الكيزان و ثورة ديسمبر المجيدة كفتيلة مدخّنة لن تنطفي
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
أتباع الحركة الإسلامية السودانية دوما خارج التاريخ و يتأهبون الآن لكي يغادرون حتى هامش التاريخ في سيرهم المعاكس لمجد العقلانية و إبداع العقل البشري و المؤكد أنهم سيستمرون في تدمير كل الجسور التي تربطهم بعالمنا المعاصر حيث أصبحت البشرية و لأول مرة في التاريخ بعد الثورة الصناعية تعيش تاريخ مشترك للإنسانية كافة و بالتالي يصبح الإنكفاء و الإلتواء كحيلتين يمارسهما أتباع الحركة الإسلامية السودانية لا تفتحان إلا على نهايتهم التراجيدية و ما أكثر مثقفيهم التراجيديين و هم يقدمون مشروع سياسي لا يمكن تحقيقه على الإطلاق في زمننا زمن عقل الأنوار و أفكار الحداثة.
و المؤكد ما كانت بداياته خاطئة كمن يزرع الريح فلا يحصد غير العاصفة و هذا ما حصل لأتباع الحركة الإسلامية السودانية فهم تراجيديين بلا منازع و يريدون أن يجروا السودان بأكمله الى الهاوية. إنفتاح شهية الكيزان للعودة للسلطة من جديد مؤشر يدل على أن مستوى وعيهم متدني لدرجة بعيدة و خاصة و هم قد صدّقوا بأن الحركة الإسلامية قد حفرت عميقا لكي تتشبث بالحكم في السودان و من طبقات حفرياتها الكامنة ما قامت به اللجنة الأمنية بقيادة البرهان و كباشي مع حركات دارفور بقيادة مناوي و جبريل و معهم مالك عقار و أردول و بهذه السهولة يمكنهم الرجوع للسلطة و بعدها يمكنهم التخلص من جبريل و مناوي و عقار و غيرهم من المغفلين كما تخلصوا من قبل من توابعهم في إنقلاب الكيزان 1989.
المضحك أصبح أتباع الحركة الإسلامية أمثال حسن مكي و غيره من الكيزان يستطيع أن يزيح لثامه و يتحدث كما كان يتحدث قبل سقوط حكمهم و بنفس إبحارهم في وثوقياتهم و يقينياتهم داخل سياجاتهم الدوغمائية و هم مطمئنيين للاهوت القرون الوسطى و كأنه لم يتعظ مما حصل للسنوار و حماس و حسن نصر الله و حزب الله و كيف رأي بعينه كيف ذهب حزب مع الريح و كيف فتحت حماس أبواب الجحيم على نفسها و مواطني قطاع غزة و هذا هو حال الإسلاميين في أي مكان و أي زمان.
فهم خطر على أنفسهم و خطر على المجتمع خطر على أنفسهم لأنهم لم يدركوا بعد بأن زماننا قد أصبحت أحداثه متسارعة لدرجة بعيدة و ها هو منجل الحصاد الأبدي و مكنسة الفنى الأبدي تبداء في كنسهم من على مسرح الأحداث في مصر و بسببهم قد لعب سيسي مصر دور نابليون و قطع طريق الثورة و في تونس قطع الغنوشي بعشريته الفاشلة طريق ثورة تونس و بأوهامهم أضاعوا على السودانيين ثلاثة عقود من حكم التسلط بلا حدود و النتيجة تظهر في تدني مستوى وعي نخب الكيزان قبل أن يفيض تدني مستوى الوعي على بقية النخب المتواطئة مع الكيزان و خطابهم الديني المنغلق.
ها هي الخاتمة في ذهاب حزب الله مع الريح في غضون أسبوعيين لا أكثر بعد أن خطف لبنان و اللبنايين لمدة أربعة عقود و ها هي حماس بعد ثلاثة عقود و قد عرقلت طريق فتح للسلام و حل الدولتين خلال سنة تفقد كل رصيدها و يفقد معها الفلسطيين أي أمل و ها هي غزة بعد سيطرة حماس و هي صنيعة إسرائيلية هدفت إسرائيل لتقويتها لكي تضعف بها فتح خلال ثلاثة عقود ها هي حماس خلال عام تفقد كل أرصدتها و تصبح خارج التاريخ.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الوحيد الذي إنتبه لخطورة الخطاب الديني المنغلق و قال بأنهم معهم و بهم و يقصد رجال الدين لا يمكن أن تحدث عبر فكرهم تنمية و لا يمكن أن تكون هناك أفكار حداثة و قد تجاوزهم و قدم مشروع 2030 و ارتاحت السعودية من إزعاجهم و بداءت أول خطواتها في تصالحها مع نفسها و مع العالم.
عليه نقول للنخب السودانية أن الشعب السوداني أنجز ثورة ديسمبر و كان متقدم على نخبه الفاشلة و قد أضاعوا الثورة بتدني مستوى وعيهم حيث غاب السياسي بالمعنى المعاصر و هو المتسلح بالفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية لكي يعبر بالشعب مع أقلية خلاقة تظهر في لحظات إنقلاب الزمن مدركة لمعنى الشخصية التاريخية و هي تنبع من صميم تاريخ الذهنيات لكي تفارق عقل جمعي خانع و مجسد لتاريخ الخوف تجسد بسبب الأفكار المتكلسة التي طرحها الإسلاميين في سيرهم المعاكس لأفكار الحداثة.
و للأسف كان جبن النخب السودانية و عدم شجاعتهم في مجابهة التحدي و التغلب عليه و بدلا من مجابهة التحدي نجدهم قد ساروا في طريق تواطؤهم مع الخطاب الديني و لذلك تجد طرح النخب السودانية المتواطئة مع خطاب الكيزان و من عناوينه المؤالفة بين العلمانية و الدين و المساومة التاريخية بين اليسار السوداني الرث و اليمين السوداني الغارق في وحل الفكر الديني و مهادنة الطائفية و الشيوعية السودانية المتكلسة و كذلك نجد تواطؤ اليسار السوداني الرث في حوار حول الدولة المدنية و في آخر مطافه يقدم علمانية محابية للأديان في طرح محمد ابراهيم نقد.
تواطؤ النخب السودانية و إلتواءهم مع خطاب الإسلاميين جعل الساحة السودانية لا تستطيع أن تقدم شخصيات تاريخية تظهر في لحظة إنقلابات الزمان كلحظة ثورة ديسمبر قد ولدت الثورة في غياب شخصية تاريخية مثل مارتن لوثر كشخصية تاريخية قد تحدى تاريخ الخوف و قدم فكرة الإصلاح الديني في لحظة إنقلاب زمان أو روزفلت أيام الكساد الإقتصادي العظيم و قد أحاط نفسه بالمشرعيين عندما أدرك بأنه في لحظة إنقلاب زمان فيه تنتهي فلسفة التاريخ التقليدية و على يدية تولد فلسفة تاريخ حديثة و بالتالي أن الليبرالية التقليدية في طريقها للأفول لكي تحل مكانها ليبرالية حديثة.
لهذا أي بسبب غياب الشخصية التاريخية التي تسوق أمواج ثورة ديسمبر يعتقد أمثال حسن مكي و عبد الوهاب الأفندي و غيرهم من من تخلّقوا في رحم الحركة الكيزانية السودانية بأنهم على موعد دائم مع التاريخ و موعد مع الحضارات و هيات و نقول لهم الموعد مع التاريخ و الموعد مع الحضارات عمره لا يخرج من اليقينيات و الوثوقيات بل يخرج من غياهب الشك و مشاريع النقد التي تفعّل القطيعة مع التراث الديني المؤدلج و تفتح على نزعة إنسانية لاتفسرها غير معادلة الحرية و العدالة في الفكر الديمقراطي الليبرالي بعيدا عن أوهام مشاريع الإسلاميين و دكتاتورية البروليتاريا عند أتباع الشيوعية السودانية المتكلسة و كلاهما أي الشيوعي و الكوز لم و لن ينتصرا للفرد و العقل و الحرية و كلاهما ثمرة لا تنبت غير نظم شمولية بغيضة و لا يقل قبحهما عن النازية و الفاشية و لكن بسبب غياب الشخصية التاريخية في السودان فقد أزهرت أزهار الشر في السودان و ظهرت في تكلس الشيوعية السودانية و تواطؤ النخب السودانية مع خطاب ديني مؤدلج.
فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي في مذكراته يتحدث عن خنوع النخب المصرية في زمن جمال عبد الناصر خلال عقدين و الى رحيل عبد الناصر يقول عبد الرحمن بدوي أن النخب المصرية قد صارت على مستوى من تدني الوعي يثير الرثاء و فقدت النخب المصرية الصفات التي تمكّنك و تجعلك أن توصفهم بأنهم قدر المسؤولية و أغلبهم تابعيين للمخابرات و الأمن المصري يتلصصوا و يتجسسوا على بعضهم البعض و لا يمكن أن تثق فيهم من أعلى مستواياتهم الى أدنى مستوياتهم.
لذلك قال عبد الرحمن بدوي أن عبد الناصر قد خلق في النخب المصرية الإلتواء و عدم مجابهة أي تحدي و معه الشيوعيين في مصر بسبب ضجيجهم قد دمروا كل قنوات الثقافة و كل مجال يمكن أن يساهم في تنمية الوعي و المضحك أن عبد الرحمن بدوي يتحدث عن عقدين لجمال عبد الناصر فما بالك بالنخب السودانية و هي تحت نير الكيزان لثلاثة عقود و كيف تتخيل تدني مستوى وعيهم لدرجة تحجبهم عن كتابات اماني الطويل و هي تكتب بروح المخابرات المصرية و أمثالها جعل عبد الرحمن بدوي يقطع العشم في أي إصلاح سيحدث في مصر في ظل نخب أغلبها تتلصص و تتجسس على بعضها البعض من أعلى الهرم في الدولة الى حضيضه.
و المحزن نخب مصرية بهذا المستوى المتدني الذي تحدث عنه فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي يستطيعون عرقلة التحول الديمقراطي في السودان و أقصد ليس لذكاءهم الفائق بل بسبب تدني وعي النخب السودانية الذي يسجل درجة أقل في مستوى الوعي من وعي النخب المصرية المتدني و قد تحدث عنه فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي و لمن أراد المزيد فليقراء مذكراته.
ما وددت قوله في هذا المقال هو أن بإمكان هي مجموعة إسلامية سواء كانوا كيزان أو حماس أو حزب الله في لبنان يمكنهم إختطاف بلد بأكمله و قد حدس في غزة من قبل حماس و في لبنان من قبل حزب الله و في السودان من قبل الكيزان و النتيجة واحدة. و بالتالي كي لا يذهب السودان مع الريح عليكم أن تدركوا أن ثورة ديسمبر مفصل زمان فإنها تفصل بين قديم لا يمكن بعثه و في نظر الكوز ماضي ذهبي و جديد يفتح على الحرية و العدالة و لا يتحقق بغير الفكر الليبرالي و عودة العقلانية و الأخلاق كإبداع عقل بشري بعيدا عن دولة الإرادة الإلهية و ألاعيب تجار الدين من كل شاكلة و لون.
و الجديد من الفكر في العادة يجد صعوبة لكي يقبل كما حدث ذات يوم للسيد المسيح فقد وصف طريقه و بشارته بأنها فكرة هشة و ضعيفة و لكنها بمثابة قصبة مرضوضة لن تنكسر و فتيلة مدخنّة لن تنطفئ و هي كانت تمثل بدايات العلمانية الساذجة و بعدها قد أصبحت متحكمة في أوروبا لألف عام و بعدها جاءت الشخصيات التاريخية و قدمت الإصلاح الديني و تجاوزت لاهوت القرون الوسطى المشابه للعقل الكيزاني السائد الآن.
و بالتالي ثورة ديسمبر في السودان تجاوز لفكر الكيزان الذي لا يشبهه غير لاهوت القرون الوسطى و قد حان الوقت لتجاوز الفكر الديني و ألاعيب أتباع الفكر الديني من كل شاكلة و لون و بالتالي ستظل ثورة ديسمبر فتيلة مدخّنة لن تنطفي و ستفصل عقل اللاهوت و عقل القرون الوسطى في السودان عن عقل مستقبل الثقافة في السودان أي مستقبل الثقافة الآتي من تراث الإنسانية و خاصة أن تاريخ الإنسانية لأول مرة في التاريخ قد أصبح تاريخ واحد لكافة البشرية منذ قيام الثورة الصناعية و هذا التاريخ المشترك للإنسانية يتطلب جهد جديد من النخب السودانية لإدراكه و من ثم يمكننا التعامل معه و عدم إدراكه وسط النخب السودانية ما يشجع أمثال البرهان على القيام بإنقلاب بائس يريد أن يرجع به عقارب الزمن الى الوراء أي الى زمن الكيزان البائس و هيهات.
taheromer86@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النخب السودانیة القرون الوسطى ثورة دیسمبر تدنی مستوى فی السودان عبد الناصر حزب الله یمکن أن لا یمکن من قبل
إقرأ أيضاً:
الآثار السُّودانيَّة … إنهم يسرقون التاريخ!
(1)
قبل عشر سنوات من تاريخ نشر مقال الدُّكتور الدبلوماسي حمد عبد العزيز الكواري، رئيس مكتبة قطر الوطنية، بعنوان "السُّودان … جرح الحضارة النَّازف: تدمير المتحف القوميِّ السُّودانيِّ"، أعدَّ الصَّحفيَّان رجاء نمر وحسن أبو الرِّيش تحقيقًا صحفيًّا عن الآثار السُّودانيَّة بعنوان "الآثار السُّودانيَّة: إنَّهم يسرقون التَّاريخ"، نشرته صحيفة التَّيَّار في يوليو 2015. تناول الصَّحفيِّان المشار إليهما في ذلك التَّقرير موضوع سرقة الآثار السُّودانيَّة، وعرضا بشكل مفصَّل التَّهديدات الكبيرة الَّتي تواجه التُّراث الثَّقافيَّ والتَّاريخيَّ في السُّودان. وأبانا حجم الاعتداءات والسَّرقات، الَّتي تعرَّضت لها الآثار السُّودانيَّة من قِبَل عصابات النَّهب المحلِّيَّة والأجنبيَّة. وأشارا إلى الدَّور الَّذي تقوم به مافيا الآثار في المناطق الغنيَّة بالموارد الأثريَّة مثل مرويِّ البجراويَّة وجبل البركل. والآن يشهد السُّودان أكبر عمليَّة نهب في تاريخه، بعد العمليَّة الَّتي قام بها الطَّبيب الإيطاليُّ جوزيبي فريليني (1797-1870)، الَّذي رافق حملة غزو محمد علي باشا للسُّودان عام 1820. وبعد انتهاء خدماته مع الجيش الغازي عام 1934، أخذ فريليني إذناً من خورشيد باشا، حكمدار عام السودان؛ للتنقيب في بعض المواقع الأثرية، ثم شدّ رحاله إلى مرويِّ البجراويَّة ومنطقة جبل البركل ونوري، وقام بتفجير العديد من الأهرامات بحثًا عن الذَّهب والمجوهرات الكوشيَّة. ويقال إنَّه قد سرق مقتنيات مقبرة الملكة أماني شكتو (Amanishakheto)، وبعد عودة إلى بلاده سارع بعرضها على المتاحف الأوروبِّيَّة في ميونخ وبرلين. وقد وثَّق لهذه العمليَّة الإجراميَّة بول ثيروكس (Paul Theroux)، الرِّوائيَّ الأمريكيَّ، الَّذي أكَّد أنَّ فريليني قد قام بنسف قمم الأهرامات بالدِّيناميت، فشوِّهها وأفقدها قيمتها الجماليَّة وطمس أسرارها، وسرق مكتنزاتها الثمينة. والعملية الثانية تحدث الآن أمام أعيننا، حيث نُهبت آثار ومقتنيات متحف السودان القومي وغيره من المتاحف الأخرى. لمزيد من التفصيل، ينظر:
(Yvonne Markowitz and Peter Lacovara, “The Ferlini Treasure in Archeological Perspective”, Journal of the American Research Center in Egypt, Vol. 33 (1996), pp. 1-9).
(2)
متحف السُّودان القوميِّ ونهب آثاره
يُعَدُّ متحف السُّودان القوميِّ في الخرطوم، أكبر المتاحف السُّودانيَّة على الإطلاق. بدأ العمل فيه في النِّصف الثَّاني من ستينيَّات القرن العشرين، واُفتتح عام 1971 في عهد حكومة مايو (1969-1985). ويحتلَّ المتحف موقعًا متميِّزًا في العاصمة الخرطوم، إذ يطلُّ على شارع النِّيل وجوار مبنى قاعة الصَّداقة، ويفتح مدخله الرَّئيس صوب النِّيل الأزرق، وقبل التقاء النِّيلين في منطقة المقرن. وقد صُمَّمت مباني المتحف بطريقة رائعة، إذ يوجد في فناء مدخله الرَّئيس متحف مفتوح، يحتوي على عدد من المعابد والمدافن والنَّصب التِّذكاريَّة والتَّماثيل، الَّتي تعكس طرفًا من الآثار النَّوبيَّة السُّودانيَّة الَّتي غمرتها مياه السَّدِّ العالي، وقد وضعت هذه القطع الآثاريَّة حول حوض مائيّ، تعطي الزَّائر انطباعًا بأنَّها في موضعها الأصليِّ. وكانت قاعات المتحف تحتوي على مقتنيات أثرية من مختلف أنحاء السودان، يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تشمل الآثار الحجرية، والجلدية، والبرونزية، والحديدية، والخشبية، الأدوات الفخارية، والمنحوتات، والصور الحائطية، فضلاً الآثار المسيحية والإسلامية، التي تشكل جزءًا من هوية السودان.
وعندما اقتحمت قوَّات الدَّعم السَّريع مباني متحف السودان القومي في بداية هذه الحرب اللَّعينة تطير العارفون بمقتنياته شرًّا، وبعد تحرير الخرطوم نقلت عدسات القنوات الفضائية أنَّ مقتنيات المتحف قد نهبت. ولذلك وصف الكواري ما حدث بأنَّه: "أمر محزن. . . أنَّ نرى التَّاريخ يباد تحت أقدام الطَّامعين، وأن يُسرق ما لا يعوِّض، ويُطمس ما لا يُقدَّر بثمن." نعم، يمكن إعادة إعمار الأضرار المادِّيَّة التي لحقت بمباني المتحف، و"لكن كيف يُعاد ما سُرق؟ كيف تُبعث من جديد قطع أثريَّة عمرها آلاف السِّنين؟ كيف يُعوِّض شعب تُسلب ذاكرته وهو ينزف؟ إنَّ ما يحدث في السُّودان ليس مجرَّد حرب على السُّلطة، بل هو جريمة في حقِّ الحضارة، جريمة ترتكب أمام أعين العالم، الَّذي يراقب بصمت، بل ويُسهم البعض في إشعالها. وما يُؤلم أكثر، أن تُمحى آثار هذا البلد العظيم، بينما أهل السُّودان يُواجهون القتل والتَّشريد والجوع، ويُترك وطنهم فريسةً للصِّراعات وأطماع العابثين."
(3)
أسئلة الكواري تحتاج إلى إجابات ممكنة؟
عليه يُرفع النداء إلى أبناء السُّودان الحادِّبين على الحفاظ على آثارهم التَّاريخيَّة أن يشرعوا في القيام بحملة لإعادة ما نُهب. فمقتنيات السُّودان الأثريَّة ليست لها علاقة بدولة "56" المزعومة، بل تشكِّل جزءًا من تاريخ البلاد وهويَّتها، والشعب الذي لا يحافظ على تاريخه، لا يستطيع أنَّ يبنّي مجدًا حاضرًا. فالإجابة عن أسئلة الكواري تحتاج إلى وعي بقيمة الآثار المنهوبة، وإلى عمل منظَّم يبدأ بالحفاظ على الموجود، والبحث عن المنهوب وسبل إرجاعه؛ وذلك عملًا بالمثل السُّوداني القائل: "الجفلن خلِّهنَّ أقرع الواقفات". فنبدأ بالحفاظ على الموجود، ثمَّ نشرع في استرداد المنهوب. فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
ahmedabushouk62@hotmail.com