دومة وشد الأذن.. ماذا وراء تهمة ازدراء الأديان بحق ناشط مصري بارز؟

بعد مرور نحو عام على خروجه من السجن بعفو رئاسي، يواجه الناشط السياسي المصري، أحمد دومة، اتهامات جديدة تتعلق هذه المرة بازدراء الأديان.

وأصدرت النيابة العامة في حسابها الرسمي على فيسبوك بيانا أشار إلى أنها تحقق في بلاغات "تقدم بها العدد من الأشخاص" وتتعلق بديوان شعري "يتضمن عبارات تحوي اعتداء على الذات الإلهية وازدراء للأديان".

وقالت النيابة إنه بمطالعة الديوان، محل البلاغ، عبر الإنترنت، تبين أنه تضمن هذه العبارات. وطلبت النيابة تحريات الشرطة بشأن الواقعة، وطلبت رأي الأزهر.

وبينما لم يذكر البيان دومة بالاسم، تبين أنه المقصود من البلاغ وفق صحف مصرية، ومحامين تحدث معهم موقع الحرة.

والديوان المشار إليه في البلاغات، وفق دومة وناشطين يحمل اسم "كيرلي"، كان الناشط الذي برز أثناء الاحتجاجات على حكم الرئيس الأسبق، حسني مبارك، كتبه في السجن.

وكتب الناشط الديوان أثناء فترة سجنه على خلفية حكم صدر عليه بالسجن 15 عاما في القضية المعروفة بأحداث مجلس الوزراء. 

وقد سُجن نحو 10 أعوام بدءا من 2013، حتى أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عفوًا عنه في أغسطس 2023.

وفي أول تعليق له على بيان النيابة، كتب دومة ساخرا: "النيابة العامة تنتفض دفاعا عن حقوق المظلومين واحترامًا للقانون .. أخيرًا".

وأثار ديوان "كيرلي" جدلا كبيرا بعد تداول اقتباسات منه على الإنترنت، وفي يوليو الماضي، اعتبر البعض أنها مسيئة للدين الإسلامي، وطلبوا وقف نشره.

وقال الداعية الإسلامي، خالد الجندي، في تصريحات لموقع "الجمهور" إن "المكتوب كفر وخروج من الملة".

ديوان كيرلي

وفي ذلك الوقت، أعلنت دار المرايا، الصادر عنها الديوان، تأجيل حفل توقيعه. وقال مدير الدار يحيي فكري لموقع المنصة إن التأجيل بسبب "الحملة التكفيرية ضد الديوان".

وبعد أكثر من شهرين على هذه الضجة، جاء الإجراء الأخير من النيابة العامة الذي اعتبر دومة أنه "تصفية حسابات" قائلا إن هذا الموقف "ليس له علاقة لا بالديوان ولا بمحتواه، وإنما مجرد استكمال لتصفية وعقاب على موقف أو رأي أو مجمل أعمال"، وفق تصريحاته لموقع "المنصة".

وعلى فيسبوك، أعاد الناشط نشر كلمات "أنا مش كافر" للمغني اللبناني، زياد الرحباني، معتبرا أنها "أفضل تعليق على جنون محاولة محاكمته".

ولم يستبعد دومة أن يكون الإجراء مرتبطا بالذكرى الأولى لهجوم حماس على إسرائيل لأن البيان صدر الساعة 12ليلا قبل السابع من أكتوبر. وكان الناشط شارك في وقفات احتجاجية متضامنة مع غزة من قبل.

المحاميان الحقوقيان، نبيه الجنيدي، وجمال عيد، قالا لموقع الحرة إن ما يحدث لدومة يتعلق بنشاطاته السياسية منذ خروجه من السجن، خاصة ما يتعلق بالوقفات الاحتجاجية المتضامنة مع غزة، بينما قال المحاميان بالنقض، حسن أبو العينين، وأشرف فرحات، إن النيابة العامة تمارس دورها الطبيعي في التحقيق في البلاغات التي تورد إليها.

وقال الجنيدي: "يحاولون الانتقام منه ويتعاملون معه بتعسف بسبب احتجاجات نقابة الصحفيين التي شارك فيها".

وكان دومة، بعد خروجه مؤخرا من السجن، شارك مع ناشطين آخرين في وقفة أمام نقابة الصحفيين، في يناير الماضي، للتنديد بإغلاق معبر رفح ورفع شعارات تضامنية مع غزة.

وبعد أنباء عن اعتقال ناشطين شاركوا في تظاهرة تضامنيه مع غزة ولبنان خلال ذكرى السابع من أكتوبر، الاثنين، في القاهرة، ندد دومة في حسابه على فيسبوك بـ"اختطاف وإخفاء عدد من البنات والشباب في سيارات شرطة رسميّة، دون معرفة مصيرهم حتى الآن، لمجرّد أنهم وقفوا للتضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في القاهرة".

وكتب: "أوقفوا الاختطاف. أوقفوا الإخفاء. أوقفوا الإرهاب".

ألقت قوة من الشرطة بلباس مدني، مساء اليوم، القبض على بضع أفراد تجمعوا أعلى كوبري 15 مايو، فوق نيل الزمالك، حاملين أعلام فلسطين ولبنان، في ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى، وفقًا لفيديوهات حصلت عليها المنصة.
وتظهر في الفيديوهات مجموعة تتكون من نحو 5 إلى 6 أشخاص يرفعون علمي فلسطين… pic.twitter.com/4autx0spWJ

— المنصة (@Almanassa_AR) October 7, 2024

وتعكس آخر منشورات لدومة على فيسبوك اهتماما بالأوضاع السياسية الداخلية والخارجية. 

وقبل أيام، أعلن تضامنه مع الناشط السياسي، علاء عبد الفتاح، الذي تطالب أسرته ومحامون بالإفراج عنه بدعوى انقضاء فترة حكمه.

وكتب دومة عن عبد الفتاح: "أسبوع كامل من استمرار حبس علاء رغم قضائه الخمس سنين المحكوم عليه بيهم. أسبوع كامل ماما حارمة نفسها من الأكل يمكن حد يحس على دمه ويوقف الظلم المستمر على ابنها" في إشارة إلى إضراب والدة عبد الفتاح، ليلى سويف، عن الطعام تضماننا مع نجلها".

الحرية الآن أم في 2027؟.. محامي الناشط المصري علاء عبد الفتاح يوضح للحرة تثير قضية حبس الناشط السياسي المصري البريطاني المسجون، علاء عبد الفتاح، إشكالية الحبس الاحتياطي في مصر وكيفية تطبيقه والقوانين التي تحكم ذلك.

وفي منشور آخر، يصف دومة الإمارات بأنها "عدو": "الإمارات مش مجرّد متخاذل أو مطبّع أو حتى عميل. الإمارات عدو.. لبلادنا وللقضيّة ولثوراتنا ولينا".

وقال المحامي، جمال عيد، في تصريحاته لموقع الحرة إن دومة لم يشارك بقوة في فعاليات تنتقد الأوضاع الداخلية منذ خروجه من السجن، لكنه كان ناشطا في الكتابة عن القضية الفلسطينية، مما أغضب بعض الأشخاص في "اللجان الإلكترونية" الذين تقدموا ببلاغات ضده.

ويرى أن مقدمي البلاغات يمارسون تقليدا كان متبعا أثناء حكم مبارك، وهي بلاغات "الحسبة الدينية والسياسية"، حيث يتقدم شخص ليس له أي مصلحة ببلاغ ضد شخص بزعم إهانة دينه أو وطنه في "محاولة لإسكاته أو تخويفه".

وقال عيد إنه كان على النيابة، قبل أن تحقق في البلاغ، وتطلب رأي الأزهر أن تتأكد من صحة مقدم البلاغ وتعرف ما إذا وقع عليه ضرر.

ويرى عيد أنه "لا يجوز أن يعتبر مقدم البلاغ نفسه وكيلا عن المجتمع فيقول إن ما فعله دومة يهدد المجتمع لأن آخرين ربما لا يرون ذلك".

ويقول المحامي فرحات إن تحقيقات النيابة جاءت بعد ورود بلاغات إليها، وهي تمارس دورها بفحص هذه البلاغات، وإذا ارتأت وقوع جريمة، توجه للشخص اتهامات، وتحيله إلى المحاكمة ، وإذا لم تجد دليلا على اتهامات، فإنها تحفظ البلاغات، ويكون ما حدث هو "مجرد تقديم بلاغات".

ويقول المحامي المصري بالنقض، حسن أبو العينين، في تصريحات لموقع الحرة إن ازدراء الأديان في القانون المصري يعني إهانة المعتقد أو الشعائر الدينية لأي من الأديان السماوية أو اختلاق ما لم يرد بها.

ويشير أبو العينين إلى أن النيابة أحالت البلاغات إلى الأزهر لتحديد ما إذا كانت الألفاظ ازدراء أم لا وبعد ذلك سوف تستكمل تحقيقاتها وتقرر إحالة القضية إلى المحاكمة لو اكتملت أركان جريمة ازدراء الأديان، أو تحفظ البلاغات.

وتنص المادة 98 من قانون العقوبات أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز ألف جنيه (حوالي 20 دولارا) كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".

وتنص المادة 160على أنه "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن 5 آلاف جنيه كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو دين أو احتفال أو رموز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس".

وجريمة ازدراء الأديان وفق فرحات تشمل ركنين: الأول مادي ويتمثل في استخدام أي وسيلة إعلامية لنشر أفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين أو التعدي على الذات الإلهية أو سب الرسل.

ويشير إلى واقعة سابقة لطالبة "أهانت" النبي محمد والحجاب، وغيرها من المعتقدات الإسلامية، على حد قوله.

كما أن الأمر لا يقتصر على الدين الإسلامي، وعلى سبيل المثال، وردت بلاغات من قبل بحق أستاذ الشريعة المعروف، مبروك عطية، بازدراء الدين المسيحي.

 أما الركن الثاني المعنوي، يشير فرحات، فهو وجود قصد جنائي وإرادة حرة لازدراء الدين أو تحقيره أو إثارة الفتن.

ويرى أن الديوان الشعري لدومة تضمن بعض العبارات التي تحمل تعديا على الذات الإلهية.

ويتوقع فرحات أن تقع مسؤولية قانونية أيضا على دار النشر، لأنها طبعت الديوان وجهزته للنشر.

ويقول أبو العينين إن من حق أي شخص أن يتقدم ببلاغ من هذا النوع إذا رأى أنه حدث اعتداء على معتقده، والنيابة هي التي تقدم الاتهامات باعتبارها وكيلة عن المجتمع، بمعنى أن مقدم البلاغ لا يصدر عنه اتهام، والنيابة من تقرر توجيه اتهام أم لا.

كما لا يشترط تقديم عدد معين من الأشخاص ببلاغات لتحقق فيها النيابة، وفق أبو العينين.

وعن السيناريوهات المتوقعة، قال المحامي الحقوقي، الجنيدي، لموقع الحرة إن "كل شيء وارد. قد يقف الأمر عند التحقيق أو قد تصل القضية إلى المحاكمة".

ويرى عيد أن مسار القضية سوف يعتمد على رد فعل دومة، مشيرا إلى أن الهدف ربما إرسال رسالة مفادها أننا "شايفينك (نراقبك)، فإما أن تصله الرسالة، ولم يستمر في صوته العالي ويتم تجميد التحقيق، أو ممكن تدخل القضية في حبس احتياطي ومحاكمة".

ويصف عيد الوضع بأنه "شد للأذن".

ويضيف: "أحمد صوته عالي. هذه البلاغات وسيلة معتادة ضد أي شخص صوته عالي".

ويقول فرحات، الذي قاد حملة تسمى "تطهير المجتمع" تقدمت ببلاغات ضد فتيات ناشطات على "تيك توك" اعتبرت تصرفاتهن مسيئة للمجتمع: "لم نشارك في تقديم بلاغات ضد دومة لكن الغاية تحققت".

المصدر: الحرة