طهران- في الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية الدامية التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على غزة، بلغ التصعيد في الشرق الأوسط ما لم يكن بالحسبان قبل عام، لا سيما مع بروز التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، والتسريبات عن جاهزية طهران لصنع القنبلة النووية.

ففي خضم التوتر المتصاعد بين طهران وتل أبيب، يجري سلاح الجو الإسرائيلي مناورات عسكرية فوق البحر المتوسط، تتضمن محاكاة لرحلات طويلة المدى والتزود بالوقود جوا في إطار الاستعداد لضرب أهداف حيوية في العمق الإيراني.

وفي الجانب الإيراني، أضحى الحديث عن ضرورة صناعة قنبلة نووية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية بضرب منشآتها النووية أمرا عاديا في الشارع ومنصات التواصل والصحف الناطقة بالفارسية، حتى دعا حسن الخميني (حفيد الخميني قائد الثورة الإيرانية)، إلى "رفع الردع العسكري في بلاده إلى مستوى أعلى".

وعندما وجه مذيع برنامج "جريان" في القناة الأولى بالتلفزيون الإيراني سؤالا لحفيد الخميني عما يعنيه، أكد أنه "سيقول المزيد حينما يحين الوقت المناسب". في حين اعتبر مراقبون إيرانيون هذا التصريح دعوة لصنع القنبلة النووية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية التي تحظى بأعلى مستويات الدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الأخرى.

مناورات إسرائيلية تحاكي توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية (الجزيرة) فتوى قد تتغير

وبما أن فتوى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بحرمة إنتاج واستخدام أسلحة الدمار الشامل تعتبر الحاجز الأساسي أمام تحول البلاد إلى قوة نووية، توجهت الجزيرة نت بالسؤال عن إمكانية تعديل الفتوى عندما تواجه البلاد تهديدا وجوديا إلى الأستاذ في حوزة قم العلمية الشيخ مهدي مسائلي، الذي رد بالإيجاب دون تردد.

ويميّز الشيخ بين إنتاج القنبلة النووية واستخدامها، موضحا أن حرمة السلاح النووي في الفقه الشيعي يتعلق بآثاره المدمرة والمهلكة للحرث والنسل، ورأى أنه في ظل التهديدات المتواصلة باستهداف المنشآت الحيوية في إيران، قد تشكل فكرة إنتاج القنبلة النووية عاملا رادعا يفضي إلى تهدئة التصعيد وخفض التوتر بالمنطقة من دون استخدامها، أو الاستفادة منها بشكل مدروس ومنضبط.

وبرأي أستاذ الحوزة العلمية، فإن الفقه الشيعي كما يحرم أسلحة الدمار الشامل يحض في الوقت نفسه على الدفاع عن الأمة الإسلامية وضمان مصالحها، وبذلك لا يمكن أن تشكل الفتوى بحرمة استخدام القنبلة النووية ضمانا للأعداء بارتكاب شتى أنواع المجازر ضد المسلمين من دون رادع، وقد تتغير لردع المعتدي وكبح جماحه.

العتبة النووية

في غضون ذلك، قال مدير وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" وليام بيرنز إن إيران قادرة على إنتاج قنبلة نووية في غضون أسبوع، مستدركا -في مؤتمر أمني بجورجيا- أنه ليس هناك دليل على أن المرشد الإيراني علي خامنئي قد تراجع عن قراره الذي اتخذه بنهاية 2003 لتعليق برنامج التسلح النووي.

ولا يُعد حديث بيرنز -عن قرب إيران من القنبلة النووية وقدرتها على إنتاج السلاح النووي خلال أسبوع- الأول من نوعه، إذ سبقه مسؤولون إيرانيون، وعلى رأسهم رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية كمال خرازي، بتأكيدهم على قدرة طهران على صناعة السلاح النووي.

وكان خرازي قد كشف لأول مرة في يوليو/تموز 2022 أن بلاده لديها القدرات الفنية لصناعة قنبلة نووية، مستدركا -في حوار مع قناة الجزيرة- أنه لا قرار في طهران بتصنيع قنبلة نووية بالرغم من ذلك.

من ناحيته، يصف الباحث السياسي، علي رضا تقوي نيا، تصريح بيرنز بشأن قدرة طهران على إنتاج قنبلة نووية في غضون أسبوع بأنه "تأكيد المؤكد مسبقا على لسان الإيرانيين"، لكنه تحفظ على تحديد فترة زمنية لتحول بلاده إلى قوة نووية في حال صدور قرار سياسي من هرم السلطة.

ورأى، في حديث للجزيرة نت، أن إثارة بلوغ إيران العتبة النووية على لسان مدير "سي آي إيه" تأتي في توقيت دقيق للغاية على ضوء النقاشات المتواصلة بين تل أبيب وحلفائها الغربيين بشأن استهداف المنشآت النووية الإيرانية، مضيفا أن الجانب الأميركي يرسل إشارات تحذيرية من القيام بخطوات قد تبرر لإيران صناعة القنبلة النووية.

وباعتقاد تقوي نيا، فإن الأجهزة الأمنية الغربية على معرفة تامة بقدرات طهران لصناعة القنبلة النووية منذ فترات طويلة، وإن فتوى المرجعية الدينية بحرمة السلاح النووي تعتبر فصل الخطاب للأوساط الإيرانية.

وبرأيه، فإن استبعاد بيرنز احتمال تراجع المرشد الإيراني عن قراره بشأن تعليق برنامج التسلح النووي قد يتضمن رسالة للجهات الغربية بأن أي مغامرة فاشلة باستهداف المنشآت النووية الإيرانية قد تساوي التراجع نهائيا عن الفتوى الدينية.

خارطة المواقع النووية في إيران (الجزيرة) فرصة مواتية

ورأى المتحدث نفسه أن الفرصة مواتية لرفع الجمهورية الإسلامية مستوى الردع العسكري والتحول إلى قوة نووية في ظل التهديدات الإسرائيلية بمهاجمة أهداف حيوية في إيران والتحشيد الغربي لإسنادها، مشددا على أن القضاء على المنشآت النووية الإيرانية لن يكون لقمة سائغة للعدو الإسرائيلي، لكنه لن ينجو من تداعيات قراره بمهاجمة العمق الإيراني.

وتابع تقوي نيا أن بلاده قد أخذت أسوأ السيناريوهات بعين الاعتبار في بناء منشآتها النووية وتحصينها تحت الجبال وبعدة طبقات من الخرسانة المسلحة، ناهيك عن أنها وضعت مضادات جوية مختلفة حول المفاعلات التي حرصت على إنشائها وسط البلاد لتتمكن من اصطياد الأجسام المهاجمة قبل الوصول إليها.

من جانبه، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران، رحمان قهرمان بور، إن قدرة إيران على إنتاج القنبلة النووية لم تعد خافية على أحد، وإن التقارير التقنية تؤيد بلوغ طهران العتبة النووية قبل أعوام، لكنه لا يرى في صناعة القنبلة النووية عاملا رادعا حقيقيا.

ويرى الأكاديمي الإيراني أن وجود تهديدات وجودية قد شكلت مبررا للعديد من دول العالم لصناعة القنبلة النووية لموازنة القوة، مضيفا -في حديثه للجزيرة نت- أن الردع النووي لا يتحقق إلا بتوفر الثالوث النووي: القنبلة النووية والصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية والغواصة النووية.

وتابع، أنه في حال صدور قرار سياسي بصناعة القنبلة النووية في إيران، فإن الردع النووي سيبقى منقوصا في ظل عدم امتلاك طهران الغواصة النووية، بالرغم من أنها تمتلك أنواع الصواريخ الباليستية القادرة على حمل الرؤوس النووية.

واستدرك، أن عدم توفر جميع أضلاع الثالوث النووي لا يعني أن القرار بصناعة القنبلة لا يساهم في رفع مستوى الردع، لكنه سيكون ردعا منقوصا، متسائلا عن الهدف الذي ستوجه القنبلة نحوها، وإمكانية استهدافه، ومدى الإجماع الشعبي على صناعة السلاح النووي واستخدامه.

ورغم هذه العوائق، فإنه لا يستبعد مراقبون في إيران أن تكون طهران التي تمتلك طرازات مختلفة من الغواصات قد فكرت بالفعل في حل لإكمال الثالوث النووي، لا سيما في ظل تلويحها بوجود مفاجآت قادرة على تغيير موازين القوة على مستوى العالم وأنها قد تكشفها في الفرصة المناسبة.

المنشآت النووية

تتوزع المنشآت النووية في إيران على 4 أقسام، هي مناجم اليورانيوم، ومراكز البحث، ومواقع التخصيب، والمفاعلات النووية التي تشتمل 5 مواقع رئيسية تقع في مدينة بوشهر على الشواطئ الشمالية للمياه الخليجية، ومدينتي أصفهان ونظنز وسط البلاد، وقرية فوردو القريبة من مدينة قم الواقعة على مسافة 150 كيلومترا جنوب العاصمة الإيرانية، ومدينة أراك الواقعة غرب مدينة قم.

وتؤكد أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أن إيران أقامت العديد من المنشآت النووية المحصنة بشكل محكم جدا في باطن الأرض وفي مناطق متباعدة وبشكل مضلل، مما يجعل من المستحيل على سلاح الجو الإسرائيلي أو الأميركي ضرب جميع هذه المنشآت النووية.

كما أن هناك صعوبة في حصول هذه الأجهزة الاستخبارية على معلومات دقيقة عن المنشآت ذات الثقل الرئيسي في هذا البرنامج النووي، والتي يكفي ضربها لوقف عملية الإنتاج برمتها، إضافة إلى أن هذه المنشآت محاطة بدفاعات جوية قوية تتألف من مضادات للطائرات وبطاريات صواريخ أرض/جو مضادة للطائرات أيضا، كما تخضع لحماية مشددة من الحرس الثوري الإيراني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المنشآت النوویة الإیرانیة التهدیدات الإسرائیلیة السلاح النووی قنبلة نوویة النوویة فی على إنتاج نوویة فی فی إیران

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تتهيأ لضرب النووي الإيراني وتطلع أمريكا على الموعد

ألمح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمس الأحد، إلى إمكانية اتخاذ إجراءات ضد إيران في "الأشهر المقبلة"، وذلك في رسالة التهنئة الأولية التي بعث بها إلى وزير الدفاع الأمريكي الجديد بيت هيغسيث.

وكتب كاتس لنظيره الأمريكي رسالة جاء فيها بحسب ما نقلته صحيفة "جيروزالم بوست"، "تستمر إيران وشركاؤها في تهديد الاستقرار الإقليمي والعالمي. إن الأشهر المقبلة تفرض علينا تحديات تتطلب الاستعداد العسكري لتحقيق أهدافنا الاستراتيجية. وأنا على ثقة من أننا معاً نستطيع أن ننجح، ونخلق استقراراً طويل الأمد ومستقبلًا أفضل للمنطقة". 

Congratulations to @PeteHegseth on your appointment as Secretary of Defense of the United States.

We value the partnership between our countries and will continue to strengthen the US-Israel defense alliance and bring security to the Middle East.

Our partnership is an…

— ישראל כ”ץ Israel Katz (@Israel_katz) January 26, 2025

وقال كاتس مؤخراً، إن إسرائيل مستعدة أكثر من أي وقت مضى لمهاجمة إيران ومنشآتها النووية، وهو الأمر الذي عبر عنه العديد من المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين بشكل متكرر في الأشهر الأخيرة.

"قدرة عالية"

وأشارت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتتالية، إلى أنه منذ الهجوم المضاد الذي شنته إسرائيل ودمر الدفاعات الجوية الإيرانية في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، رداً على هجوم طهران ضد الدولة العبرية بشكل مباشر بنحو 300 صاروخ باليستي في 13 و14 أبريل (نيسان) و1 أكتوبر (تشرين الأول)، "أصبحت المواقع النووية للجمهورية الإسلامية عُرضة للخطر بشكل لا يصدق، وقد أظهرت القوات الجوية الإسرائيلية، أنها قادرة على مهاجمة تلك المواقع بدقة قاتلة". 

إسرائيل تنتظر ترامب لتنسيق هجوم مشترك على إيران - موقع 24ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إسرائيل تستعد لوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ولهجوم مشترك على إيران، يهدف إلى ضرب المنشآت النووية.

بالإضافة إلى ذلك، كتب كاتس، إن "التحالف الدفاعي بين بلدينا يتميز بأهداف وقيم مشتركة تتمثل في السلام والأمن والازدهار. إن الالتزام والدعم الطويل الأمد من جانب الولايات المتحدة لأمن إسرائيل وتفوقها العسكري النوعي يشكل قيمة كبيرة".

تسليح ودعم 

وأكدت إسرائيل والولايات المتحدة مؤخراً صفقات تتعلق بتسليم أمريكا طائرات للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك المزيد من مقاتلات "F-35" و"F-15".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، "منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تخوض إسرائيل حرباً ضد التهديد الإيراني متعدد الأبعاد على 7 جبهات. لقد حققنا العديد من الإنجازات وأضعفنا بشكل كبير أولئك الذين يسعون إلى تدميرنا".

وأضاف أن "دعم الولايات المتحدة أثناء الحرب يسلط الضوء على قوة وأهمية شراكتنا الدفاعية، مما يثبت أنه عندما نقف معاً، نكون أقوى"، كتب كاتز.
وأخيراً قال، "يجب على إسرائيل والولايات المتحدة العمل معاً لتكونا في طليعة القاعدة الصناعية التكنولوجية والعسكرية والدفاعية".

وأدى هيغسيث اليمين الدستورية خلال عطلة نهاية الأسبوع بعد تصويت موافقة ضئيل للغاية بنسبة 51-50 في مجلس الشيوخ، حيث صوت ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ضده بسبب افتقاره إلى أدوار إدارية رئيسية سابقة واتهامات بالاعتداء الجنسي وإدمان الكحول، والتي دفعته واحدة على الأقل إلى توقيع تسوية سرية. 

رغم الاعتراضات..مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على تعيين هيغسيث وزيراً للدفاع - موقع 24أقر مجلس الشيوخ الأمريكي تعيين بيت هيغسيث وزيراً للدفاع في تصويت مثير في وقت متأخر من ليل الجمعة، ليتجاوز تساؤلات عن مؤهلاته لقيادة وزارة الدفاع البنتاغون، وسط مزاعم تناول الخمور بكثرة والسلوك العدواني تجاه النساء.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اختار بشكل أساسي هيغسيث البالغ من العمر 44 عاماً لإلغاء سياسات "الاستيقاظ" في عهد بايدن في الجيش الأمريكي المتعلقة بقبول المتحولين جنسياً، وترقية الأقليات العرقية إلى مناصب أعلى، مع المناقشات حول ما إذا كانت الترقيات المحددة تعتمد على الجدارة أو تخدم لزيادة التنوع، وتوسيع نطاق خدمة النساء في أدوار قتالية معينة.

مقالات مشابهة

  • طهران تتهم الاتحاد الأوروبي بالفشل في الحفاظ على الاتفاق النووي
  • وزير الخارجية الإيراني: لم نتلق أي رسالة من ترامب بخصوص المفاوضات
  • ماهي قنبلة الطقس وهل يمكن أن تحدث في منطقة البحر المتوسط وبلاد الشام؟
  • إيران تُحذر خصومها من قصف المنشآت النووية: سيؤدي لكارثة
  • مع الاستعداد للتفاوض مع ترامب.. طهران تحذر من الكارثة إذا تعرضت المنشآت النووية لهجوم
  • إيران تحذر: أي هجوم على المنشآت النووية سيؤدي إلى "كارثة"
  • السفير المنزلاوي: الأسلحة النووية الإسرائيلية التهديد الأكبر لأمن شعوب المنطقة
  • السفير خالد منزلاوي: الأسلحة النووية الإسرائيلية التهديد الأكبر لأمن وسلامة شعوب المنطقة
  • نائب وزير الخارجية الإيراني: نتشاور مع قطر بشأن الأصول الإيرانية في بنوكها
  • إسرائيل تتهيأ لضرب النووي الإيراني وتطلع أمريكا على الموعد