لندن – بعد مرور عام على "طوفان الأقصى"، تتواصل في بريطانيا ردود الفعل المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، في حراك وُصف بأنه الأكبر في التضامن مع القضية الفلسطينية في تاريخ البلاد. فقد انطلقت أكثر من 20 مسيرة وطنية منذ بدء العدوان، مما أسهم بشكل واضح -بحسب مراقبين- في سقوط حكومة حزب المحافظين في الانتخابات الأخيرة، وصعود حزب العمال إلى الحكم بعد انقطاع دام 15 عاما.

لكن المظاهرات لم تكن وحدها التطور الأبرز في حركة التضامن الشعبي البريطاني مع غزة، بل توسعت التوعية لتشمل الحراك الطلابي والنقابي، كما اندلعت انتفاضة المجالس المحلية البريطانية لإعادة تقييم ممارساتها الاستثمارية، وتصاعدت الدعوات لسحب الاستثمارات من الشركات المتورطة في تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.

مظاهرة أمام البرلمان البريطاني للمطالبة بوقف حرب على غزة ووقف تسليح إسرائيل (غيتي) احتجاجات تاريخية

وفي هذا السياق، أثنى مدير حملة التضامن من أجل فلسطين في بريطانيا بن جمال على حجم وشكل التضامن في البلاد مع القضية الفلسطينية، مؤكدا أنه "في قلب الرعب الذي تخلقه إسرائيل والذي شاهده العالم أجمع في بث حي، هناك لحظة أمل تشتعل بفضل تضامن الشعوب وصحوتها".

وقال بن جمال، في حديثه للجزيرة نت، "لم يكن هناك لحظات في تاريخ بريطانيا شهدت فيها العاصمة مثل هذه الأعداد من المظاهرات المستمرة منذ حركة السوفرجيت"، وهي حركة انطلقت أواخر القرن التاسع عشر من أجل حق المرأة البريطانية في التصويت.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الدويري بعد عام: حرب غزة حتمية والمقاومة مبدأ وحزب الله بين خيارينlist 2 of 2ما مسؤولية شركات التكنولوجيا عن مجازر إسرائيل في غزة؟end of list

ولفت بن جمال إلى أن مليون شخص تظاهروا في مسيرة وطنية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتوالت المسيرات بعدد مشاركين يصل إلى ربع مليون متظاهر، مضيفا "قبل العدوان، كان لدينا 60 فرعًا، ولكن بعده ارتفعت الحملة إلى 100 فرع، وسجلت 300 ألف مشترك يتلقون دعوات للتظاهر والمقاطعة".

وأكد أن هذه الدعوات ستستمر لوقف العدوان وفرض حظر كامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، موضحا أنه "مع كل هذه المظاهرات، كانت هناك دعوات متزايدة للمقاطعة الاقتصادية بدءا من المنتجات وحتى صناديق استثمار المعاشات".

سحب الاستثمارات

وكشف منسق حملات المقاطعة في المملكة المتحدة لويس باكون أن عدة مجالس محلية قررت سحب استثماراتها المتورطة في تصدير أسلحة لإسرائيل، مثل لجنة استثمار صندوق المعاشات في مجلس إيسلينغتون ولجنة لوشيام وولتهام فورست، لتضع سياسات جديدة تهدف إلى ضمان عدم مشاركة المجالس في تمويل الحروب أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وأضاف بيكون للجزيرة نت "تم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف أي استثمارات في الشركات المتورطة في تصدير الأسلحة إلى إسرائيل"، مؤكدا "ضرورة حماية صناديق المعاشات في العديد من النقابات المحلية من التورط في استثمار أموالها في هذه الشركات".

ولفت إلى أن هذه الإجراءات التي اتخذت حتى الآن تمثل خطوات أولى نحو تحقيق العدالة، حيث تم الاتفاق على تحديث السياسات الأخلاقية لصناديق المعاشات لتشمل معايير صارمة تمنع الاستثمارات في الشركات التي تدعم تجارة الأسلحة مستقبلا. كما تم تشكيل مجموعات عمل لضمان مراقبة التقدم وإصدار تقارير دورية حول مدى النجاح في التخلص من هذه الاستثمارات.

رفع علم فلسطين خلال احتجاج أمام بنك باركليز في لندن تنديدا باستثماراته الداعمة لإسرائيل (رويترز) بنك باركليز

في حديثه عن أثر عمليات المناصرة والمقاطعة التي حدثت خلال العام الماضي، قال بيكون "تزايدت حملات المقاطعة وقطع الاستثمارات لا سيما بنك باركليز بسبب تورطه في الاستثمار بشركات الأسلحة التي تصدر لإسرائيل، ورغم بدء محاولات الترويج لقطع التعامل المصرفي مع بنك باركليز في عام 2022، فإنها لم تلق صدى واسعًا مثلما حدث بعد المجازر في غزة".

وأضاف "رصد مركز المناصرة للمقاطعة إلغاء 4000 حساب بنكي من قبل أصحابها احتجاجًا على تورط البنك في تصدير الأسلحة، كما أُرسلت للبنك عشرات الآلاف من الرسائل للتنديد بهذا التورط وتحذيره بضرورة وقف هذه الاستثمارات أو عدم التعامل المصرفي مع البنك".

وأوضح باكون أن الأمر لم يقف عند التعاملات المصرفية، بل شهدت الفعاليات الثقافية في المملكة المتحدة تحولات ملحوظة بعد تهديد عدد من الفنانين بالانسحاب من المشاركة في مهرجانات موسيقية شهيرة، مثل مهرجان "لاتيتيود" و"داونلود" ومهرجان "جزيرة وايت"، بسبب ارتباط بنك باركليز -أحد رعاة هذه المهرجانات- بشركات تصنيع الأسلحة التي تدعم إسرائيل.

وقد دفع هذا البنك إلى تعليق رعايته لهذه المهرجانات الرائدة في صيف بريطانيا، والتي تُعتبر جزءًا أساسيًا من الثقافة البريطانية.

دعم النقابات العمالية

وعلى صعيد النقابات، أكد مارشال كورتز، وهو متخصص في المناصرة والتضامن، أن مناصرة النقابات العمالية البريطانية لفلسطين ليست بأمر جديد، بل هي امتداد لتضامن دام 20 عامًا.

وأوضح كورتز، في حديث للجزيرة نت، أن النقابات العمالية تلعب دورًا خاصا في المسيرات الوطنية، ليس فقط كونها أكبر مجموعة من المجتمع المدني، بل لأنها دائمًا ما ترفع الصوت لدعم القضية الفلسطينية. وقد ساهمت النقابات في تقديم عرائض عدة في مؤتمر الاتحادات العمالية، خصوصًا تلك المتعلقة بوقف تصدير الأسلحة.

وفي مؤتمر نقابة العاملين في التعليم، كان السفير الفلسطيني حسام زملط متحدثًا رئيسيا، حيث تواصل النقابات جهودها للتأكد من عدم انخراط صناديق استثمار المعاشات في أي تعاملات مع شركات تصدر أسلحة لإسرائيل.

وتحدث بعض أعضاء النقابة للجزيرة نت عن وجود برامج أرسل من خلالها معلمون من بريطانيا سنويا مساهمات لتعزيز القدرات الأكاديمية للمعلمين بفلسطين، إلا أن هذه البرامج توقفت أثناء الحرب، وينتظر العديد من المعلمين استئناف هذه البرامج أملا في الذهاب إلى غزة والمشاركة في إعادة الإعمار.

بجانب الجهود المدنية والحقوقية التي تسعى من خلالها المسيرات الوطنية والنقابات والمجالس المحلية لتحقيق العدالة، فإن حركات طلابية وشبابية متعددة تواصل نشاطها في جميع أنحاء البلاد، مستهدفة مصانع الأسلحة البريطانية.

وقد اتخذت هذه الحركات أساليب أكثر حدة، تشمل أحيانًا رش الألوان الحمراء أو القيام بأعمال تخريبية في عدة مصانع، إضافةً إلى الاستلقاء أمام سيارات مما يعرض حياة هؤلاء المشاركين للخطر، وحققت هذه الحركات نجاحًا ملموسا حيث تمكنت من الإخلال بأنظمة بعض مصانع سلسلة "إلبيت" ودفعها نحو الإغلاق التام.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تصدیر الأسلحة بنک بارکلیز للجزیرة نت فی تصدیر

إقرأ أيضاً:

تراجع ثقة الإسرائيليين بالجيش بعد الفشل في 7 أكتوبر.. خريطة الأحزاب

كشفت نتائج استطلاع للرأي، اليوم الجمعة، عن تراجع حاد في ثقة الجمهور الإسرائيلي بالجيش، وذلك في أعقاب نشر نتائج التحقيقات المتعلقة بالفشل في صد هجوم السابع من أكتوبر لعام 2023، والذي نفذته حركة حماس بشكل مفاجئ وغير مسبوق على قواعد ومستوطنات غلاف غزة.

وأشارت صحيفة "معاريف" العبرية إلى أن الاستطلاع أظهر أن 47 بالمئة من المستطلعة آراؤهم قالوا إن ثقتهم بالجيش تراجعت، مقابل 12 بالمئة قالوا إن ثقتهم زادت، فيما اعتبر 28 بالمئة أن التحقيقات لم تؤثر على رأيهم، بينما لم يحدد 13 بالمئة موقفهم.

وأدى هجوم السابع من أكتوبر إلى قتل وأسر مئات الإسرائيليين، وهو ما اعتبره مسؤولون إسرائيليون إخفاقا أمنيا وعسكريا واستخباراتيا وسياسيا.



وبحسب الاستطلاع، فإن غالبية إسرائيلية تدعم تشكيل لجنة تحقيق رسمية حول هجوم 7 أكتوبر، رغم معارضة مؤيدي الحكومة التي يرأسها بنيامين نتنياهو لهذه اللجنة.

ودعم 87 بالمئة من ناخبي المعارضة و85 بالمئة من ناخبي الأحزاب العربية إنشاء لجنة تحقيق يعينها رئيس المحكمة العليا، بينما أيّدها 33 بالمئة فقط من ناخبي الأحزاب المشكلة للحكومة، مقابل 53 بالمئة عارضوها.

خريطة الأحزاب الإسرائيلية
ولم تشهد خريطة الأحزاب السياسية في الكنيست الإسرائيلي تغييرا جوهريا هذا الأسبوع، بحال جرت انتخابات، وفق الاستطلاع نفسه.

وأظهرت النتائج أن معسكر نتنياهو سيحصل على 52 مقعدا، مقابل 58 مقعدا للمعارضة، و10 مقاعد للنواب العرب. ويلزم الحصول على ثقة 61 نائبا على الأقل في الكنيست المؤلف من 120 مقعدا من أجل تشكيل حكومة، ولكن لا تلوح بالأفق انتخابات إسرائيلية إثر رفض نتنياهو إجراءها في ظل الحرب.



وفي حال عودة رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت - معروف بمواقفه اليمينية المتشددة - إلى الساحة السياسية، فإن معسكر نتنياهو يحصل على 49 مقعدا مقابل 61 لمعسكر المعارضة بقيادة بينيت، ما يتيح إمكانية تشكيل ائتلاف حكومي دون الحاجة إلى دعم الأحزاب العربية، وفق نتائج الاستطلاع.

وذكرت "معاريف" أن الاستطلاع أجري من قبل معهد "لازار" للأبحاث (خاص) على عينة عشوائية من 500 إسرائيلي، وكان هامش الخطأ 4.4 بالمئة.

يشار إلى أن جيش الاحتلال وبدعم أمريكي ارتكب بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 و19 كانون الثاني/ يناير 2025، إبادة جماعية في غزة، أدت إلى استشهاد وإصابة أكثر من 160 فلسطينيا، معظمهم أطفال ونساء، إلى جانب فقدان أكثر من 14 ألف فلسطيني.

مقالات مشابهة

  • خط الرورو.. تصدير 723 طن بضائع مصرية إلى 6 دول أوروبية
  • وزير الخارجية البريطاني يدين الضربات الروسية على أوكرانيا ويصفها بـ«البغيضة»
  • هكذا تحايلت إسرائيل على أميركا لبناء مفاعل ديمونة
  • مندوب تركيا بالأمم المتحدة يطالب مجلس الامن بإجراءات حاسمة ضد تصرفات إسرائيل التوسعية في سوريا
  • القضاء البريطاني يرفض طلبا من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بشأن نهائي دوري الأبطال 2022
  • تستهدف العراق.. الكشف عن خريطة طريق للتعامل مع محور إيران
  • أكبر شركة تصدير لسيارات المعاقين تعلن خسارتها نصف مليار جنيه استرليني
  • تراجع ثقة الإسرائيليين بالجيش بعد الفشل في 7 أكتوبر.. خريطة الأحزاب
  • فتح باب الترشح لانتخاب «نقابة المهن الهندسية»
  • خريطة سقوط الأمطار.. حالة الطقس غدا الجمعة 7 مارس 2025