هل بدأت إسرائيل في تطبيق "خطة الجنرالات" في شمال غزة؟
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
تزداد المؤشرات على أن القوات الإسرائيلية بدأت في تطبيق ما يعرف بـ"خطة الجنرالات"، التي ترمي إلى ترحيل سكان شمال قطاع عزة وجعله منطقة عسكرية عازلة.
اعلانكان الخبر الرئيسي في وكالة الأبناء الفلسطينية الرسمية "وفا"، الأربعاء يفيد بأن القوات الإسرائيلي تحاصر شمال قطاع غزة، من الجهات كافة.
وذكرت الوكالة أن هذا الحصار جاء في اليوم الرابع من التوغل البري في تلك المنطقة.
وبحسب الوكالة، فقد فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً على جباليا، وبلدتي بيت حانون، وبيت لاهيا، ويطلق النار على كل من يتحرك، بالتزامن مع قصف مدفعي وجوي يستهدف منازل، وشوارع، ومنشآت.
وذكرت تقديرات لوكالة "الأونروا" بأن 400 ألف فلسطيني في شمال القطاع تحت الحصار
وأضافت الوكالة أن الجنود الإسرائيليين يجبرون المواطنين قسرا على النزوح نحو جنوب القطاع.
الجيش الإسرائيلي للسكان: ارحلواومن جانبه، كرر الجيش الإسرائيلي دعوات الإخلاء لسكان مخيم جباليا، وذكر متحدث باسم الجيش أن المنطقة التي يقيم فيها السكان منطقة "قتال خطيرة".
وقال إن على السكان التوجه فوراً إلى جنوبي القطاع.
لكن أوامر الإخلاء الإسرائيلي لم توجه إلى السكان فحسب.
وذكر صحفيون من شمال قطاع غزة أن الجيش الإسرائيلي وجه أوامر إخلاء إلى المستشفيات هناك.
وأكدت ذلك وزارة الصحة في غزة، إذ قالت على حسابها بتطبيق "تلغرام"، الأربعاء، إن "الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان في شمال غزة حيث أطلق النيران عليه".
كما أنه طالب الجيش مستشفيي "الإندونيسي" و"العودة" بإخلاء المرضى والكوادر الطبية، وإلا واجها عواقب وخيمة.
القتال يغلق مراكز الأونرواومن جانبها، ذكرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أن تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشمال أبرها على وقف خدماتها المنقذة للحياة.
وكتبت على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أن 7 مدارس كانت تؤوي نازحين في الشمال جرى إخلاؤها، ولم يبق سوق بئرين من أصل 8 آبار في مخيم جباليا.
وفي سياق متصل، أكد الأمين العام للأمم المتحدة في خطاب مصور يوم الثلاثاء إنه تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الأورنوا، معربا عن قلقه بشأن ما تتعرض له من مضايقات خلال عملها في قطاع غزة.
ما هي خطة الجنرالات؟كان عسكريون سابقون، على رأسهم الجنرال المتقاعد ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، غيورا آيلاند، قد قدموا في وقت سابق خطة للتعامل مع شمال قطاع غزة، صارت تعرف إعلامياً باسم "خطة الجنرالات".
اعلانوفي أيلول/ سبتمبر الماضي، نشر موقع صحيفة "يديعوت آحرونوت" (واينت) الإسرائيلي اليوم الأربعاء، أن الخطة تتألف من مرحلتين بهدف "هزيمة حماس" وتصحيح المسار العسكري الحالي في قطاع غزة، باعتباره "غير مفيد".
وتتضمن المرحلة الأولى تهجير السكان المتبقين في شمال قطاع غزة وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة.
ويلي المرحلة الأولى التركيز على العمليات العسكرية التي ستضع حماس "في مأزق".
و أشرف على الخطة، غيورا آيلاند، المشهور بآرائه التنظيرية فيما يتعلق بالقتال في غزة.
اعلانRelatedجثث تحت الأنقاض ونازحون بلا مأوى ودمار هائل وأوبئة تفتك بأهل القطاع.. قصة غزة بعد عام من الخرابخطة الجنرالات: تهجير شامل وحصار عسكري على شمال القطاع لإجبار حماس على الاستسلامالمنظومة الصحية في غزة تحت استهداف غير مسبوق: الأطباء بين فقدان الأحبة والاعتقالوحصل الاقتراح على تأييد عشرات الضباط، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، واستعرضت تفاصيله أمام أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية.
ويشخص الجنرالات أن إحدى المشكلات في هزيمة حماس ناتجة عن "سيطرتها على المساعدات الإنسانية" في غزة. لذلك تقضي الخطة بتحويل المنطقة الواقعة شمال محور "نيتساريم" إلى "منطقة عسكرية مغلقة"، وإجبار 300 ألف فلسطيني موجودين حالياً في شمال القطاع على النزوح القسري خلال أسبوع واحد.
بعد ذلك، سيفرض الجيش حصاراً عسكرياً كاملاً، وهذا بحسب الخطة "سيضع المقاتلين الفلسطينيين أمام خيارين: الاستسلام أو الموت".
ويزعم الجنرالات أن الخطة تتوافق مع قواعد القانون الدولي، لأنها تتيح للسكان النزوح من منطقة القتال قبل فرض الحصار.
اعلانGo to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية عام على الطوفان: لماذا لم يوقف الغرب والعرب الحرب على غزة.. عجزٌ أم تسليم أم ماذا؟ من غزة إلى الإقليم.. كيف اتسعت دائرة الحرب إلى لبنان واليمن وإيران؟ المنظومة الصحية في غزة تحت استهداف غير مسبوق: الأطباء بين فقدان الأحبة والاعتقال مخيم جباليا غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب بيومها الـ369: حملة عسكرية دموية و400 ألف تحت الحصار شمال غزة وحزب الله يمطر حيفا بالصواريخ يعرض الآن Next خلاف حاد بين المجر والمفوضية على ملفات الهجرة والطاقة والحرب.. نقاش ساخن في البرلمان الأوروبي يعرض الآن Next عام على الطوفان: لماذا لم يوقف الغرب والعرب الحرب على غزة.. عجزٌ أم تسليم أم ماذا؟ يعرض الآن Next إيران تحذر: استخدام المجال الجوي لدول الخليج لصالح إسرائيل سيؤدي لعواقب وخيمة يعرض الآن Next دُكت الضاحية على رؤوس ساكنيها واشتعل الجنوب.. فأين جيش لبنان من كل ما يجري؟ اعلانالاكثر قراءة كيف خدعت حماس إسرائيل قبل "طوفان الأقصى"؟ معلومات تعرض للمرة الأولى فلوريدا تستعد لوصول إعصار ميلتون من الفئة الخامسة: تهديد جديد بعد إعصار هيلين حب وجنس في فيلم" لوف" "مكان خيالي" .. ترامب: غزة قد تصبح أفضل من موناكو بعد الدمار الهائل.. فرق إنقاذ دولية تصل إلى البوسنة لإزالة الأنقاض والبحث عن مفقودين اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومالحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيلغزةأوروبالبناناعتداء إسرائيلفلاديمير بوتينزيارة دبلوماسيةروسياالمفوضية الأوروبيةالاتحاد الأوروبي Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024المصدر: euronews
كلمات دلالية: الحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل غزة أوروبا لبنان الحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل غزة أوروبا لبنان مخيم جباليا غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل غزة أوروبا لبنان اعتداء إسرائيل فلاديمير بوتين زيارة دبلوماسية روسيا المفوضية الأوروبية الاتحاد الأوروبي السياسة الأوروبية الجیش الإسرائیلی خطة الجنرالات شمال قطاع غزة یعرض الآن Next فی شمال فی غزة
إقرأ أيضاً:
العودة للشمال: أرادت إسرائيل نكبة ثانية، ففاجأتها غزة بطوفان ثان
كان مشهد الخروج من شمال غزة مؤلما، لكنه لم يكن غريبا. كان مشهدا ألفناه جميعا وإن لم نره، فقد كتبه غسان كنفاني، وإلياس خوري، ومحمود درويش، وإميل حبيبي، وكتبته رضوى عاشور. أما مشهد العودة فقد كان مهيبا، وغريبا.
خرج الفلسطينيون من بيوتهم يحملون ما استطاعوا حمله، وكانت النساء يحملن الأطفال، والأطفال يحملون الرضّع، والرجال يحملون الحقائب، والشيوخ يحملون عصيّهم. خرجوا في طوابير طويلة بلا هدف نحو الجنوب، وربما كان بعضهم بلا أمل في العودة. كانوا يتركون كل شيء وراءهم، ديارهم وأرضهم وذكرياتهم وأحلامهم، كانوا يتركون الحياة نفسها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2القسام في شوارع غزة من جديد.. ما دلالات عروض النصر؟list 2 of 2هندسة الانتصار وتخطيط حماس المُحكم لمشاهد تسليم الأسيراتend of listيعرف الفلسطيني هذا المشهد جيدا، لكننا لم نعرف كيف يبدو مشهد العودة، فلم يكتب الأدباء الفلسطينيون عن عودتهم سوى بعين الخيال، لكن في صباح الاثنين، 27 يناير/كانون الثاني، 2024، أعطى الفلسطينيون للعالم مشهدا رسموه بأنفسهم، وكلهم في ذلك أبلغ من كل أديب، صامدون ومقاومون ومفاوضون.
دمرت إسرائيل شمال غزة وشرعت في إبادة سكّانه، وحرص جنودها على ألا يتركوا في أرضه جدارا قائما أو حجرا على حجر. أرادت إسرائيل ألا يجد الفلسطينيون سببا للعودة، أرادتها نكبة ثانية تعيد سيرة النكبة الأولى، ودعمها العالم تآمرا أو صمتا، وحين أجبرتها المقاومة الفلسطينية على الرضوخ، صمّم المفاوض الإسرائيلي على أن يعود الناس فرادى سيرا على أقدامهم. وأراد الفلسطينيون عودة أولى تلهم العودة الكبرى، وتحقق لهم ما أرادوا.
إعلانلم يستطع الأطفال أن يناموا في الليلة السابقة، وكثير منهم قضوا ليلتهم في العراء مع عوائلهم، واجتهدت الأمهات في تجهيز أجمل الملابس لأبنائهم وأزواجهم، كأنه يوم الزينة أو يوم العيد. وعندما دقت الساعة السابعة صباحا، حُشر الناس ضحى، ونفروا جماعات ليشهدوا كيف تلقف المقاومة ما صنع الاحتلال عبر 15 شهرا من الإبادة واحتلال الأرض والسردية. فلأول مرة يعود الفلسطينيون إلى الأرض، عبر فوهة البندقية، عبر الطريق الواحد الذي تغنى به العرب منذ جاء الغزاة قبل 75 عاما وحروب بدأت بلا نهاية.
ما أراده الإسرائيلي من شمال غزةفي ربيع عام 1956 اقتحمت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين المنطقة العازلة التي تفصل أراضي قطاع غزة عن بقية فلسطين. كان عرض تلك المنطقة يبلغ 300 متر من الأرض التي مهدتها إسرائيل لفصلها عن 300 ألف فلسطيني في غزة، بينهم 200 ألف لاجئ هُجروا قبل ذلك التاريخ بـ8 سنوات من بقية أرض فلسطين. وعلى الناحية الأخرى من المنطقة العازلة، كان الإسرائيليون قد أسسوا عددا محدودا من المستوطنات. وعبر الفدائيون المنطقة بالقرب من حي الشجاعية، وحاولوا اقتحام إحدى تلك المستوطنات، ناحال عوز، ليقتلوا ضابط أمن، ويأخذوا جثته معهم قبل أن يعودوا أدراجهم إلى قطاع غزة.
كانت منظمة الأمم المتحدة تعرف كيف تتوسط حينها، فتوسطت لدى الفدائيين ليعيدوا جثة الضابط الإسرائيلي، وفي جنازته تحدث موشيه ديان، رئيس الأركان الإسرائيلي حينها، متسائلا: "لماذا يجب علينا أن نستغرب من كراهيتهم لنا؟ فخلال 8 سنوات كانوا يشهدون بأم أعينهم، وهم في مخيمات اللاجئين في غزة، كيف حولنا الأراضي والقرى التي عاشوا فيها هم وأسلافهم إلى وطن لنا". اعترف ديان بحقيقة ما فقده الفلسطينيون، لكنه لم يعترف أبدا بحقهم في استعادة ما فقدوه. ختم ديان كلمته بحث الإسرائيليين على الاستعداد لحرب مريرة ستدوم للأبد، وستكون فيها أهم الأدوار لما تسميها إسرائيل "مستوطنات الجبهة".
إعلانمضت السنوات الطويلة، لتستحيل المنطقة العازلة إلى قلاع أمنية ظنت إسرائيل أنها عصية على الاختراق، عززتها بأسوار تستطيل فوق الأرض وتستطيل أكثر في عمقها، وبكاميرات مراقبة ترصد كل شيء، وحساسات لرصد الحركة واستشعار الحرارة، وأسلحة رشاشة تُدار عن بُعد، ومناطيد تجسس. عندما حاول الفلسطينيون الاقتراب من هذه القلاع في مظاهراتهم السلمية عامي 2018 و2019، قتلت إسرائيل أكثر من 200 منهم. لم يستمر الفلسطينيون بالمخاطرة بحياتهم حينها، واطمأنت إسرائيل لقدرتها على ردع المستضعفين، حتى جاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية طوفان الأقصى (مواقع التواصل)في صبح ذلك اليوم الذي تحول إلى علامة فارقة في تاريخ فلسطين، استطاعت كتائب عز الدين القسام، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن تخترق هذه القلاع بكل تعزيزاتها، لتقتحم المواقع العسكرية، وتبيد فرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي، قبل أن تنتقل إلى المستوطنات التي تعتبرها إسرائيل أهم نقاط دفاعاتها الحقيقية، مستوطنات الجبهة. قتل المقاومون الفلسطينيون قرابة 1200 إسرائيلي، وأسروا عشرات آخرين، واستعادوا أرضهم لساعات امتدت أكثر مما تصور مخططو يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يتحيز منهم من استطاع إلى فئته ويعودوا إلى عقدهم القتالية ليبدؤوا الحرب.
كانت إسرائيل تدرك أن الأراضي المتاخمة للمنطقة العازلة نقطة ضعف لها على الدوام، لذلك لم تدخر جهدا من أجل غصب الفلسطينيين على تركها. ولسنوات طويلة، أغرقت إسرائيل أراضي الشمال لتمنع الفلسطينيين من الاستفادة منها وزراعتها، وهي من بين الأخصب في فلسطين، ومنعت الفلسطينيين من الوصول إلى مساحة تبلغ أكثر من 62 ألف دونم تشكل ثلث الأراضي الزراعية في قطاع غزة.
لم يستطع الفلسطينيون زراعة أرضهم، حتى بعد الاتفاقات التي أبرمتها حركة حماس مع سلطات الاحتلال والتي نصت على تقليص المنطقة العازلة إلى 100 متر، حيث لم تلتزم بها سلطات الاحتلال على الإطلاق، بل إن مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان وثقت استهداف القوات الإسرائيلية لأي حركة على مسافات تصل لأبعد من 600 متر بعيدا عن السياج الفاصل.
إعلانلذلك، عندما رأت إسرائيل خطوطها الدفاعية تنهار كلها رغم انتهاكاتها المستمرة، رأى قادتها العسكريون والمدنيون على السواء أن الحل يكمن في إبعاد الفلسطينيين أكثر وأكثر عن الأراضي التي عاشوا فيها هم وأسلافهم. وبهذا بدأت الإبادة في الشمال.
ومنذ بدء حرب الإبادة، تصاعدت الدعوات داخل إسرائيل وبين الجاليات الداعمة لإسرائيل حول العالم لتوطين الإسرائيليين في منطقة شمال غزة، وإعادة بناء المستوطنات التي تفككت مع الانسحاب الإسرائيلي عام 2005. وصل الأمر إلى أن عُقدت مؤتمرات وفعاليات حول العالم لبيع أراضي شمال وشرق القطاع لمطورين عقاريين وأفراد على اعتبار أن الأمر قد قُضي وأن الوجود الفلسطيني قد انتهى من هذه المنطقة وإلى الأبد. لكن كان للفلسطينيين رأي آخر.
كان مشهد العودة مليئا بمشاعر متناقضة، تكبيرات وتهليلات، ثم زغاريد وبكاء من الفرح والإرهاق، وأناشيد تحاكي العودة للديار (الفرنسية) بروفة العودةمن على "تبة النويري" الواقعة في الشمال الغربي من مخيم النصيرات، كان المشهد مهيبا في اللحظات الأولى لدخول محور "نتساريم" مع مئات آلاف النازحين، الذين قضوا ليلتهم في العراء شوقا للعودة إلى غزة. كانت لحظات ترقب وقلق بعد أن تلكأت إسرائيل في فتح الطريق الفاصل بين جنوب القطاع وشماله.
كان مشهد اصطفاف النازحين بانتظار العودة قاسيا لا بالنسبة لإسرائيل فحسب، فقبل يوم واحد فقط، صرّح الرئيس الأميركي العائد دونالد ترامب أن على الدول جيران الفلسطينيين أن تستقبل سكان غزة "لتنظيف القطاع"، فكان رد الفلسطينيين ما رأى ترامب والإسرائيليون. ومثل خاسر حانق، سعى الإسرائيلي كعادته إلى طمس فرحة الفلسطينيين بعودتهم المرتقبة، فقبل ساعات من فتح محور نتساريم وتحديدا في ساعات الليل، خرج سرب من طائراته المقاتلة في مشهد استفزازي لتكسر حاجز الصوت، تلاها تحليق طائراته المروحية من نوع "أباتشي" على علو منخفض فوق الحشود، في محاولة يائسة لدفع الفلسطينيين إلى المغادرة والعودة للجنوب مجددا.
إعلانلكن اللحظات الأخيرة قبل العودة كانت مليئة بالمشاعر. فقد سارع بعض الفلسطينيين إلى حرق خيام النزوح تعبيرا عن فرحتهم بالعودة. ومثلت الخيمة النكبة بالفعل، وكان حرقها قضاء عل اليأس ونكاية في التشرد الذي أرادت إسرائيل فرضه على الفلسطينيين طيلة أيام الحرب. وتكررت مشاهد حرق الخيام بين الفلسطينيين قبل عودتهم مع إدراكهم بأنه لا بيوت تنتظرهم بعد أن دمرتها إسرائيل. لكن هذه العودة تجسيد حي ومباشر لسعي الفلسطيني نحو كتابة فصل جديد في نضاله ضد الاحتلال الإحلالي.
ومن على الأرض، كان مشهد العودة مليئا بمشاعر متناقضة، تكبيرات وتهليلات، ثم زغاريد وبكاء من الفرح والإرهاق، وأناشيد تحاكي العودة للديار، فرحة حاول بها الفلسطيني أن يقاوم كل التعب ومرارة الحرب التي عاشها طيلة 470 يوما.
تجسدت ثنائية الفرح والألم في تدفق السيل البشري عبر شارعي الرشيد غربا، وصلاح الدين شرقا، من جنوب القطاع إلى شماله لأول مرة منذ إجبار الإسرائيليين إياهم على الرحيل. وشملت جحافل الفلسطينيين العائدين من فلسطين إلى فلسطين كل الأطياف: نساء وشيوخا وأطفالا وفتية، مصابين ومرضى، بعضهم على كراسي متحركة، وآخرون على عكاكيز، ومنهم من سار على أطراف صناعية.
عمد الإسرائيليون إلى حفر عشرات الحفر وتشييد التلال الرملية التي تملأ طريق العودة، وهو ما أعاق حركة السير خاصة بين النساء والأطفال وكبار السن والمرضى (الأناضول) لن نُخرَج من أرضنا مرتينتزيد المسافة التي قطعناها مشيا على الأقدام من "تبة النويري" إلى مدخل مدينة غزة على 8 كيلومترات، وهي المنطقة المعروفة بـ"محور نتساريم"، الذي أنشأه الجيش الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لدخوله بريا قطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن ينسحب منها في صباح الاثنين 27 يناير/كانون الثاني 2025.
ويمتد المحور على مساحة تزيد على 56 كيلومترا، وهو بما يوازي 15% من مساحة قطاع غزة، حيث يقسم المحور قطاع غزة إلى قسمين شمال وجنوب وادي غزة، وخلال وجود جيش الاحتلال في المحور اقتطعت آلياته مناطق شاسعة من قطاع غزة وضمتها للمحور. ففي الجهة الجنوبية ابتلع المحور بشكل كامل بلدات الزهراء والمغراقة وجحر الديك والأطراف الشمالية الغربية من مخيم النصيرات والأطراف الشمالية الشرقية من مخيم البريج، أما شمالا فضم المحور منطقة الشيخ عجلين وجنوب منطقة تل الهوى وأطراف حي الزيتون.
إعلانلكن الفلسطينيين لا يرون إلا طريقا يفصل فلسطين عن فلسطين.
في طريق العودة ترى فلسطين، كل فلسطين. وهناك رأينا ريهام مسلم، وهي سيدة في الأربعينيات من العمر تسير مع ابنتيها بخطى متسارعة وقد بدت عليها ملامح التعب: "أتوق لرؤية بيتي وأرضي في بلدة بيت لاهيا، التي لا أعلم عنها شيئا منذ نزوحي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، سمعت أن الجيش جرف المنطقة ولكني أود العودة لاستصلاح الأرض وزراعتها من جديد بالتوت الأرضي والبازلاء كما كنا في السابق قبل العدوان".
عدد من عادوا لمدينة غزة ومحافظات شمال القطاع في اليوم الأول للعودة تجاوز 300 ألف نازح، وهو رقم يوازي ثلث من غادروا المدينة قسرا (الأناضول)وغير بعيد عنها التقينا الحاج أبو رامي البشتلي، وهو مسنّ أوحت تجاعيد وجهه أن عمره يفوق عمر إسرائيل. كان البشتلي يسير بين الحشود، يقوده حفيده، يردد تكبيرات العيد وعيناه تملأها الدموع، قبل أن يقول: "عشت النكبة مع والدي عام 1948 وكان عمري آنذاك 4 سنوات، أتذكر حينها كم كان نزوحنا من بلدة بشيت إلى مدينة غزة مرهقا وصعبا، وكم ندمنا لاحقا على قرار الخروج". لكن يعود البشتلي ليقول في أمل ظاهر إنه يشعر أن عودته لمدينة غزة "تكفير عن ذنب كنت قد اقترفته حينما خرجت من بلدة بشيت التي لم أعد إليها حتى الآن".
ويقول البشتلي إنه كان يدعو الله ألا يكتب له خروجا من بيته مرتين، وأن يكتب له عودة لإحداهما (في غزة أو بشيت). "وكانت مشيئة الله حاضرة بأن كتب لي هذه العودة الأولى وآمل أن يكتب لي عودة إلى مسقط رأسنا في بشيت".
أما حفيده سامي، والذي كان يجر عربة جده وسط الحشود على شارع الرشيد فقال إن جده كان طيلة أيام الحرب يسأل عن موعد العودة، ليرد من حوله "لماذا تسأل عن العودة وأنت تعلم أن لا بيت ينتظرنا"؟ فكانت إجابته دوما أن "خروجنا من غزة كان خطأ علينا تصحيحه، حتى لا تضيع منا غزة كما ضاعت بشيت".
إعلانوقدر مكتب الإعلام الحكومي بغزة أن عدد من عادوا لمدينة غزة ومحافظات شمال القطاع في اليوم الأول للعودة تجاوز 300 ألف نازح، وهو رقم يوازي ثلث من غادروا المدينة قسرا بسبب الهجمات والتحذيرات الإسرائيلية بإخلاء المدينة في الأيام الأولى للعدوان. ويتحدث الفلسطينيون عن أن عودتهم ستستمر من جنوب القطاع إلى شماله خلال الأيام القادمة، في ظل انسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط العسكرية التي أنشأها في المنطقة.
سيعود الفلسطينيون المتشوقون والذين لم يمنعهم من العودة في اليوم الأول إلا انتظارهم تعبيد طريق العودة ليكون ملائما للسير مشيا على الأقدام بعد أن عمد الإسرائيليون إلى حفر عشرات الحفر وتشييد التلال الرملية التي تملأ طريق العودة، وهو ما أعاق حركة السير خاصة بين النساء والأطفال وكبار السن والمرضى.
سيلتم الشمل من جديدعاد الفلسطينيون أمس، وسيعودون جميعا اليوم أو في قابل الأيام، لكن مآربهم في العودة تختلف. تباينت توجهات وأهداف من قرروا العودة في اليوم الأول من جنوب القطاع إلى شماله، فبعض الأسر تقطعت أوصالها وتشتت أفرادها، حيث عاش جزء منهم في شمال القطاع، في حين اضُطر آخرون إلى النزوح جنوب القطاع.
التقينا على الطريق الساحلي أثناء توجهنا لمدينة غزة بالعشرات من هذه العائلات التي كانت تستعد للم شملها لأول مرة منذ نزوحهم. من بينهم كانت سيدة تدعى رغد شمالي (27 عاما)، نزحت رفقة 3 من أبنائها من حي الشجاعية شرق مدينة غزة إلى مخيم النصيرات وسط القطاع في الأيام الأولى للعدوان. تعدّ رغد الأيام وتقول "أود أن ألتقي زوجي وعائلته لأول مرة منذ 452 يوما". كان نزوح رغد للجنوب من دون زوجها شديد الصعوبة كما تقول، "لكنني خشيت أن أفقد كامل عائلتي سواء بالقصف أو الاعتقال، وكان قراري نابعا من خوفي أن أفقد كل أفراد عائلتي بشكل كامل".
لكن لم الشمل ليس سواء كله. فسامر المصري، وهو شاب يبلغ من العمر 36 عاما التقيناه في طريق العودة إلى الشمال. من بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع، أخبرنا عن الأسباب التي تدفعه للعودة لأقصى نقطة في شمال القطاع قائلا: "أود أن أذهب للشمال لإخراج جثة أبي وأخوتي الثلاثة الذين استشهدوا قبل 5 أشهر وما زالت جثامينهم تحت ركام المنزل، أود أن أكرمهم بدفنهم في قبر يليق بهم، وأن أودعهم وأن أقيم لهم بيت عزاء على أنقاض منزلنا".
إعلان فشل الرهان الإسرائيليأفشل صمود الفلسطينيين مخططات إسرائيل جميعها. فقد أرادت إفراغ الشمال من سكانه، وطرح مسؤولون إسرائيليون تنفيذ ما يعرف بـ"خطة الجنرالات"، و"الجزر الإنسانية"، وتشجيع هجرة المستوطنين إلى شمال القطاع لإقامة تجمعات استيطانية داخلها كما كان عليه الوضع في غزة قبل 20 عاما. كان الهدف الإسرائيلي من وراء ذلك هو محاولة اجتثاث أي مظهر من مظاهر الحياة في شمال القطاع، على أمل أن يساهم ذلك في مغادرة من تبقى من الفلسطينيين والاتجاه نحو الجنوب، تمهيدا لضم هذه المناطق للمستوطنات الإسرائيلية المحاذية لغزة كتوسيع مستوطنة سديروت عبر اقتطاع أجزاء من بلدة بيت حانون لضمها إليها.
فشلت هذه المخططات الإسرائيلية، على الرغم من أن عدد من تبقى مرابطا في مدينة غزة ومحافظات شمال القطاع رافضا النزوح نحو الجنوب لم يتجاوز 300 ألف مواطن وفقا لأرقام مكتب الإعلام الحكومي بغزة، هذا مع الإشارة إلى أن عدد من غادروا مدينة غزة ومحافظات شمال القطاع نحو الجنوب تجاوز المليون نازح وفقا للأونروا.
يحمل الفلسطيني مفتاح منزله الذي أُخرج منه أيام النكبة، ويورثه لأولاده حتى يعودوا، ويبدو أنهم قد بدؤوا العودة بالفعل. لا تمثل العودة حق الفلسطيني في السيطرة على الأرض، بل إلى حقه التطلع إلى العدل والكرامة وإعادة التاريخ إلى مساره الطبيعي الذي قطعه الاحتلال.
وإذا كان مشهد زحف الفلسطيني عائدا لأرضه مهيبا وملهما، فإن الرسالة التي أوصلها التقطتها إسرائيل بكل وضوح.
ففي صباح اليوم التالي لبدء عودة الفلسطينيين إلى ديارهم المدمرة الجميلة كتب المحرر العسكري لصحيفة هارتس الإسرائيلية عاموس هاريل إن "مشهد عودة حشود الفلسطينيين سيرا على الأقدام يحطم وهم النصر المطلق الذي ظل نتنياهو ومؤيدوه يعدون به طوال الأشهر الماضية".
وفي أسى ظاهر قال هاريل إنه بالنظر إلى الصورة الكبرى، فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قدمت بعض التنازلات التكتيكية استجابة لضغوط التفاوض، لتحقيق فوز إستراتيجي كامل، بعودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع، وهو ما يمنع نتنياهو من مواصلة الحرب، ويسمح لحماس بإعادة بناء قواتها في الشمال، والتي لم تنسحب في أي مرحلة من القتال. وبوضوح شديد يقول هاريل: "يسحق صمود حماس على الأرض أي تهديد إسرائيلي بتهجير الفلسطينيين أو بنكبة ثانية".
إعلانلكن ليس صمود حماس وحدها هو ما فعل ذلك، بل عناد الفلسطيني في كل مكان. ولا تمثل العودة إلى شمال غزة إلا بداية تحقيق الحلم للفلسطينيين. إن مشاهد الحشود الفلسطينية العائدة إلى شمال قطاع غزة لا تؤكد فحسب على أن العودة حق سياسي، بل أساس لهوية الفلسطيني وذاكرته ومستقبله. فلا يفهم الإسرائيلي أن العودة لا تهدف إلى استعادة البيوت التي هدمها أو الأرض التي دمرها فحسب، بل إلى إجبار العالم على الاعتراف أن هذه أرض الفلسطينيين، كما سيُجبر على الاعتراف أن كل فلسطين أرضهم.