لجريدة عمان:
2024-10-08@21:20:33 GMT

الحوكمة بين الواقع .. والمأمول

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

يؤسفني القول بأن الواقع لا يعكس المأمول من الحوكمة على الرغم من مضي ما يقارب خمس سنوات على انطلاق رؤية عمان 2040 وما يزيد على عشرون سنة من تبني سلطنة عمان مبادئ وقواعد حوكمة الشركات المساهمة العامة.

إن المأمول من الحوكمة تجسد في الرؤية المستقبلية لسلطنة عمان التي أرسى قواعدها صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي تعد بمثابة خارطة الطريق لتحقيق مزيد من التطور والإنجازات والتقدم لتضعنا في مصاف الدول المتقدمة.

والتي كانت الحوكمة جزءا أصيلا في بنيانها، لقناعة راسخة من لدن جلالته بدورها الأساسي في بناء الدولة الحديثة. لذلك اعتمدها- أعزه الله ـ كركيزة أساسية في الرؤية وعلى الجميع سواء كانوا رؤساء في وحدات الجهاز الإداري للدولة أم في مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني العمل على تجسيد توجيهاته على أرض الواقع بكل أمانة وإخلاص حيث أن مواكبة النهج السامي لجلالته فرض عين على الجميع.

وكنا ننتظر من المسؤولين وصناع القرار ورجال الأعمال مواكبة هذا النهج السامي، وأن يكونوا على نفس القدر من الإحساس بالمسؤولية والوعي بمتطلبات المرحلة، والامتثال لتوجيهات ورؤية القائد، بالإسراع في تطبيق الحوكمة والالتزام بمبادئها، ومراعاة القواعد والأحكام التي تفرضها، خصوصا فيما يتعلق بالحد من تضارب المصالح وتعظيم المصلحة العامة على الشخصية.

إلا أن الواقع عكْس ذلك، فهناك بطء الشديد في تبني سياسات الحوكمة لدى الكثير من مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص، الأمر الذي انعكس على أرض الواقع، بإهدار مبدأ تكافؤ الفرص وغياب الشفافية. وربما يعود السبب لكونها ليست من أولوياتها لضعف الوعي لديها بأهمية الحوكمة وفوائدها، وربما ينظر لها البعض على أنها مجرد شعارات أو منهاج أو فلسفة يرددها دون الحاجة الفعلية لتطبيقها، وربما يراها البعض الآخر بأنها تتقاطع مع مصالحهم الشخصية وتعيق أجندتهم الخاصة ولا داعي لها. ومما ساعد على ذلك كله غياب الرقابة الفاعلة والمساءلة والمحاسبة الرادعة.

تعد الحوكمة أحد الأدوات الرئيسة التي مكنت الكثير من الدول لتتبوأ الآن مكانة متقدمة بين اقتصادات الدول المتقدمة، وقد أجمع السياسيون والاقتصاديون ومتخذي القرار وقادة هذه الدول على أنه لا يمكن أن تبقى الحوكمة مجرد فلسفة متداولة ومتغنى بها، بل لا بدّ من أخذ خطوات صارمة وجريئة من أجل تحقيق النتائج والأهداف المرجوة منها.. ولن يتحقق ذلك إن لم يتحلَ كل واحد منا بالمسئولية تجاه الوطن وقائده وأن يعظم مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، ولذلك أنشأت هذه الدول مراكز ومعاهد وهيئات تتبع أعلى سلطة لديها ومعززة بخبراء وكوادر مؤهلة تعنى بغرس مبادئ وقيم الحوكمة وتتمتع بصلاحيات واسعة وباستقلالية وحيادية تامة.

لقد كانت سلطنة عمان من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تبنت حوكمة الشركات من خلال إصدار ميثاق تنظيم وإدارة الشركات المساهمة العامة عام 2002 كأحد الأدوات الرئيسة التي ساهمت في عملية الإصلاح والتطوير لقطاع سوق المال آنذاك، وقد أتت بثمارها على الشركات والمستثمرين، وجاء تأسيس مركز عمان للحوكمة والاستدامة عام 2015م كمبادرة من الهيئة العامة لسوق المال (سابقا) لنشر الوعي لدى باقي الشركات التي لا تخضع لرقابة الهيئة، وساهمت هذه الخطوة في زيادة جرعة الوعي لدى الشركات. إلا أنه، وللأسف الشديد، لم تتقدم مكانة سلطنة عمان في مؤشر الحوكمة العالمي بالقدر الذي يجب؛ وبالتالي لابدّ من تضافر الجهود والعمل على تصحيح المسار ومن أهم هذه الخطوات توسيع اختصاصات وصلاحيات مركز عُمان للحوكمة والاستدامة ليشمل وحدات الجهاز الإداري للدولة وجميع القطاعات الأخرى وليكون الجهة المرجعية المعتمدة ويتمتع بالاستقلالية التامة يفصله عن تبعية الهيئة، وأن يتم تمكينه بالموارد المالية والبشرية.

يجب علينا جميعا حكومة وشعبا المضي قدما خلف القيادة الرشيدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ ومؤازرته في مسيرة البناء والتنمية، كما علينا التحلي بالإيجابية والمشاورة على مواطن الخلل ورفع راية الخطر في وجه التصرفات السلبية المضرة بالوطن والمواطن، والتنبيه لخطورة تجاهل الحوكمة، وضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وصارمة تجاه المقصرين في تطبيقها، من أجل خير عمان ورخاء شعبها، ومن أجل مستقبل مشرق لأجيالها القادمة.

• حامد بن سلطان السمار البوسعيدي

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

يا عيني على السودان

وقفتنا هذا الأسبوع، سوف أتناول فيها دولة عربية تعز عليّ أنا شخصيا وتعز على العرب المخلصين جميعا، فما يحدث فى السودان من فتنة مولعة يندى لها الجبين، فالسودان من أقدم وأعرق دول العالم بصفة عامة والدول العربية والإفريقية بصفة خاصة.

السودان يا سادة فى يوم ما كانت الشطر الثاني لمصر والمصريين، ومن أول الدول العربية التي عمل بها المصريون وخاصة العاملين بوزارة الري المصرية، فكان يتم إرسال المهندسين المصريين والموظفين والعاملين بوزارة الرى المصرية في بعثات لدولة السودان الشقيق، والسودان من أغنى دول العالم بالثروات الطبيعية والأراضي الزراعية الخصبة، فكيف تم إهمال ملف أزمة السودان وتركه لتلك الفتنة تعبث بأطرافه إلى هذا الحد لا أعلم، وملف أزمة السودان هو من أقوى الملفات والاختبارات لجامعة الدول العربية ولمن يهمه أمر السودان بشكل منفرد.

معذرة لا أفهم كيف هذا الملف مستعصٍ على جامعة الدول العربية في مجموعها وعلى الدول العربية الأعضاء بشكل منفرد لكل دولة على حدة، لا أظن أن ملف أزمة السودان صعب لهذه الدرجة وزى ما ذكرت هو اختبار حقيقى للمسئولين بجامعة الدول العربية وللمسئولين العرب.

من لا يستطيع حتى الآن إيجاد الحلول الجذرية لتلك المشكلة فعليه العوض ومنه العوض، وليتركوا لمن يستطيع حل تلك الأزمة وهى سهلة إذا كانت النيات سليمة سواء نيات من بالداخل ونيات من بالخارج والعكس صحيح، فلتجلس قيادات كل طرف كل منهم مع نفسه دون مستشاريه لأنني منذ واقعة الرئيس العراقى الاسبق صدام حسين وأنا أخشى على أى قيادة عربية من بعض المستشارين.

لذلك فليجلس كل طرف بالسودان مع نفسه ودون الرجوع لأحد ممن كان يرجع له سواء بالداخل أو بالخارج ويفكر ما هو العائد والمكاسب والخسائر من استمرار النزاع بهذا الشكل المدمر والمميت وليعلما أن عدوهما الرئيسي منتظر التفوق النسبى لأحد الطرفين حتى ينقض على فلول الطرف المنتصر نسبيا ليجهز عليه وعلى ما تبقى من السودان، لأن أعداء السودان لا يساعدون كل طرف هباء منثورا بل لهدف خبيث.

فلينتبه أطراف النزاع السودانى لما يحاك لهما وللسودان وشعب السودان ولينتبه الشعب السودانى الحبيب، كلمة مخلصة لوجه الله سبحانه وتعالى.

إلى هنا انتهت وقفتنا لهذا الأسبوع أدعو الله أن أكون بها من المقبولين، وإلى وقفة أخرى الأسبوع القادم إذا أحيانا الله وأحياكم إن شاء الله.

مقالات مشابهة

  • فضل الله: ادارج الأندية الرياضية في البورصة يختلف عن الشركات
  • مؤسس Taskedin يكشف أهم عوامل نجاح الشركات الناشئة
  • شاهد القوة الضاربة التي يخشاها الكيان
  • جلسة حوارية حول تمكين الشباب بسلطنة عمان والإمارات
  • مُفتي سلطنة عمان يوجه رسائل في ذكرى طوفان الأقصى
  • يا عيني على السودان
  • محمد بن زايد يصل الأردن في زيارة عمل
  • هل تواجه لبنان نفس مصير غزة؟.. أرواح الأبرياء عالقة في برودة الواقع المدمر.. وحزب الله صامد في وجه العدوان
  • هيئة الاستثمار: حل جميع مشكلات خدمات تأسيس الشركات الأربعاء المقبل