لا تزال أزمة الاقتصاد السوداني تراوح مكانها بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط تدهور متزايد للأوضاع الاقتصادية في ظل شلل قطاعات الإنتاج وغياب الحلول الحكومية. مع توقف الإنتاج والصادرات، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، يزداد الوضع سوءًا نتيجة لتحكم السوق السوداء في أسعار العملات وانتشار النقود المزيفة.

زيادة الدولار الجمركي وتأثيرها

أثار قرار الحكومة السودانية برفع سعر الدولار الجمركي مجددًا إلى 1250 جنيهًا في أكتوبر 2024 حالة من الفوضى في الأسواق. هذا القرار جاء بعد زيادة سابقة في يناير 2024 رفعت سعر الدولار الجمركي من 650 إلى 950 جنيهًا، في محاولة لتغطية العجز الكبير في الإيرادات. لكن هذه الزيادات تسببت في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، مع عدم استقرار سعر صرف الدولار الذي سجل مستويات قياسية تجاوزت 2750 جنيهًا للدولار الواحد.

تفاقم أزمة النقود المزيفة

إلى جانب أزمة العملات الأجنبية، يواجه الاقتصاد السوداني مشكلة أخرى تمثلت في انتشار النقود المزيفة، خاصة في ولايات دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. أفاد سكان محليون بانتشار عملات مزيفة من فئات 500 و1000 جنيه، مما أدى إلى شلل في التعاملات التجارية في هذه المناطق، وسط تدهور إضافي في الأوضاع المعيشية بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

تداعيات الحرب على الإنتاج والاقتصاد

الحرب أدت إلى خروج 80% من المناطق الزراعية من دائرة الإنتاج، وارتفاع معدلات التهريب في البلاد. كما توقفت صادرات الثروة الحيوانية، وأصبحت الحكومة عاجزة عن السيطرة على الاقتصاد في ظل تمدد الحرب. ومع استمرار غياب الدعم الخارجي، تتوقع تقارير اقتصادية تحول السودان إلى منطقة محفوفة بمخاطر التجارة غير المشروعة والعصابات المسلحة.

تأثير الأزمة على المواطنين

نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، يعاني المواطنون من ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، ونقص حاد في الغذاء والوقود.
الكثير من الموظفين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر، وأصبحوا مضطرين للتكيف مع الظروف الصعبة بتناول وجبة واحدة يوميًا. في نفس الوقت، أغلق العديد من التجار متاجرهم بسبب الركود الاقتصادي وتضاعف الأسعار.

المستقبل القاتم

يشير مراقبون اقتصاديون إلى أن استمرار الحرب سيؤدي إلى انهيار اقتصادي شامل، ما لم تتوقف الحرب أو يحصل السودان على دعم دولي كبير لإنقاذ اقتصاده.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: السودان أخبار السودان الدولار الجمرکی

إقرأ أيضاً:

الاقتصاد والاستدامة.. كيف تؤثر أنماط الإنتاج والاستهلاك على البيئة؟

لو نظرنا إلى المحيط الحيوي الذي نعيش به، لوجدنا أن حجم التحديات البيئية التي تحيط بنا كبير جداً، وتختلف درجة ونوعية التحديات تبعاً لظروف هذا المحيط الحيوي أو ذاك الذي ننتمي إليه سواء على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فمع النمو الاقتصادي والزيادة السكانية في العالم، زادت معها القدرة الشرائية.

 وظهرت أنماط للعيش لم يعهدها العالم من قبل تستنزف موارد الكوكب، بالتالي زاد الطلب على الموارد الطبيعية بشكل عام مثل (غذاء، طاقة، مياه، والمعادن والاخشاب وغيرها)، كما زاد الطلب على المنتجات الاستهلاكية وبالتالي ارتفع معدل إنتاج النفايات، ما أدى إلى تدهور في النظام البيئي بل تراجعت القدرة الحيوية للكوكب على تلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش القائم الآن فظهرت لدينا معادلة البصمة البيئية والبصمة المائية والكربونية وغيرها، كلها مؤشرات تعطينا فكرة حول نمط العيش الذي نحن عليه هل هو معتدل أم مستنزف.

فعلى سبيل المثال، لو عاش كل سكان الكوكب مثل متوسط معيشة سكان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لكنا بحاجة الى 4.5 كوكب لتلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش هذا.

والحقيقة أنه لا يوجد لدينا سوى كوكب أرض واحد من هنا ظهرت فكرة البصمة البيئية وهي أداة لقياس معدل استخدام الأفراد للموارد الموجودة بالأرض مقارنة بالمعدل الذي تحتاجه الأرض لإعادة توفير هذه الموارد من جديد. ووحدة القياس هذه هي أن حصة الفرد من الأرض تعادل 1.8 هكتار عالمي. وهي المساحة التي يحتاجها كل فرد لتوفير ما يحتاجه من هواء وماء وطاقة وغذاء واخشاب وبلاستيك

ففي العام 1961 كانت مؤشرات القياس تشير إلى استخدام 1.3 من قدرة الكوكب، حيث تعتبر هذه النسبة أسرع من عملية تجدد الموارد بـ 30 %. ومثل هذا التوجه أخذ بالتزايد إلى أن وصلنا إلى 1.7 من قدرة الكوكب، بناء عليه فقد أصبح من الضروري فهم دور وأهمية الأصول البيئية لاقتصادنا الوطني ولحياتنا بشكل عام.

فنحن سكان الأرض بتنا نستهلك على المكشوف من مستقبلنا البيئي، فالأصول البيئية في تناقص مستمر بالعالم! مع استمرار البصمة البيئية لدينا بهذا الارتفاع فقد تجاوزنا القدرة البيولوجية للأرض على تلبية احتياجاتنا.

فارتفاع رقم البصمة البيئية للأفراد أو المؤسسات أو الشركات أو الدول، يعني أن نمط الإنتاج والاستهلاك غير مستدامين، يعني أن أثرنا السلبي على البيئة عالي جداً، يعني أن السمعة البيئية للفرد أو الشركة أو الدولة في تراجع، يعني أنه ليس لدينا مسؤولية اتجاه مستقبل الأجيال القادمة.


الاسرة جزء من معادلة البصمة البيئية

البداية كانت وسوف تبقى من الاسرة ومن ثم من المدرسة والمجتمع بشكل عام، فعندما تدرك الاسرة بأنها جزء من معادلة البصمة البيئية بل هي أحد أهم اركان معادلة البصمة البيئية في المجتمع والدولة، أي أن لها دور وعليها مسؤولية، حيث أظهرت دراسة قامت بها اللجنة الوطنية لمبادرة البصمة البيئية بالإمارات حول مسؤولية كل قطاع عن رقم البصمة البيئية في عموم دول الخليج العربي، بأن قطاع السكن مسؤول عن 57 من رقم البصمة البيئية للدولة، في حين قطاع الحكومي مسؤول عن 12 %، وقطاع الصناعة والاعمال مسؤول عن 30 % وبقية القطاعات مسؤولة عن 1 %.

الخلاصة أن قطاع السكن هو المسؤول الأكبر عن ارتفاع رقم البصمة البيئية بالدولة قياساً ببقية قطاعات المجتمع، والسبب في ذلك هو نمط الاستهلاك الذي نعيش به فهو مستنزف للموارد بأكثر مما نحتاج، فنحن نشتري أكثر مما نحتاج ولا نستهلك ما قد اشتريناه. بناء عليه فقد أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2002 أول برنامج لمساعدة السكان تحت عنوان (المستهلك المستدام) أي أن نشتري ما نحتاج إليه ونستهلك ما قد اشترينا، في حين ان نمط حياتنا يمشي بالاتجاه المعاكس تماماً لهذه المعادلة، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك حيث ترتفع معدل انتاج النفايات للفرد الواحد بما يقارب 10 – 15 % وهذا مؤشر على عدم الوعي وعدم المسؤولية.

نمط حياة صديق للبيئة

نؤكد في هذه المناسبة بأن معادلة تغيير سلوك الأفراد أو المؤسسات والشركات في مختلف المواضيع في مختلف دول العالم يخضع لمعادلة ثلاثية الأطراف هي (التشريعات، التوعية، المحفزات) هذه العناصر الثلاث مجتمعة يجب تطبيقها بالتوازي مع بعضها البعض، أي أن التشريعات بمفردها لا تعطي نتيجة والتوعية بمفردها غير مفيدة بالمطلق، وكذلك المحفزات، مثال على ذلك: عدم رمي النفايات بالشارع بات أمراً واقعاً بعد استصدار قوانين تغرم الفرد بملغ 500 درهم، مع حملات التوعية على مستوى الافراد والتحفيز على مستوى الشركات، وهكذا.

وكما يقول المثل العلم في الصغر كالنقش على الحجر، من هنا يأتي دور الاسرة في تكريس نمط حياة صديق للبيئة غير مستنزف للموارد يلبي احتياجات الفرد دون الضرر بالبيئة وبمستقبل الكوكب، هنا يبرز دور الام بصفتها مدرسة في التربية والتعليم بالقيادة والقدوة.

وفي هذه المناسبة نذكر بالاجتماع الذي عقده برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1992 بمشاركة عدد من الخبراء والعلماء منهم 102 من الحائزين على جائزة نوبل و1600 عالم آخر من مختلف الاختصاصات، حيث وجهوا نداءً عاجلاً للإنسانية جمعاء حذروا فيه بأن هناك خطر قادم لا مفر منه ألا وهو “عدم قدرة الأرض على تلبية احتياجات الانسان إذا بقي نمط عيشه على هذا النحو”.

بناء عليه يمكن القول بأننا نحن سكان الأرض في مسار تصادمي مع قدرة الأرض على تلبية احتياجاتنا، قد لا يتمكن المجتمع البشري من الحفاظ على الحياة كما نعرفها اليوم. لذا فإن تغيير نمط العيش والاستهلاك بات أمراً ملحاً، وعلينا أن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين.

مقالات مشابهة

  • أسعار النحاس تبلغ مستويات قياسية.. ما العوامل التي تقف وراء صعودها؟
  • جولد بيليون: سوق الذهب يترقب أزمة التعريفات الجمركية والأوقية ترتفع
  • إصلاح النظام المصرفي السوداني: التحديات والفرص بعد الحرب
  • الاقتصاد والاستدامة.. كيف تؤثر أنماط الإنتاج والاستهلاك على البيئة؟
  • رويترز: أوبك+ تمضي قدمًا في زيادة الإنتاج مايو المقبل
  • الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار
  • 1% زيادة في التضخم السنوي خلال فبراير.. ومسندم الأعلى بين المحافظات
  • أزمة نتنياهو - بار تتفاقم بعد "تحقيق بشأن بن غفير"
  • استمرار ارتفاع أسعار الذهب عالميا بفضل زيادة الطلب
  • 70 جنيهًا ارتفاعًا في أسعار الذهب بالأسواق المحلية خلال أسبوع