برزت في الساعات الأخيرة مؤشرات لافتة إلى اقتراب "المعركة الكبرى" في جنوب الليطاني، الأمر الذي سينحو بالحرب نحو المرحلة التي قد تكون الأشد ضراوة لأن على نتائجها سترتسم معالم الواقع الاستراتيجي في لبنان والمنطقة. فمع تعمّد إسرائيل تعميم صورة لجنودها يرفعون علماً إسرائيلياً في مارون الراس قبل أن ينسحبوا من المكان، بدا بمثابة مؤشر إلى تكرار محاولات التوغل الإسرائيلي والتحفز لمعركة كبيرة لن يكون متوقعاً بعد الآن عدم نشوبها.

 

ولعلّ ما يعزز الانطباعات المتشائمة في هذا السياق أن أوساطاً دبلوماسية معنية أبلغت إلى "النهار" أن ثمة انقطاعاً مخيفاً للمبادرات الدبلوماسية التي تتصل بمنع اتساع الحرب في لبنان منذ أن ظهرت واشنطن بمظهر التسليم الكلي لإسرائيل في حملتها العسكرية على "حزب الله"، كما لو أن حلول الشهر الأخير قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية شكل المؤشر الأقسى للبنان لجهة تركه لمصيره في ظل هذه الحرب. وإذ لم تستبعد نشوب المعركة الأعنف قريباً في جنوب الليطاني، لفتت إلى أن التحرك الفرنسي وحده لن يفضي إلى أي ردع للاحتدام الحربي ولو انعقد مؤتمر الدعم الدولي للبنان بمبادرة من فرنسا لأن المؤتمر سيخصص للمساعدات الإنسانية، فيما لا يبدو أن ثمة أي مبادرة دبلوماسية فعالة سترى النور قبل نهاية تشرين الأول (أكتوبر) موعد هذا الموتمر. 

وشكّل كلام مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أمس أمام البرلمان الأوروبي نموذجاً حياً حيال المناخ الخارجي المستسلم لمسار تدحرج الحرب إذ قال إن "الوضع في لبنان يزداد سوءًا يومًا بعد يوم"، مشددًا على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ومشيرًا إلى أن "حوالى 20% من اللبنانيين أجبروا على النزوح وفقًا للأرقام المتاحة". واعتبر بوريل أن "الجيش اللبناني لا يمكنه أن يكون قوة موازية لـ"حزب الله" ولا أن يضمن سلامة أراضي البلاد".

قاسم مجدداً 
وفي المقابل، أكد "حزب الله" على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم مواصلة القتال جنوباً، حتى التوصُل إلى قرار بوقف النار. وأعلن في إطلالة ثانية له بعد اغتيال السيد حسن نصرالله "أن "حزب الله" وحركة "أمل" على قلب واحد في السراء والضراء ونحن لنا ملء الثقة بقيادة الأخ الأكبر الأستاذ نبيه بري، أنت الأكبر بنظر الأمين العام واعلم أنك الأخ الأكبر بنظر كل "حزب الله". وأيّد "الحراك السياسي الذي يقوده بري بعنوانه الأساس وقف إطلاق النار"، معلنا أنه "قبل وقف إطلاق النار أي نقاش آخر لا محل له بالنسبة إلينا". وقال: "هذه الحرب هي حرب من يصرخ أولاً ونحن لن نصرخ. سنستمر وسنضحي وسنقدم وإن شاء الله تسمعون صراخ العدو". وأضاف: "ليس لدينا موقع شاغر، كل المواقع مملوءة و"حزب الله" يعمل بكامل جهوزيته وانتظامه. كل ما كان لدى القادة الذين استشهدوا توجد نسخ منه لدى مساعديهم وبدلائهم، لا خوف من المتابعة التي تجري بانتظام بحمد الله". وأكد "أننا سننجز انتخاب الأمين العام وفق الآليات التنظيمية وسنعلن ذلك في حينه".

وفي المقابل تباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "بأننا قضينا على حسن نصرالله وخلف نصرالله" من دون أن يسمي السيد هاشم صفي الدين. وزعم أن "حزب الله" أضعف مما كان عليه قبل سنوات عدة ودعا اللبنانيين إلى أن "يحرروا بلدهم من "حزب الله" وعليكم عدم السماح لوكلاء إيران بتدمير مستقبلكم". 

مارون الراس  
وبالتزامن مع هذه المواقف، كشفت "اليونيفيل" عصراً أن الجنود الإسرائيليين انسحبوا من الحديقة على أطراف بلدة مارون الراس بعد لقطة مستفزة تظهر رفع العلم على منزل مدمر. وكان وزير الطاقة الإسرائيلي زعم أن الجيش الإسرائيلي احتل منطقة مارون الراس ودمّر المنازل التي أطلق منها "حزب الله" صواريخ باتجاه إسرائيل. وفي المقابل، أعلن "حزب الله" التصدّي لقوّة إسرائيلية حاولت التقدّم باتجاه منطقة اللبونة الحدودية مدعومة بجرافات وآليات. وفي وقت لاحق أوضح المتحدث باسم اليونيفيل أندريا تيننتي أنه "لا يمكننا التحقق من الوضع الحالي على الأرض في منطقة مارون الراس"، لافتاً إلى أن "الوضع لا يزال غير واضح وغير آمن".

وأشار تيننتي إلى أن "ما نعرفه هو أن القوات الإسرائيلية غادرت المنطقة القريبة من الموقع الإيرلندي، حيث كانت متواجدة بالأمس"، موضحاً أنهم " كانوا في منطقة مارون الراس، لكننا لم نؤكد بعد ما إذا كانوا قد انسحبوا، وينطبق الأمر نفسه على منطقة اللبونة". ولفت إلى أن منطقة الناقورة تشهد قصفاً عنيفاً من البحر.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: مارون الراس حزب الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

محللون: إسرائيل تعيد إنتاج معادلة جديدة مع حزب الله

في منحى تصعيدي جديد يهدف لإرساء قواعد اشتباك جديدة تتيح لها حرية شن غارات أو القيام بعمليات استهداف متى شاءت، عادت إسرائيل لقصف الضاحية الجنوبية لبيروت للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف المسؤول في الوحدة 3900 لحزب الله وفيلق القدس حسن بدير، وأكد أن "المستهدف يشكل تهديدا حقيقيا وفوريا لأنه كان يوجّه نشطاء من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ويساعدهم على تنفيذ هجوم وصفه بالخطير والوشيك ضد مدنيين إسرائيليين".

ولم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. فقد واصلت إسرائيل شنّ غارات على جنوب لبنان وشرقه، بذريعة استهداف مواقع عسكرية لحزب الله.

وحسب الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي، الدكتور مهند مصطفى، فإن قيام إسرائيل بقصف الضاحية الجنوبية لبيروت هدفه إيصال رسالة للبنان مفادها أنها قادرة على فعل ما تريد، تغتال وتدمر، لاعتقادها أن الحرب مع حزب الله لم تنته مع اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال إن إسرائيل تتعاطى من الاتفاق الذي وقعته مع لبنان من منطلق أنها المنتصرة، وبالتالي هي تفسره كما تشاء وتعطي تفصيلاته كما تشاء، وهي تعلم أنها استطاعت أن تعيد إنتاج معادلة جديدة في التعامل مع حزب الله، كما يقول الدكتور مصطفى، والذي لم يستبعد أن الاحتلال الإسرائيلي يخطط لبقاء طويل الأمد في سوريا وفي لبنان.

إعلان

ومن جهته، يرى الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي أن القصف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية له أهداف إستراتيجية، وأبرزها تغيير قواعد العمل وقواعد التعامل السياسي في المنطقة، بما يضمن هيمنة مطلقة لإسرائيل من دون مساءلة.

وبشأن الأجندة الأميركية، أكد مكي أن الإدارة الأميركية تتماهى تماما مع الاحتلال الإسرائيلي في موضوع لبنان، ولكنه نبّه إلى أن إسرائيل مرتاحة في عدوانها على لبنان وغزة، لكنها ليست كذلك مع سوريا، وأشار في هذا السياق إلى أن واشنطن ربما توقفها في حالة سوريا، وأيضا لن تتمكن من قصف إيران مثلا من دون فيتو أميركي.

خيارات لبنان وحزب الله

وعن خيارات لبنان، يرى الدكتور مكي أن لا خيار لديه سوى إقناع الولايات المتحدة الأميركية بأن ما يقوم به هو لصالح العلاقات المشتركة، وأيضا إقناعها بشأن موضوع سلاح حزب الله. وأشار مكي إلى ضرورة إدراج لبنان في السياق الدولي من أجل حمايته، وقال إن "دخول لبنان في صراع عسكري مع إسرائيل ليس في صالحه".

أما الخبير العسكري والإستراتيجي، العميد إلياس حنا، فأوضح أنه منذ وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، هناك 1500 انتهاك وخرق للاتفاق، بالإضافة إلى مقتل 200 لبناني بنيران الطائرات والمسيّرات الإسرائيلية، مشيرا إلى أن بندا سريا كان في الاتفاق يقضي بالهيمنة الجوية الإسرائيلية، أي عندما تكتشف إسرائيل تحركا معينا تذهب إلى اللجنة الخماسية، وإذا لم تتصرف بسرعة تقوم هي بالأمر، بدليل الدعم والموافقة الأميركية على قصف الضاحية.

وعن خيارات حزب الله مع المعادلات التي تحاول إسرائيل فرضها، قال العميد حنا إن الحزب كان من ضمن منظومة إقليمية كبيرة تداعت أغلبها، وفي ظل غياب القيادة الكاريزماتية وغياب الدعم والتمويل الإيراني، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي مني بها على صعيد القيادة والدمار الذي لحق ببيئته الحاضنة، فإن الحزب ليس جاهزا لإعادة تنظيم نفسه والدخول في مواجهة مع إسرائيل.

إعلان

وفي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، أسفرت عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.

ووضع اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بوساطة أميركية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني حدا للحرب، إلا أن إسرائيل واصلت شنّ غارات في لبنان، حيث تقصف ما تقول إنها أهداف عسكرية لحزب الله.

وعن الغارات التي تنفذها إسرائيل في سوريا، قال الدكتور مصطفى إن إسرائيل تريد أن تأمن حدودها مع سوريا لأنها لا تعلم ما هي هوية النظام السوري الجديد والتحديات الأمنية الآنية التي سوف تقع عليها جراء التغيير السياسي داخل سوريا، مؤكدا أن "إسرائيل لا تريد دولة قوية في سوريا".

مقالات مشابهة

  • هل أصبحت الضاحية ضمن بنك أهداف مرحلة وقف إطلاق النار؟!
  • إستعدادات لبنانية لاليات تفاوض من دون الدخول في مسار التطبيع
  • محللون: إسرائيل تعيد إنتاج معادلة جديدة مع حزب الله
  • بري: الغارة الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عدوان على لبنان
  • الوحيد بالعالم.. رئيس فنلندا يدعو ترامب لتحديد موعد نهائي لوقف الحرب في أوكرانيا
  • كاتس: سنشرع في بناء سياج حدودي مع الأردن ينتهي بعد 3 سنوات
  • الخطيب: إن لم تفلح الطرق الدبلوماسية بتحرير ارضنا فمن واجب الدولة استخدام اي اسلوب يحقق هذه الغاية
  • أصعب أيام المرشد
  • إعلام إسرائيلي: تل أبيب تشترط لإنهاء الحرب وتقدم مقترحا جديدا
  • «عقاري الشارقة» تُعزز التكافل المجتمعي بمبادرات إنسانية