مكاسب وإخفاقات المحاكم الدولية بتحقيق العدالة للفلسطينيين
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
باريس- بالتزامن مع المعارك الضارية بين فصائل المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية في عدد من محاور التوغل في قطاع غزة انطلقت معارك أخرى قضائية في المحاكم الدولية في لاهاي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقد أصدرت محكمتا العدل الدولية والجنائية الدولية عددا من الإجراءات والطلبات، من أهمها اتهامات بارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، كما صدرت أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.
وفي خلاصة عام كامل من الجلسات المستعجلة والمذكرات أشاد خبراء في القانون الدولي بعمل الهيئتين القضائيتين رغم كل الضغوطات الخارجية، ورغم اعتبارهم أنهما لن تحلا المشاكل بشكل فوري فإنهما تساعدان في إعادة ترتيب القطع على رقعة الشطرنج، بما يتناسب مع قواعد القانون الدولي ونظام روما الأساسي.
يذكر أن جنوب أفريقيا قدمت دعوى ضد إسرائيل لإثبات ارتكابها جريمة إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في حين رفعت نيكاراغوا دعوى أخرى ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك اتفاقية 1948 لمنع الإبادة الجماعية بسبب تزويدها إسرائيل بأسلحة تستخدمها خلال العدوان المستمر في غزة.
التزام نشيطويرى البروفيسور وليام شاباس أستاذ القانون الدولي بجامعة ميدلسكس في لندن أن المحاكم الدولية الرئيسية كانت نشطة بشكل مدهش طوال عام كامل، وذلك منذ بدء العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى".
وأكد شاباس أنه لم يكن يتخيل أن أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة ستولي اهتماما كبيرا للقضيتين المرفوعتين من قبل جنوب أفريقيا ونيكاراغو والرأي الاستشاري القوي الذي صدر في يوليو/تموز الماضي.
من جهة أخرى، أوضح شاباس في حديثه للجزيرة نت أن سقف توقعاته في البداية لم يكن عاليا بشأن المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، لكن الأمور شهدت تغيرا محوريا منذ مايو/أيار الماضي عندما أعلن الأخير تعرضه للتهديد من نواب أميركيين بسبب طلبه إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بدوره، قال الخبير في القانون الدولي جيل دوفير إن اتخاذ محكمة العدل الدولية 3 قرارات عاجلة في إطار دعوى جنوب أفريقيا وإخبارها إسرائيل أنها من المحتمل اتهامها بارتكابها جريمة إبادة جماعية وأن لها الحق في اتخاذ خطوات لوقفها يعدان سابقة تاريخية تُحسب لها.
وتابع دوفير في حديثه للجزيرة نت أنه عند النظر إلى تاريخ جميع القرارات التي أصدرتها العدل الدولية يستوقفنا القرار الشهير الذي أصدرته في قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة عام 1986 حين انتصرت هذه الدولة الشيوعية الصغيرة وتم تنفيذ القرار.
كما أشار إلى أن طلب الرأي الذي تقدمت به الحكومة الفلسطينية للجمعية العامة قبل عامين لمعرفة ما إذا كان الاحتلال العسكري الإسرائيلي قانونيا أم لا وأصدرت المحكمة قرارا نموذجيا بشأنه في 19 يوليو/تموز الماضي اعتمد على جميع أسس قرار "جدار الفصل" لعام 2004، والذي نص على أن الاحتلال العسكري لا يعطي أي حق للمحتل في البقاء، وطالب إسرائيل بوقف البناء فيه.
ومن بين الإنجازات التي سلط دوفير الضوء عليها هي اعتماد كلتا السلطتين القضائيتين الدوليتين تسمية "دولة فلسطين" بدلا من "السلطة الفلسطينية" رغم أنها غير مسجلة في الجمعية العامة، بسبب الحصار الذي تفرضه الأمم المتحدة.
وقدم دوفير وفريقه المكون من أكثر من 600 محامٍ من 15 دولة أول شكوى في الجنائية الدولية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تطالب بفتح تحقيق في الوقائع المنسوبة إلى جيش الاحتلال في قطاع غزة منذ عملية "طوفان الأقصى".
وأوضح الخبير الفرنسي أن قوة الشكوى دفعت المدعي العام إلى إصدار قراره في 20 مايو/أيار الماضي بطلب أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، مشيرا إلى أنه في النظام الأساسي للمحكمة عندما يطلب المدعي العام هذه الأوامر يكون الأمر متروكا للدائرة التمهيدية، وهي لجنة مكونة من 3 قضاة لتحديد التنفيذ من عدمه.
لكن عند بداية عمل القضاة المعنيين على الملف عرقلت المملكة المتحدة الإجراءات في يونيو/حزيران واستأنفت الاختصاص القضائي، مبررة ذلك بالتزام فلسطين باتفاقيات أوسلو، والذي يمنعها من التصرف مباشرة أمام المحكمة، مما أدى إلى إبطاء أوامر الاعتقال.
ولهذا السبب، انتقد دوفير بشدة طول المواعيد النهائية التي تعد من أهم نقاط ضعف المحكمتين الدوليتين، فعلى سبيل المثال لا يزال النقاش مستمرا بشأن الإبادة الجماعية رغم إصدار الأوامر المؤقتة، وقد يستغرق ذلك من 3 إلى 4 سنوات، فضلا عن تأخير صدور قرارات الشكاوى ومذكرات الاعتقال، والتحيزات التي لا تنتهي لأطراف معينة.
وتعليقا على ذلك، وصف دوفير عمل المحكمة بـ"المتناقض"، لأن الغرفة ملزمة بالرد بالتفصيل على الاختصاص القضائي لجميع ملخصات المذكرات الـ80، والتي قدمتها الدول في أعقاب ما سماها "المبادرة الفاسدة من بريطانيا".
في المقابل، شدد شاباس على ضرورة الاعتراف بأن المحكمتين الدوليتين لا يمكنهما أن تكونا ندا للجيش الإسرائيلي، معتبرا أن الاعتقاد بامتلاك 15 قاضيا في لاهاي عصا سحرية للقيام بذلك سيكون ضربا من الخيال.
وعن تأثير الولايات المتحدة على سير الشكاوى المرفوعة ضد إسرائيل يعتبر شاباس أن الولايات المتحدة هي آخر دولة ستتأثر بمحكمة دولية، لأنها تعتبر نفسها فوق القانون، وتضع معايير مزدوجة له وتطبقه على هواها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "لكن التفكير في إمكانية ترويض الولايات المتحدة من خلال محكمتي العدل الدولية أو الجنائية الدولية هو أمر طموح للغاية".
وفيما يتعلق بمذكرات اعتقال نتنياهو، لفت القاضي الكندي إلى مطالبته الجنائية الدولية باتخاذ هذه الخطوة منذ أكثر من 15 عاما، قائلا "ما زلت أنتظر ما سيحدث بهذا الشأن، لكنني أتوقع معارضة شرسة من الولايات المتحدة لقرارات المحكمة رغم أنها دعمت سابقا اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
زيادة الدعموعلى الرغم من أن المحاكم الدولية لا يمكنها تحقيق العدالة وحدها فإن نضال الفلسطينيين ممتد لعقود وهم مصرّون على استرجاع الحقوق كاملة، وكما قال المناضل الحقوقي الأميركي مارتن لوثر كينغ "القوس الأخلاقي للكون طويل، ولكنه يميل نحو العدالة".
وهي رسالة وقضية يؤمن بها البروفيسور شاباس الذي كان رئيس لجنة التحقيق الخاصة في الحرب على قطاع غزة عام 2014، قبل تقديم استقالته نتيجة الانتقادات الشديدة التي تعرض لها من إسرائيل، لأنه كان يطمح لإحالة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وبحكم تجربته في القانون والمجال الأكاديمي، ذكر شاباس أنه قبل عام كان من الصعب للغاية التحدث عن فلسطين وإسرائيل أو استخدام مصطلحات مثل الإبادة الجماعية والفصل العنصري "وإذا فعلت ذلك فستتعرض إلى ما يضر أو ينهي مسيرتك المهنية بأكملها، لكن ذلك تغير بفضل الأحكام الصادرة عن العدل الدولية"، مؤكدا أن السلطتين القضائيتين نجحتا في تعتيم صورة الاحتلال أمام العالم وزيادة عزلته الدبلوماسية أكثر من أي وقت مضى.
ونتيجة لكل مواقف الدول والشعوب حول العالم يرى جيل دوفير أن عدد الجهات الداعمة لفلسطين تزايد، وأصبح التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر إيجابية، مشيرا إلى توليه العمل على اتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تنص على وجوب احترام حقوق الإنسان وتأكيد المحكمة على عدم قانونية المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية.
وفي السياق ذاته، يعتقد الخبير في القانون الدولي أن حلفاء إسرائيل الأوروبيين سيكونون ملزمين بتطبيق أوامر الاعتقال بحق نتنياهو الذي يلجأ إلى أوروبا بشكل كبير، وسيغيرون مواقفهم الداعمة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وكمحام ورجل سلام ومحب للإنسانية -كما يصف نفسه- أعرب دوفير عن صدمته بقرار محكمة العدل الدولية في 19 يوليو/تموز الماضي والمكون من 80 صفحة والذي قضت فيه أن الحل الوحيد هو إنهاء الاستعمار فورا، مضيفا "نشهد اليوم حربا غير متكافئة بين المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن الأرض وبين القنابل والقوة الجوية بتمويل أميركي كبير، لذا لا نزال متشبثين بصوت القانون حتى الرمق الأخير".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات الولایات المتحدة الجنائیة الدولیة المحاکم الدولیة القانون الدولی العدل الدولیة اعتقال بحق فی القانون
إقرأ أيضاً:
هل يحوّل نتنياهو وحلفاؤه إسرائيل لدولة ثيوقراطية يحكمها دكتاتور؟
لم يكن إعلان وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين الأربعاء الماضي عن البدء بخطوات لعزل المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا إلا قمة الجبل الجليدي لتطورات قد تشير إلى تحول إسرائيل إلى "دولة دينية تدار بحكم الفرد الواحد".
وبحسب استطلاع للرأي نشرته القناة 12 الأربعاء الماضي، فإن 42% يؤيدون طرد المستشارة القانونية، مقابل 41% يعارضون ذلك، في حين أجاب 17% أنهم لا يعرفون.
وبيّن الاستطلاع أن 75% من ناخبي الائتلاف الحكومي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يؤيدون الإقالة، مقارنة بـ12% فقط من ناخبي المعارضة يؤيدون هذه الخطوة.
ويعلق المحامي يهودا شيفر، في مقال نشرته القناة 12، أن نتنياهو يقف وراء هذه الخطوة، وهو يفعل ذلك في ظل سلسلة تحركات مدروسة تهدف إلى إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، وإحباط التحقيقات مع كبار المسؤولين في مكتبه.
كما يسعى رئيس الحكومة إلى تعيين مستشار قانوني جديد يكون قادرا على تأخير إجراءات محاكمته، والإدلاء بشهادته في الاستجواب المضاد.
وفي مقال نشرته هآرتس يقول يوسي فيرتر إنه "لم يبق غير 3 أشخاص هم من يقفون في وجه تحوُّل إسرائيل لدولة استبداد قومي مسيحياني على حدود الفاشية، وهم المستشارة القانونية غالي بهار ميارا، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس المحكمة العليا إسحاق عميت".
إعلانولم يخف نتنياهو رغبته في إقالة رئيس الشاباك أو محاصرة رئيس المحكمة العليا عبر لجنة مفوض الشكاوى، ثم جاءت خطوات عزل المستشارة لاستكمال خطة التعديلات القضائية، التي بدأت في فبراير/شباط 2023 وتم تجميد خطواته السريعة بسب الحرب على غزة.
فقد شنّت الحكومة وأذرعها في الكنيست حملة تحريض وتشهير غير مسبوقة على هؤلاء الثلاثة عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الموالية لنتنياهو وحاشيته وحكومته.
وقال موقع هشومريم الحرّاس إن "الهدف وراء انقلاب نتنياهو في فبراير/شباط 2023 هو تجزئة الجهاز القضائي في إسرائيل على نحو يمنح المحاكم الدينية اليهودية مكانة المحاكم المدنية".
ويرفض نتنياهو وقف "خطة الانقلاب القضائي"، رغم كل الاحتجاجات التي كانت قبل الحرب على غزة من قبل المعارضة والتحذيرات الكثيرة بالتمرد في صفوف الجيش والمؤسسة الأمنية، بحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي.
ويضيف عبد الهادي أن هناك تبادل منافع بين نتنياهو شخصيًا وشركائه من اليمين المتطرف، "فالقوانين التي يتم إقرارها تعمل على نجاته من قضايا الفساد التي تلاحقه، كما تضمن بقاءه السياسي عبر تحجم المنظومة القضائية، ويخدم ذلك اليمين المتطرف الذي أعلن صراحة عن هدفه بتغيير وجه إسرائيل من دولة علمانية يحكمها اليسار إلى دولة دينية تحكمها الشريعة اليهودية".
وبحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد عواد، فإن إسرائيل "تتحول فعليًا بوجود الحكومة الحالية ومكوناتها من الصهيونية الدينية والتيار الديني القومي من دولة ليبرالية ديمقراطية إلى دولة ثيوقراطية دينية".
وقال إن اليمين المتطرف يستغل الأغلبية التي يملكها في الكنيست لتغيير وجه إسرائيل، ويقوم بتفكيك المؤسسات التي تمثل فصل السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، والتي باتت مرتبكة أمام هجمة نتنياهو وشركائه ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، لتتحول مع الوقت لأدوات تخدم أهداف نتنياهو الشخصية وشركائه من اليمين المتطرف.
إعلان
المطلوب رأس القضاء
وجاءت خطة عزل المستشارة القانونية بعد أيام فقط من الانقلاب على منصب مفوض شكاوى القضاء، وهي الهيئة الرقابية التي تعالج الشكاوى ضد القضاة، حيث أقر الكنيست قانون تغيير طريقة تعيين المفوض بالقراءتين الثانية والثالثة.
وبموجب القانون سيتم تعيين المفوض من قبل لجنة يرأسها وزير القضاء، الذي يمثل رأس الحربة في انقلاب نتنياهو وشركائه على شكل الدولة في إسرائيل، وسيكون معظم أعضاء اللجنة من الشخصيات السياسية أو الذين يتم تعيينهم بدعم من الائتلاف.
وهذا على النقيض من الوضع الحالي الذي يتطلب من لجنة اختيار القضاة الموافقة على مرشح مقترح بشكل مشترك من قبل وزير القضاء ورئيس المحكمة العليا.
ويصف يوسي فيرتر في مقال نشرته صحيفة هآرتس الخطوات بأنها "وصول إلى حافة الهاوية من صراع دستوري وانهيار النظام الحكومي".
ملاحقة عميتوتهدف هذه الخطوة، وفقا لتوفا تسيموكي في مقال نشر في يديعوت أحرونوت، إلى إقصاء رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية الجديد -أعلى محكمة في البلاد- القاضي إسحاق عميت، وملاحقته قانونيًا بسبب تجاوزات عقارية نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أسابيع.
وإذا خضع عميت للتحقيق والمراجعة يمكن منعه من قيادة لجنة تحقيق حكومية في فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يسعى نتنياهو بكل قوة إلى عدم إقامتها، رغم أن غالبية الجمهور الإسرائيلي يؤيدون إقامتها، وفقا لآخر استطلاعات الرأي المنشورة في الفترة الأخيرة. فبحسب صحيفة هآرتس، أكثر من 70% من الإسرائيليين يؤيدون إقامة هذه اللجنة.
وتشير تقديرات القضاة إلى أنه بمجرد اكتمال تشكيل اللجنة الجديدة التي ستختار المفوض، فإن الوزير ياريف ليفين سيقدم شكوى تأديبية ضد رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت، وستتناول هذه الشكوى المخاوف بشأن تضارب المصالح، وخاصة فيما يتصل بالعقارات الخاصة للقاضي عميت والتي نشرت قبل عدة أسابيع.
إعلانوقد صيغت مسودة شكوى عشية تعيين عميت رئيسا للمحكمة العليا، وتم تقديمها إلى لجنة اختيار القضاة كجزء من "التحفظات" ضد ترشيحه، ورفضت اللجنة هذه المقترحات في نقاش تمّ دون مشاركة الوزير ليفين وأعضاء الائتلاف الذين قاطعوا انتخاب عميت.
ولم يسبق أن تم تقديم شكوى ضد أي رئيس للمحكمة العليا، وفي حال اتخاذ قرار بتشكيل لجنة تحقيق حكومية في الفشل يوم 7 أكتوبر، فإن الائتلاف قد يطرح ذلك كسبب لعدم السماح لعميت برئاسة اللجنة.
دفعت التحقيقات التي شكك فيها نتنياهو، رئيس أركان جيشه الجديد إيال زامير إلى تعيين اللواء احتياط سامي ترجمان رئيسا لفريق فحص التحقيقات التي جرت في السابع من أكتوبر، وتعد هذه الخطوة تشكيكا واضحا في التحقيقات التي تم تنفيذها في عهد سلفه هرتسي هاليفي.
ويضاف لذلك، التغيير الكبير في التعيينات التي أعلنها هاليفي في ديسمبر/كانو الأول الماضي، والتي جمدها وزير الدفاع يسرائيل كاتس بحجة استكمال التحقيقات الداخلية للجيش في أحداث السابع من أكتوبر.
وتشمل التعيينات الجديدة التي تم الإعلان عنها بعد أقل من 24 ساعة من تعيين زامير، حوالي 60 ضابطا برتب عميد وعقيد بمناصب مختلفة، كما شملت تعيين قائد لشعبة العمليات والقيادة الجنوبية.
وخلال حفل التنصيب، خاطب نتنياهو زامير قائلا "نحن نعرف بعضنا بعضا منذ عدة سنوات. لقد أوصيت بك مرتين كرئيس للأركان، والآن للمرة الثالثة، لقد حان وقت زامير، لقد عملنا جنبًا إلى جنب عندما كنت السكرتير العسكري، وحتى في ذلك الوقت كنت معجبًا جدًا بك وبالتزامك المهني".
وبهذه التعيينات يكون نتنياهو قد نجح بشكل أو بآخر في السيطرة على مؤسسة الجيش عبر تسيسها، وما إقالة يوآف غالانت وتكليف كاتس إلا جزء من هذا المخطط الذي جاء معه زامير لتنفيذ سياسة نتياهو وتنفيذ أجندته الشخصية.
كما تضع هذه التطورات الجيش الاسرئيلي وقدراته تحت تصرف نتنياهو الذي يصف نفسه بأنه "ملك إسرئيل وسيد الأمن"، و"هي تأتي ضمن خطوات الانقلاب التي ينفذها بالتوافق التام مع شركائه للوصول الى دكتاتورية الفرد الواحد"، وفقا للمتخصص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي.
إعلان خطورة التوقيتولم تأت خطوة إقالة المستشارة القانونية، أو قانون مفوض شكاوى القضاة، بعيدًا عن المشاكل التي تواجه نتنياهو شخصيا واستقرار ائتلافه من اليمين المتطرف، حيث يأتي توقيت عزل المستشارة -التي هي المدعية العامة الرئيسية في محاكمة نتنياهو- قبيل البدء بالاستجواب المضاد في محاكمته بعد بضعة أسابيع.
ووفقا للمحامي يهودا شيفر، فإن نتنياهو يخشى الاستجواب المضاد أكثر من أي شيء آخر، فالرجل الذي لم يعد على استعداد حتى للوقوف أمام أسئلة الصحفيين، وهو يخاف بالتأكيد من اللحظة التي سيتم فيها مواجهة كل أكاذيبه والتناقضات الواضحة بين شهادته والأدلة الأخرى علناً، الأمر الذي قد يحطم نظرية الاضطهاد واختلاق القضايا أمام الجمهور.
كما لا يمكن فصل توقيت هذه الخطوة عن ظروف الائتلاف، وإقرار الموازنة العامة بحلول 24 مارس/آذار الحالي، ويطالب الحريديم بقانون لإعفائهم من التجنيد قبل التصويت على تمرير الموازنة.
ويتعرض الاستقرار الداخلي في إسرائيل إلى زلزال مستمر منذ بدء المطالبة بالتعديلات القضائية مرورا بفشل السابع من أكتوبر والحرب على غزة، التي استغلها نتنياهو لإعادة تصدير صورة عدوانية جديدة له عبر استغلال شركائه وضمن خطاب شعبوي دموي ضد كل من يعارضه في إسرائيل.
وفي المقابل، تعيش المعارضة في أتون تيه سياسي غير مسبوق، وكل ذلك يصب -وفقا لأبو عواد- "في تحميل المؤسسة الأمنية فشل السابع من أكتوبر وتخليص نتنياهو وشركائه من أي مسئولية عن الفشل".
ولا تكمن خطورة التوقيت على مستوى استقرار ائتلاف نتنياهو، بل القدرة على التحكم في مفاصل الدولة وإيقاعاتها الداخلية أمام معارضة ضعيفة تم تحيديها وتقسيمها.
جبهات متعددة
وعلى مستوى الإقليم -يضيف عبد الهادي- فإن تأثير انقلاب نتنياهو على علاقته بالإقليم خطير في ظل حرب على جبهات مختلفة، يقوم بتسخينها وزيادة التوتر فيها تصريحات وضغوط حلفائه من اليمين المتطرف، وهو قابل لاستمرار حالة الحرب والمغامرات العسكرية على جبهات إيران وسوريا وغزة والضفة ولبنان، ويأتي ذلك في ظل سيطرة نتنياهو على مؤسسة الجيش من خلال التغييرات الأخيرة.
إعلانوقد أجمعت التحقيقات في فشل السابع من أكتوبر، التي نشرها الجيش الإسرائيلي والشاباك والاستخبارات العسكرية، على أن أجواء الانقلاب القضائي لحكومة نتنياهو كانت من أهم دوافع حركة حماس لشن عملية طوفان الأقصى، وقد شعرت بضعف جبهة إسرائيل الداخلية.
وبحسب مقال لرونين بريجمان نشر في يديعوت أحرونوت، فإن إيران وحزب الله وحماس يرون أن إسرائيل "تعيش أزمة حادة غير مسبوقة تهدد تماسكها وتضعفها، والوضع الحالي هو فرصة لتعميق مصاعبها عبر عملية خاطفة ستنتهي بانهيار إسرائيل".
ومنذ أن بدأت حكومة نتنياهو في تنفيذ انقلابها القضائي في فبراير/شباط 2023 حذّر خبراء القانون من أن هذه الإجراءات ستشكك في استقلالية القضاء في إسرائيل، وستفتح الباب أمام الملاحقة القانونية الدولية لضباط الجيش الإسرائيلي وكبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والسياسيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
وبعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يؤاف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، فُتح الباب واسعًا أمام الملاحقات الدولية لضباط وجنود إسرائيليين شاركوا في حرب الإبادة على قطاع غزة.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن عدة قضايا رفعتها مؤسسة "هند رجب"، التي تسعى لاعتقال الجنود الإسرائيليين المتورطين في حرب الإبادة في غزة.
وأعلنت المؤسسة أنها قدمت شكوى في بلجيكا لاعتقال وزير الخارجية جدعون ساعر بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك قبيل زيارته بروكسل يوم 16 فبراير/شباط 2025، كما فتحت سويسرا تحقيقا جنائيا ضد "مشتبه فيه إسرائيلي بارتكاب جرائم حرب" مقيم في البلاد، في الشهر ذاته.
إعلانوأكد المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد عواد أن "استقلال القضاء" هو الحجة التي تستخدمها إسرائيل أمام أي طلبات لفتح تحقيقات أو ملاحقات ضد جنودها ومسؤوليها الأمينين والسياسيين.
وأضاف أن ما يحدث من خطوات ائتلاف نتنياهو لاستكمال الانقلاب القضائي يعني أن هذا القضاء بات مسيسا وغير مستقل، مما يفتح الباب أمام الملاحقات للجنود والضباط المسؤولين عن جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.
وفي الختام، فإن التحولات العميقة في إسرئيل والتي تمس بالدرجة الأولى المنظومة القضائية لا يتوقف تأثيرها على داخل إسرئيل وعلاقتها الإقليمية والدولية، بل ستسفر عن تحطيم "سردية واحة الديمقراطية التي عملت على بنائها عبر أدوات دعايتها المختلفة لأكثر من سبعة عقود".