في يوم السادس من أكتوبر عام 1973 طلبت رئيسة وزراء إسرائيل حينها، جولدا مائير، عقد اجتماع للحكومة الإسرائيلية عند الظهيرة، كما طلبت من السفير الأمريكي لدى إسرائيل آنذاك كنيث كيتنج، أن يأتي لمقابلتها وأبلغته أمرين، الأول أنه طبقًا لتقارير المخابرات الإسرائيلية فإن الهجوم المصري والسوري الذي تم التحذير منه بحسب المعلومات التي وردتها، سوف يبدأ في ساعة متأخرة من بعد الظهر، وأن جيش الاحتلال الإسرائيلي لن يبدأ الضربة الأولى، كذلك فربما يكون هناك شيء يمكن عمله من أجل منع وقوع الحرب سواء بتدخل أمريكي مع الروس أو حتى مع المصريين والسوريين مباشرة.

وكانت جولدا، خارج إسرائيل، قبيل اشتعال حرب السادس من أكتوبر بعدة أيام، وعادت من رحلتها الخارجية يوم الخميس 4 أكتوبر 1973، وفور عودتها، عقدت اجتماعا مع «المطبخ السياسي» وسُمي بذلك لأنها كانت تعقد الاجتماعات مع القيادات في مطبخ منزلها، وكان الاجتماع يضم مجموعة العناصر البارزة في الوزارة والجيش لبحث الموقف، وخلال الاجتماع يتم استعراض المعلومات التي كانت وصلتها في شهر مايو - أي قبل الحرب بخمسة أشهر - حول تعزيزات القوات المصرية والسورية على الحدود.

خيبة أمل جولدا مائير نتيجة خطة الخداع المصرية

وصفت جولدا مائير، شعورها بخيبة الأمل، نتيجة خطة الخداع التي قامت بها القوات المسلحة المصرية، لتصف شعورها إزاء هذه الخيبة، بقولها: «لم يكن منطقيا أن آمر بالتعبئة مع وجود تقارير مخابراتنا العسكرية، وتقارير قادتنا العسكريين، التي لا تبررها! لكني ـ في نفس الوقت أعلم تماما أنه كان واجبا عليَّ أن أفعل ذلك! وسوف أحيا بهذا الحلم المزعج بقية حياتي، ولن أعود، مرة أخرى، نفس الإنسان الذي كنته قبل حرب يوم كيبور».

«كان هناك تفوق ساحق علينا من الناحية العددية سواء في الأسلحة أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال وكنا نقاسي من انهيار نفسي سحيق، ولم تكن الصدمة في الطريق التي بدأت بها الحرب فحسب، ولكن أيضا في حقيقة أن عددا من افتراضاتنا الأساسية قد ثبت خطؤها، فقد كان احتمال الهجوم في أكتوبر ضئيلا، وكان هناك يقين بأننا سنحصل على الإنذار الكافي قبل وقوع الهجوم، وكان هناك إيمان بأننا سنقدر على منع المصريين من عبور قناة السويس، ولم يكن ممكنا أن تكون الظروف أسوأ مما هي عليه الآن، إنني لن أحاول حتى أن أصف كيف كانت تلك الأيام بالنسبة لي، وأظن أنه يكفي أن أقول إنني لم أستطع أن أبكي عندما انفردت بنفسي.. وكان من النادر أن أبقى بمفردي فقد كنت أمكث في مكتبي طوال الوقت أو أذهب بين الفينة والأخرى إلى غرفة الحرب، وكنت أذهب إلى المنزل لكي أستلقي قليلا إلى أن يستدعيني التليفون للعودة، وكانت الاجتماعات مستمرة طوال الليل والنهار تتخللها مكالمات تليفونية من واشنطن أو أنباء سيئة من الجبهات، وكانت الخطط توضع وتخلل وتناقش، ولم تكن فترة غيابي عن المكتب تزيد على الساعة فقد كان موشيه ديان ورئيس الأركان ودبلوماسيو وزارة الخارجية والوزراء يأتون إلى باستمرار، إما لاطلاعي على آخر التطورات أو لطلب مشورتي في مختلف الأمور، وكنا في أحلك الأيام تلك التي عرفنا فيها مدى الخسائر التي لحقت بنا، لقد كنت أعرف أن كل تقرير حول إمكانية مواجهة المصريين يحمل في طياته الثمن الباهظ الذي ندفعه من الأرواح البشرية وكان بمثابة سكين تغمد في قلبي، و لا أظنني سوف أنسى ذلك اليوم الذي سمعت فيه أسوأ التنبؤات المتشائمة»، بحسب جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل السابقة.

جولدا مائير: لقد شنت علينا الحرب بأسلحة مفزعة

تقول جولدا مائير: «لقد شنت علينا هذه الحرب بأسلحة مفزعة مثل الصواريخ المضادة للدبابات التي كانت تحيل الدبابات إلى لهيب مشتعل (وتعجن) أطقمها داخلها إلى درجة يستحيل معها التعرف على هوياتهم».

تؤكد جولدا في مذكراتها، أنه مع مسيس الحاجة للسلاح كان تكرار طلب السلاح من أمريكا والاستياء مِن تأخيره، حتى إنها اتصلت ذات مرة بسفيرها في واشنطن في الثالثة صباحًا، وسألته: «لماذا لم يبدأ الجسر الجوي بعد؟»، وأخبرها عدم إمكان التحدث مع أحد من المسؤولين الأمريكيين في هذا الوقت المبكر للغاية، فصرخت فيه بغضب: «لا يهمني ما هي الساعة الآن، اطلب كيسنجر حالا، في وسط الليل، نحن في حاجةٍ إلى النجدة بسرعة اليوم؛ لأنها قد تكون متأخرة جدا غدا».

وأشارت إلى أنها كانت كل ساعة مِن ساعات الانتظار تنقضي وكأنها قرن بالنسبة لي، ولم يكن أمامنا خيار إلا أن يصمدوا آملين أن تحمل إليهم الساعة المقبلة أخبارا أفضل، وأبلغت سفيرها في واشنطن تليفونيا أنها على استعداد للسفر إلى الولايات المتحدة سرا لمقابلة نيكسون إذا كان بوسعه ترتيب ذلك، وقالت له له: «أبلغني حالا فأنا أريد السفر بأسرع ما يمكن»، مشيرة إلى أن ذلك لم يكن ضروريا فقد أمر نيكسون بنفسه أخيرا بإرسال الطائرات الجبارة «جالاكسي»، ووصلت أولى رحلاتها في اليوم التاسع من الحرب الموافق 14 أكتوبر 1973، إذ أن هذا الجسر الجوي لا يمكن تقدير قيمته، إنه لم يرفع فقط من روحها المعنوية، وإنما ساهم في توضيح الموقف الأمريكي أمام الاتحاد السوفيتي، وساعد إسرائيل من الناحية العسكرية، لتبكي لأول مرة منذ بداية الحرب عندما علمت أن الطائرات قد حطت بمطار اللد.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: جولدا مائير إسرائيل الجيش المصري حرب 6 أكتوبر رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائیر لم یکن

إقرأ أيضاً:

تركيا في النظام الإقليمي بين أمريكا و”إسرائيل”

 

 

قد تكون تركيا ـــــ على غرار إيران و”إسرائيل” ـــــ إحدى القوى الإقليمية الثلاث في المنطقة، ذات الحضور الإقليمي، والتي لديها مشروع إقليمي، في مقابل بقيّة الفاعلين الدوليين والإقليميين، على امتداد الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
وتبقى تركيا وإيران، كما بلدان وشعوب المنطقة، بخلاف “إسرائيل”، في صلب التكوين أو التركيب السوسيولوجي والديموغرافي للإقليم. لكنّ أنقرة ليست مطلقة اليدين في مواجهة واشنطن و”تل أبيب”، ولا سيما بمسألة سوريا والمسألة الكردية. فماذا عن تركيا في النظام الإقليمي بين أمريكا و”إسرائيل”؟ وما هي آفاقها وحدودها؟
في التمدّد أو التوسّع التركي في المنطقة
مع اندلاع الأحداث في سوريا، في غمار ما بات يُصطلَح على تسميته بـ “الربيع العربي”، لم تكن تركيا بعيدة عن خلفيّات ومجريات تلك المستجدّات وتلك المتغيّرات. هي لم تكن البتة بمنأى عن تطوّرات المشهد السوري، وهي لم تنأَ بنفسها عن مسار العمليات الأمنية والعسكرية على الساحة السورية. فتركيا ترى أنّ إقليم سوريا الطبيعي والجغرافي هو جزء لا يتجزأ من المجال الحيوي، الذي يشكّل الامتداد الخارجي للأمن القومي التركي في عمقه الاستراتيجي ضمن النطاق الداخلي.
هذا ما يفسّر ـــــ من وجهة النظر التركية ـــــ الوجود العسكري والحضور الأمني في سوريا منذ وقت مبكر، ولا سيما بين أنصار ومناصري الرئيس التركي والحزب الحاكم التركي. إن سوريا، بالنسبة إلى تركيا، تمثّل الممر الإلزامي لمشروع التمدّد أو التوسّع باتجاه الجنوب، ضمن المشرق العربي ونحو الجزيرة العربية والخليج. وهي كانت، ولا تزال، حتى حينه، تتطلّع إلى المزيد من التسلّل والتوغّل داخل سوريا لإثبات حضورها ودورها مع العثمانيين الجدد في إطار النظام الإقليمي.
إنّ ضلوع تركيا في الكثير من التطوّرات السياسية وغير السياسية التي طرأت على سوريا لا ينفصل عن انخراطها مبكراً في الكثير من الأحداث التي اندلعت سابقاً في العراق بصورة عامّة وإقليم كردستان شمالي العراق بصورة خاصة. هنا بالتحديد تبرز هواجس الأتراك بشأن قضية الكرد وحراكهم وتحرّكهم بالتنسيق والتعاون مع الأمريكيين والإسرائيليين. ثم عمدت تركيا إلى المضي قدماً والذهاب بعيداً على امتداد الإقليم، من غربي آسيا إلى شمالي أفريقيا، وحتى ليبيا على حدود مصر!
في الحسابات والتقديرات العربية في المنطقة
أثار الاتجاه السياسي والاستراتيجي لدى أنقرة نحو التوسّع والتمدّد ضمن المنطقة العربية، والمتنامي والمتصاعد طيلة حقبة الرئيس رجب طيب إردوغان على رأس السلطة ونظام الحكم في تركيا، حفيظة العرب، في إشارة إلى الأنظمة العربية، ولا سيما في المشرق العربي والخليج، بصرف النظر عن الخلاف أو الاختلاف بين العرب حول الاتجاهات والتموضعات والاصطفافات الإقليمية، حتى إنه أثار الشعور بالريبة، وكذلك الشعور بالقلق. وقد أصبح هذا الشعور المركّب مفهوماً ومبرّراً أكثر، بل مضاعفاً، مع سقوط سوريا ودور تركيا بالمعطى المستجدّ.
كان الحضور التركي والدور التركي ذو الصلة على حساب المصالح والحقوق والأدوار العربية. ثم جاء التوسّع والتمدّد في النفوذ التركي على أنقاض المشاريع والطموحات والتطلّعات العربية. مما يفسّر ردود الأفعال العربية، من جانب كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما مصر، والتي بدأنا نرصد الإرهاصات والمؤشرات لها بالحراك والتحرّك العربيّين، على الصعيد الإقليمي، ولا سيما الأوساط العربية، وعلى الصعيد الدولي، ولا سيما الأوساط الغربية، في محاولة للحدّ من سطوة، أو لنقل صعود، النفوذ والدور التركيين الإقليميين.
في المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة
لقد قامت “إسرائيل” بعجالة ـــــ فور سقوط النظام قبل الدولة ـــــ بتدمير قوة سوريا العسكرية والأمنية والاستراتيجية. وهي تمعن في عملية تفكيك الدولة السورية وفي عملية تمزيق الوحدة الوطنية السورية، السياسية والاجتماعية. هي تريد – ومعها أيضاً أمريكا – تقسيم سوريا، على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، وتقاسم الحصص ومناطق النفوذ فيها. لم يعد هذا المسار أو هذا المسير خافيين على أحد- أيّ أحد- في الإقليم وفي العالم بأسره. كما قامت “إسرائيل” بتوسيع احتلالها جنوبي البلاد، بينما قامت أمريكا بتثبيت وتكريس احتلالها شمالي البلاد.
هذا الكلام ليس بالجديد على الإطلاق. وقد عمدنا سابقاً إلى الإدلاء به وتدوينه مرات عديدة. أمريكا و”إسرائيل” تريدان تفتيت إقليم الشرق الأوسط عموماً وإقليم المشرق العربي خصوصاً، بقصد التمكّن منهما وإحكام السيطرة والهيمنة عليهما. قد لا تكون بقية الحكومات والأنظمة والجيوش والدول والبلدان العربية بمنأى عن مخاض التدمير والتقسيم والتفتيت، ومن بينها الجيش المصري والعرش الأردني.
بعد النيل من الجيش العراقي أولاً، ومن ثم الجيش السوري ثانياً، ثمة تصريحات وتسريبات تفيدان بنية “إسرائيل” تدمير قوة مصر لاحقاً، بل قريباً.
في الخيارات والرهانات التركية في المنطقة
لا يمكن تركيا أن تنتهج سياسة وضع اليد على سوريا برمّتها، بالنظر إلى وجود كلّ من الأمريكيين في منطقة الكرد شمال شرقي البلاد والإسرائيليين في منطقة الدروز وغير منطقة جنوبي البلاد. ستشهد الخارطة السياسية لسوريا تغيّرات أو تغييرات دراماتيكية وتراجيدية، إن عاجلاً أم آجلاً. أمّا بعد دخول تركيا عمق وقلب سوريا، فهي لن تستطيع أن تستحوذ عليها كلّها، حتى وإن كانت المخابرات التركية تجوب الأرجاء والأنحاء كافة، بحيث ستحتفظ فقط بالمنطقة الممتدة من حلب إلى حماة شمالي البلاد.
ويبقى على الروزنامة التركية لدى أنقرة الأولوية المتصلة بتقويض المشروع والحراك الكرديّين، ومنع تصديرهما من شمالي شرقي سوريا وشمالي العراق إلى جنوبي تركيا. وهو ما يفسّر خطوة الأتراك الأخيرة على صعيد المفاوضات السياسية على خط زعيم الكرد عبد الله أوجلان في سجنه. إنّ الحكومة التركية تريد التخلّص من الحالة الكردية، الثائرة أو الثورية، المتمردة على القرار التركي بأيّ شكل من الأشكال. وهي لا تعير أيّ اهتمام أو انتباه لقضية الكرد وحقهم بتقرير المصير.
يبدو الأفق السياسي لوجود وبقاء تركيا في سوريا محدوداً بالزمان والمكان، إن في المدى الزماني أو في النطاق المكاني. هي مقيّدة بالحسابات المتقاطعة والمتداخلة أو المتشابكة. وعليها التعامل والتعاطي مع الأمريكيين والإسرائيليين بإيجابية، فيكون لها ويبقى لديها ما تريد، مع الإشارة إلى أنّ أمريكا و”إسرائيل” تبديان الحزم والحسم في سوريا، كما في لبنان وفلسطين، بل ربما في مصر. وقد لا تكتفيان بتدجين الموقف السياسي المصري، بل قد تقومان بضرب القوة العسكرية المصرية!
أنقرة والإدارة الأمريكية
قد يكون لتركيا دور ومكانة في النظام الإقليمي، بالنظر إلى حجمها ووزنها ضمن الإقليم بميزان الجيوبوليتيك. وهي تحتفظ لنفسها بهامش خاصّ بها، وتتمايز، بطريقة أو بأخرى، عن بقية اللاعبين الدوليين والإقليميين في المنطقة، من حيث التموضع أو الاصطفاف السياسيان والاستراتيجيّان.
لكنّ أنقرة لا تستطيع الخروج عن الإرادة الأمريكية، الضابطة والناظمة لإيقاع الترتيبات الإقليمية، ولا تستطيع بالتبعية تحدّي الإرادة الإسرائيلية، ولا حتى استفزازها.
هكذا تغدو أنقرة محكومة، أو لنقل ملزمة، بهذه السقوف والضوابط في حراكها أو تحرّكها الإقليمي.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يعترف بخروج أكثر من 10 آلاف جندي عن الخدمة منذ 7 من أكتوبر 2023م
  • أمريكا تندد بالمجازر التي حدثت في الساحل السوري
  • سموتريتش: نعمل مع أمريكا لتحديد البلدان التي سيهاجر إليها سكان غزة
  • 41 مختطفا إسرائيليا قتلوا في قطاع غزة منذ بداية حرب أكتوبر 2023
  • ماذا نعرف عن المساعدات العسكرية التي قدمتها أمريكا لأوكرانيا قبل قرار ترامب بإيقافها؟
  • مخاوف حول تنظيم كأس العالم 2026.. ما الصعوبات التي ستواجهها أمريكا؟
  • سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل: القمة العربية الطارئة كانت رسالة موجهة للعالم
  • سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل: القمة الطارئة بالقاهرة كانت رسالة موجهة للعالم
  • تركيا في النظام الإقليمي بين أمريكا و”إسرائيل”
  • إسرائيل تجري تدريبات لـ«7 أكتوبر» جديد وتحضّر لتنفيذ خطة «تهجير السكان»