شيغيرو إيشيبا: المهندس الخفي للنفوذ الياباني في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
أ. د. حبيب البدوي **
في عالم السياسة اليابانية المعاصرة، يبرز اسم شيغيرو إيشيبا كشخصية محورية ومثيرة للجدل، بخاصة في علاقته مع العالم العربي. ولد إيشيبا في الرابع من فبراير عام 1957، ونشأ في عائلة سياسية عريقة؛ حيث شغل والده منصب حاكم محافظة توتوري لسنوات عديدة.
هذه الخلفية العائلية مهدت الطريق لإيشيبا ليصبح أحد أبرز السَّاسة في اليابان، وليترك بصمته على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، بما في ذلك علاقاتها مع العالم العربي.
بدأ إيشيبا مسيرته السياسية في سن مبكرة؛ حيث انتخب لعضوية مجلس النواب الياباني عام 1986 وهو في التاسعة والعشرين من عمره. منذ ذلك الحين، تدرج في المناصب السياسية، مكتسبًا خبرة واسعة في مجالات متنوعة، أبرزها الزراعة والدفاع. وقد تجلت هذه الخبرة في توليه منصب وزير الدفاع من عام 2007 إلى 2008، ثم منصب وزير الزراعة والغابات ومصايد الأسماك من 2008 إلى 2009. هذه المناصب الوزارية، إلى جانب دوره كأمين عام للحزب الليبرالي الديمقراطي من 2012 إلى 2014، منحته نفوذًا كبيرًا في صياغة السياسات اليابانية، بما فيها تلك المتعلقة بالشرق الأوسط والعالم العربي.
ولفهم تأثير إيشيبا على العلاقات اليابانية-العربية، من المهم أولًا إدراك السياق التاريخي لهذه العلاقات؛ فاليابان، كقوة اقتصادية عالمية، لطالما اعتمدت بشكل كبير على واردات النفط من الشرق الأوسط. هذا الاعتماد شكل محورًا أساسيًا في سياسة اليابان الخارجية تجاه المنطقة لعقود. ومع ذلك، فإن دور طوكيو في الشؤون السياسية للمنطقة ظل محدودًا نسبيًا، وذلك بسبب القيود الدستورية على استخدام القوة العسكرية والتزامها التقليدي بسياسة خارجية سلمية.
في هذا السياق، جاء صعود إيشيبا في السياسة اليابانية ليضيف بعدًا جديدًا للعلاقات مع العالم العربي. وخلال فترة توليه منصب وزير الدفاع، سعى إيشيبا إلى إعادة تعريف دور اليابان في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن اليابان لم تكن قادرة على المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية في المنطقة، إلّا أن إيشيبا دفع باتجاه زيادة التعاون الأمني مع الدول العربية، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب وأمن الملاحة البحرية.
وأحد أبرز إسهامات إيشيبا في هذا المجال كان دعمه لتوسيع مشاركة قوات الدفاع الذاتي اليابانية في مهام حفظ السلام الدولية. وعلى الرغم من أن هذه المشاركة كانت محدودة بالمهام غير القتالية، إلا أنها مثلت تحولًا مهمًا في السياسة اليابانية تجاه المنطقة. فقد ساهمت هذه الخطوة في تعزيز صورة اليابان كشريك فعّال في الأمن الإقليمي، وفتحت الباب أمام مزيد من التعاون مع الدول العربية في مجالات التدريب وتبادل الخبرات الأمنية.
لم يقتصر تأثير إيشيبا على الجانب الأمني فحسب؛ بل امتد ليشمل العلاقات الاقتصادية أيضًا. فخلال فترة توليه منصب وزير الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، عمل على تعزيز التعاون الزراعي مع الدول العربية. وقد تجلى ذلك في زيادة الصادرات الزراعية اليابانية إلى المنطقة، خاصة المنتجات عالية الجودة مثل الفواكه والأرز. كما شجع على نقل التكنولوجيا الزراعية اليابانية المتقدمة إلى الدول العربية، مما ساهم في تعزيز الأمن الغذائي في المنطقة.
في مجال الطاقة، كان لإيشيبا دور في تشكيل سياسة اليابان تجاه مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. فقد دعم تنويع مصادر الطاقة لليابان، مع الحفاظ على علاقات قوية مع الدول المصدرة للنفط في المنطقة. وقد انعكس هذا النهج في زيادة الاستثمارات اليابانية في مشاريع الطاقة المتجددة في بعض الدول العربية، إلى جانب استمرار الاعتماد على واردات النفط التقليدية.
وعلى الصعيد السياسي، اتسم موقف إيشيبا تجاه القضايا الرئيسية في العالم العربي بالحذر والدبلوماسية. ففيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، حافظ على موقف اليابان التقليدي الداعم لحل الدولتين، مع التأكيد على أهمية الحوار والمفاوضات. وفي الوقت نفسه، سعى إلى توسيع دور اليابان كوسيط محتمل في عملية السلام، مقترحًا مبادرات اقتصادية لدعم التنمية في الأراضي الفلسطينية.
أما فيما يخص الأزمات في سوريا والعراق، فقد دعم إيشيبا نهجًا متوازنًا يجمع بين تقديم المساعدات الإنسانية ودعم الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار. وقد تجلى ذلك في زيادة المساعدات اليابانية للاجئين السوريين، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار في العراق. هذا النهج عزز من صورة اليابان كقوة ناعمة في المنطقة، قادرة على المساهمة في حل الأزمات دون التورط المباشر في الصراعات العسكرية.
ويمتد تأثير إيشيبا ليشمل أيضًا مجال التبادل الثقافي والتعليمي بين اليابان والعالم العربي. فقد دعم بقوة برامج التبادل الطلابي، مشجعًا الطلاب اليابانيين على الدراسة في الجامعات العربية، وفي المقابل، استقطاب المزيد من الطلاب العرب للدراسة في اليابان. هذه المبادرات ساهمت في تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافتين، وخلقت جسورًا للتواصل بين الشعوب تتجاوز العلاقات الرسمية بين الحكومات.
وفي مجال البحث العلمي والتكنولوجي، شجع إيشيبا على تعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية اليابانية ونظيراتها في العالم العربي. وقد تجلى ذلك في زيادة عدد المشاريع البحثية المشتركة، خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة المياه، والزراعة في المناطق القاحلة. هذا التعاون لم يقتصر على نقل التكنولوجيا فحسب، بل امتد ليشمل تبادل الخبرات والمعرفة في مجالات حيوية لتنمية المنطقة العربية.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات، واجه نهج إيشيبا تجاه العالم العربي بعض التحديات والانتقادات. فقد رأى البعض أن سياساته كانت حذرة للغاية، وأن اليابان كان بإمكانها لعب دور أكثر فعالية في حل النزاعات الإقليمية. كما انتقد آخرون ما اعتبروه تركيزًا مفرطًا على الجوانب الاقتصادية للعلاقات، على حساب القضايا السياسية والأمنية الأكثر إلحاحًا. ومع ذلك، يبقى إرث إيشيبا في العلاقات اليابانية-العربية محل تقدير واسع. فقد نجح في توسيع نطاق هذه العلاقات لتتجاوز الاعتماد التقليدي على النفط، وفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات متنوعة. كما ساهم نهجه المتوازن في تعزيز صورة اليابان كشريك موثوق وقوة إيجابية في المنطقة.
اليوم، وبينما تواصل اليابان تكييف سياستها الخارجية مع المتغيرات العالمية والإقليمية، يبقى تأثير رؤية إيشيبا واضحًا؛ فالنهج الذي اتبعه في التعامل مع العالم العربي- المزج بين الدبلوماسية الاقتصادية، والتعاون الأمني المحدود، والتبادل الثقافي- لا يزال يشكل إطارًا مرجعيًا للسياسة اليابانية في المنطقة.
في الختام، يمكن القول إن شيغيرو إيشيبا، رغم أنه لم يكن الشخصية الأكثر بروزًا في السياسة اليابانية تجاه العالم العربي، إلّا أنه ترك بصمة واضحة على هذه العلاقات. فمن خلال مناصبه المتعددة ورؤيته الاستراتيجية، ساهم في تشكيل نهج ياباني متميز تجاه المنطقة، نهج يجمع بين الحذر الدبلوماسي والطموح الاقتصادي والانفتاح الثقافي. وبينما تستمر العلاقات اليابانية- العربية في التطور، سيظل إرث إيشيبا عاملًا مؤثرًا في تشكيل مستقبل هذه العلاقات لسنوات مُقبلة.
** خبير في الدراسات اليابانية والعلاقات الدولية
ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شركة "Seesaw" تستحوذ على "المفكرون الصغار" الأردنية الناشئة
عمَّان (الأردن)- خاص
أعلنت Seesaw، الشركة العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا التعليمية من مرحلة ما قبل الروضة حتى الصف الثاني عشر، عن خطوة استراتيجية جديدة؛ عبْر استحواذها على الشركة الأردنية الناشئة "المفكرون الصغار" (Little Thinking Minds)، المتخصِّصة في تطوير حلول تعليم اللغة العربية وتقنيات المعرفة القِرَائِيَّة.
ولا شَكَّ في أنَّ هذه الصفقة تمثِّل نَقْلَةً نَوْعِيَّةً في تعزيز حضور Seesaw الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإثراء محفظتها بحلول تعليمية تَعَلُّمِيَّة عربية مُبتكرة ومُتأصلة في الثقافة المحلية.
وبفضل هذا الاستحواذ، ستدمج Seesaw المناهجَ الرقمية القرائية للُّغة العربية من "المفكرون الصغار" ضمن منصتها الذكية، مما سيوفِّر للمدارس والمعلمين ووزارات التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أدواتٍ شاملةً لتعليم اللغة العربية المدعومة بتقنياتٍ تفاعلية حائزة على جوائز عالمية، كما تخطِّط Seesaw لإطلاق أول منصة تعليمية باللغة العربية في عام 2026؛ لتكون نافذةً جديدةً نحو تجارب تعليمية تَعَلُّمِيَّة متعددة اللغات بالمنطقة والعالم.
ومنصة Seesaw هي شركة تكنولوجيا تعليمية رائدة، مقرُّها الولايات المتحدة، وهي تحظى بثقة أكثر من 25 مليون مُعَلِّم وطالب وعائلة حول العالم؛ بسبب ما تقدِّمه المنصة من الأدوات والحلول التعليمية التفاعلية الحائزة على جوائز عالمية، والتي تُحوِّل الفصولَ الدراسية إلى مساحاتٍ إبداعية، وتعزِّز التواصل بين المدرسة والمنزل عبْر أدواتٍ ذكية تقدِّم تقييماتٍ فوريةً ورُؤًى قائمة على البيانات، تمكِّن المعلمين من خلق تجارب تَعليميَّة تَعَلُّمِيَّة ممتعة وشاملة وشخصية، مما يضمن دَعْمَ كل طالب طوال مسيرته الأكاديمية.
وعلى الجانب الآخر، أُسِّسَت "المفكرون الصغار" في عام 2004، ونجحت عبْر عِقْدَيْنِ في تمكين أكثر من 400 ألف طالب عربي -في أكثر من 10 دول- من تحسين مهارات القراءة والكتابة بنسبة 25% عبر منصاتها الرقمية، التي تُستخدم في المدارس الحكومية والخاصة، وفي برامج تعليم اللاجئين، والمبادرات الحكومية، وفي طليعتها منصات أقرأ بالعربية (I Read Arabic)، وأتعلم العربية (I Start Arabic)، ومنصة ميزان للتقييمات.
ورسَّخَت "المفكرون الصغار" مكانتَها كواحدة من أقوى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا التعليمية في المنطقة، وأثبتتْ مكانتَها كأحد أبرز الأسماء في مشهد التكنولوجيا التعليمية العربية.
وفي عام 2018، جمعت "المفكرون الصغار" استثمارًا من الفئة "أ" بقيادة Algebra Ventures، بمشاركة Mindshift Capital وAl Turki Ventures وصندوق ISSF، وسمح هذا التمويل- إلى جانب الدعم من المستثمرين الأوائل بما في ذلك شبكة المستثمرين الملائكيين النسائية (WAIN) وOasis500- لشركة "المفكرون الصغار" بتوسيع نطاق منصتها، وتوسيع نطاق وصولها، وتطوير حلولها في المعرفة القرائية، مما عزز دورها كشركة رائدة في النظام البيئي للتكنولوجيا التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويمثِّل هذا الاستحواذُ علامةً فارقة في منظومة التكنولوجيا التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يعزِّز التزامَ Seesaw بالتعليم متعدد اللغات، ويوسِّع نطاق وصولها إلى الأسواق الناطقة بالعربية والأسواق العالمية.
ومن شأن الجمع بين منصة Seesaw التعليمية الرائدة وحلول "المفكرون الصغار" لضمان المعرفة القرائية ضمن شراكة فاعلة، أن يُوَفِّر للمؤسسات التعليمية أدواتٍ شاملةً لتعزيز مشاركة الطلاب، والتقييمات، وتنمية المعرفة القرائية، كما سيخدم الرؤى التربوية لوزارات التعليم وقادة المدارس المستندة إلى البيانات؛ من خلال لوحات معلومات Seesaw التفاعلية، وملفات الطلاب، مما يوفِّر صورة أوضح لتقدُّم الطلاب ونتائج التعلُّم.
وقال ماثيو جيفن الرئيس التنفيذي لشركة Seesaw: "تمثِّل هذه الشَّرَاكَةُ خطوةً رئيسة في مهمتنا المتمثلة في خلق تجارب تعليمية تفاعُلية وفعَّالة للطلاب حول العالم". وأضاف: "لقد بَنَت (المفكرون الصغار) سمعةً طيبة، وقَدَّمَت منتجات فعَّالة لتحسين المعرفة القرائية العربية، ومن خلال توحيد جهودنا، سيصبح من اليَسِير العملُ على تمكين المزيد من الطلاب والمعلمين، من خلال حلول تعليمية محلية وعالية التأثير".
وبدورها، قالت راما كيالي الشريك المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة "المفكرون الصغار": "فخورون للغاية بانضمامنا إلى عائلة Seesaw، التي تمثِّل تتويجًا لرحلتنا نحو الارتقاء باللغة العربية والمعرفة القرائية في جميع أنحاء المنطقة".
وأضافت: "كشركة رائدة في مجال تكنولوجيا التعليم العربية في المنطقة، ومع مُوَاءَمَة المناهج الدراسية في معظم البلدان العربية، فإننا نشكِّل بَصْمَةً حاضرة وبقوة في كلٍّ من المدارس العامة والخاصة، كما نتميز بالبحث والتطوير الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي للمعرفة القرائية العربية، ومن هنا يمكننا القول إنَّ هذا الإنجاز يمثِّل خطوة انتقالية نوعيَّة في مهمتنا. وبالتعاون مع Seesaw نحن على استعداد لتوسيع نطاق تأثيرنا بشكل أكبر، وتقديم تجارب تعليمية تعلُّمية مواكِبة للتطور، وذات صِلَة بالهُوِيَّة الثقافية، وتعمل على تمكين الأطفال في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها".
ويُعد هذا الاستحواذ، الذي بدأ مع EDT&Partners، تطورًا بارزًا في منظومة التكنولوجيا التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعزز التزام منصة Seesaw بتعزيز التعليم متعدد اللغات ويمد جذورها في الأسواق الناطقة بالعربية، وتخدم شركتا Seesaw والمفكرون الصغار حاليًا أكثر من 800,000 مستخدم في أكثر من 3,000 مدرسة ووزارة ومجموعة تعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتطلعان الآن إلى توسيع نطاق عملياتهما عالميا بوتيرة سريعة من خلال مجموعة حلولهما المشتركة.