من كان يتصور أن تتحول سوريا إلى ملجأ للبنانيين وجنسيات أخرى هرباً من حرب الشرق الأوسط المشتعلة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؟
نازحون هاربون من ويلات القصف والحرب وتهديداتها من لبنان إلى سوريا. جملة كانت أقرب ما تكون إلى الوهم والخيال حتى أيام قليلة مضت. لكنها اليوم واقع لا ريب فيه.
تكبدت سوريا ويلات حرب ليست أهلية، بل متعددة الجنسيات متشعبة الأيديولوجيات متضاربة الأهواء على مدار ما يزيد على عقد كامل.
ما بدأ باعتباره ثورة على الظلم والفساد والقمع، والمطالبة بالحرية والكرامة والخبز على أيدى "ناشطين"، تحول إلى صراع مسلح مرير ضلعت فيه عشرات الجماعات المسلحة وأشباه الجيوش والميليشيات، ناهيك عن تحول أرجاء سوريا إلى فناء خلفي لدول كبرى وصغرى تتناحر، سواء مباشرة أو عبر وكلائها، على مصالحها على جثامين السوريين.
نحو 307 آلاف سورى قضوا في الصراع منذ نشوب «الثورة» في مارس (آذار) 2011 وحتى عام 2022، وذلك بحسب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
هذا العدد يعادل واحداً ونصف بالمائة من مجموع سكان سوريا قبل الحرب. كما أنه لا يشمل الوفيات غير المباشرة الناجمة عن الحرب، أى من قضوا مثلاً لعدم قدرتهم على الحصول على دواء أو خدمة صحية طارئة أو النزوح في البرد القارس وغيرها.
أعداد الميليشيات وأشباه الجيوش والجماعات «الإسلامية» المسلحة التى قاتلت في سوريا أكثر من أن يتم ذكرها في مقال. ألوية وجبهات وهيئات وكتائب لا حصر أو أصل معروف لها، لدرجة أن هناك «طالبان باكستان» و«جماعة الإمام البخاري» و«كتيبة سلطان باشا الأطرش» و«غرفة عمليات وحرض المؤمنين» ومئات منها انخرط جميعها في القتال على أجساد السوريين وفي بيوتهم وعلى حساب حاضرهم ومستقبلهم.
وكما يحدث في غزة، وكما يجرى في لبنان (والقوس مفتوح) ترى من يتهمك بالخنوع والذل والاستسلام لأنك ضد «المقاومة» وتعادى «الثورة» وتعشق الظلم والطغيان وتتغاضى عن الحقوق المسلوبة وترضى بالأنفس المكسورة.
وبينما يمر ما يزيد على 300 ألف شخص من لبنان إلى سوريا في أسبوع واحد، مع توقعات شبه مؤكدة بزيادة الأعداد في الأيام القليلة المقبلة، نتذكر جبهة الدفاع عن الحرب، أي حرب، والفوضى باسم الحرية، والقتل والخراب والدمار باعتبارها ثمناً بخساً في سبيل الحرية. لكن المثير أن الغالبية المطلقة ممن يؤمنون بذلك، أو يروجون له، هم من القابعين خلف الشاشات، أو على أقل تقدير، هم يفتوننا في ذلك بينما تفصل بيننا وبينهم آلاف الأميال.
في خضم أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، وبعد ما أيقن البعض أن الميدان يستعد للوقوع في قبضة جماعات الإسلام السياسي، وأن المسألة ليست عيشاً وحرية، إذا بالمفتيين عبر البحار والمحيطات يطالبوننا بالتسليم لـ«دعاة الحرية» حتى وإن كانوا «تجار حرب وسلطة».
وأعود إلى سوريا التى أصبحت ملجأ لآلاف اللبنانيين والسوريين ممن هربوا من «الثورة السورية» إلى لبنان والقادم أكثر دلالة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل عام على حرب غزة إسرائيل وحزب الله إلى سوریا
إقرأ أيضاً:
اللجوء.. وكرم شعب
على خلفية مشاهدتي لبعض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولى الذى اختتم فعاليات دورته الخامسة والأربعين يوم الجمعة الماضي، ناقش أحد الأفلام المعروضة قضية اللجوء إلى الدول الأوروبية هربا من الحروب والويلات وعدم الاستقرار فى بعض البلدان، الفيلم الفرنسي "قابل البرابرة" يدور حول اضطرار بلدة فرنسية بقبول عدد من اللاجئين من أوكرانيا، ولما لم يتبق منهم أحد بعد لجوئهم إلى مدن أخرى تبقت أسرة قادمة من سوريا، فاضطر المجلس المحلي للبلدة على التصويت على قبولهم بالرغم من تحفظات البعض.
واجهت الأسرة السورية الكثير من المتاعب والتنمر والاضطهاد الذى كاد أن يتسبب فى طردهم، قبل أن يحدث موقف إنساني لحالة ولادة طارئة تتدخل فيه ابنتهم الطبيبة لتنقذ الأم والوليد، ليضطر رب الأسرة الذى كان كارها لوجود الأسرة السورية، إلى تقبلهم على مضض نزولا على رغبة زوجته وتهديدها له بأن عليه الاختيار بينها وبين بقاء هؤلاء اللاجئين.
ذكرني ما حدث مع هذه الاسرة السورية ومع ما حدث ومازال يحدث من حوادث عنصرية فى بعض البلدان الأوروبية تجاه اللاجئين وحتى بعض المقيمين هناك، وبين ما يحدث فى مصر من فتح ذراعيها لكل لاجئ لها رغبة فى العيش بأمن وأمان للفارين من هول النزاعات والانقسامات والحروب، وإذا كانت مصر الدولة التى لا تتخلى أبدا عن دورها باعتبارها لأخت الكبرى لكل الأشقاء، فإن هذا الدور ينسحب أيضا على الشعب بأكمله، الذى لم يتذمر ولم يتعامل بقسوة مع من اعتبرهم ضيوفه حتى لو تجاوز عددهم 9 ملايبن، وهو ما يعادل تعداد بعض الدول.
قبل سنوات طويلة استقبلت مصر الأشقاء من الكويت عقب الغزو العراقي للكويت فى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وبعدها استقبلت الأشقاء من العراق، وهم حتى الآن مازالوا جيراننا ويتملكون عقارات، ثم بعد ذلك الأشقاء من اليمن وسوريا، أما بالنسبة للأخوة من فلسطين فهم على مر السنين يعيشون بيننا، وأخيرا هذه الأعداد الكبيرة من النازحين من السودان بعد الاضطرابات التى سادتها منذ عامين تقريبا.
كل من يعيش على أرض مصر فهو آمن، فلا اضطهاد ولا تنمر ولا مضايقات تذكر، وهؤلاء جميعا يعيشون ويعملون ويتعلم أبناؤهم فى المدارس المصرية، بل إنهم لديهم مشروعات استثمارية ومحلات ولنا فى المطاعم السورية المنتشرة فى معظم أحياء القاهرة خير دليل، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار والتضخم المتزايد الذى يعاني من آثاره المصريون، إلا أنهم لم يضيقوا بالضيوف، الذين تسبب وجودهم فى ارتفاع الإيجارات بشكل غير مسبوق وكذا ارتفاع أسعار العقارات والمواد الغذائية، وكما قال النائب علاء عابد أثناء مناقشة قانون لجوء الأجانب الأسبوع الماضي، فإن العقارات زادت بنسبة كبيرة والشقة التى كان سعرها مليون جنيه أصبح الآن سعرها خمسة ملايين جنيه، ومع ذلك مصر "لا قفلت ولا هتقفل بابها فى وش حد".
سلوكيات الناس فى الشارع مع الأشقاء من السودان الذين نزحوا بأعداد كبيرة، تنم عن كرم وإنسانية، فتجد من يدلهم عن الطريق وعن المواصلات ويساعد كبار السن منهم ويتعاطف مع صغارهم، هذه هى مصر وهذا شعبها.. صدق بها قوله سبحانه وتعالى "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".