مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024، برزت السياسة الخارجية والحرب في غزة والدعم الأمريكي لإسرائيل كقضايا محورية، فيما تسابق المتنافسان كاملا هاريس عن الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، في إحياء ذكرى 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وزرعت هاريس شجرة تذكارية في مقر إقامتها بواشنطن، بينما التقى ترامب بزعماء يهود في موقع قبر مقدس بنيويورك، مكرراً حديثه بأن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يكن سيحدث لو كان موجودا في منصب الرئيس الأمريكي.

وكان ترامب، قد انتقد بايدن وهاريس بسبب تعاملهما مع المنطقة، متهما الرئيس الحالي بامتلاك "أسوأ سياسة خارجية" في التاريخ"، فيما قالت حملته إنه "من الضروري إعادة انتخاب ترامب حتى يتمكن من إنهاء إراقة الدماء".

وتشير المعطيات إلى أنه رغم حرص المتنافسين على إبراز مواقفهما من القضايا الداخلية التي تهم الناخب الأمريكي، إلا أنهما يدركان الأولوية للقضايا الخارجية لا سيما أنها تأتي في الوقت الذي تشهد منطقة الشرق الأوسط تهديداً لحرب إقليمية أوسع، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.


"إنه الاقتصاد يا غبي"
في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1992 بين بيل كلينتون وجورج بوش الأب، كان الأخير يركز على السياسة الخارجية والتسلح"، في الوقت الذي كان يعاني فيه الأمريكيون من أوضاع اقتصادية صعبة، لتأتي حملة كلينتون وتخرج بالعبارة الشهيرة "إنه الاقتصاد يا غبي"، وتكون حاسمة لفوزه بالانتخابات.

وفقاً لمنطق حملة كلينتون في ذلك الوقت، فإن الانتخابات الرئاسية تحسم من خلال قضايا أساسية، تتمثل بالسياسة الداخلية وليس السياسة الخارجية.

وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة صوابية رؤية حملة كلينتون، فوفقاً لمجلس شيكاغو للشؤون العالمية، يعتقد ما يقرب من 60% من الناخبين إن الاقتصاد والتضخم سيشكلان إلى حد كبير ترجيحاتهم في نوفمبر/تشرين الثاني، في حين يقول أقل من 20% نفس الشيء عن الحروب الجارية في غزة وأوكرانيا.


لكن حملة كلينتون في ذلك الوقت، ورغم أن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية ليست البارزة في السياسة الأمريكية، كانت تعتقد بأهمية خلق قضية من شأنها أن تثير غضب بوش الأب، وتقوض سمعته كشخص يتمتع بالكفاءة في التعامل مع الشؤون العالمية.

وعلى هذا وعد كلينتون بتصعيد التدخل الأمريكي في الحرب الأهلية بالبوسنة بشكل يظهر "زعامة حقيقية"، على النقيض من نهج بوش الأب الذي اتسم بعدم التدخل.

في هذا الإطار، أوضحت مساعدة كلينتون نانسي سودربرج، أن "ما ينبغي عليك أن تفعله هو أن تثبت أنك قادر على مواجهة الرئيس الحالي في مجال السياسة الخارجية، وأنك لست خائفاً من تحدي آرائه"، ولذلك فإنه يمكن تفسير تصريحات ترامب وانتقاداته المتكررة لبايدن بشأن الصراعات الخارجية، وتصديره لنفسه بشأن التعامل معها.


لكن التاريخ يثبت أيضاً أن السياسة الخارجية ليست غير ذات صلة بالحملات الرئاسية، فحتى لو كان الناخبون يعلقون أهمية محدودة بشأن القضايا الخارجية، فإنهم يريدون التأكد من أن المرشحين لائقين للعمل كقائد أعلى للبلاد، بحسب تحليل لـ"فورين أفريز" الأمريكية.

حيث يعتقد الأمريكيون أنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك زعيم قوي قادر على الصمود في وجه التحديات التي يفرضها عليه الخصوم، فيما يستغل المرشحون للرئاسة سمعتهم كزعماء أقوياء للفوز بأصوات الناخبين من خلال استخلاص التناقضات البارزة لخصومهم بشأن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية، ويبني آخرون سمعتهم بالحملات الانتخابية من خلال اتخاذ مواقف متشددة بشأن الشؤون الدولية.

وبالنسبة لكلا النوعين من المرشحين، فإن إظهار القدرة على قيادة العالم الحر يلعب دوراً مهماً في جذب الناخبين، ونتيجة لهذا، فإن السياسة الخارجية أكثر أهمية في صناديق الاقتراع.


وعلى سبيل المثال، عندما تحدت إسرائيل الدعوات الأمريكية لوقف إطلاق النار وصعدت من عملياتها العسكرية ضد حزب الله، بدا القلق لدى الإدارة الأمريكية من اتخاذ رد فعل معاكس قد يعرض هاريس والديمقراطيين لاتهامات بعدم كفاية الدعم لإسرائيل في ظل تقارب في استطلاعات الرأي مع ترامب.

المجلة الأمريكية أوضحت أن الحزب الديمقراطي يشهد ما اكتشفه الرؤساء الأمريكيون هاري ترومان، وليندون جونسون، وجيمي كارتر، أن "السياسة الخارجية هي منطقة محفوفة بالمخاطر السياسية، حيث يمكن للصراعات غير المحلولة والأزمات غير المتوقعة أن تلحق ضرراً كبيراً بالحملات".

نماذج سابقة من حملات المتنافسين بشأن السياسة الخارجية
ولا تعد مواقف المرشحين بشأن القضايا الدولية الاعتبار الرئيسي للناخبين عندما يتم الحديث عن فاعلية المرشح الرئاسي، في استطلاعات الرأي، وعلى سبيل المثال خلال الحملة الرئاسية لعام 2020، عندما طُلب من الناخبين توضيح سبب اعتقادهم بأن بايدن أو ترامب أيهما الأفضل في التعامل مع السياسة الخارجية، ركزوا في شرحهم على السمات الشخصية لكليهما، مثل القوة والحسم والذكاء، بدلاً من التعليق على مواقفهم السياسية.

في الانتخابات التي جرت عام 1952، والتي جاءت في ذروة الحرب الكورية، وعد المرشح الجمهوري دوايت أيزنهاور بأنه "سيذهب إلى كوريا" إذا انتُخب.

بحسب المجلة الأمريكية، فإن أيزنهاور لم يكن مضطراً للشرح للناخبين ما الذي سيفعله بكوريا، لأن سجله العسكري منحه مصداقية في التعامل مع قضايا الأمن القومي، لذلك كان التفضيل له على حساب منافسه الديمقراطي أدلاي ستيفنسون بشأن التعامل مع الصراع.

الأسلوب ذاته استخدمه ريتشارد نيكسون أثناء حملته بالانتخابات الرئاسية في عام 1968، ضد خصمه الديمقراطي هيوبرت همفري، والتي جرت في خضم حرب فيتنام، حيث أشار إلى أنه كان لديه خطة سرية لتحقيق "السلام مع النصر" في فيتنام، فلم يكن الناخبون على علم بتفاصيل الخطة، وأظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين يعتقدون بأن نيكسون هو الزعيم الأقوى في إدارة الحرب.


وفي موقف لافت، قام جون كينيدي خلال حملته الرئاسية لعام 1960 باقتراح زيادة كبيرة في القدرات العسكرية الأمريكية لسد الفجوات بشأن القدرة الصاروخية مع الاتحاد السوفيتي، ولكن استطلاعات الرأي أظهرت أن ربع الأمريكيين فقط يؤيدون الزيادة في ميزانية الدفاع، ومع ذلك كان وعده بـ"دفع أي ثمن، وتحمل أي عبء لتعزيز الزعامة العالمية للولايات المتحدة"، قد ساهم في جذب الناخبين له.

ما أولوية الناخبين في أوقات التهديدات؟
يشير تحليل المجلة الأمريكية، إلى أنه في أوقات التهديدات المتزايدة، فإن الناخبين يولون أهمية أكبر لانتخاب قادة أقوياء، وهذا الاتجاه مهم لفهم الحملة الرئاسية لعام 2024، والتي تجري وسط حروب كبرى مستمرة في أوكرانيا والشرق الأوسط، ومع زيادة النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة على المحك في المنافسة الدولية.

كما أن افتتاح المناظرة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس، بشأن السؤال حول إيران توضح إلى أي مدى دخلت الاضطرابات العالمية الحالية في الخطاب السياسي الأمريكي.

وفي العام 2024، سوف يدلي الناخبون بأصواتهم على أساس تقييمهم لقوة المرشحين كزعماء، وبالنسبة لترامب وتبنيه لفكرة "السلام من خلال القوة"، هي بلا شك الرسالة الأمنية الوطنية المركزية لحملته، ورغم أنه يظهر متمردًا لا يتقيد بالأعراف، فإن نهجه في السياسة الخارجية يتبع مسارًا مستمرًا جيدًا في السياسة الرئاسية.

أما التحدي الرئيسي الذي تواجهه هاريس في السياسة الخارجية كمرشحة هو إثبات قدرتها على تقديم نوع من الزعامة القوية التي يطالب بها الأمريكيون من قائدهم الأعلى.


ومؤخراً أظهر استطلاع حديث أجراه معهد الشؤون العالمية في الولايات المتأرجحة، بأن ترامب يتقدم بثماني نقاط في مسألة "أي مرشح سيكون زعيمًا أقوى في الشؤون الدولية".

ويشير التحليل في "فورين أفريز" إلى أن هاريس إذا أرادت إقناع الناخبين، فقد تحتاج إلى تقديم المزيد من التفاصيل حول رؤيتها للتعامل مع التحديات العالمية المعقدة، وهو أمر ذو أهمية لجذب دعم الناخبين.


وكان اللافت أن هاريس انتقدت استمرار الحرب على غزة، وقد يساعد هذا النهج في الفوز بأصوات الناخبين في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان، التي تضم أعداداً كبيرة من التقدميين والأمريكيين العرب.

ومع ذلك، فإنه على المستوى الوطني، قد يؤدي هذا التوجه إلى تعريض هاريس لاتهامها بالفشل في دعم إسرائيل أو استرضاء حركة حماس.

إلى ذلك، فإن هاريس تواجه معادلة معقدة في ميشيغان، حيث يظهر الناخبون العرب علامات تشير إلى تخليهم عن البطاقة الديمقراطية، في حين يشعر بعض اليهود بالقلق بشأن مستقبلهم في الحزب الذي احتضنته أسرهم لأجيال، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

ولا يوجد مكان آخر تكون فيه هذه التوترات أكثر أهمية من الناحية السياسية مما هي عليه في ولاية ميشيغان، وهي ولاية حاسمة في المعركة وتضم عدداً كبيراً من الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين، والذين يشعرون بالغضب إزاء دعم إدارة بايدن لإسرائيل في حربها على غزة والآن في لبنان، ويتزايد هذا الشعور مع انتشار القتال في كافة أنحاء الشرق الأوسط قبل أقل من شهر من يوم الانتخابات، وهو بمثابة إشارة تحذير لهاريس.

ويظهر استطلاع صادر عن المعهد العربي الأمريكي، تعادل ترامب مع هاريس في ولاية ميشيغان، حيث حصلت نائب الرئيس الأمريكي على نسبة 42%، أما الرئيس السابق فقد حصل على نسبة 41%.

وبحسب المعهد العربي الأمريكي، فإنه بالنسبة للعديد من الناخبين الشباب والعرب الأمريكيين، فإن هاريس فشلت في معالجة مخاوفهم بشأن غزة بشكل كامل.

ومع دخول الحملة الانتخابية مراحلها النهائية، يبدو أن المأزق السياسي الذي تواجهه هاريس بشأن الشرق الأوسط قد يزداد تعقيداً، لأسباب عدة أبرزها أنه مع نهاية فترة بايدن، فإن الرئيس الديمقراطي يفتقر إلى النفوذ اللازم لإنهاء الأعمال العدائية، كما انتقد ترامب دعواته لإسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار بغزة، وتعهده بدعم إسرائيل، الأمر الذي يزيد من تقليل تأثير الضغوط الممارسة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.


كما تعاني هاريس من الفجوة في الآراء المتضاربة داخل حزبها، بشأن الحرب على غزة والتطورات في الشرق الأوسط، مما يترك المجال لترامب لتحميلها مسؤولية التفاقم في التوترات الإقليمية، دون تقديمها لرؤية واضحة حول كيفية معالجة ذلك.

في المقابل، فإن ترامب يأمل أن يعزز تركيزه على الشرق الأوسط شعبيته بين الناخبين اليهود، وهم الناخبون الذين صوتوا تاريخياً لصالح الديمقراطيين، وخلال المناظرة التلفزيونية معها، اتهم هاريس بأنها "تكره إسرائيل".

وعليه فإن المخاوف بشأن القضايا المحلية مثل التضخم والهجرة رغم أنها ستظل في صدارة أذهان الناخبين في انتخابات 2024، إلا أن الديمقراطيين والجمهوريين بحاجة للنضال من أجل كل صوت يمكنهم الحصول عليه، وبذلك فإن الحكمة التقليدية القائلة بأن الانتخابات تدور حول "الاقتصاد فقط، يا غبي" تتجاهل ذلك التأثير الذي ستحدثه السياسة الخارجية في الانتخابات.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

لماذا عاد ترامب إلى المفاوضات مع إيران؟

انتهت جولة المفاوضات الأولى بين طهران وإدارة الرئيس ترامب، والتي انعقدت في عُمان بعد ستّ سنوات من انسحاب الرئيس ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 أثناء عهدته الرئاسية الأولى. ذلك الاتفاق الذي انعقد بين إيران ومجموعة 5+1 (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) في العام 2015.

الجديد في الأمر، ليس فقط المفاوضات في حد ذاتها على أهميتها، وإنّما مبادرة ترامب بإرساله رسالة إلى طهران عبر دولة الإمارات العربية، يحث فيها القيادة الإيرانية على التفاوض، وإن كانت بلغة التهديد والوعيد، وهو أسلوبه الذي اعتدنا عليه مؤخرًا.

ترامب بدأ الاتصالات مع طهران، وتم تحديد موعد ومكان انعقاد المفاوضات، في عُمان يوم السبت الماضي 12 أبريل/ نيسان، وبشكل عاجل استدعى ترامب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في 7 أبريل/ نيسان، وأبلغه بالاتصالات الجارية مع طهران، وأنه عازم على المضي في مسار المفاوضات كأولوية على الحرب التي يرغب بها نتنياهو والمحرّض عليها، وهو الذي ساعد في دفع الرئيس ترامب في عهدته الرئاسية الأولى على الانسحاب من الاتفاق النووي الذي باركه باراك أوباما في حينه.

بدا نتنياهو في زيارته الثانية إلى البيت الأبيض غير مرتاح في لقائه مع ترامب أمام الصحافة، فكان قليل الكلام، مشيرًا في ذات الوقت إلى أنه يأمل أن يتم التعامل مع المشروع النووي الإيراني، كما تم التعامل مع المشروع النووي الليبي عام 2003؛ أي تفكيك كامل أجزاء المشروع ونقله وأجهزة الطرد المركزي إلى الولايات المتحدة الأميركية.

إعلان

بشأن الملف النووي الإيراني، تماهى الرئيس ترامب سابقًا مع الرؤية الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو بالانسحاب من الاتفاق، وفرض عقوبات شديدة على إيران، مع أن الاتفاق كان عمليًا ينزع قدرة طهران على صناعة قنبلة نووية، وفقًا لقيود وشروط الاتفاق الموقّع، ولطبيعة الرقابة الدولية المشدّدة على المشروع النووي الإيراني.

لكن ترامب عام 2018، كما الاحتلال الإسرائيلي، رأوا أن ذلك الاتفاق أعطى طهران ميزات اقتصادية برفع العقوبات عنها، ما عزّز نفوذها وقوّتها في الإقليم عبر حضورها من خلال الحرس الثوري، وتحالفاتها السياسية، ودعمها لأصدقائها في العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، الأمر الذي كانت تنظر له تل أبيب بقلق، لا سيّما قوّة حزب الله المتنامية في لبنان.

الآن وبعد ستّ سنوات من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، حدثت جملة من المتغيّرات الخاصة بطهران وحلفائها، حفّزت إدارة ترامب على الشروع بالمفاوضات التي كانت تراها سابقًا غير مجدية، ومن تلك المتغيّرات:

فقدان طهران لحليفها بشّار الأسد، وخسارتها سوريا كدولة حليفة بعد نجاح الثورة ضد نظام الأسد، يعدّان خسارة إستراتيجية من العيار الثقيل لإيران، فسوريا لها ثقل سياسي وجغرافي شرق المتوسّط، ونظام الأسد المخلوع كان حليفًا لروسيا صديقة طهران، ناهيك عن العلاقات الوثيقة مع حزب الله اللبناني الذي كان يتنفّس من خلال سوريا ويتغذّى على خطوط الإمداد عبر أراضيها. ضعف حزب الله اللبناني، بعد معركة طوفان الأقصى – التي شارك فيها عبر الإسناد الناري لغزّة، حيث وجّهت له إسرائيل ضربات أمنية عسكرية مباغتة قضت فيها على أعداد كبيرة من قيادات الصفَّين؛ الأول والثاني، وفي مقدمتهم الأمين العام السيد حسن نصر الله – شكّل أيضًا خسارة كبيرة لإيران التي استثمرت في الحزب ولبنان سياسيًا وأمنيًا على مدار عقود خلت. إعلان

فحزب الله كان شوكة في حلق إسرائيل، وقوّته استثمرتها إيران في حساباتها السياسية والتفاوضية بشأن مشروعها النووي مع أميركا الحليف والراعي الإستراتيجي لإسرائيل المحتلة.

استهداف الولايات المتحدة الأميركية لليمن وللحوثيين أصدقاء طهران؛ فالبحرية الأميركية استهدفت خلال شهر من انطلاق العمليات العسكرية ضد اليمن أكثر من 300 هدف، وما زالت عمليات القصف مستمرّة، في محاولة لتحييد اليمن عن إسناد غزّة، وحرمانه القدرة على تهديد الملاحة الأميركية والإسرائيلية عبر بحر العرب والبحر الأحمر.

قصف اليمن في حد ذاته يحمل أيضًا رسالة إلى طهران، بأن واشنطن جادّة في استخدام القوّة العسكرية، في وقت تكثّف فيه حضور قطعها البحرية وحاملات الطائرات، وسلاح الجو عبر قواعدها المنتشرة في المنطقة.

إذن الرئيس ترامب يستثمر في ضعف إيران، وقوّة الولايات المتحدة الأميركية لينزع من طهران ما يستطيع عبر المفاوضات وتحت التهديد المباشر، الأمر الذي تستشعره القيادة الإيرانية، وتدرك خطورته في ظل محدودية خياراتها، واقتراب النار من جغرافيتها السياسية، بعدما كانت تقاتل في حدائق خلفية وعبر بلدان مجاورة أو بعيدة عنها.

ملفات شائكة

بالنظر إلى جدلية العلاقة بين طهران وواشنطن، وتقاطع وافتراق المصالح بينهما، يمكن رصد ثلاثة ملفات شائكة بين الطرفين، وهي:

أولًا: الملف النووي الإيراني

تطمح واشنطن في تفكيك المشروع النووي الإيراني، كما يطالب نتنياهو بتفكيكه ومصادرة كامل أجزائه إلى خارج الأراضي الإيرانية في حالة مشابهة لتفكيك المشروع النووي الليبي، لكن طهران في المقابل تتمسك بمشروعها النووي لأغراض سلمية، وتبدي استعدادها لإعطاء واشنطن ضمانات بألا يُستخدم لأغراض عسكرية، أو في صنع القنبلة النووية، كما جاء على لسان الرئيس الإيراني بازشكيان في 9 أبريل/ نيسان.

إعلان

وإذا قبلت واشنطن بالمقاربة الإيرانية، فما هي القيود والشروط التي ستضعها واشنطن ليبقى المشروع سلميًا، وما هو الثمن الذي ستطالب به طهران مقابل ذلك، وما هو موقف إسرائيل، وبنيامين نتنياهو من تلك الشروط والشروط المضادة؟

ثانيًا: الصواريخ الباليستية ومنظومة تصنيعها

جدلية أخرى بين الطرفين؛ فطهران تعتبر الصواريخ الباليستية وسيلة إستراتيجية ردعية، وقد استثمرت فيها الكثير من الجهد والمال والبنى التحتية، ومن غير المرجّح أن تقبل إيران التنازل عن هذا الملف، لأن التنازل عنه سينزع منها أحد أهم معالم قوّتها الإستراتيجية في الإقليم بعد خسارتها في سوريا، ولبنان، وربّما لاحقًا في اليمن، والعراق، إذا نجحت الضغوط الأميركية على بغداد والحوثيين في اليمن، وهما ملفّان مفتوحان.

وهنا لا بدّ من استحضار أثر موقف إسرائيل في هذا الشأن، وهي التي تلقّت ضربة صاروخية كبيرة من إيران بمئات الصواريخ، بما في ذلك صواريخ فرط صوتية طالت قواعد عسكرية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، في عملية نوعية أسمتها إيران "الوعد الصادق 2″، أثناء معركة طوفان الأقصى.

ثالثًا: نفوذ إيران وشبكة حلفائها

إحدى نقاط قوّة إيران، والتي تزعج واشنطن وتل أبيب وأصدقاءهما في المنطقة، قوة نفوذها وتأثيرها عبر شبكة من الحلفاء والأصدقاء في العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وعموم المنطقة.

من غير المستبعد أن تطالب إدارة الرئيس ترامب بنزع سلاح حزب الله اللبناني (توقّف إيران عن دعم حزب الله بالسلاح وتقنيات التصنيع)، وبتغيير واقع الفصائل الشيعية الموالية لإيران في العراق التي لها حضور رسمي في الدولة، وميزانيات وقواعد عسكرية رسمية ومستقلة بشكل ما في ظل الدولة العراقية، هذا ناهيك عن المطالبة بوقف دعم الحوثيين في اليمن.

في المقابل إيران ليس لها مصلحة في ذلك، وهي دولة ماهرة في التفاوض، ولطالما لعبت على حبل الزمن، وترويض الخصم المفاوِض، فهل ستحني رأسها تكتيكيًا بشأن دعم حلفائها، أم ستضطر لتغيير سياستها إستراتيجيًا أمام رئيس أميركي قصير النفس، ويحب الإنجازات السريعة، ويفاوض بسقوف مرتفعة، مشفوعة بقوة الولايات المتحدة الأميركية العسكرية والاقتصادية؟

إعلان خيارات إيران

في هذا السياق خيارات إيران صعبة ومحدودة ومنها:

الاستسلام لشروط ترامب، والانكفاء على نفسها، مقابل رفع العقوبات عنها، والانشغال بأوضاعها الداخلية بعيدًا عن نفوذها الإقليمي القوي عبر الحرس الثوري، وهذا أمر مستبعد، وفقًا لعقيدتها السياسية وتجربتها التاريخية. المناورة مع واشنطن؛ بحيث تقبل بوضع قيود على مشروعها النووي لإبقائه مستخدمًا لأغراض سلمية. إضافة إلى التعهّد بعدم استهداف إسرائيل عبر منظومتها الصاروخية، كما حصل في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ما دام أن إسرائيل لم تقم بانتهاكات مستفزّة لها.

أما فيما يتعلّق بشبكة حلفائها في الإقليم لا سيّما في العراق، ولبنان، واليمن، فيمكن لإيران أن تناور بتقليص حجم دعمها لهم، ولكن ستبقى إحدى العُقَد، نزع سلاح حزب الله، كما تريد إسرائيل والإدارة الأميركية، وتحوّله إلى مكوّن سياسي لبناني بلا أسنان عسكرية حادّة يمكن أن تهدّد أمن إسرائيل لاحقًا.

وفي هذا السياق كان لافتًا قول الرئيس اللبناني جوزيف عون للجزيرة (14-4-2025)، بأن هناك حوارًا يجري مع حزب الله بشأن حصرية السلاح، مؤكّدًا أن قرار حصر السلاح بيد الدولة اتّخذ، وتنفيذه يكون بالحوار وبعيدًا عن القوة.

الخيارات أمام طهران صعبة، وهي تسير مع واشنطن على حافة حادّة وزلقة، فهل تنجح في التمسّك بسياساتها ومحدّداتها الإستراتيجية على طاولة المفاوضات، مع شيء من التنازلات والمناورات التكتيكية مع واشنطن، وإغرائها بشراكات اقتصادية بمليارات الدولارات في مجال الطاقة والبنى التحتية في إيران، كما تحدّث بذلك بعض المسؤولين الإيرانيين؟

أم أنها ستبحر في مسار آخر، تغيّر فيه سياساتها الإقليمية الخارجية، وتتخلى فيه عن جزء من قوّتها الذاتية المتعلقة بالمشروع النووي ومنظومتها الصاروخية تجنّبًا للتصعيد ولحماية الذات وبفتح صفقة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية بعد خصومة طال عمرها؟

إعلان

أم أن المفاوضات ستفشل وتأخذنا الأيام إلى تصعيد عسكري غير مرغوب إيرانيًا وعربيًا لما له من آثار اقتصادية وأمنية كارثية على المنطقة؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • خلال جلسة مجلس الوزراء.. ما الذي طرحه وزراء القوات بشأن السلاح؟
  • الخارجية الأمريكية تؤكد: نعمل بشكل نشط من أجل إقامة دولة فلسطينية
  • ناصر الدين: صحة الأمهات وحديثي الولادة عامل حاسم في التنمية الوطنية
  • ترامب وقّع 185 قرارًا تنفيذيًا منذ توليه الرئاسة.. ما الذي شملته؟
  • لماذا عاد ترامب إلى المفاوضات مع إيران؟
  • الخارجية الأمريكية: إدارة ترامب ترفض استخدام "الناتو" كأداة للحروب
  • الخارجية الأمريكية: إدارة ترامب ترفض أن يكون “الناتو” أداة لخوض الحروب أو تمويلها
  • الخارجية الأمريكية: بحث مشترك بين واشنطن والأردن بشأن غزة والضفة
  • الخارجية: حماية المدنيين وعودة غزة إلى الشرعية اختبار حاسم لهذه الأطراف 
  • ارتفاع الأسهم الأوروبية وسط نتائج أرباح متباينة وتفاؤل حذر بشأن الرسوم الأمريكية