ماذا ستفعل موسكو إذا استفزتها تل أبيب في سوريا؟
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
ما تناقلته وسائل إعلام عربية وغربية حول قيام الدفاعات الجوية السورية والروسية بالتصدّي لهجمات إسرائيلية استهدفت مواقع في مدينة جبلة السورية القريبة من قاعدة حميميم التي تتركّز فيها القوات الروسية، لا يثير فقط تساؤلات حول حقيقة هذا الخبر من عدمه، بل يفتح الأبواب على تساؤلات أهم ترتبط بالتطورات والتغيرات الدراماتيكية المتسارعة في المنطقة، تلك التبدلات التي يمكن أن تطال الدور الروسي السياسي والعسكري فيها.
وبصرف النظر عن حقيقة مشاركة الدفاعات الجوية الروسية بالفعل في عملية التصدّي، أم كون الأمر لا يعدو عملية إثارة إعلامية تهدف لاستدراج موسكو أو إجبارها على تقديم موقف قد لا تكون معنية في الظرف الراهن بتوضيحه، فإن هذه الفرضيات تطرح على بساط البحث مقاربة صناع القرار في روسيا للتطورات الأخيرة في المنطقة، على ضوء توسع رقعة الاشتباكات والانخراط الإيراني المباشر فيها.
من وراء الكواليسيجب، بداية، الانتباه إلى أن هذا الخبر عمل على ترويجه ما يسمى بالمرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن، حيث أبلغ عن سلسلة من الانفجارات القوية في المدينة، سمعها السكان المحليون. وزعم المرصد أن صدّ الهجوم لم يقتصر على دور قوات الدفاع الجوي السورية فحسب، بل شارك فيه عسكريون روس، نظرًا لأنّ قاعدة القوات الجوية الروسية تقع على مسافة ليست بعيدة عن المدينة.
وبحسب تقارير صحفية عربية وغربية، فإن هدف الطيران الإسرائيلي كان طائرة نقل عسكرية قامت بتسليم شحنة أسلحة من إيران لمقاتلي حزب الله اللبناني.
ولكن ليس من نافلة القول إن بريطانيا، التي يعمل هذا المرصد انطلاقًا منها، لا تعرف كل شيء فحسب، بل إنها تعرف أيضًا متى ومن يجب أن تتهم. ولذلك، فعلى الأرجح، فإن الأمر لا يعدو هجومًا من قبل وكلاء بريطانيا الافتراضيين تحت علم إسرائيل التي بدأت منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي استنفاد "شفراتها" بشكل دمويّ لا يخلو من علامات الجنون المصحوب بالتخبط.
في كل الأحوال يجب ألا نُخرج من الحسابات، التوتر الذي يحيط بالعلاقات الروسية الإسرائيلية في المرحلة الراهنة، والذي يبدو أن الطرفين لم يعودا يحرصان على إخفائه، خلافًا للتقليد الذي كان قائمًا حتى وقت قريب.
محاذيريضاف إلى ذلك أيضًا أن الإسرائيليين لطالما تجنبوا تنفيذ هجمات في سوريا قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بالجيش الروسي المتمركز هناك حتى لا يثيروا صراعًا مع موسكو. فقد درجت العادة أن تتركز هجمات الجيش الإسرائيلي في الجبهة السورية على أهداف تابعة للحكومة السورية أو الإيرانيين.
لكن بعض وسائل الإعلام تشير إلى أن هدف الهجوم كان مستودعَ ذخيرة روسيًا. ومع ذلك، هناك شكوك منطقية في أن الروس سيختارون تخزين عتاد بهذه الأهمية خارج قاعدتهم الكبيرة والمحمية جيدًا في حميميم، ويضعونها بدلًا من ذلك في مدينة جبلة القريبة. بمعنى آخر، لم تكن هناك ضربة لقاعدة حميميم نفسها. ومن حيث المبدأ، فإن الهجوم غير مرجّح في هذه المرحلة؛ لأنه سيؤدّي إلى تصعيد غير ضروريّ.
لكن في الوقت نفسه، تزايدت أسئلة السوريين حول سبب عدم مساعدة الدفاع الجوي الروسي في صد هجمات الجيش الإسرائيلي على أهداف داخل البلاد؟
يمكن هنا الافتراض بأن هذه الحادثة قد تضيف حجرًا جديدة إلى جدار انعدام ثقة السوريين تجاه روسيا. فرغم أن الهدف كان جبلة، فإن الصواريخ الإسرائيلية شكلت خطرًا جسيمًا على المناطق المحيطة. فتفجير المستودعات التي كان يستخدمها الإيرانيون والسوريون في مكان قريب نسبيًا من حميميم يحمل بشكل أو بآخر مضمونًا غير سارّ لموسكو.
ونظرًا لأن الإسرائيليين يتصرفون الآن دون عقاب، ولأن الجانب الروسي يقتصر على الدعوات لوقف تصعيد العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات، فإن مثل هذه الحوادث قد تتزايد في المستقبل على نطاق واسع وتؤدي إلى عواقب أكثر مأساوية.
علاوة على ذلك، فإن ضرب قاعدة جوية، تعد أرضًا ذات سيادة روسية داخل سوريا، بحجة وجود وفد أو طائرة إيرانية هناك، قد يشكّل شرارة اشتباك روسي إسرائيلي وإن بشكل غير مباشر.
علاقات تحالفدعونا نتذكر أن الإيرانيين هم حلفاء روسيا (تم التوقيع على اتفاق إستراتيجي منذ وقت ليس ببعيد، يفترض أن لدينا، من حيث المبدأ، عدوًا مشتركًا ومسارًا مشتركًا تجاه الإسرائيليين). لكن على أرض الواقع، ليست هذه إلا مجرد كلمات في الوقت الحالي، ولكن الأمور قد تتغير في حال تجاوز إسرائيل الخط الأحمر تجاه القوات الروسية في سوريا.
يصبّ في صالح هذه الفرضية، تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق بأن موسكو قد تذهب إلى تزويد من وصفهم بأعداء الولايات المتحدة بأسلحة عسكرية وتقنيات صاروخية تعزز قدراتهم في مهاجمة المصالح الأميركية. فمن يضمن ألا تقوم موسكو بالشيء ذاته مع أعداء إسرائيل؟
هنا قد تعيدنا هذه الأحداث إلى حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، والتي وإن ترافقت مع تردد القيادة السوفياتية في تلبية كافة احتياجات الجيش المصري، إلا أنها في النهاية كانت تقوم بذلك، وهو ما تشير إليه مذكرات كثير من القادة العسكريين المصريين.
والأهم من ذلك هو ما تمّ الكشف عنه بعد عقود كثيرة من أن الطيارين السوفيات شاركوا مباشرة في إسقاط طائرات إسرائيلية خلال العدوان على مصر. فهل يعيد التاريخ نفسه الآن وفي نفس الشهر ولكن بعد 51 عامًا؟
أيًا ما يكن الأمر، يتم حاليًا إلحاق ضرر جسيم بسمعة القوات الروسية في سوريا. ولا شك أن الإسرائيليين يفترضون أنه إذا لم يتدخل الروس الآن، فسيمكنهم التمادي إلى أبعد من ذلك. ومن سيضمن أن الحكومة الحريدية لن تختار قاعدة حميميم الجوية لتكون هدفها التالي؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی سوریا
إقرأ أيضاً:
للمرة الأولى بعد انتصار الثورة وسقوط النظام… الفرقة السيمفونية السورية تعزف لشهداء سوريا ولمجدها
دمشق-سانا
في ليلةٍ جمعت بين الفن والأمل قدمت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية على مسرح دار الأوبرا للمرة الأولى بعد سقوط النظام وانتصار الثورة حفلاً موسيقياً مميزاً مساء أمس تحت عنوان “للشهداء ولمجد سوريا”، ضمن مبادرة تطوعية تهدف إلى التأكيد على وحدة سوريا وأبنائها عبر لغة الموسيقا التي تتجاوز الحدود وتلامس القلوب.
بداية الحفل كانت بمقطوعة “لشهداء ولمجد سوريا”، حملت في نغماتها روح التضحية والفخر والاحترام لدماء الشهداء الذين كان دمهم طريقاً لانتصار الثورة، وبعدها عزفت الفرقة مقطوعة “الدوامة” للموسيقي عاصم مكارم، التي جاءت كتحيةٍ صادقة للإنسان السوري الذي تعرض للاختفاء القسري مع عرض بصري مؤثر جسد معاناة الغياب القسري وأمل العودة.
بعد ذلك، عزفت الفرقة مقطوعة “القدر” لبيتهوفن من السمفونية الخامسة، التي عبرت عن رحلة الشعب السوري منذ بداية الثورة، مروراً بآلام القتل والتهجير والتعذيب، وصولاً إلى بريق النصر والأمل.
كما قدمت الفرقة مقطوعة “خطوتين من كسارة البندق” لتشايكوفسكي، كرسالة تفاؤلية بأن السوريين سيسيرون معاً لبناء مستقبلٍ يليق بدماء الشهداء .
ورافق كل مقطوعة عرض بصري جسّد المعاني العميقة للعزف، ما أضاف بعداً مرئياً أثرى التجربة وأوصل الرسالة بشكلٍ أقوى، وصولاً إلى ختام الحفل برسالة أمل: “نخطو معاً لبناء سوريا، لأجل غدٍ يليق بنا جميعاً”.
عازفة الفيولا راما البرشا أشارت إلى أهمية هذا الحفل كخطوة نحو إعادة إحياء المؤسسات الثقافية، معربةً عن أملها بعودة الموسيقيين السوريين الذين غادروا البلاد خلال السنوات الماضية، كما دعت إلى تقديم الدعم المعنوي والمادي للموسيقيين لتمكينهم من تقديم المزيد من الحفلات الكبيرة، واستضافة فنانين عرب وأجانب.
من جهته قال عازف الكمان أندريه مقدسي: “هذا الحفل هو تعبير عن مشاركتنا في المشهد الثقافي، وهو رسالة تفاؤل بأن القادم أجمل”، مضيفاً..”اخترنا برنامجاً متنوعاً ليعبر عن الحالة الإنسانية، من تحية للشهداء إلى معزوفات تحمل في طياتها الأمل والانتصار”.
هذا الحفل لم يكن مجرد عزفٍ موسيقي؛ بل كان أكثر من ذلك.. كان رسالة أملٍ وتضامن، وخطوةً نحو بناء مستقبلٍ يليق بسوريا وشعبها.