مؤخرا صدرت الترجمة الكورية لديوان الشاعر والأكاديمي السعودي الدكتور عبدالله العقيبي «تبا كخطأ مقصود في ترجمة الأفلام»، وقد أنجزتها المترجمة Lee Yeji. هنا في هذا الحوار، نغوص في تجربة مميزة عاشها الشاعر العقيبي، حيث يأخذنا إلى عالمه الشعري عبر رحلة الترجمة التي قام بها ديوانه إلى اللغة الكورية، وهي رحلة أثرت تجربته الإبداعية وكشفت له عن تواصل إنساني غير متوقع مع قارئ ينتمي إلى ثقافة مغايرة، فالمترجمة الكورية لم تكن مجرد وسيطة لغوية، بل كانت شريكًا فاعلا في إبراز مكنونات القصائد ونقلها إلى فضاء ثقافي جديد، مستعرضة تفاصيل دقيقة ومؤثرة في العمل الأدبي.

من خلال الحوار، نتعرف على قصة اللقاء الذي جمع الشاعر بالمترجمة، والكيفية التي قادتها لطلب ترجمة ديوانه بعد ليلة من القراءة المتفانية. يشاركنا العقيبي أبرز التعليقات والاستفسارات التي وصلته من المترجمة، والتي كشفت عن شغفها الحقيقي وتفاعلها العميق مع نصوصه الشعرية، لاسيما تلك التي تمس موضوعات ترتبط بثقافته العربية الأصيلة.

وفي هذا الحوار أيضًا، يستعرض العقيبي رؤيته حول ترجمة الأدب العربي المعاصر، والمخاوف التي تساوره حيال بعض الممارسات المتعلقة بالترويج للترجمات في الساحة الثقافية. كما يحدثنا عن تجربته الشخصية في كوريا الجنوبية بدعوة من وزارة الثقافة السعودية، وما اكتشفه من نقاط تقاطع بين الثقافتين العربية والكورية، وأهمية بناء جسور الحوار والتواصل بين الحضارات، فإلى ما دار في الحوار:

ما الذي شد المترجمة إلى ديوانك؟

قبل أن أجيب على السؤال، أود أن أقدم الشكر للمترجمة الكورية Lee Yeji، فقد علمتني الكثير خلال رحلة ترجمتها لديواني الشعري، فهي مكافحة وصبورة ولديها قدر كبير من الالتزام والمهنية، ولولا تلك الصفات في شخصيتها لما تمكنت من إتمام الترجمة.

يقودني الحديث عن صفاتها إلى سؤالك، فهي التي انتبهت إلى التفاصيل الدقيقة في الديوان، ووجدت فيه تقاطعات إنسانية لم أتوقع أن تحصل مع الـ(آخر)؛ أعني القرّاء من خارج الثقافة العربية. كنت في رحلة إلى كوريا الجنوبية بدعوة كريمة من وزارة الثقافة السعودية، وحملت معي - كالعادة - مجموعة من إصداراتي، على أمل أن أجد في معرض الكتاب في سول قراء عرب أهديهم بعض النسخ، وصادف أن تكون Lee Yeji هي المترجمة الفورية للقاء الذي قدمته عن الرواية السعودية، تفاجأت في اليوم الثاني للزيارة بمكالمة منها تطلب مني أن نلتقي للحديث عن الديوان الذي كانت قد سهرت على قراءته بعد لقائنا في المعرض، التقينا بالفعل في بهو الفندق وبدأت الحديث بفرح وبإسهاب عن التجربة، وعن إعجابها الشديد بالنظرة الشعرية، التي وصفتها بالمميزة، وأخبرتني أن هناك الكثير من القصائد التي لمستها بشكل شخصي، وطلبت مني على الفور الموافقة على أن تقوم بترجمة الديوان للغة الكورية، والحقيقة أنني كنت في حالة من الاندهاش، وطلبت منها أن تعيد النظر لتتأكد من رغبتها في الترجمة، وبعد عودتي إلى السعودية أرسلت لي صورًا لأوراق مكتوبة باللغة الكورية، وقالت: إنها شرعت في ترجمة بعض القصائد، فما كان مني إلا أن أشكرها وأقول لها: إنني موافق على الترجمة.

ما أبرز تعليق قالته لك؟

أثناء رحلة الترجمة، كانت ترسل لي رسائل متوالية عن القصائد التي أحبتها في الديوان، ولاحظت أن القصائد التي كانت تعجبها هي القصائد الأثيرة بالنسبة لي، شعرت أن هناك رابطا ما لا أعرفه على وجه التحديد بين طريقتي في الكتابة وبين أسلوبها في القراءة والتلقي، كانت ترسل بعض الرسائل الصوتية الطويلة، تعبر فيها عن مدى تأثرها ببعض القصائد في الديوان، جعلني ذلك أتأكد من أنها تتفاعل مع القصائد بالشكل المطلوب والمريح لي، فأكثر مخاوفي كانت من نقل الموضوعات الشعرية دون التفاعل مع اللغة والدفقات الشعورية، لكن أسئلتها كانت توضح لي دائمًا بأنها اندفعت بإحساسها ومشاعرها إلى عمق التجربة الشعرية، في بعض الرسائل كانت تقول: إنها سعيدة وفخورة بنقل هذه التجربة الشعرية للقارئ الكوري، والحقيقة أن ذلك كان يشعرني بالارتياح والسعادة.

ما أبرز استفساراتها أثناء العمل على الترجمة؟

أكثر الاستفسارات كانت حول الأمور الخارجة عن أفق ثقافتها؛ أعني الأمور التي فيها خصوصية عربية، مرة بعثت لي برسالة تسألني عن عبدالحليم حافظ، لأن إحدى قصائد الديوان فيها تعرض للحزن في صور عبدالحليم قبل وفاته، وهو يعاني من آلام المرض، أرسلت لها تلك الصور، وشيئا من سيرة عبدالحليم وأغنياته. كانت أيضًا تسألني عن بعض المفردات الغريبة عليها، والتي فيها خصائص محلية، مثل كلمة (البناجر) والتي تعني (غوايش) الذهب بالعامية المصرية. كانت استفساراتها فنية بدرجة كبيرة، لذلك أعتقد أن عملية الترجمة قدمت لها خدمات جليلة على مستوى فهم طبيعة الإنسان العربي المعاصر.

لماذا رشحت لها شعراء آخرين بدلا منك ومن هم؟

قبل الإجابة على هذا السؤال دعني أخبرك عن أمر لطالما أرقني، أعني حول ترجمة الأعمال العربية المعاصرة إلى لغات أخرى، ففيه كثير من الشبهات والشكوك، هناك كتَّاب عرب وخليجيون يشتغلون على تسويق أعمالهم لدى المترجمين وبعض دور النشر الأجنبية، وربما دفع بعضهم مقابل هذا الفعل، ومثل هذا الفعل يجعلنا أمام مشكلة ثقافية حقيقية، تضر دون أدنى شك بصورة الثقافة العربية، فما أفهمه هو أن يندفع المترجم تجاه العمل الأدبي، انطلاقًا من شعوره بأهميته وقيمته الأدبية، وليس العكس. والحقيقة أنني كنت أود أن أختبر هذا الأمر لدى المترجمة، لذلك قدمت لها بعض الأسماء الراسخة في المشهد الشعري العربي المعاصر، وأرجو أن تعفيني من ذكر الأسماء، ليس لشيء معين، فأنا لا أود أن يشعر قارئ هذه السطور أنني أحاول ربط تجربتي بأسماء شعرية كبيرة، فأنا صدقًا أعتبر في هذا الفعل تطاولا غير مقبول، وصدقني كنت سأرتاح للغاية لو أنني استطعت إقناعها بالترجمة لشعراء عرب أحب وأعتز بتجاربهم الشعرية، لكنها كانت مصرة على ترجمة ديواني، وكان لديها أسبابها التي أحترمها بطبيعة الحال، وهي أسباب مقنعة بالتأكيد، فالشعر ينطلق من رغبة واندفاع شخصي من قبل المترجم، من هنا كان لا بد لي قبل الموافقة أن أتحقق من صدق ارتباطها بالتجربة، وإلا وقعت في مغبة ما كنت أحذر منه.

ماذا تعني لك ترجمة عملك إلى لغة أخرى بشكل عام وإلى الكورية بشكل خاص؟

أحب طبعًا -كأي كاتب- أن تترجم أعمالي إلى لغات أخرى، لكنني غير ناشط في هذا الموضوع، ولم يحصل أن حاولت إقناع أحد المترجمين أو دور النشر بترجمة أعمالي، التجارب السابقة ومن -ضمنها هذه التجربة- جاءت بشكل طبيعي، أعني أن يأتي الطلب من الآخرين لا بسبب جهد شخصي أو تسويقي، وهذا ما يسعدني في تجربة ترجمة أعمالي، والذي زاد من سعادتي هو أن يُترجم الديوان إلى اللغة الكورية، ففي ذلك اكتساب هام لقارئ غير متوقع بالمرة، كما أن الثقافة الكورية نشيطة ومتفاعلة مع العالم، والأدب فيها يلقى رواجًا استثنائيًا بحسب اطلاعي البسيط.

هل أنت متحمس الآن لكتابة ديوان جديد؟

مشروعي الشعري -إن حُق لي تسميته بالمشروع قبل كل شيء- يعتمد على انفعالات معينة، وحالات لا يمكن لي التحكم بها، من هنا فالانخراط في كتابة تجربة شعرية جديدة ليس متعلقًا بمقدار حماستي، الموضوع معقد جدًا، تمر عليَّ أوقات كثيرة لا أشعر فيها بانتمائي للشعر حتى، ثم تأتي لحظة أخرى أجده ينهمر كالشلال، ومع الشعر خاصة أعتقد أن هذا الأمر طبيعي. وبالمناسبة لديَّ ديوان شعري آخر لدى الناشر قال لي إنه سيُطبع خلال هذا العام، أتمنى أن يكون متوفرًا في معرض القاهرة القادم.

سافرت إلى كوريا بدعوة من وزارة الثقافة السعودية فما المختلف في الثقافة الكورية؟

نعم.. وكانت سفرة قصيرة، بدعوة من وزارة الثقافة السعودية، قدمت خلالها ورقة عن تاريخ الرواية السعودية ضمن فعاليات معرض سول للكتاب، وتعرفت في هذه الفترة الوجيزة على بعض الأمور المتعلقة بالثقافة الكورية، ووجدت تقاطعات كثيرة بين الثقافة العربية والثقافة الكورية، خاصة فيما يتعلق بالأزمات الاجتماعية والسياسية، مع الأخذ في الاعتبار الفارق الشاسع بيننا وبينهم على مستوى التطور الصناعي والتكنولوجي والحضاري، الأهم بالنسبة لي هو بناء الجسور بيننا وبينهم، والحقيقة أنهم منفتحون جدًا لقبول الآخر وصناعة حوار حقيقي معه، وأتمنى أن نحسن استثمار هذه الفرصة العظيمة.

ترجمة الأعمال العربية المعاصرة إلى لغات أخرى فيه الكثير من الشبهات والشكوك

هناك كتَّاب عرب يدفعون مقابل تسويق أعمالهم لدى المترجمين وهذا يضر بصورتنا

لم أحاول أبدا أن أقنع أحد المترجمين أو دور النشر بترجمة أعمالي

تمر عليَّ أوقات كثيرة لا أشعر فيها بانتمائي للشعر ثم تأتي لحظة أخرى أجده ينهمر كالشلال

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة الکوریة فی هذا

إقرأ أيضاً:

نادى الأدب بقصر ثقافة أسوان يناقش ديوان شعر العامية

شهد نادى الأدب بقصر ثقافة أسوان مناقشة لديوان شعر العامية "ضل البيوت" للشاعرة إكرام مطر، أدارها الشاعر محمد المصرى، وتحدث الشاعر محمود السانوسى، وأن اختيار الشاعرة لعناوين الديوان يؤكد القصيدة الفكرية فى التسمية، تدل على وعى متقدم للشاعرة بمكنون إبداعها، ففى "أثر الفراشة".

حيث لا تترك الفراشة نفايات حرب طاحنة، إنما مجرد ملمس رقيق على الأشياء، وقدمت إهداء مزدوج بفكرة البوح بكل مكنون وتجارب قاسية لذكريات شوارع من مدينها، بكل مة تحتويه من زخم إنسانى ويترك أثرا فى تلك الروح. 

وتناول الشاعر عبد الله مراد تتعدد أساليب القصائد فلا يشعر القارئ بالملل، وأن الحالات الشعرية مكررة بل هناك تنوع، وهناك رسالة موجه إلى المجتمع، وعنوانين الديوان متطابقة لمضون النص وموسيقى القصائد ليست ثابتة بل تتعدد فى طبقات ونغمات، وتتسم قصائد الديوان بالكثافة ولغة المجموعة الشعرية، و اللغة عمومية اللهجة المصرية اللغة الأقرب إلى لغة صلاح جاهين، وتناول الديوان قضايا الذات وعيا مناسبا بعالمها الخاص وتجاربها المكانية.

محافظ أسوان يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية محافظ أسوان يتفقد أكبر محطة شمسية لتوليد الكهرباء بطاقة 500 ميجاوات ثقافة 

وإحياء للتراث الأدبى وتخليد للشخصيات الأدبية المؤثرة فى المجتمع المصرى نظم قصر ثقافة كوم أمبو ورشة أدبية عن الشاعر "عبد الرحمن الابنودى" متحدثا فيها الكاتب طه الأسوانى عن حياة وأعمال الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، متناولا مراحل حياته المختلفة بدءًا من نشأته فى الصعيد المصرى وتأثره العميق بالبيئة الريفية، وصولًا إلى نضاله وكفاحه من أجل إيصال صوت الشعب ومعاناته من خلال قصائده، وأشار إلى العديد من المحطات الشخصية والمهنية التى أثرت فى شخصية الأبنودى، كما سرد أبرز أعماله، ولا سيما القصائد التى أصبحت رموزًا للأدب الشعبى، مثل "جوابات حراجي" و"السيرة الهلالية"، و تفاعل الحضور بشكل كبير مع العرض، حيث تجلى إهتمامهم وتأثرهم بالشخصية، من خلال النقاشات والتعليقات من الحضور الذين أعربوا عن تقديرهم للأبنودى، وتأثرهم بمواضيعه التى حملت هموم البسطاء وعبرت عن صوت الشارع المصري.

و فى الختام أكد الأسوانى على أهمية هذه الأنشطة التى تعزز الوعى الثقافى لدى الأجيال الجديدة، و دور الأدب والفن فى إحياء الذاكرة الوطنية، ودعا إلى إقامة المزيد من الفعاليات التى تستعرض رموز الأدب المصري.

مقالات مشابهة

  • باكستاني يتحدث اللهجة السعودية بطلاقة ..فيديو
  • أحمد عمر هاشم: نعمة الماء كانت من أسباب النصر يومي العبور والفرقان.. فيديو
  • «التنمية الحضرية»: العشوائيات غير الآمنة كانت من أبرز التحديات التي واجهت الدولة
  • نادى الأدب بقصر ثقافة أسوان يناقش ديوان شعر العامية
  • مناقشة ديوان "ضل البيوت" والاحتفاء بالأبنودي ضمن فعاليات الثقافة بأسوان
  • كانت شاهدة على جرائم إسرائيل في لبنان.. الصحافية نجلاء أبو جهجه في ذمة الله
  • حرائق في حيفا... ماذا أصابت الصواريخ التي أُطلِقَت من لبنان؟ (فيديو)
  • "الأبنودى" و"ضل البيوت" فى نقاشات قصور الثقافة بأسوان
  • موضوع خطبة الجمعة المقبلة: «حافظ على كل قطرة ماء.. واحذر من القمار»
  • "حافظ على كل قطرة ماء.. واحذر من القمار".. موضوع خطبة الجمعة القادمة