلى جانب الدور الذي ستلعبه في تعميق علاقات التعاون التي تجمع المركز مع المؤسسات والهيئات الثقافية الكاريبية، وصولاً إلى إثراء ثقافة الجمهور بمضامين إبداعية جديدة، وبما يعكس المشهد الثقافي الإماراتي المزدهر والمتنوع.
وقال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية: «تمتلك دول الكاريبي واحدة من أكثر الثقافات تنوعاً في العالم، إذ تشكلت عبر قرون من التفاعل بين باقة مختلفة من الروافد، ما جعلها حالة ثقافية متفرّدة وذات خصوصية لافتة نسعد أن تكون حاضرة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب».
وتابع: «نرحّب بالأصدقاء والمثقفين والمبدعين من دول الكاريبي، الذين سيشاركون المجتمع المحلي والعربي برنامجاً ثقافياً يستعرض إرث تلك البلاد الجميلة، وحضارتها الثقافية التاريخية، ويقّدم ملمحاً استثنائياً عن تقاليدها وفنونها الشعبية، ويفتح المجال نحو استكشاف آفاق جديدة للتعاون الثقافي المتبادل».
وأضاف: «تتميز الثقافة الكاريبية بقدرتها على التكيف والابتكار، إذ حافظت على خصوصيتها على الرغم من التأثيرات الخارجية، ونجحت في تقديم تراثها بقوالب حديثة وعالمية ما ضمن استمرارها وحضورها، وقد امتازت إسهاماتها الأدبية بعناوين عريضة تتماسّ مع أبرز القضايا الإنسانية، وتشكل استضافتها في المعرض فرصة مواتية لفتح آفاق التعاون في مجال الصناعات الإبداعية، ومد جسور التواصل بين اللغة العربية والثقافات المختلفة، بما يعكس قيم التواصل مع الآخر، والتآخي بين الشعوب».
ومن الفعاليات التي تحتفي بضيف الشرف، جلسة ضمن البرنامج الثقافي تستضيف الكاتب الجامايكي كوامي ماك فيرسون، يتناول فيها الأدب الكاريبي، وأهم ملامحه وتأثيره على الأدب العالمي، فيما خصص برنامج مجلس ليالي الشعر جلسة لقراءة مختارات من قصائد أهم شعراء الكاريبي، إلى جانب فعاليات تسلط الضوء على أدب المنطقة وفنونها وموسيقاها، بمشاركة أدباء ومؤلفين وناشرين وسفراء من دول الكاريبي لإثراء الحوار، كما ستتم الإضاءة على المطبخ الكاريبي الغني بالنكهات الأفريقية والهندية والأوروبية.
وتضم أجندة المعرض الخاصة بضيف الشرف طيفاً واسعاً من الفعاليات الثقافية، والمعرفية، والإبداعية التي تستهدف جميع أفراد المجتمع.