اليونسكو تختار الرباط عاصمة عالمية للكتاب لعام 2026
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، اليوم الثلاثاء، اختيار مدينة الرباط عاصمة عالمية للكتاب لعام 2026.
وقالت وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، في بيان، إن "هذا الاختيار جاء ليكرّس التزام بلادنا بالعمل على ازدهار الكتاب والديمقراطية".
واعتبرت الوزارة أن هذا التتويج مناسبة "تتحقق فيها الالتقائية المنشودة بين ما تبذله مكونات المجتمع المدني من أجل بناء مجتمع قارئ، يمنح فرص الاندماج وتساوي الفرص خصوصا في صفوف الشباب".
وقالت الوزارة إن "على مدار عام كامل، ستحظى الآداب المغربية بعناية واهتمام خاصين، من خلال برنامج من الفعاليات الإبداعية والورشات والنقاشات والتكوينات والمعارض، وذلك بهدف تجسيد صورة الرباط كعاصمة للكتاب والقراءة".
وتعود فكرة تأسيس الشبكة العالمية لعواصم الكتاب إلى مطلع الألفية الثالثة حين اختيرت مدريد أول عاصمة عالمية للكتاب في 2001 وجاءت بعدها سلسلة مدن من بينها الإسكندرية في مصر عام 2002، وبيروت في لبنان عام 2009، والشارقة في الإمارات عام 2019.
ويراهن المغرب على جعل العاصمة الرباط وجهة للثقافة المتوسطية عبر مواكبة الاستثمار في الثقافة بتعزيز البنية التحتية السياحية المناسبة لدعم المشروع الثقافي.
وتستعيد الرباط في الأعوام الأخيرة هويتها الثقافية التي طالما احتجبت خلف طابعها الإداري والسياسي، وذلك عبر مشاريع بنيات ثقافية ضخمة بين مسارح ودور للثقافة ومتاحف يتواصل إنجازها، لتشكل ما يشبه مدارا ثقافيا متكامل العناصر.
وتحتضن العاصمة الرباط مختلف التعبيرات الثقافية والفنية، لتتحوّل المدينة -التي صنفتها اليونسكو تراثا ثقافيا عالميا- إلى مركز إشعاع حضاري، ووجهة متوسطية وعالمية للسياحة الثقافية، وحاضرة تعيش انسجام الوجه العمراني العصري مع الثراء التاريخي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
عبد الله بولا.. صرخة في وجه العنصرية الثقافية نهاية عصر المركزية النيلية وبدء انعتاق الهوية السودان
أنا تلميذ نجيب لعبد الله بولا، وأكتبُ اليوم ليس كمُحايد، بل كتلميذٍ مُنحازٍ لفكر هذا المفكر الثائر. عبد الله بولا كان صوتًا جريئًا وقفّ ضد التقيد بالأنماط الثقافية المعتمدة التي فرضتها النخبة السودانية، وسيطر على الأذهان منذ أكثر من نصف قرن من الزمن. في هذا المقال، نعيد قراءة فكر بولا، ونكشف القناع عن وجه السودان المقنع بالعنصرية الكامنة والهُويات المتصارعة، مع التركيز على كيفية بناء هوية سودانية حرة ومتماسكة تتجاوز الانقسام بين "العرب" و"الأفارقة".
السودان: دولة ما بعد الاستقلال وفخ الهوية الضحلة
عند نيل السودان لاستقلاله عام 1956، ورث الشعب دولةً هشةً بُنيت على وهم "الهوية العربية المطلقة"، التي اختزلت غنى وتنوع الكيان السوداني المتعدد الأوجه. لقد أصبحت "العروبة" أداة هيمنة من قبل الوسط النيلي (الخرطوم والمناطق المحيطة)، لتبرير تفوقه على "الآخر" الأفريقي المتواجد في الغرب (دارفور) والشرق (البجة) والجنوب (قبل الانفصال).
لماذا فشلت النخبة في بناء هوية جامعة؟
لأنها استبدلت الاستعمار الخارجي باستعمار داخلي؛ قائم على تسلسل هرمي للون واللسان.
لأنها حولت الثقافة إلى سلعة نخبوية تُكرس الانفصال بين "المُتحضّر" (المُعرّف بالعربي) و"الهمجي" (المُعرّف بالأفريقي).
إن هذا الفشل في بناء هوية شاملة أسفر عن دولة ما بعد الاستقلال أصبحت تعاني من ضعف جذورها وتراثها المتعدد، مما دفع الهامش إلى الثورة على تلك الهوية المفروضة.
عبد الله بولا: النبي المُهمَّش الذي كسر المرآة
لم يكن عبد الله بولا مجرد فنان تشكيلي أو مفكرٍ بعرض الفكر النقدي؛ بل كان ثائرًا يمسّ صميم الوعي السوداني. من منطقة البجة المُهمَّشة، خرج بولا ليُعلن بصراحة:
العبودية الكامنة: ليس القيد المستحضر من الماضي، بل بنية ثقافية تُهمِّش الأجساد السوداء وتخلّفها عن الخطاب السائد.
مركزية اللون: سيطرة البشرة الفاتحة في الإعلام والأدب كآلية لتعزيز تفوق "العروبة" ورفض الهوية الأفريقية.
الثورة الثقافية: التي لا يمكنها أن تكتمل في غياب تفكيك الهيمنة الرمزية للنخبة النيلية، إذ يصبح تحرير الفكر والثقافة ركيزة أساسية في التجديد الوطني.
في لوحاته، امتزجت الرموز الأفريقية الأصيلة مع الخطوط العربية الراقية، وكأنها جسر ثقافي يتحدى الفواصل التي رسمتها سياسات النفور والتمييز. كان الفن عند بولا وسيلةً لتجاوز الكلمات، فهو لغة تعكس عمق هوية لا تقبل القيد بأي قالب محدد.
لماذا أُقصي بولا؟
إن استبعاد عبد الله بولا لم يكن قرارًا شخصيًا بحتًا؛ بل كان تجسيدًا لجريمة ثقافية تُعبّر عن أزمة ضاعفة تهدد مصداقية الهوية السودانية.
أولًا: كشفه العُري العنصري
رفض بولا الاعتراف بأن العنصرية ليست محصورة في المناطق النائية، بل هي جزء من الواقع داخل قلب الوسط النيلي. إذ اعتُبرت مناطق مثل دارفور والبجة "أقليات" يجب أن تُستوعب كموضوعات إدماج رمزي دون منحها شراكة فعلية في صناعة الهوية الوطنية.
ثانيًا: خروجه عن لعبة الهوية المعلبة
رفض بولا أن يُفرض عليه أو أن يُفرز ضمن إطار "العربي" أو "الأفريقي" بشكل انفصالي. فكان يدعو إلى هوية سودانية مركبة، تُقدر التنوع الثقافي دون إنكار لجزء منها. ويُعد ذلك تحديًا مباشرًا للنظام الذي يسعى لاستمرارية السياسات التي تُكرس الهوية المزدوجة وتُبعد الأصوات التي لا تتماشى مع النسق الرسمي.
إعادة قراءة بولا: تحرير الهوية السودانية من سجن الثنائيات
إن قراءة فكر عبد الله بولا لا تقتصر على استرجاع ماضٍ حافل بالألم والنضال، بل هي دعوة لبناء مشروعٍ ثقافي جديد يستلهم من رؤيته الثورية.
أ. الاعتراف بالتعدد دون خوف
على المجتمع أن يتوقف عن اختزال السودان إلى ثنائية "عربي – أفريقي". فالسوداني الحقيقي يُعبر عن نفسه بمزيجٍ معقد من الكيانين؛ عرب بأفريقيتهم وأفارقة بعروبتهم. يجب إدماج الرموز الأفريقية – كالطبول والنقوش – مع التراث العربي كالخط والشعر في جميع الميادين التعليمية والفنية.
ب. تفكيك مركزية الخرطوم وإعادة كتابة التاريخ
يجب إعادة النظر في التاريخ من خلال منظور الأقاليم، فلا يجوز اعتبار تاريخ البجة أو الفور أو الشلك حكايات هامشية، بل هي قصص القلب النابض للسودان. كما يجب دعم اللهجات المحلية وتحويلها إلى لغات وطنية تُثري الحوار الثقافي.
ج. الفن كجبهة تحرير
كما فعل عبد الله بولا في لوحاته، يجب أن يكون الفن أداة تحريرية لا تُكسر فيها القيود، وأن يُفتح المجال للإبداع عبر معارض ومشروعات تُدمج بين مختلف أشكال التعبير الفني. كذلك، إن إحياء كتاباته ومقالاته في المناهج الدراسية يساهم في غرس فكرة أن الهوية الوطنية تُبنى بالحوار وليس بالصمت أو القمع.
عبد الله بولا لم يمت؛ إذ ما يزال يصرخ في ضميرنا الجماعي كنبأٍ عابرٍ يحمل بين طياته رسالة تحريرية صريحة. الثورة التي بدأت في ديسمبر 2018، برفضها للاستعباد الفكري والثقافي، أكدت أن السودان الهامشي لا يقبل بعد الآن أن يكون تابعًا للصور النمطية التي فرضتها النخبة النيلية. إننا في حاجة إلى إعادة تأمل جريئة في الهوية الوطنية عبر الاعتراف بالتعدد والاحتضان الكامل للتنوع، فالسودان الجديد لن يُبنى إلا بجسرٍ من الاعتراف المتبادل يجمع بين عروبيته وأفريقانيته
[*هوية سودانية مركبة أم موتٌ بطيء.. ذلك هو الاختيار.]
zuhair.osman@aol.com