يمانيون|

يعد الثامن من أكتوبر تشرين الأول من أبرز الأيام التي لا يمكن أن تفارق الذاكرة اليمنية، ففي مثل هذا اليوم من عام 2016 ارتكب العدو الأمريكي السعودي مجزرة قصف القاعة الكبرى بصنعاء.

في هذا اليوم خيم الحزن على معظم الأسر اليمنية، ودخل الأسى إلى كل بيت، حيث حلقت طائرات العدوان في سماء العاصمة صنعاء، واستهدفت قاعة عزاء كان يتواجد فيها المئات من اليمنيين الذين حضروا لتقديم واجب العزاء في وفاة رجل الأعمال علي الرويشان.

استغل العدوان هذا التجمع، ليستهدف بكل قبح ودناءة الحاضرين، مخلفاً أكبر الجرائم على اليمن، في محاولة لدفع اليمنيين للاستسلام أمام وحشيته وعنفوانه.

سارع العدوان للاعتراف بارتكابه لهذه الجريمة، بغارتين جويتين الفارق بينهما 7 دقائق، على أجساد مئات المعزين بينهم قيادات كبيرة في الدولة مدنية وعسكرية ومن مختلف التوجهات السياسية، ومشايخ قبلية، علاوة على الأطفال، والمسعفين.

 أسفرت هذه الجريمة عن استشهاد وجرح أكثر من ألف مدني منهم استشهاد  193مدنياً، بينهم ثلاثة وثلاثون طفلاً، 890 جريحاً، بينهم أربعون طفلاً ، ومنهم 20 طفلاً إعاقاتهم دائمة، وتفحم 13 جثة لم يتم التعرف على هويتها، لتكن واحدة من جرائم الحرب الأكثر دموية في اليمن.

مكان وزمان الجريمة وكل تفاصيلها تؤكد وحشية العدوان وإمعانه في سفك الدم اليمني، حيث تعمد استهداف القاعة الكبرى أثناء اكتظاظها بالمعزيين في وفاة الشيخ علي بن علي الرويشان، وقراءتهم  فاتحةَ الكتاب على روحه، فحولت الغارات لحظات السكون والحزن والتعازي القلبية في وجوه الحاضرين إلى مشهد رعب، وقيامة كبرى هبت من السماء على رؤوسهم تحرق وتبعثر وتكسر وتبيد دون هوادة، وخلال تحرك المسعفين لإنقاذ ضحايا الغارة الأولى عاود الطيران لاستهدافهم بغارة ثانية راكمت الجثث وضاعفت الشهداء وأعداد الجرحى ، وأرعبت سكان الأحياء المجاورة وطواقم الإسعاف التي تخشى معاودة الغارات مجدداً، فكانت المشاركة في رفع الأنقاض وانتشال الجثث واسعاف الجرحى نوع من الاستبسال والجهوزية لشهادة تحت وابل الغارات المتجددة.

في تلك المحرقة الهيلوكستية عم الحزن أرجاء اليمن وتناثرت الأشلاء والجثث المتفحمة أرجاء القاعة، وارتوت الأرض التي عليها بدماء مئات الشهداء والجرحى، وارتفعت صرخات الضحايا من تحت الدمار، ومن بين أعمدة الدخان وألسنة النيران، ومعها رائحة الشواء والموت والبارود، في مشهد إجرامي عمق الحزن في قلوب الشعب اليمني، وأثر فيه قيم الولاء لله وللوطن، وتماسكت الأيادي لتزيد من لحمة اليمن شعباً وقيادة، أمام آلة القتل والدمار العدوانية.

وتعد هذه الإبادة المقصودة عن سابق إصرار وترصد  من قبل العدوان السعودي الأمريكي، جريمة حرب متكاملة الأركان وفقاً للقانون الدولي الإنساني، واستخدم فيها  سلاح أمريكي الصنع من نوع (Paveway ll GBU-12) بوزن 225 كيلوغرام موجهة بالليزر نوع (MK82) ، حسب ما أكدته منظمة “هيومن رايتس”،

 ورغم اقرار العدوان بارتكاب الجريمة الا أنه لم تتخذ أية اجراءات للمساءلة والعقاب لقادته ومسؤوليه وفقاً للقانون الدولي، وكذا لم يحصل أهالي الضحايا على أي تعويض رغم وعود العدوان بتعويضهم.

تهرب من المحاكمة

ويؤكد وزير حقوق الإنسان السابق علي الديلمي في تغطية مسبقة لصحيفة “المسيرة” على أهمية رفع هذه الجريمة وآلاف الجرائم مثلها إلى مجلس الأمن ليقوم بشكل نهائي بتحويلها إلى المحكمة الجنائية الدولية ، وملاحقة مجرمي الحرب وتقديمهم للعدالة الدولية والمحلية”.

 ويضيف أنه “وعلى الرغم من اكتمال أركان الجريمة واعتراف تحالف العدوان بالحادثة إلَّا أن محكمة الجنايات الدولية لم تقم بأية إجراءات عقابية كإدخَال تحالف العدوان ضمن القائمة السوداء أَو منع تصدير الأسلحة لتلك الدول المجرمة”.

ويلفت الديلمي إلى أن “وزارة حقوق الإنسان وثقت تلك الجريمة وتحدثت عنها في أكثر من مناسبة، وأنه يتم التذكير بها بشكل كامل ومُستمرّ”، منوِّهًا إلى أن “الوزارة أعدت تقاريرَ لجريمة القاعة الكبرى وغيرها من الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والأطفال وأن التقرير صيغ وفق المعايير الدولية”.

ويختم الديلمي حديثه بالقول: “نعرف جميعاً بأن الآليات الدولية للأسف الشديد تخدم الاستعمار، وآليات معقدة، وآليات مسيّسة، وآليات تهدف بالدرجة الأَسَاسية إلى خدمة الدول الكبرى ضد الدول المعارضة لدول الاستكبار العالمي”.

بدوره يقول رئيس منظمة إنسان للحقوق والحريات، أمير الدين جحاف: إن “جرائم العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن تنوعت وتعددت، غير أن جريمة قصف القاعة الكبرى تعد من الجرائم الأبشع خلال هذا العقد من الزمن”.

وفي تغطية سابقة لصحيفة “المسيرة” يضيف جحاف أنه “بالإمْكَان اعتبار الجرائم السعوديّة بحق المدنيين جرائم حرب بشعة لا تمت للقيم الإنسانية والأخلاقية بأية صلة”، مؤكّـداً أن “جريمة قصف القاعة الكبرى ارتكبت من قبل طيران تحالف العدوان السعوديّ الأمريكي الغاشم بشكل متعمد لاستهداف المدنيين والأطفال والأبرياء”.

ويشير جحاف إلى أن “هذه الجريمة تصنف ضمن أبشع الجرائم، بل وترقى إلى جرائم الإبادة التي ترتكب بحق الإنسان، وأنه لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وستبقى راسخة في أذهان اليمنيين”.

ويوضح أن “جرائم النظام السعوديّ بحق المدنيين اليمنيين سوف تأخذ مجراها بعد الانتهاء من العدوان والحصار المفروض على الشعب اليمني منذ تسع سنوات”، مؤكّـداً أن “الأسر التي فقدت أحبابها والأطفال الذين يُتموا؛ بسَببِ جرائم تحالف العدوان سوف تصل إلى المحاكم الدولية والمحاكم الإقليمية لينال المجرمون الجزاء العادل نظيرَ جرائمهم”، لافتاً إلى أن “المال السعوديّ أسهم بشكل فعال في تكميم الأفواه وصمت المنظمات الحقوقية ومن ضمنها الأمم المتحدة والتي ظلت محايدة أمام غالبية الجرائم المرتكبة في اليمن”.

  أقوال الشهود والضحايا:

 ويروي المواطن (عمار) لحظات ما بعد القصف قائلاً: “كان مكاناً مشتعلاً بكثرة يصعب على أي واحد من الموجودين أن يقترب منه، واتضح فيما بعد أن أعمامي الاثنين وعيال أعمامي كانوا هناك.

ويواصل: “كنت أصيح بأعلى صوتي، أناديهم، يا حسين زياد، يا عبد العزيز، يا أمين، يا طه، قلت ربما أحدهم لايزال حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي”.

 ويضيف بأسى: “لم أقتنع، اتصلت أسأل (خالد) الجريح: يا خالد هل رأيت أحد منهم بعد الغارات؟ رد وهو فاقد الأمل: خلاص لا عاد تدور، الغارة  كان مكانه بينهم تماماً، حينها اسودت الدنيا في وجهي، وكان الخبر كالصاعقة التي قسمتني نصفين، كنت على أمل أن أجدهم”.

ويزيد والوجع يملأ كل مفاصل جسده: “كنت أقنع نفسي رغم بحثي وكلام خالد بأًني سأجد أحدهم، ورجعت أبحث من جديد وأنا أعتصر الألم عليهم، وعلى تلك المناظر، وكنت أصيح في كل الموجودين: (إذا رأيتم واحداً، يتحرك لا تتركوه، اخرجوه.. اسعفوه وبعدا سهل اتعرفوا عليه)، بعدها دخل بقية أبناء عمومتي أهل القرية، وكنا نخرج الجثث حتى الساعة الثامنة ليلاً ولم نجد لهم أدنى أثر”.

ويستمر عمار في رواية الحادثة “خرجنا من القاعة كلنا بعد جهد جهيد دونما فائدة، وتوزعنا على المستشفيات، قلنا عسى نلقاهم جرحى، أو في ثلاجات الموتى، وطول الليل واحنا نبحث ونلف مستشفيات العاصمة حتى العيادات الخاصة والمراكز الطبية، وفي الساعة الثانية ليلاً ، وقد وجوهنا مصفرة كلنا وكأننا بعثنا من القبور ذهبت لمستشفى الشرطة وقد بحث الجميع فيه لأكثر من مرة، لكني أصررت للذهاب إليه ثانية فقلبي يحدثني أني سأجد شيئاً هناك.


وقال عمار: “وصلت إلى باب المستشفى ولقيت بعض من أهلي، ودخلت معهم فرأينا جثثاً ملامحها مطموسة تماماً، وكنا نعيد الكرة، ونلف وندور على نفس الجثث، كانت إحدى الجثث ذات رأس منقسم نصفين لم تتضح صورته، لكن قلبي كان يخفق بشدة، كلما مريت بتلك الجثة أحسست بشيء يشدني لها، فقلت لحارس الثلاجة: (لو سمحت أريد كفوف طبية) ولبستها على الفور ومسكت الوجه من الجانبين وجمعت النصفين رتبت تقاسيم الوجه بصعوبة وطلع ابن عمي أحد من نبحث عنهم، إنه (أمين عبدالله زياد)، اتصلنا بالبقية وجاء الجميع وتعرف ابن عمي (صدام حسين زياد) على يده وقال: (نعم هذا أمين)، وعرف كذلك الشال الذي أخذه منه أمين قبل الذهاب للقاعة، أما عمي (حسين زياد) فلم نجده إلا في اليوم الثالث في المستشفى العسكري وهو جثة محترقة لا ملامح ولا أي دليل يثبت أنها له إلا فقط ساعته! ، وهكذا وجدنا اثنين ولم نجد عمي عبد العزيز ولا طه”.

ويقول أحد الشهود: “عندما وصلت، كانت هناك أكثر من 50 جثة محترقة يمكن التعرف على ملامحها، لكن مع اختفاء نصف الجسد واختفاء نصف الرأس، أما الباقين فكان من الصعب جداً معرفة من كانوا”.

عادل الهارش البالغ من العمر 41 عاماً، والذي حضر العزاء مع صديقه، يقول إن القاعة كانت “مكتظة بالناس من جميع طبقات المجتمع – عسكريين ومدنيين وشيوخ وأعيان وصحفيين”، قرر عادل وصديقه المغادرة بعد رؤيته للازدحام، لكنه عانى من صعوبة الخروج مع محاولة الحشود الدخول.

 يضيف عادل أنه سمع صوت أزيز في السماء، تلاه “انفجار ضخم”، بعد بضع دقائق، سقطت قذيفة أخرى، سمع صوت طائرة وفر من مكان الحادث.

 

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: تحالف العدوان القاعة الکبرى هذه الجریمة إلى أن

إقرأ أيضاً:

قراءة في موقف تقدم من جرائم الحرب .. هل كانت ظهيرا سياسيا للمليشيا.؟

24 مارس 2025
منذ تأسيسها وحتى إعلان فك الارتباط بين أطرافها، ظلت "تقدم" تدعو في خطابها السياسي إلى إنهاء الحرب عبر التفاوض بين الطرفين، مؤكدة مرارًا على التزامها الحياد. غير أن تساؤلات عدة أثيرت وانتقادات متفاوتة الحدة وُجِّهت حول مدى التزامها بهذا الحياد. ولتقييم مواقف "تقدم" من طرفي الحرب بعيدًا عن الجدل السياسي والاتهامات المرسلة، نستعرض في هذا المقال مواقفها المعلنة في بياناتها الرسمية، خاصة فيما يتعلق بجرائم الحرب التي ارتُكبت خلال النزاع. فهذه البيانات تعكس موقف "تقدم" من الحرب ومن طرفيها، كما تعكس مدى التزامها بمبادئ القانون وقيم العدالة.
تاسيسا للخوض في تلك المراجعة، لا بد من الإشارة إلى أن "قوى الحرية والتغيير" (قحت) والقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري شكلت بعد أقل من أسبوعين من اندلاع الحرب "الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية"، والتي تحولت لاحقًا إلى "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية - تقدم" في أكتوبر 2024.بالتحالف مع بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا . في يناير 2024، عقب سيطرة مليشيا "الدعم السريع" على مدينة ود مدني، وقعت "تقدم" اتفاقًا سياسيًا معها عُرف بـ"إعلان أديس أبابا". وبعد أربعة أشهر، انعقد مؤتمر "تقدم" التأسيسي، حيث طرحت رؤيتها لوقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية الجديدة. في يناير 2025، انقسمت "تقدم" نتيجة خلافات بين مؤيدي تشكيل حكومة بحماية "الدعم السريع" في مناطق سيطرته، وبين الرافضين لهذه الخطوة، في كل التحالفات السابقة، شكلت "قحت" التيار الرئيسي الذي بنيت على هدى خطابه رؤى التحالفين ومواقفهما السياسية.
اول البيانات بخصوص جرائم الحرب أصدرته الجبهة المدنية لايقاف الحرب واستعادة الديمقراطية حول جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقى و مقتل الوالى خميس ابكر في الجنينة على يد مليشيا الدعمالسريع .
1- بيان الجبهة المدنية حول تطورات الأوضاع في غرب دارفور
استهلت الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية بيانها، بإدانة مشددة لما وصفته بـ"التطورات الأخيرة في إقليم دارفور، والتي أدت الى وقوع انتهاكات وفظائع ضد المدنيين في الجنينة وزالنجي وكتم ومناطق أخرى " كما ادانت بشدة قيام قوات الدعم السريع باعتقال والي غرب دارفور خميس أبكر وحملتها كامل المسؤلية عن اغتياله، وطالبت بالتحقيق في هذه القضية وإلقاء القبض على مرتكبي هذه الجريمة الموثقة والتعامل معهم وفق القانون وكافة جرائم الحرب والإنتهاكات التي حدثت بمدينة الجنينة بواسطة طرفي النزاع " ودعت المجتمع الدولى لمراقبة الوضع في دارفور ، والضغط على الأطراف المتحاربة للكف عن استهداف المدنيين على أساسٍ عرقي أو قبلي، باعتبارها جرائم حرب لا يمكن مطلقاً التسامح مع مرتكبيها. هذه هي جل النقاط المتعلقة بموضوع المقال التي وردت في البيان ،
ويلاحظ فيه الاتى :
1- استخدمت الجبهة المدنية في مستهل بيانها، عبارات فضفاضة ومبهمة لتوصيف الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في الجنينة،على شاكلة تطورات أخيرة، فظائع، انتهاكات ، ولم تستخدم التوصيف الحقيقى لها كجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقىى وتهجير قسرى ،رغم ان ذلك تم تأكيده من مصادر إعلامية عالمية وتقارير دولية ومحلية موثوقة اعتمادا على شهود عيان من المواطنين المهجرين ضحايا تلك الجرائم .
2- رغم الأهمية القصوى للتوثيق القانوني والسياسي فى مثل هذا النوع من الجرائم،لاعداد لضحايا وبقية اثار الجرائم من تهجير قسرى وتدمير للملتلكات، الا ان البيان لم يخض مطلقا في هذا المنحى، بل انه لم يشر أصلا الى وجود ضحايا ، رغم توفر كافة الأدلة والمعلومات التي وثقتها تقارير أممية، ووكالات أنباء وصحف عالمية، زمنظمات المجتمع المدني وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، تم تجميعها خلال خمسين يوما من استباحة المدينة ، وجميعها اكدت ان اعداد ضحايا جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقى قد فاق 15 الف انسان ، إضافة الى ان اعداد المهجرين قسرا كانت اضعاف ذلك العدد.
3- تجاهل بيانها تماما القانون الدولى، ولم يستخدمه كمرجعية لتعريف ووصف تلك الجرائم ، رغم مناشدته للمجتمع الدولى بممارسة الضغط على الأطراف و مراقبة الوضع في غرب دارفور .!!
4- تجاهل البيان تماما التفاصيل الميدانية لكيفية نشوب الصراع وطبيعة القوى المسلحة في المدينة، فمليشيا الدعم السريع هي التي اقتحمت المدينة ،في اليوم الأول لنشوب الحرب في الخرطوم ، مدججة بالعتاد الافراد، في وجود محدود لقوات الجيش السودانى والتي انسحبت في الأيام الأولى الى حاميتها خارج المدينة ، اما قوات حركة الوالى خميس ابوبكر فكانت محدودة للغاية لدرجة انها لم تستطع حتى الدفاع عنه ، وفي ظل هكذا وضع كان المواطنين من قبيلة المساليت لوحدهم في مواجهة المليشيا التي استباحت المدينة لمدة خمسين يوما .
5- اقحام البيان لعبارة "جرائم الحرب والإنتهاكات التي حدثت بمدينة الجنينة بواسطة طرفي النزاع " ومطالبته المجتمع الدولى ، بالضغط على "الأطراف المتحاربة للكف عن استهداف المدنيين على أساسٍ عرقي أو قبلي" هو تشويه ظالم للحقائق، يتنافى تماما مع وقائع الاحداث الموثقة،و يحول الضحايا الى طرف متهم بارتكاب جرائم حرب، فكل الأدلة تؤكد ان مليشيا الدعم السريع هي الطرف بادر بالهجوم في اليوم الأول لاندلاع الحرب في الخرطوم ، وهى الطرف الذى ارتكب تلك جرائم الإبادة والتطهير العرقى ، وان موطنى الجنينة المنتمين لقبيلة المساليت كانوا هم ضحايا تلك الجرائم ،ولم يتم بالمقابل توثيق وقوع اى جرائم مضادة في حق االحواضن الاجتماعية لمليشيا الدعم السريع .
6- رغم كل هذه المعلومات المتاحة، اختارت الجبهة المدنية، في بيانها ، الالتفاف على الوقائع الموثقة، بتجنب توصيف تلك الجرائم الخطيرة وفق مرجعية القانون الدولى كجرائم ابادة جماعية وتطهير عرقى ، واغفلت عمدا الإشارة الى عددضحايا المهول لتلك الجرائم، و ذهبت الى ابعد من ذلك بمطالبتها بالتحقيق مع الضحايا أنفسهم كطرف متهم بارتكاب "جرائم حرب وانتهاكات". هذا النهج في قلب الحقائق الموثقة، والتجاهل للقانون الدولى ، فى البيان يكشف ان الجبهة المدنية ، قد حددت موقفها مسبقا، واختارت ان تكون ظهير سياسيا للمليشيا ، يوفر لها الغطاء السياسى ،ويسعى لتجنيبها المسؤوليةا لقانونية والسياسية عن هذه الجرائم .
2- قوى الحرية والتغيير بدورها أصدرت بيانًا أدانت فيه مقتل والي غرب دارفور، خميس أبكر، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة بمشاركة إقليمية ودولية للتحقيق في هذه الحادثة، وكذلك في جميع الانتهاكات التي شهدتها مدينة الجنينة. وشدد البيان على ضرورة تحديد المسؤولين عن هذه الجرائم، سواء المنفذين أو المخططين أو المحرضين، وتقديمهم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب ،اواضافت ان الوضع بات يتطلب تدابيرا استثنائية بإرسال بعثة إقليمية ودولية لحماية المدنيين في الولاية.
هنا أيضا ساد النهج الذى تبنته الجبهة المدنية لوقف الحرب واستعادة الديمقراطية ، فرغم مطالبة "قحت" بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في الجنينة، وبتوفير حماية اقليمية ودولية ،الا أنها تجنبت توصيف جرائم "الإبادة الجماعية"و "التطهير العرقي"، بوصفها الحقيقى وفقًا للقانون الدولي، واستبدلته بمصطلح الانتهاكات ، كما لم يتضمن البيان أي أرقام أو إحصائيات حول اعداد الضحايا.ولم تقم بتحميل مليشيا الجنجاويد المسؤولية المباشرة عن الجرائم ، رغم توفر الأدلة والشهادات الحية التي تشكل أرضية صلبة لذلك الاتهام .
اما مطالبة بيان قحت بإرسال "بعثة إقليمية ودولية" لحماية المدنيين في غرب دارفور، فشكل اختلافا جوهريا في التعاطى مع الواقعة، بينها وبين الجبهة المدنية ، ويبدو ان هذه هذه المطالبة لم تكن التزامًا مبدئيًا بحماية المدنيين،بل كانت مجرد مناورة سياسية وتكيتيك مرحلى مرتبط بالتحولات السياسية والميدانية و تبدل الأجندة والمصالح،اذ لم يتم المطالبة في بقية مراحل الحرب المحتشدة بالجرائم المماثلة التي ارتكبتها المليشيا.
3- بيان "تقدم" حول الانتهاكات في ولاية الجزيرة – 30 مارس 2024
أصدرت "تقدم" بيانًا حول" الانتهاكات" التي وقعت في ولاية الجزيرة على يد قوات الدعم السريع، ذكرت في مستهله أنها تابعت "الأنباء المتواترة التي كشفت عن وقوع انتهاكات واسعة تجاه المدنيين بعدد من مناطق ولاية الجزيرة من قبل قوات الدعم السريع والقوات المتحالفة معها في عدة قري وما تلاها من تهجير قسري لمواطني تلك القرى في ولاية الجزيرة".
وأضاف البيان "نعتبر الإجراءات التي تمت في تلك المناطق تجاه سكانها المدنيين جرائماً غير مقبولة او مبررة تجاه السكان المدنيين، وتعد في ذات الوقت خرقاً للإلتزامات الموقع عليها بين تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية "تقدم" وقوات الدعم السريع في اعلان أديس ابابا المشترك في يناير 2024م عموماً والأحكام الخاصة بحماية وضمان سلامة المدنيين، والعمل على إرجاعهم لبيوتهم وأماكن سكانهم"
ثم ادانت تقدم تلك الانتهاكات "تدين تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية هذه الإنتهاكات التي تتم تجاه المدنيين في الجزيرة " معتبرة "ان مسؤولية حماية المدنيين وسلامة ممتلكاتهم وأرواحهم هي مسؤولية الدعم السريع في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، " وأضافت "وطبقا لذلك فعلي قوات الدعم السريع ومن واقع تلك المسؤولية الاعتراف بهذه الجرائم والالتزام التام بعدم تكرار هذه الانتهاكات ووقفها بشكل فوري وحاسم وإتخاذ إجراءات شفافة وعلنية تجاه كل مرتكبي التجاوزات وتقديمهم لمحاكمة علنية وعادلة وجبر ضرر الضحايا وتعويضهم."
في هذا البيان استخدمت تقدم في بيانها هذا ومنذ الوهلة الأولى ، تكتيكا واضحا للالتفاف على حقيقة وطبيعة الجرائم التي ارتكبها مليشيا الدعم السريع ، و عملت بشكل مباشر على اضفاء اكبر قدر ممكن من الشك والضبابية على تلك الجرائم يتبين ذلك في :
أولا: استخدمت تقدم لعدة مرات في بيانها ، لفظ انتهاكات الغارق في الضبابية والتعميم،لتوصيف جرائم القتل الجماعي، والاغتصاب الجماعى وجرائم الاختطاف، والاستعباد الجنسي، ونهب الممتلكات، وحرق المزارع، وتدمير البنية التحتية، والتهجير القسري للمواطنين، التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، وجميعها جرائم غاية في الخطورة والبشاعة ولها تسميات وتوصيف محدد، وفق معايير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الواردة في القانون الدولى . وتماديا في التغطية على تلك الجرائم، اسمتها في فقرة أخرى من البيان بالتجاوزات، وفى أخرى وصفها ب"الإجراءات" وهى بالتأكيد عبارة لاتدل باى حال من الأحوال، على وقوع جرائم ، ناهيك عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بهذا القدر من الخطورة .هذا الالتفاف المتعمد واحاطة الجرائم بهذا القدر من الضبابية والتطفيف اللغوى ، لا تفسير له ، الا ان تقدم ارادت إخفاء بشاعة ووطأة تلك الجرائم وطمس الحقائق حولها ، بغرض ابعاد المسئولية عن مليشيا الدعم وحمايتها من التبعات المترتبة على ارتكاب تلك الجرائم.
ثانيا: كما تسترت في بيانها على الجرائم ، فانها تجاهلت تماما ذكر اعداد ضحايا ها من القتلى والمغتصبات والمهجرين ، واغفلت أيضا تسمية القرى والمناطق التي وقعت فيها تلك الجرائم، ولم تشير الى شهادات الضحايا ، رغم الأهمية القصوى لكل ذلك في التوثيق لتلك الجرائم ،هذا الاغفال المتعمد من البيان القى مزيدا من الغموض على تلك الجرائم ،وحوله من من بيان لكشفها وفضحها، الى أداة من ادوات إخفاء الحقائق حولها، ومنح مرتكبيها فرص الافلات من المسئولية والعقاب .
ثالثا :بينت تقدم ان معرفتها بوقوع مااسمتها "الانتهاكات"،كان عن طريق متابعتها "للانباء المتواترة"عن تلك الانتهاكات، ومصطلح انباء متواترة ، مصطلح إعلامي تستخدمه وسائل الاعلام والمؤسسات السياسية، عادة للإشارة الى معلومات متناقلة غير مؤكدة رسميا وبالتالي غير موثوقة ، ولم تذكر تقدم استعانتها باى مصادر أخرى ، لمعرفة حقيقة ما جرى، رغم انها كتحالف سياسى عريض، تمتلك كافة وسائل وامكانيات الحصول على ادق و اوثق المعلومات حول تلك الجرائم ،عن طريق قواعدها الاجتماعية واسعة الانتشار بين أبناء الجزيرة وفى كافة مناطق السودان، وعن طريق قنواتها التنظيمية المنضوية تحت لوائها، من أحزاب سياسية، ولجان مقاومة ومنظمات مجتمع مدنى كنقابة الصحفيين وتحالف المحامين الديمقراطيين، الا انها اختارت ان تنسب معرفتها بتلك الجرائم لاكثر المصادر قابلية للتشكيك والطعن في مصداقيته، رغم خطورة تلك الجرائم.الامر الذى يؤكد ان تقدم تعمدت وبصورة ممنهجة، اضفاء اكبر قدر من الشك حول تلك الجرائم، وهو مايشكل غطاءا سياسيا للمليشيا ، يصب في صالح افلاتها من المسئولية والعقاب.
رابعا: استخدام تقدم عبارة "جرائم غير مقبولة"لتوصيف مجموعة من ابشع جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، هو امعان متعمد، لتخفيف حدة تلك الجرائم، والتستر عليها، كذلك جعل اعلان اديس ابابا الذى وقعته مع المليشيا مرجعية بديلة للقانون الدولى، يعكس مدى حرص تقدم لتوفير غطاء سياسي لمليشيا وتجنبيها المسئولية عن كافة الجرائم بقدر الإمكان .
خامسا: مطالبة تقدم للمليشيا بالاعتراف بالجرائم بحكم مسئوليتها عن " حماية المدنيين وسلامة ممتلكاتهم وأرواحهم" في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، هو تعبير تمت صياغته بعناية ، ليمنح براءة مسبقة للمليشيا، فهو يبدل تماما وضعها القانوني من كونها الجهة التي ارتكبت تلك الجرائم ،الى جهة تنحصر مسئوليتها في وقوع تلك الجرائم فىى تقصير ها عن حماية الضحايا.
من كل ذلك يتضح ان تقدم، قد اتخذت موقفا مسبقا منحازا بشكل قاطع لصالح المليشيا، وبنت على ضوئه استراتيجية ممنهجة، للتغطية على ماترتكبه من جرائم ، تلخصت في اغفالها المتعمد للقانون الدولى كمرجعية لتوصيف تلك لجرائم ، والالتفاف على توصيفها باستخدام عبارات مبهمة وفضفاضة، وعدم التطرق لاعداد ضحاياها وتبعاتها على المدنيين، و اضفاء طابع من التشكيك والضبابية على المعلومات المتعلقة بتلك الجرائم، واهمال ماتم توثيقه من جوانبها،وعدم الاهتمام بجمع الحقائق والمعلومات حولها، رغم متلاك تقدم لكافة إمكانيات الوصول لتلك الحقائق . كذلك حرصت تقدم على عدم توجيه الاتهام للمليشيا بارتكاب تلك الجرائم.
4- بيان "تقدم" حول مقتل الأمين محمد نور في كسلا – سبتمبر 2024
أصدرت "تقدم" بيانًا أدانت فيه الجريمة التى وصفتها بالوحشية التي راح ضحيتها المواطن الأمين محمد نور، بعد تعرضه للتعذيب والقتل على يد جهاز الأمن في كسلا. و اعتبرت في بيانها، أالى ان الجريمة تمثل نهجًا متسقًا مع ممارسات جهاز الأمن والمخابرات خلال سنوات حكم النظام البائد، مشيرًة إلى التشابه في النهج و الأسلوب الإجراموى بين هذه الاجريمة وجريمة اغتيال الأستاذ الشهيد أحمد الخير في كسلا خلال ثورة ديسمبر،وطالبت بتسليم المتهمين وتقديمهم لمحاكمة عادلة وفورية لينالوا جزاءهم على ارتكاب هذه الجريمة النكراء، مؤكدة على ضرورة تحقيق العدالة وعدم إفلات الجناة من العقاب..
يُلاحظ هنا في هذا البيان عن واقعة الاغتيال البشعة تلك، أن "تقدم" حرصت على توصيف الجريمة بشكل واضح ودقيق، رابطة اياها بالمنهج الإجرامي المعروف عن جهاز الأمن طوال تاريخه،هذا النهج في تحليل الجريمة السياسية من تقدم لاخلاف عليه، بل هو مطلوب كضرورة لكشف هذا النوع من الجرائم وفضح السياسات الاجرامية المنهجية، والجهات المتورطة فيها، لكن من نافلة القول ان هذا النهج يختفى تمامًا في بيانات"تقدم" عن الجرائم التي ارتكبها الجنجاويد خلال الحرب، رغم احتشاد تاريخهم بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المشابهة، وهو مايقود الى نتيجة مفادها عدم اتساق وحيادية تقدم في تناول الجرائم والانتهاكات وفق ذات المعايير.
5- بيان "تقدم" حول الغارات الجوية واستهداف المؤسسات المدنية – أبريل 2024
أصدرت "تقدم" بيانًا بخصوص الغارات الجوية التي شنها الجيش السوداني على مدينة مليط، والتي أسفرت، وفقًا للبيان، عن " سقوط ضحايا بين المدنيين وخسائر كبيرة في الممتلكات والماشية"، ووصفت تقدم هذه الهجمات بأنها جزء من "سلسلة غارات جوية مستمرة منذ بداية الحرب، اغفلت المنشآت العسكرية والحربية واستهدفت المنشآت المدنية من مواطنين ومساكن وممتلكات." مؤكدة أن هذه الغارات" تسببت في خسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية بمختلف أنحاء السودان، لا سيما في العاصمة، دارفور، كردفان، والجزيرة" وأكدت أيضا ان " استهداف الأعيان المدنية والمدنيين عبر استخدام البراميل المتفجرة ذات التأثير العشوائي والمدى التدميري الواسع هو امتداد لسلوك قديم تبنّته القوات الحكومية خلال الحروب الأهلية، بهدف تدمير حياة السكان في المناطق التي تقع خارج سيطرتها" وكررت الحديث عن الأثر المدمر لتلك الغارات على المدنيين وممتلكاتهم "الوقائع الميدانية على مدار أكثر من عام من الحرب أظهرت إصرارًا على تكرار أخطاء الماضي، ولكن على نطاق أوسع، ما أدى إلى خسائر مروعة في أرواح المدنيين وممتلكاتهم"، مؤكدة ادانتها لهذه الهجمات باعتبارها "جرائم حرب تنتهك القوانين الدولية ذات الصلة بالنزاعات المسلحة".واوضحت ان هذه الاحداث عززت "قناعتها بوجوب إعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية بعد انتهاء الحرب، مع ضرورة إصلاح عقيدتها العسكرية"
هذا البيان البليغ والصارم جمعت فيه تقدم كل ماغاب عن بياناتها السابقة الخاصة بجرائم الدعم لسريع من إدانة مباشرة وتحليل وتوصيف سياسى وتكييف قانوني لجريمة القصف التي تتحدث عنها.
1 - صنفت الغارات بانها استهداف مباشر ومتسلسل للمدنيين ولممتلكاتهم وللبنية التحتية .
2- تحدث عن سقوط عدد كبير من الضحايا ووقوع خسائر فادحة في الممتلكات والبنية التحتية.
3- ربطت هذه الغارات بسلوك تاريخى قديم طالما اتبعته القوات المسلحة في قصف الاعيان المدنية والمدنيين.
4- لم تكتف بإدانة الغارات بل وسعت الإدانة لتشمل أيضا عقيدة الجيش القتالية، وصفتها بالخاطئة وتعهدت بإصلاحها انتهاء الحرب.
5- اعتمدت على القانون الدولى والمعاهدات الدولية لتوصيف الغارات بانها جريمة حرب وفقا لتلك القونين .
هذا المنهج القانوني والتحليلى الصارم الذى قامت فيه تقدم، بإدانة الغارات الجوية على المناطق المدنية،واعتمدت فيه على القانون الدولى، كمرجعية ،لتوصيفها كجرائم حرب، كاشفة عن طبيعتها وغرضها وجذورها، تقابله فى الناحية الاخرى، استراتيجية منهجية مغايرة تماما، اعتمدتها تقدم عند تناولها جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التى يرتكبها الجنجاويد، وعماد تلك الاستراتيجية،هو الاغفال التام والمتعمد للقانون الدولى كمرجعية للتوصيف والتكييف القانوني ، واحاطة الجرائم باكبر قدر ممكن من الضبابية والشك، بالالتفاف على توصيفها القانوني ، واستخدام الفاظ شديدة الضبابية والالتباس،تخفى طبيعة الجرائم ووتخفف من وطاتها، كذلك التشكيك في مصداقية الاخبار المتعلقة بها ،وعدم الحديث عن ضحاياها،ونتائجها من نهب وتدمير لممتلكات المواطنين وتخريب للبنية التحتية، خطورة اذدواجية المعايير التي تمارسها تقدم انها،لاتقتصر على البعد الاخلاقى فقط ، بل تمتد تاثير سياسى قانوني كبير، فهى تعكس تمثل موقف تقدم السياسى من هذه الجرائم ومن الصراع ككل، وهى بالتأكيد ستساهم في إعادة تشكيل السردية الدولية حول جرائم الحرب و الصراع في السودان، بما يخدم الأجندة السياسية للمليشيا ومن يقف ورائها على حساب تحقيق العدالة للضحايا .
6- بيان "تقدم" حول قصف الدعم السريع في أم درمان – ديسمبر 2024
أصدرت تقدم بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين الأبرياء في أم درمان، الثورة الحارة 17. قدّم البيان تفاصيل دقيقة عن موقع الجريمة، وأعداد الضحايا، مشيرًا إلى أن هذه الهجمات تندرج "ضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات العشوائية التي تشهدها المدينة منذ أكثر من عام، وأدت إلى مقتل وإصابة المئات وتشريد آلاف الأسر، وأضافت "ان استهداف المدنيين بشكل متعمد يهدف تهجيرهم قسريًا وتدمير البنية التحتيةهو عمل إجرامي لا يمكن السكوت عنه " وأكدت أن هذه الجرائم تشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف ،وترتقى إلى مستوى جرائم الحرب التي تستوجب التحقيق والمحاسبة، كما دعا البيان المجتمع الدولي إلى إدانة هذه الجرائم والضغط من اجل محاسبة مرتكبيها.
هذا البيان الصارم والمباشر فى ادانة جريمة القصف العشوائى التي ارتكبتها المليشيا،والذي استخدمت فيه تقدم للمرة الأولى القانون الدولى لتوصيف جريمة ترتكبها المليشيا، وحرصت فيه على ذكرعدد ضحاياها، وتحديد موقعها وتحليل اهدافها، جاء بمثابة انقلاب كامل على موقف تقدم، الذى ظل مساندا وداعما للمليشيا طوال الفترة الماضية، وعلى استراتيجيتها التى قامت من خلالها بالتغطية والتستر على كل جرائم المليشيا فى دارفور والخرطوم والجزيرة،السؤال الذى يطرح نفسه هنا ، لماذا انقلبت تقدم على موقفها من جرائم المليشيا في هذا البيان ؟
و الاجابة بكل بساطة هى ان تقدم التى تشكلت بعد ستة اشهرمن اشتعال الحرب، بنت موقفها المساند للمليشيا، على حسابات واجندة سياسية، وواقع عسكرى وميدانى، كانت المليشيا فيه فى قمة قوتها وعنفوانها، وكان نفوذها يزداد وسيطرتها تتوسع كل يوم، وكانت المدن والمواقع العسكرية تسقط فى يدها الواحدة بعد الاخرى، وكانت هزائم الجيش تتوالى، ومؤشرات انهياره تلوح في الأفق، فاختارت تقدم ذلك الموقف المساند للمليشيا، وفق الاستراتيجية التى اسهب المقال فى تفصيلها. وبعد التغيير الدراماتيكى فى موازين القوى الميدانية لصالح الجيش، بعد الهجوم الواسع الذى شنه فى كافة المحاور، في الشهور الأخير من نهاية العام الماضى ،و تمكنه من استعادة العديد من المدن والمواقع العسكرية، فى كافة المحاور الرئيسية، وتوالى هزائم وانسحابات المليشيا ، وظهور بوادر انهيارها ، قامت تقدم برفع غطائها عنها، باعتبارها رهانا خاسرا، و أصدرت هذا البيان شديد الصرامة فى ادانتها وفى تحميلها مسئولية ارتكاب جريمتها هذه كجريمة حرب وفقا للقانون الدولى.
خلاصة هذا الاستعراض والمقارنات، ان مواقف "تقدم" السابقة او الحالية من جرائم الحرب ومن طرفيها ،لم تكن محايدة بأي حال من الاحوال،فتقدم تموضعت بمواقفها ، طرفا اصيلا في الصراع ،وظهيرا ساند اللمليشا، وشكل غطاء سياسيا لتمرير جرائمها دون توصيفها كجرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية ودون تحميلها اللمسئولية عن ارتكابها، اما موقفها الأخير في بيانها هذا ، والذى انقلبت به على موقفها القديم المساند للمليشيا ،فهولا يعكس التزاما من تقدم بمبادئ العدالة او القانون الدولى بقدر ما يعكس انتهازية تصنع موقفها بناء على الوضع الميدانى ووموازين القوى بين الطرفين. وبالطبع لا يمكننا التغاضى عن تاثير التداخلات والتحالفات الاقليمية والدولية في تشكيل الموقف الأخير للتحالف وذلك شان اخر وموضع لقراءات أخرى .


joejo714@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • جرائم العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي في مثل هذا اليوم 26 مارس
  • جرائم تكشفها الصدفة.. بطاقة بريدية تحل لغز جريمة قتل
  • الحوثيون يطالبون السعودية بتنفيذ شروط السلام بعد 10 سنوات من الحرب
  • جرائم العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي في مثل هذا اليوم 25 مارس
  • جرائم تكشفها الصدفة.. طفل يكشف جريمة عمرها 30 عامًا
  • قراءة في موقف تقدم من جرائم الحرب .. هل كانت ظهيرا سياسيا للمليشيا.؟
  • وزير الشباب يُكرم أعضاء الوفود الدولية في مؤتمر فلسطين
  • جرائم العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي في مثل هذا اليوم 24 مارس
  • مركز عين الإنسانية يستهجن صمت المجتمع الدولي تجاه جرائم أمريكا في اليمن
  • الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني تدين جريمة استهداف الصحفيين