إلى المعنيين.. هُنا شاطئ الفزايح
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
سعيدة بنت أحمد البرعمية
شاطئ الفزايح واحد من أجمل الشواطئ البكر في ولاية رخيوت بمحافظة ظفار غرب مدينة صلالة، لا يبتعد كثيرًا عن شاطئ المغسيل، ظلّ هذا المكان على مرّ السنوات الماضية وإلى يومنا بعيدا عن عناية المعنيين وهذا على ما يبدو سبب افتقاره إلى أبسط الخدمات وأقلها؛ حيث إنه لم يحظ بشق طريق مُعبَّد ولا إنارة لتسهيل وصول الزائر؛ فالقاصد للفزايح يتكبد عناء الطريق الانزلاقي الوعر المنحني ويتعرّج من خلاله إلى أن يصل إلى رمال الشاطئ، هذا مع الغياب التام لكافة الخدمات التي من الممكن أن يتصور الزائر وجودها في الشواطئ حتى المظلات.
يزخر الشاطئ بالكثير من المقومات السياحية الطبيعية الفريدة التي تميزه عن بقية الشواطئ فهو يقع في مساحة التقاطع بين الجبل والبحر، يتميز بجماله الآسر وصخوره الرسوبية ذات الأشكال والأحجام المختلفة المتناثرة بطريقة عشوائية مذهلة ما بين البحر والشاطئ لتمتد إلى سفوح جبل عقبة أقيشان المحاذية للشاطئ، ورماله الفضية وإطلالاته الطبيعية كشرفات منحوتة بطرق متباينة تُشرِف من جهات مختلفة على البحر والجبل في آن واحد لتتولى الأمواج عزف معزوفة الجمال أمامها.
ما يُميّز شاطئ الفزايح عن غيره من شواطئ المحافظة هو طبيعة المكان وميزته فهو ليس شاطئا فحسب كبقية الشواطئ؛ إنما استحواذه على مجموعة أخاذة من مختلف مقومات السياحة كالكهوف الصغيرة التي من الممكن أن تخدم المكان باستغلالها بطرق مبتكرة، والإطلالات والنوافذ الطبيعية المغلقة والمفتوحة، وجمال الصخور المتباينة، ولون الرمال الفضية، والسفوح الجبلية والهضاب ما بين الجبل والبحر، بالإضافة إلى الأمواج الثائرة على زرقة البحر والمتسابقة ليل نهار لمصافحة الصخور، إضافة للغطاء النباتي المميز كبعض أشجار العود واللبان وغيرها، والشواهد التاريخية حيث إن المكان قديمًا كان مرفأ مريحاً وفيه ثلاثة أبراج للمراقبة في حقبة تاريخية مُعينة، أحد هذه الأبراج على أكبر صخرة في المكان وهذا ما أكسب الفزايح خاصية فريدة في الجمال الطبيعي المتعدد.
وللغروب في الفزايح حكاية أخرى لا يفهمها سوى مطاردو أذيال الغروب؛ فعندما تقترب الشمس من الجبال لتتوارى خلفها تبدو وكأنها حسناء حزينة تعتزم الرحيل تمشي الهوينا على قمة الجبل مسدلة أذيال ثوبها الطويل الفضفاض المطرّز بالذهب والعقيق فوق مياه البحر المتناغمة والمتلألئة مع زهو ألوانه، تجرّه ببطء لتختفي وتختفي أذيالها خلفها بعد حين.
لا شك أنّ الفزائج واجهة سياحية واعدة لا تزال خارج دائرة الضوء كان من الممكن لو أُحسِن استغلالها ووُجه لها العناية الكافية في مرحلة سابقة؛ لكانت الآن بالتأكيد إحدى أهم وأجمل الوجهات السياحية في السلطنة، إلّا أنه وبالرغم من عدم وجود الخدمات والمرافق الصحية وأماكن الجلوس ووعورة الطريق الترابي، نرى المواطن والمقيم والسائح يوصلهم شغفهم بالجمال للفزايح نهارًا؛ حيث إن أغلب من يزور المكان يغادره قبل أو أثناء الغروب نظرا لحال الطريق وغياب الإنارة؛ لذا أتمنى أن أرى مشروعًا سياحيًا مختلفًا، يحتوي بجدية وطنية مقومات هذا المكان ويحيط عنايته بكل تفاصيله مع المحافظة على خصوصيته، ليواكب الحضارة وينعش السياحة؛ فالحفاظ على خصوصية مقوماته كلّ واحدة منها على حدة هو ما سيُساعد في نجاح المشروع ويرقى به ليُحقق بعضًا ممّا نطمح إليه بحلول عام 2040.
إنَّ وجود مثل هذه المقومات مجتمعة في مكان واحد، كالسهل الممتنع تمامًا إن لم يتم استغلالها بشكل يُطوّع مقوماته للاستثمار الأمثل، فهذا المكان قابل لأن يكون مشروعًا سياحيًا متكاملًا؛ شريطة أن يحظى بالتخطيط المناسب مع المُحافظة على طبيعته المميزة؛ فالمزيج الطبيعي والتاريخي والأثري المختلف والمثير في كينونته، وعناصر الجمال المختلفة على أوجه متعددة هو السرّ الكامن في ميزته، ولا بأس بإشراك الشباب والاستفادة من أفكارهم في التخطيط والآراء.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحت سماء بيروت.. حيث المكان والمقاومة بطلان لا ينفصلان
تعد إشكالية الإنسان في المكان هي "إشكالية وعي الذات بوجودها وإمكانياتها وحقوقها. وهي مشكلة وجودية"، وهو ما أكدته فاطمة الوهيبي، في كتابها "المكان والجسد والقصيدة المواجهة وتجليات الذات"، وهو أيضا الأمر ذاته الذي توضحه الروائية اللبنانية عواطف الزين، في إطار إبداعي، عبر روايتها الأحدث "تحت سماء بيروت"، والصادرة عن سلسلة الكتاب الفضي، التي يصدرها نادي القصة برئاسة الكاتب محمد السيد عيد، بالقاهرة.
وشهد نادي القصة مساء أمس الاثنين، مناقشة الرواية حيث ناقشها كل من: الكاتب محمد السيد عيد، د.السيد نجم، د.زينب فرغلي، وأدارتها الكاتبة منى ماهر.
بداية تحدثت الكاتبة والقاصة منى ماهر متناولة عنوان الرواية "تحت سماء بيروت"، موضحة ذلك الربط بين البطلة الجميلة "فرح"، والمدينة الجميلة أيضا "بيروت"، فالبطلة هنا تخوض حربا لإثبات ذاتها خاصة أنه ليس سهلا أن تنتقل فتاة من الجنوب لتعيش في بيروت، وفي المقابل هناك حرب أكبر تهدد بيروت وهذه الحرب تعرقل مسيرة بيروت وكما تعرقل حرب البطلة مع المجتمع مسيرتنا، وهي التي تخوض حروبا خلال رحلتها لإثبات ذاتها.
بينما قدمت دكتوره زينب فرغلي ورقة بعنوان "قراءة في أشكال الكتابة عن الذات"، متسائلة: كيف نكتب عن ذواتنا؟ مؤكدة أن الأساليب قد تعددت وظهر حديثا من المصطلحات ما تسبب في إشكالية دارت حول الفرق بين التخيل الذاتي والرواية السير ذاتية، فهل هناك فرق بين المصطلحين أم أنهما يختلفان نتيجة لاختلاف الترجمات فقط؟
مؤكدة أن العلاقة بين الذات والآخر والواقع والمتخيل قد غيبها الجموح البنيوي بما أتته النظرية البنيوية من فكرة موت المؤلف، ولا شيء خارج النص، فانحصر كل شيء في النص، ثم جاءت مرحلة ما بعد الحداثة لتعيد المؤلف إلى مشهد النص بعد إقصائه عن إبداعه، مما جعل المؤلف يعلن عن وجوده الطاغي عن طريق المتخيل الذاتي وغيره.
ثم قسمت دكتورة زينب تناول الذات في الرواية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول أن يتحدث الكاتب عن نفسه بشكل مباشر مثلما فعل العقاد وطه حسين، الشكل الثاني أن يتحدث الكاتب عن نفسه ولكن يكون متخفيا خلف شخصية أخرى ويجعل من نفسه آخر، الشكل الثالث اتخذ من فن الترجمة إطارا جماليا أي حلية، فيتخذ الكاتب الجانب الجمالي إطارا لذاتيته مثل رواية "من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ"، لمحمد مستجاب.
منتقلة للحديث عن العنوان الذي اعتبرته بؤرة الحدث ومثيرا لأفق التوقعات عند المتلقي، مختتمة بالحديث عن أزمة الجنوب، أي جنوب في أي بلد عربي، تعاني فيه المرأة ويلات التقاليد، مردفة بتناول تكنيك السرد الذي اعتمد تقنية الراوي في معظم أحداث الراوية.
د.السيد نجم: مقاومة من نوع آخر
فيما تناول دكتور السيد نجم الرواية من زاويه أدب المقاومة، قائلا إن المحور الرئيس الذي تعبر عنه التجربة، تجربة الكاتبة في ذاتيتها أنها تجربه مقاومة، دوافعها تنويرية، بمعنى مقاومة كل ما يعيق الطموح والعطاء، فالبطله تعيش في الجنوب، وللجنوب تقاليد قاسية جدا، تجاه الأنثى.
مؤكدا أن رواية "تحت سماء بيروت" تعبر عن روح العطاء والإنجاز في شكل تجربة ذاتية، فهي تضم سيرة ذاتيه وبعدا روائيا في آن واحد، فمسألة التخييل والشخصيات الأحدث هي التي تفرق بين السيرة والرواية، وكلها عوامل تتوافر في تلك الرواية.
واستطرد دكتور سيد نجم أن هناك جانبين للمقاومة بالرواية، الجانب الشخصي، وهو تجربة الكاتبة، وكيف أنها قاومت العادات والتقاليد، خاصة أنها تتعامل مع الذكور، ثم تناولت الجانب الخاص بالمقاومة داخل الوطن، ويتمثل في ذكرها للتواريخ والأسماء، فمثلا عن عام 1943 والذي تحررت فيه لبنان، وعام 46 ويمثل جلاء آخر جندي فرنسي عن لبنان، عام 72 يمثل الاعتداء على الجنوب، وهكذا حتى حلول 78 الاعتداء الاسرائيلي على جنوب لبنان واضطرارها للسفر.
مختتما حديثه بأن كل تلك الرموز تعد مقاومة راقية تحفل بكل عناصر المقاومة من البحث عن الهوية، الدفاع عن الأرض والحب.
فيما أكد الكاتب الكبير محمد السيد عيد، أن الكاتبة تحكي عبر روايتها سيرة بيروت وسيرة الوطن عامة وهو لبنان.
مؤكدا أن السيرة هنا تتعامل مع فترة زمنية طويلة، أي مع الشخص في مختلف مراحل عمره، ولكل مرحلة سيرة، فقد اعتدنا في تراثنا أن تدور السير حول حياة الأبطال "ذات الهمة، المهلهل.. " لكن في العصر الحديث لم يعد هناك أبطال، فتم ابتداع نوع جديد من السير، مثلما نرى في رواية "حضرة المحترم"، لنجيب محفوظ، والتي تتحدث عن رجل ينتمي لقاع المجتمع فاستطاع أن يكافح حتى يصل إلى درجة مدير عام، و"الوتد"، لخيري شلبي، التي تتحدث عن فلاحة، إذن فالبطل هنا أصبح من نوع آخر.
منتقلا للتفرقة بين السيرة الذاتية كسيرة وكعمل روائي، مؤكدا أن الرواية تروي السيرة لكنها تحوي خيالا وشخصيات ليست بالضرورة أن تكون حقيقية، فالسيرة توثق بالتواريخ وغيرها.
متابعا أن تلك الرواية هي سيرة ثلاثية: سيرة البطلة، سيرة بيروت، سيرة الوطن لبنان، فهي امتداد لتاريخ وجزء سابق للرواية تتحدث فيه عن طفولة وصبا البطلة، أما تلك الرواية فتتحدث عن مرحلة الشباب، والتي ارتبطت هنا بالمكان، فسيرة البطل لا تنفصل عن المكان، فهما مرتبطان بالضرورة، فسيرة البطلة مرتبطة بالمدينة، وتتحدث في اجزاء كثيرة عن تفاصيل بيروت، حتى المناطق المهجورة كالمنجرة وغيرها، فالمكان هنا حاضر وجزء رئيس ويحوي أحداثا مهمة، فللمكان دور مواز لدور البطلة.
فالبطلة تحكي عن قصة كفاح فتاة نازحة من الجنوب تقرر أن تستقل وتعمل وتثبت ذاتها، وهي أثناء كل هذا تتعرض للكثير من المشاكل التي تواجهها نتيجة جنسها.
فيما قال الكاتب الكبير فؤاد مرسي، في تعليقه على الرواية: نحن لسنا إزاء رواية، وإنما إزاء لعب روائي، هذه الرواية التي تبدو في شكلها أنها تتحدث عن أزمة البطلة "فرح"، إلا أنني لم أستقبل الرواية على أنها رواية "فرح"، فتلك الرواية هي رواية الراوي الذي بدأت الرواية برصد تأمله لبيروت وشوارعها، ويستدعي علاقته ببيروت ويبحث في بيروت عن نقطة محددة يتحد فيها مع هذا المكان ومع الوجود، فإذا به يختار فرح لتكون هي المعادل الشخصي لهذا الموضوع، فتنقلنا الكاتبة من أزمة الراوي لأزمة فرح، ويبدأ الراوي بمتابعة سيرة بيروت عبر فرح نفسها، التي تهزم في النهاية بقيام الحرب الأهلية فتضطر لمغادرة بيروت، كما هو نفسه يضطر لإغلاق الشباك، ويتوقف عن تأمل بيروت ويسحب الستارة ليعلن تبرئته وتبرئة فرح مما يحدث ببيروت.
فهذه الرواية تبدو رواية تبرئة الذات مما حدث، وكان عواطف تقسم نحن لم نفعل هذا، بل كنا نأمل أن تكون بيروت هي الحضن الأوسع والأرحب لنا لكن الحرب فاجأتنا، فغاب هذا الراوي الوجداني النوستاليجي، الذي يقف يتأمل العالم باحثا عن نقطة ما تصبح هي انطلاق لسماء أرحب، ثم يختفي ويظهر، فتلعب معنا الكاتبة تلك اللعبة، فهناك رواية مكتوبة ورواية مسكوت عنها، وهي رواية هذا الراوي التي تطمح عواطف الزين أن يكتبها كل قارئ بنفسه.