صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-24@16:51:25 GMT

قوى الثورة والموقف من الجيش

تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT

قوى الثورة والموقف من الجيش

 

بنك أهداف الإسلاميين: الالتفاف على الجيش والعنصرية.. قوى الثورة والموقف من الجيش

ياسر عرمان

 

“1”

الحديث هذه الأيام عن الجيش كنوم الديك على الحبل صعب ومعقد والغاضبين عن الجيش لم يأت غضبهم من فراغ بل أتى كنتاج لموقف قيادة الجيش من ثورة ديسمبر والانقلاب والحرب.

رغم ذلك نحتاج لحوار موضوعي حول القوات المسلحة فهي مؤسسة من مؤسسات الدولة والإسلاميين تيار سياسي والجيش أوسع من الحركة الإسلامية، وأخطاء قيادته والجرائم التي ترتكب باسمه لا تعفي من ضرورة التفريق بين الإسلاميين والجيش وفض الاشتباك النظري والفكري والسياسي في مسألة الجيش وعدم الوقوع في المكر المتبادل بين قيادة الجيش وقيادة الحركة الإسلامية وزواج المصلحة بين الطرفين ولكن لكل زواج أجل وكتاب.

“2”

تجربة الحركة الشعبية والموقف من الجيش:

في عام ١٩٨٨ انضممت لاعلام الحركة الشعبية في مكتب اديس ابابا وكانت إذاعة الحركة الشعبية تلعب دوراً حاسماً في اداء رسالتها السياسية، لم تروق لي عدة أشياء أولها التعامل مع القوات المسلحة ككتلة صماء (جيش العدو) وعدم الحديث عن شهداء الحركة الشعبية باعتبارهم (خسائر) وساعدتني مناهج التحليل اليساري ولا تزال، على الوصول لتحليل مختلف للقوات المسلحة وقررت الدخول في حوار مباشر مع الدكتور جون قرنق حول التركيبة الطبقية والاجتماعية للقوات المسلحة وتأثرها بالصراع السياسي وحروب الرؤى عند الطبقة السياسية وضرورة الحديث عن الشهداء من رموز الحركة الشعبية، وحينما فتحت الموضوع مع دكتور جون قرنق الذي طلبني لمنزله في اديس وكان اليوم يوم من ايام الأحاد، حينها انخرط معي في حوار عميق استمر لعدة ساعات وهو المفكر وضابط القوات المسلحة السابق والأكاديمي والذي يعتمد مناهج التفكير اليسارية حول البنية الفوقية للدولة والنظم الاجتماعية، كان النقاش معه ممتعاً كالعادة والسياسة معه كلعبة كرة الطاولة وضرباتها السريعة كما ان السياسة أيضاً كبيع الثلج والمثلجات السياسية من الافضل بيعها بمبدئية قبل ان تذوب في شمس التطورات المتسارعة.

في تلك المناقشة توصلنا إلى ان القوات المسلحة ذات تركيبة طبقية وتعقيدات اجتماعية وهنالك فرق بين مصالح كبار الضباط وصغار الضباط وضباط الصف والجنود وتتأثر بالصراع الاجتماعي والسياسي حولها وهي ليست جزيرة معزولة، وان بها تيار وطني منذ ثورة ١٩٢٤ مروراً بثورة اكتوبر وأبريل واتفقنا أن ينعكس ذلك في خطابنا السياسي وفي إعلام الحركة الشعبية وعدم التعامل مع الجيش ككتلة صماء، استمر الدكتور قرنق بمدي بمعلومات عن طريق التلفون وأجهزة إشارات  الجيش الشعبي وخصوصاً بعد أن أصبحت ناطقاً رسمياً للحركة الشعبية لمدة (١٥) عاماً وكنا نقوم بتحليل الإشارات الملتقطة على نحو يومي من أجهزة القوات المسلحة كما أجرينا حوارات شهيرة في الإعلام مع القوات المسلحة من ضمنها حوار (واط) وكانت بها قوة تنوي الذهاب لمدينة بور يقودها العميد الراحل عبدالعزيز النور في عام ١٩٩٠ وهو ضابط وطني انضم لاحقاً للمعارضة ضد حكم الانقاذ.

يجب ان لا نسمح للإسلاميين للدفع بالجيش في اتجاه عنصري وأثني هو من ضمن بنك أهدافهم ولكن يجب فضحه لانه سيؤدي لانهيار الجيش وتمزيق السودان وزيادة القتل والجرائم.

إسلاميو المؤتمر الوطني يستهدفون هذه الايام على نحو أخص دار فور مواردها البشرية وتناقضاتها الاثنية ويعملون على تحويلها لبؤرة من الصراعات الاثنية مثل تجربتهم السابقة في جنوب السودان وقد دفعوا في هذه المرحلة بالصف الأول من قياداتهم أحمد عباس في سنار وابراهيم محمود في بورتسودان اضافةً لقيادتهم القديمة كرتي وعلي عثمان وغيرهم، وهم هذه الايام يشتمون رياح السلطة لا رياح الجنة وبينهم تناقضات ثانوية تمتد في مناطق تواجدهم من السودان إلى تركيا.

“3”

حرب دون مركز :

ما يميز الحرب الحالية ان قيادتها لا تتواجد في مركز السلطة التاريخي الخرطوم بل بدأت الحرب بتشريد ملايين الناس وقتلت بعضهم واستولت على ممتلكاتهم وعطلت المؤسسات في مركز السلطة عكس ما هو معتاد في تجارب حروب الهامش السابقة ولكن غياب المركز لا يعني غياب عقليته.

“4”

ترجع جذور القوات المسلحة الحالية إلى غزو السودان في عام ١٨٩٨ وهي واحدة من أقدم وأعقد المؤسسات وازداد تعقيدها بانقلاب وسيطرة الاسلاميين على قيادتها في انقلابهم عام ١٩٨٩، الجيش اقدم من دولة ٥٦ للراغبين في هذه التسمية ودولة ٥٦ بعيوبها الكبيرة أفضل من دولة ١٩٨٩ وشبه الدولة الحالية هي دولة حرب ١٥ أبريل وهي تشبه أباها وامها.

الإنقاذ عمدت على نحو متواصل في دمج القيادة العليا للجيش في الطبقة السياسية والاقتصادية الحاكمة وربط مصالحها بنظام حكم الإنقاذ ومشاركتها في اقتسام والسيطرة على السلطة والموارد،  ومع ذلك من الخطأ النظر للجيش ككتلة صماء تابعة للإسلاميين، فعلى مدى ثلاثة عقود عمل الإسلاميين على تقطيع أوصال الجيش بالفصل والتشريد والإعدامات مع ذلك لم يطمئنوا له وقاموا بإنشاء مليشيات وجيوش موازية لضبط إيقاعه والخوف من الانقلابات وعدم المقدرة على خوض حروب الريف ضد القوميات السودانية ومطالبها العادلة.

الغضب من قيادة الجيش غضب مستحق ومفهوم لكنه يجب ان لا يزيغ البصر والعقل في التحليل السليم لقضية الجيش، فالجيش هو اداة الإسلاميين للقضاء على ثورة ديسمبر وهم اضعف من القدرة للقضاء على الثورة بدون الجيش والقوات النظامية الأخرى ويريدون الاستفراد بالقوات النظامية رغم انها ليست القوات النظامية التي كانت بالأمس وأملهم الوحيد هو امتطاء ظهر الجيش للرجوع للسلطة في زواج مصلحة لا يخلو من التناقضات، ولذا يجب ان لا ننخدع بدعاية حرب الإسلاميين ضد ثورة ديسمبر وبان الجيش قد اصبح جناح عسكري للحركة الإسلامية فهم بقدر ما يحبون امتطاء ظهر الجيش يخافون منه وفي وسائل التواصل الاجتماعي ظلوا يشنون هجوماً على قيادته متى ابتعدت من حبال مكرهم، قضية الجيش لم تحسم بعد وعلينا التحليل الدقيق وفضح ضد مكر الاسلاميين والبحث عن خطاب موزون في مسألة الجيش رغم انحياز قيادته في اكثر من منعطف لزواج المصلحة مع الاسلاميين ومحاولات القضاء على ثورة ديسمبر.

“5”

أفضل خيار للمجموعة القائمة على زواج المصلحة بين الجيش والإسلاميين هو تقليم وقص اجنحة الدعم السريع ليكون شريكاً أصغر بغية الاتفاق معه،  ورفض التفاوض ومنبر جنيف ناتج من ان الدعم السريع اكبر من حجم الشريك الأصغر ويعمل الطرفان الجيش والإسلاميين وهما طرفان وليس طرف واحد من أجل حملة عسكرية تعيد الدعم السريع كشريك أصغر في ظل نظام شمولي معادي لثورة ديسمبر، علاقة الجيش والإسلاميين غير معبدة بالورود بها جرح الترابي والبشير، وتزداد حدة التناقض والأطماع بسبب الحرب وضعف الدولة مع ادارك الطرفين لأهمية زواج المصلحة لاسباب سياسية وعسكرية.

علينا في القوى الديمقراطية وقوى ثورة ديسمبر ان نفكر بعقل صافي وبارد في تحليل مسألة الجيش وان نأكد على موقفنا في ضرورة تأسيس الدولة وبناء جيش مهني يعكس التنوع واكمال مهام الثورة كشرط للحلول المستدامة دون شطط في الموقف من الجيش أو الوقوع في مكيدة الاسلاميين والانحياز لخطهم الرامي لتصفية ثورة ديسمبر بكافة السبل بما ذلك التحريض الأثني والعنصري وجذ الرؤوس وبقر البطون ورفع المصاحف على أسنة الرماح.

علينا ان ندرك ان الحركة الإسلامية قد انحسرت ولم يتبقى في بنك أهدافها فِكر أو فقه أو سياسة بل بنك أهدافها قائم على الالتفاف على الجيش وحوجته للقوة البشرية وللمنصات الإعلامية وهم في ذلك لا يتورعون عن استخدام العنصرية والإثنية وخطاب وممارسة الكراهية في البحث عن فردوس السلطة المفقود وهنا ايضاً يجب ان نفرق بين مواقف المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وكل من رفض الحرب من الاسلاميين ولا تذر وازرة وذر أخرى.

“6”

ان ثورة ديسمبر لم تخرج خالية الوفاض من الجيش وبالضرورة انها أحدثت أثر داخله وفي صفوفه فالجيش ليس معزول عن مجتمع الثورة ودون غباش رؤية وتغافل شيطان ومكر الاسلاميين ودون إغفال عيوب الجيش الكبيرة وعيوب الدولة منذ نشأتها إلا ان الجيش كمؤسسة لابد من بناءه وهيكلته في اطار برنامج تأسيس الدولة وبلادنا تحتاج إلى جيش واحد والعمل على انهاء اختطاف الاسلاميين لمؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، وقد شرعت ثورة ديسمبر في تحرير الجيش ولكن اكبر أخطاءها انها بعد فض الاعتصام وصعود الحركة الجماهيرية اتخذت تكتيكات دفاعية وليست هجومية في القضاء على اختطاف الاسلاميين للدولة مما أدى لتخريبهم المستمر وخلط الأوراق بما في ذلك تأثيرهم المباشر داخل وخارج الجيش ولازلنا في ظل الحرب نحتاج لتحليل تركيبة الجيش وأهميته كمؤسسة قابلة لاعادة البناء دون ان نلقي بالجنين والماء إلى قارعة الطريق وفضح حرب الاسلاميين دون هوادة وبخطاب متوازن تجاه الجيش.

ليس كل من يناصرون الجيش في هذه الحرب ضد ثورة ديسمبر بل ان الناس العاديين يربطون بين الجيش وبقاء الدولة والحاجة لتوفير الامن وكطريق قصير لانهاء الحرب وهذا يحتاج لنقاش عميق وهادئ دون تخوين مع بنات وابناء شعبنا والتزود بدروس مهمة من تجارب الصومال واليمن وليبيا والعراق دون الوقوع في مصيدة الاسلاميين مع الإمساك بقوة بكتاب ثورة ديسمبر وإدراك ان الجيش والإسلاميين مؤسستان وليس مؤسسة واحدة.

النصر للجماهير

النصر للديسمبريات والديسمبريين

الثورة أبقى من الحرب

 

الوسومالجيش السوداني الحركة الاسلامية ثورة ديسمبر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش السوداني الحركة الاسلامية ثورة ديسمبر

إقرأ أيضاً:

خبراء عسكريون: القوات المسلحة قادرة علي حماية أرض الفيروز برا ًوبحرًا وجوًا

 تستيقظ ذاكرة المصريين في مثل هذا اليوم من كل عام، على نغمة وطنية لا تُنسى، اسمها "تحرير سيناء" 25 أبريل لم يكن مجرد يوم في التقويم، بل هو تاريخ محفور على صخور الصبر والعزيمة، وشاهد حي على معركة طويلة خاضها المصريون لاستعادة قطعة غالية من جسد الوطن، لم تعرف يومًا الخضوع أو الانكسار.

 

وحين نتحدث عن تحرير سيناء، فإننا لا نستدعي فقط صورة علم يرفرف فوق الأرض الطاهرة، بل نستحضر سلسلة معقدة من المراحل السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي امتدت لأكثر من 15 عامًا، فبعد نكسة 1967، لم تجلس مصر لتبكي على أطلال الهزيمة، بل شمرت عن سواعدها وبدأت في إعادة بناء الجيش، واستعادت كرامتها بعبور مجيد في السادس من أكتوبر 1973.

 

ذلك الانتصار العسكري لم يكن إلا الخطوة الأولى في معركة أشد قسوة، معركة التفاوض، وبدأت مصر بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات ماراثونًا سياسيًا من المفاوضات، تخلله اتفاق كامب ديفيد عام 1978، ليُتوج في نهاية المطاف بخروج آخر جندي إسرائيلي من أرض سيناء في 25 أبريل 1982، باستثناء طابا التي استكملنا تحريرها بالتحكيم الدولي في 1989.

 

ما يجهله كثيرون هو أن سيناء لم تُحرر فقط من الاحتلال، بل تحررت من العزلة، فالدولة المصرية، وخاصة في السنوات الأخيرة، وضعت سيناء في قلب خططها التنموية، ليتم تحويلها من أرض كانت ساحة معارك إلى أرض تُروى بمياه التنمية.

 

أنفاق تربطها بالدلتا، شبكات طرق تمتد كالشرايين، جامعات، مصانع، محطات تحلية مياه، ومزارع سمكية وزراعية بمساحات لم تعرفها من قبل، والرئيس عبد الفتاح السيسي أكد في أكثر من مناسبة أن تنمية سيناء ليست خيارًا، بل ضرورة أمن قومي قائلا "الأمن لا يتحقق فقط بالبندقية، بل بالعمل والبناء"، وهكذا أصبح شعار الدولة في التعامل مع سيناء.

 

وفي ذكرى تحرير سيناء، لا تكتمل الصورة دون أن نوجه بوصلة الحديث نحو من حموا هذه الأرض بأرواحهم، وحولوا صحاريها إلى درع من نار في وجه الإرهاب، رجال القوات المسلحة المصرية، فسيناء لم تكن فقط مسرحًا لحروب التحرير ضد العدو الصهيوني، بل تحولت بعد عام 2013 إلى ساحة مواجهة شرسة ضد أخطر موجات الإرهاب التي شهدتها المنطقة، وخاصة بعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين.

 

ويقول اللواء دكتور أركان حرب " سمير فرج" مستشار الاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية قائلًا

"منذ عام 2013، تحولت سيناء إلى نقطة ارتكاز رئيسية للتنظيمات الإرهابية التي وجدت في الفوضى بيئة خصبة للتحرك، بدعم خارجي وتمويل ضخم، ولكن القوات المسلحة كانت بالمرصاد، والجيش المصري لم ينتظر أن يُفاجأ، بل بادر بخطة محكمة لتأمين كامل التراب المصري، خاصة الحدود الشرقية، وأطلق عمليات كبرى مثل حق الشهيد الأولي والثانية والعملية الشاملة سيناء 2018، لتطهير الأرض من هذه الخلايا".

 

وتابع اللواء" سمير فرج " قائلا،" من يتحدث عن الإرهاب في سيناء دون أن يفهم تضاريسها القاسية وشبكة الأنفاق التي تم اكتشافها على الحدود، لا يُدرك حجم المعركة فنحن لم نواجه مجرد مسلحين، بل واجهنا تنظيمات  صغيرة مدربة على أعلى مستوى، تستخدم تقنيات متطورة وتمتلك معلومات دقيقة، ورغم ذلك، نجحت القوات المسلحة في اختراق هذه التنظيمات، وحرمتها من الأرض والدعم والتمويل".

 

أما اللواء أركان حرب " محمد الشهاوي " مستشار كلية القادة والاركان من جانبه أوضح أن بداية النشاط الإرهابي في سيناء بشكل موسع جاء عقب عزل جماعة الإخوان في 2013 مع سقوط حكم الجماعة، تحركت خلايا نائمة في سيناء، مدعومة بعناصر أجنبية وخبراء تسللوا من أمثر من دولة والهدف كان واضحًا تحويل سيناء إلى إمارة إرهابية تُهدد الأمن القومي المصري لكن القوات المسلحة لم تسمح لهم بتحقيق هذا الحلم الأسود".

 

ويضيف اللواء " الشهاوي " قائلا "الجيش المصري تحمل مسؤولية ثقيلة في ظل غياب شبه تام لمؤسسات الدولة في مناطق المواجهة ومع ذلك بدأنا نضرب في العمق، ونحاصر، ونفكك الشبكات واحدة تلو الأخرى واستخدمنا الطائرات دون طيار، الأقمار الصناعية، عناصر الاستطلاع والعمليات الخاصة وكانت معركة لا تعرف النوم، لأن العدو لا يعرف الرحمة".

 

ويؤكد اللواء" الشهاوي " أن سيناء اليوم مختلفة تمامًا عن ما كانت عليه قبل عشر سنوات، بفضل يقظة الجيش وتعاون المخابرات الحربية والأمن الوطني فلقد تم تفكيك البنية التحتية للإرهاب، ولم تعد هناك منطقة خارج السيطرة".

 

فيما أوضح اللواء " عادل العمدة" مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية جانب آخر بالغ الأهمية وهو حماية الحدود المصرية، والتي يعتبرها "أقدس مهمة للجيش المصري" قائلا، "من يتخيل أن المعركة في سيناء كانت فقط ضد الإرهاب يخطئ التقدير، نحن واجهنا مخاطر التسلل، والتهريب، والاتجار بالبشر، ومحاولات يومية لاختراق حدود الدولة وكان لزامًا أن يتم تأمين الحدود البرية والبحرية والجوية بمنظومة تكنولوجية متقدمة، تشمل أجهزة رادار، وطائرات مراقبة، ووحدات تدخل سريع".

 

ويضيف اللواء  العمدة، "الحدود الشرقية مع غزة وإسرائيل، والغربية مع ليبيا، والجنوبية مع السودان، كلها مناطق ساخنة وتمكنا من إقامة مناطق أمنه تماما، وتدمير أكثر من 3000 نفق، وضبط عشرات الشبكات التي حاولت تهريب السلاح والبشر، وكان يمكن أن تنهار دول من هذا الحجم من الضغط، لكن القوات المسلحة كانت الصخرة التي تحطمت عليها هذه المخططات".

 

ويضيف مستشار الاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية "القوات المسلحة لا تؤمن فقط بالقوة النارية، بل توازن بين السلاح والتنمية، وكانت ولا زالت هناك خطة لإعادة إعمار سيناء، وتوطين السكان، وإدخال التعليم والخدمات، حتى لا تترك فراغًا تستغله العناصر المتطرفة من جديد".

 

وعلى مدار عقود طويلة، بقيت سيناء في وجدان المصريين بوصفها الأرض المقدسة التي سالت فوق رمالها دماء الأبطال، دفاعًا عن كرامة الوطن وسيادته، ورغم عظم مكانتها الجغرافية والتاريخية، ظلت تنمية سيناء حلمًا مؤجلًا، لكن مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، تغيرت المعادلة، وتحولت سيناء من أرض حدودية إلى محور استراتيجي لمشروع قومي شامل للتنمية وإعادة الإعمار.

 

ومنذ اللحظة الأولى، أدرك الرئيس السيسي أن سيناء لا يمكن أن تبقى على هامش التخطيط الاستراتيجي، وأن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا بإدماج الأطراف في قلب الخريطة ولهذا اعتمدت الدولة خطة تنمية متكاملة لسيناء، لا تقتصر على مشروعات البنية التحتية، بل تشمل الأمن، التعليم، الصحة، الزراعة، الصناعة، وتوطين السكان.

 

ومن أبرز التحديات التي واجهت سيناء لعقود، ضعف شبكة المواصلات وعدم وجود نقاط اتصال فعالة مع الدلتا والوادي لذلك وضعت الدولة أولوية لإنشاء شبكة طرق وأنفاق وجسور حديثة ومنها إنشاء 5 أنفاق عملاقة تربط سيناء بالوادي، نفقا الإسماعيلية، نفقا بورسعيد، ونفق الشهيد أحمد حمدي 2، وهذه الأنفاق تُعد شرايين حياة جديدة تسهل الانتقال الآمن والسريع للأفراد والبضائع.

 

إلي جانب تطوير شبكة الطرق الداخلية بإنشاء أكثر من 1300 كم من الطرق الجديدة، من بينها طريق "نخل – العريش" وطريق "طابا – نويبع"، وهي طرق تمهد لاستثمارات سياحية وتجارية وزراعية فضلا عن مشروعات الكهرباء والمياه وتم إنشاء محطات كهرباء عملاقة مثل محطة "محولات المساعيد"، بالإضافة إلى محطات لتحلية المياه مثل محطة "الطرفة"، لتأمين الموارد المائية، خاصة في شمال سيناء.

 

وكانت الزراعة أحد أعمدة خطة التنمية في سيناء، نظرًا لطبيعة الأرض الصالحة للاستصلاح وتوافر المياه الجوفية، والدولة أطلقت مشروعات ضخمة لاستصلاح نحو 400 ألف فدان، من بينها مشروع "سحارة سرابيوم" لنقل مياه ترعة السلام إلى شرق القناة، لري الأراضي المستصلحة، كما تم إنشاء عشرات الصوب الزراعية الحديثة، ومزارع إنتاج التمور والزيتون والخضروات، ضمن خطة لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز فرص التصدير.

 

وسيناء غنية بالموارد الطبيعية التي ظلت لسنوات بلا استغلال فعلي ومع خطة الدولة، تحولت هذه الموارد إلى فرصة استثمارية حقيقية ومنها إنشاء مصانع جديدة لإنتاج الأسمنت، الرخام، الجبس، والسيراميك، وخاصة في منطقة وسط سيناء، التي تمثل كنزًا جيولوجيًا غير مستغل وتطوير المنطقة الصناعية ببئر العبد، وتوفير أراضٍ للمستثمرين المحليين والأجانب، مع منح تسهيلات ضريبية وجمركية لتحفيز الاستثمار.

 

وتحقيق التنمية الشاملة لا يكون بالبنية فقط، بل بالإنسان ولهذا ضخت الدولة استثمارات ضخمة في تطوير المدارس، وإنشاء جامعات ومعاهد عليا، أبرزها جامعة الملك سلمان الدولية التي لها فروع في الطور وشرم الشيخ ورأس سدر، وتضم تخصصات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي والهندسة الحيوية، وفي قطاع الصحة، تم تطوير المستشفيات المركزية في العريش ورفح وبئر العبد، بالإضافة إلى إنشاء وحدات صحية جديدة، وتزويدها بأحدث الأجهزة والكوادر الطبية.

 

وكان أحد التحديات الكبرى كان قلة عدد السكان في سيناء، مقارنة بمساحتها الهائلة ومن هنا عملت الدولة على إطلاق مشروعات إسكان اجتماعي ومجتمعات عمرانية جديدة، مثل مدينة سلام شرق بورسعيد، ومدينة رفح الجديدة، وتجمعات بدوية متكاملة المرافق.

 

كما وفرت فرص عمل للشباب من خلال برامج التدريب والتشغيل في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة، لتشجيع الاستقرار الدائم، وكسر المفهوم القديم لسيناء كأرض معزولة أو "منطقة عبور".

 

أيضا أحد أبرز المشروعات القومية التي تداخلت مع تنمية سيناء كان مشروع قناة السويس الجديدة، الذي لم يكن فقط مشروعًا ملاحيًا، بل انطلق منه المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي تشمل موانئ ومناطق صناعية في بورسعيد والعين السخنة وشرق القنطرة، وتم ربط هذه المنطقة بمحاور سيناء، لتكون نافذة جديدة للتجارة العالمية، ومنصة صناعية دولية، خاصة في ظل قربها من الأسواق العربية والأفريقية والآسيوية.

 

ولم تعد تنمية سيناء مجرد طموح في الخطط الحكومية، بل واقع يتحقق على الأرض يومًا بعد يوم، وما يجري في هذه الرقعة الاستراتيجية من الجمهورية هو إعادة كتابة لتاريخ العلاقة بين الإنسان والمكان  فالدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم تكتفِ بتحرير الأرض، بل قررت أن تحرر الإنسان من الفقر، التهميش، والعزلة وفي كل مشروع يُفتتح، وكل طريق يُعبد، وكل مزرعة تُزرع، تكتب مصر فصلًا جديدًا من فصول البناء الحقيقي، لتبقى سيناء  كما كانت دومًا  قلبًا نابضًا للعزة والسيادة، وحصنًا منيعًا في مواجهة كل التحديات.



 

مقالات مشابهة

  • خبراء عسكريون: القوات المسلحة قادرة علي حماية أرض الفيروز برا ًوبحرًا وجوًا
  • حزب مصر القومي: الجيش المصري السند الذي لا يتخلى عن وطنه
  • عبد الله علي إبراهيم: من الثورة إلى الحرب: الطريق الوعر لبناء الدولة السودانية (دار الموسوعة الصغيرة، 2025)
  • في ذكراه ال ١٥٥ كيف كان دور لينين في الثورة الروسية؟
  • مليشيتك المفضلة شنو؟ الشعب السوداني بعد الحرب
  • تخوف وحذر!!
  • الجيش السوداني يكذب الدعم السريع ويحذر ويكشف حقيقة فيديوهات ويعلن مقتل وإصابة 33 مواطنًا
  • بالأرقام .. أوكرانيا تكشف خسائر الجيش الروسي منذ بداية الحرب
  • انتهاكات أمنية.. الجيش الروسي يعلن عن انفجارات وحريق في مستودع ذخيرة رئيسي
  • تعليقاً على مقال:” عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد*